تأخير الأعمال وتعطيلها عادة سيئة تؤثر في الإنسان نفسياً وجسدياً.. خبراء في الإدارة:
المماطلة والتسويف الإداري أكثر القضايا إزعاجاً وانشغال المديرين في الهوامش سبب في تعطيل الكثير من المشاريع
أكد خبراء في الإدارة بأن الإهمال أو المماطلة والتسويف في توفير المعلومات اللازمة للعاملين بشأن القرارات والأهداف والخطط أو في تعطيل بعض الإجراءات والمعاملات من قبل الموظفين والاداريين تجاه المراجعين أو لبعض المشاريع تعتبر أحد أكثر القضايا الإدارية إزعاجاً في وقتنا الحاضر، مشيرين إلى أن الأداء الجيد يتوقف على دقة المعلومات وفهم الخطط والأهداف توقفاً كبيراً، وأوضح الخبراء أن بعض أصحاب القرار غير المنظم أو اللامبالي تجعلهم في قائمة المسوفين أو المهملين الأمر الذي يتعب نفسه ويتعب من يتعامل معهم. وأشاروا كذلك إلى أن انشغال بعض المدراء الدائم في الهوامش يجهدهم ويتعب أعصابهم بما لا يسمح لهم بنقل ذلك إلى الآخرين أو إنجاز معاملات المراجعين أو لا يبقى لهم مزيداً من الوقت لبذله في هذا السبيل. من هنا التقت "الرياض" بالدكتور خالد بن عبدالرحمن السيف عضو مجلس الشورى وكذلك الدكتور هلال بن محمد العسكر أستاذ إدارة الأعمال المكتبية بكلية التقنية بالرياض وعضو الجمعية السعودية للإدارة للحديث حول هذه الظاهرة وبحث طرق الوقاية منها...
تعريف المماطلة والتسويف الإداري
الدكتور خالد بن عبدالرحمن السيف عرف التسويف الإداري بأنه عدم قيام الموظف بأداء إجراء محدد ضمن مهام الوظيفة في الوقت المتاح خلال ساعات العمل، ويأتي التسويف بصور عديدة من الموظف كأن يعد المراجع، بالحضور غداً أو بعد غد أو بعد أسبوع، ليس لأن الإجراء المطلوب اتخاذه يتطلب هذا الوقت ولكن الموظف لا يريد اتخاذ الإجراء. من جانبه عرف الدكتور هلال العسكر ظاهرة المماطلة والتسويف الإداري بأنها تعني التأجيل المتعمد لبعض الأعمال الإدارية المهمة الواجب القيام بها، بحيث يصبح ذلك التأجيل عادة.... وهي عادة سيئة من حيث إنها تؤثر على الإنسان نفسيا وجسميا.. فأغلب المسوفين يعانون من التوتر والقلق والإرهاق... كما أنها تضع الأغلال حول الإنسان وتكبل خطاه وتحول دون تحقيق الأهداف والغايات. فالتسويف مفهوم يعكس رغبة الإنسان في التأجيل أو أحياناً الرغبة في الراحة أو البحث عن الكمال الذي لا يمكن أن يصل إليه الإنسان.. والمماطلة تعني في بعضها عدم الوفاء والالتزام بقول أو فعل، وهنا تلتقي مع التسويف في المعنى والمفهوم.. فيسمى المسوف أحيانا مماطلاً والعكس صحيح. وأشار الدكتور العسكر بأن التسويف والمماطلة كلمتان موجودتان في قاموس كثير من الناس، ولكنهما دائماً وأبداً تلازمان الفاشلين في الحياة والمجتمع.
الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة؟
وهنا قال الدكتور السيف بأن هنالك أسباباً عديدة للتسويف الإداري، أو ما يمكن أن يطلق عليه بالسلوك السلبي من الموظف تجاه المراجع، هذه الأسباب منها ما يقع في حدود إرادة الموظف ومنها ما يقع خارج حدود إرادته، منها ما يقع في بؤرة شعور الموظف، ومنها ما يقع في هامش شعوره، منها ما يقع ضمن عوامل نفسية، ومنها ما يقع ضمن عوامل إحيائية. أما عن رأي الدكتور العسكر فيقول إن كثيراً من الناس يسوفون أو يؤجلون أعمالهم لأن تلك الأعمال غير محببة لهم، ولهذا فإن من المناسب أن يتذكر الإنسان أن الناجحين هم أولئك الأشخاص الذين يفعلون ما يجب فعله.. أما الفاشلون فهم الذين يفعلون ما تهواه أنفسهم دون التزام بموعد أو ضغوط من الخارج تدفعهم لمصلحة العمل أو الناس والمجتمع. وكثيراً ما يخلط الناس في أعمالهم بين الملح والضروري والمهم والعاجل من الأعمال.. وهذا يسبب كثيراً من التسويف أو التأجيل في تلك الأعمال، حيث نقوم بتأدية العاجل من الأمور التافهة ونؤجل الحيوي أو الضروري أو المهم الذي ينبغي إنجازه. ولعل أهم أسباب التسويف أو تأجيل الأعمال هو عدم وجود المهارة والعزم والإرادة على بدء العمل، وعدم وجود خطة وأهداف واضحة لذلك العمل، وربما لصعوبة العمل، أو عدم الرغبة في إنجازه. كما أشار الدكتور العسكر إلى بعض المسببات الأخرى الهامة وعلى رأسها:
@ الكسل: حين تقول لنفسك: "أنا الآن غير مستعد لإنجاز هذا العمل"، إذن لماذا لا أؤجله؟؟؟
@ الأعمال غير المحببة تدفع الإنسان إلى التأجيل وهو السبب الأكثر شيوعا.
@ الخوف من المجهول، إننا نعتبر كل مهمة نكلف بها من المجهول، إذا لم نبدأ بها فإذا بدأنا بها زال الخوف.
@ انتظار ساعة الصفاء والإبداع وهي لا تأتي وحدها يجب أن نبدأ ونبحث عنها
@ الأعمال الصعبة والكبيرة تشجع الإنسان المماطل على تركها ريثما يتاح وقت أطول لإنجازها.
@ التردد والرغبة الملحة في أن يكون الشخص مصيبا دائما.
@ الخوف من أن تخطئ.
@ البحث عن الإنجاز المطلق والأمثل.. والذي لن يتحقق.

أسباب أخرى
من جانبه يرى الدكتور خالد السيف بأن هنالك أسباباً إضافية أخرى لها دور رئيسي في انتشار هذه الظاهرة فيقول: تسبب ضغوطات العمل تعباً نفسياً سرعان ما يتحول إلى تعب جسدي، وهذان العاملان يجعلان الموظف غير قادر نفسياً وجسدياً على أداء مهام الوظيفة، مما يحدو به إلى التسويف ليخرج من الإحساس والتعرض لضغط نفسي آخر يتمثل في القيام بعمل وهو غير مهيأ نفسياً وجسدياً.
أيضاً عدم الإلمام بمهام الوظيفة: قد يكون سبباً في هروب الموظف من مواجهة ما يجهله من إجراءات يجب عليه اتخاذها، فيلجأ إلى التسويف للخروج من الحرج أمام نفسه وأمام الآخر.
وكذلك عدم وضوح الإجراءات وقواعد العمل ففي كثير من المنشآت لا توجد أدلة مكتوبة لإجراءات وقواعد العمل، وإنما يتم الاعتماد على خلفية الموظف واجتهاده، وفي بعض الأحيان يكون الموظف في حيرة من أمره عن أي طريق يسلك في ذلك الإجراء، لذا فهو يهرب من تلك الحيرة ويقوم بتسويف العمل. ويضيف السيف بأنه قد يحمل الموظف قيماً ومواقف سلبية تجاه صاحب العلاقة، لذا فهو يقوم بتسويف العمل، وذلك نوع من الإرضاء لنفسه تمشياً مع تلك القيم والمواقف السلبية التي يحملها تجاه صاحب العلاقة. ومن العوامل الأخرى أيضاً الرغبة في إبراز عجز وتقصير المنشأة فقد يحمل الموظف شعوراً سلبياً تجاه المنشأة التي يعمل فيها، لذا فهو يحاول إظهارها بالعجز والتقصير نحو أداء المهام الموكلة إليها، فيقوم بتسويف العمل، مما يجعل صاحب العلاقة يحمل شعوراً سلبياً تجاه المنشأة وينعتها بالعجز أو التقصير.
الصفات التي تميز المسوفين
يرى الدكتور هلال العسكر في هذا الجانب أن هنالك صفات وخصائص سلبية تميز أصحاب هذه الظاهرة ومنها:
@ أنهم يرغبون في فعل شيء ما بل ويتخذون قرارا بهذا الشأن.
@ عادة ينتهي بهم الأمر لعدم أداء أي شيء لأنهم لم يتابعوا تنفيذ قراراتهم.
@ يدركون ولو جزئيا النتائج السلبية لعدم قيامهم بتنفيذ قراراتهم أي أنهم يعانون.
@ يمتلكون مواهب عالية لاختراع الأعذار لعدم إنجاز ما كان يجب عليهم إنجازه، وذلك في محاولة لكبت ما يسمونه بتأنيب الضمير.
@ يغضبون بسرعة ويتخذون قرارات جديدة.
@ لا ينفذون هذه القرارات الجديدة أيضا وبهذا يماطلون أكثر.
@ يستمرون في تكرار الأشياء نفسها ويسيرون في الدائرة ذاتها حتى تنشأ أزمة لا يستطيعون حلها ومن ثم لا يجدون أمامهم إلا خياراً واحدا وهو إنجاز ما بدأوه.
ويقول العسكر إن أسوأ ما في هذه الصفات هو تحويلها لنمط من الحياة قد لا نشعر به، وذلك بسبب تحويلها إلى عادة؛ إلا أنها بكل أسف عادة سلبية لا تؤدي إلا لمزيد من الضغوط والمشكلات والصعوبات النفسية والإدارية.

دور "الفساد الإداري"
يقول الدكتور السيف بأن الفساد الإداري وهو الغالب في معظم الحالات، وهو داء عضال، يشل كيان المنشأة، وبالتالي كيان فعالية الأداء الإداري والمالي والفني في المجتمع، فهو سرطان الجسد الإداري، حينما يدب فيه فمآل الجسد إلى الفناء، ما لم يتم علاجه بأقسى العقوبات، وإن لم تفلح فالبتر، وما حل الفساد الإداري في مجتمع إلا حلت فيه كل الموبقات، فهو يأتي على كل قيمة دينية واجتماعية ويعطلها ليصل الموظف إلى غايته في الكسب من مركزه وجاهه ووظيفته، وهناك مجتمعات لديها كل الإمكانات المادية، والمكانية والبشرية والإستراتيجية، ولكنها تحبو حبواً في مسيرتها نحو التنمية، وذلك نتيجة لما حل فيها من فساد إداري، وعلى النقيض منها فهناك مجتمعات تفتقر إلى الكثير من عناصر التنمية ولكنها حققت معدلات عالية في النمو والتنمية، لأن السيادة فيها للنظام والتنظيم، ومن جنح إلى الفساد فيها وجد النظام له بالمرصاد.
وفي المجتمعات موظفون ذاع صيت الفساد فيهم بالرغم من محاولتهم الاختفاء والتستر لأن الشاعر يقول:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم

هل أنت مدير ناجح أو موظف مسوف؟
يقول الدكتور العسكر: لتحديد ما إذا كنت قد أصبت بمرض التسويف أم لا“اسأل نفسك الأسئلة التالية التي تحدد الإجابات عليها درجة خطورة المرض واستفحاله:
@ هل أنا من أولئك الأشخاص الذين يخترعون الأسباب أو يجدون الأعذار لتأجيل العمل؟
@ هل أكون محتاجاً دائما للعمل تحت ضغوط شديد لكي أكون كفء ومنتجا؟
@ هل أتجاهل اتخاذ تدابير صارمة لمنع تأجيل أو تأخير إنجاز أي مشروع؟
@ هل أفشل في السيطرة على المشكلات غير ذات العلاقة بالمهمة والمعوقات الأخرى التي تمنع استكمال المهمة؟
@ هل أشعر أحيانا بأنني لا أهتم بإنجاز العمل.
@ هل أكلف الزملاء بأداء عمل من الأعمال التي لا تروق لي؟
@ هل أترك المجال للمواقف السيئة حتى تستفحل بدلا من التصدي للمشكلة في الوقت المناسب؟
إن غلبت الإجابة على هذه الأسئلة بكلمة (دائما) فإن فيروس داء التسويف سيكون قد انتشر في كل أنحاء الجسد، وأن كانت الإجابات الغالبة هي (بعض الأحيان ) فلا يزال هناك متسع من الوقت لتناول الدواء الشافي، أما إن غلبت الإجابة بكلمة (قليلا) فإن الداء لا يزال يمر ببدايات فترة الحضانة، ويمكن تداركه وعلاجه.
ويضيف الدكتور هلال بأن هناك سلوكيات وأفعال تكون أعراضا لمرض التسويف يجب التنبه إليها وتفاديها ومنها:
@ ترك العنان للتفكير بحيث تأخذنا الأحلام أو الذكريات بعيدا عن العمل مثل: التفكير في الإجازة، أو استرجاع ذكريات سابقة..أو التفكير بالنوم.
@ الاستجابة طواعية للعوائق التي تحول دون إنجاز العمل مثل: سيل المحادثات التلفونية اليومية، الزيارات المتكررة التي يقوم به الأهل والأصدقاء نتيجة لعدم تحديد موعد مسبق، متابعة التلفاز لفترات طويلة.. قد يحدث أحيانا أننا لا نترك هذه المعوقات تحدث فحسب بل قد نشعر بالسعادة لوقوعها أحيانا لأنها تأخذنا بعيدا عن عناء العمل والواجبات الأمر الذي قد يؤدي إلى تزايد الارتياح النفسي لمثل هذه المعوقات والوقوع تحت سيطرتها.
@ قضاء فترات طويلة في تناول القهوة والشاي أو وجبة الغداء أو الذهاب في مشوار طويل يستغرق كثيرا من الوقت.
@ تركيز الاهتمام على إنجاز الأعمال الثانوية وغير المهمة بدلا من التركيز على ما يجب إنجازه فقط.
@ قضاء وقت طويل لإنجاز مهمة بسيطة لا تستدعي كل ذلك الوقت.
@ الخوف من الفشل يكون أحيان أحد الأسباب التي تدفع الفرد للتسويف والمماطلة.
والحقيقة أن الخوف هو أكثر الأعراض وضوح وأكثرها تكرارا ويساعد على التفشي السريع لفيروس التسويف والمماطلة، وعندما لا ينجز الإنسان عمله أو يقوم بتأجيله يوما بعد آخر، فإنه يسعى في واقع الأمر لحماية نفسه، وإذا لم يحاول، فإنه وبكل وضوح لن يفشل، إلا أنه في الوقت ذاته، لن يتمكن من إحراز أي نجاح ويجب، ألا يغيب هذا عن بالنا ولو للحظة واحدة.
إن الفشل في مواقف سابقة لا يعني أننا سوف نفشل مرة أخرى، فإن الحياة تتغير دائما، ويجب النظر إلى الأخطاء السابقة كمصادر مهمة لمعلومات في غاية الثراء، وعليه يجب أن نتذكر القول المأثور: "لا خوف ولا خجل من عثرة الحجر" إن المخيف والمخجل هو التحرك أو التعثر على الحجر نفسه مرتين.

كيف نتخلص من هذه الآفة؟

يجيب الدكتور هلال بأن أسهل طريقة للتخلص من التسويف والمماطلة هي ألا ندعها تبدأ من الأساس. وإن الأشخاص الناجحين في حياتهم هم ممن يتحدثون بوضوح وبساطة عن أهدافهم وبذلك تكون أهدافهم قابلة للتحقيق بأسرع ما يمكن لأنهم قد حددوا أهدافهم بطريقة دقيقة متسلسلة ومقسمة إلى أجزاء، مما يجعل عملية إنجاز أهدافهم تسير بأسرع مما نتصور.
الختام
يشير الدكتور خالد السيف في ختام حديثه إلى أن هناك موظفون ذاع فيهم صيت العفة والنزاهة فتركوا اسماً كلما حل فكأنه قارورة عطر، يفوح شذاً عليه وعلى من يؤول إليه من أسرة وأقرباء، لأنهم راقبوا الله في أداء عملهم، وراقبوا ضمائرهم، وخدموا مجتمعهم بما يجب عليهم من وفاء وإخلاص.
من جانبه قال الدكتور هلال العسكر بأنه يدعو لنفسه ختاماً وللقراء الأعزاء أن يجيرنا من هذه الآفة السلوكية الخطيرة المنافية لأخلاقيات العمل والمسؤولية الوظيفية بل وتعاليم الدين، هذه الآفة التي تفقد الإنسان هيبته ومكانته واحترامه وقدرته وهمته وعطاءه وإنجازاته وثقته في نفسه وثقة الآخرين فيه، وتجعله صغيرا في عيون الناس، مذنبا في حق الله ثم في حق نفسه وحقوق الآخرين، وأسأله جل جلاله أن لا يجعلنا لا من الموظفين ولا حتى من المديرين المسوفين والمماطلين..