للوهلة الأولى ربما يجيب أغلبنا عن السؤال بنعم باعتبار أن أبناء الوطن أحق من غيرهم في العمل وبالتالي لا بد من بحرنة كل المجالات التي يمكن بحرنتها ليستفيد المواطن من الفرص الوظيفية المتوفرة ونقلل من انتقال أموالنا إلى الخارج عبر العمالة الأجنبية . غير أن رأيا مخالفا لهذا الرأي ربما يكون صادما أو غريبا أجد نفسي متحمسا له ، حيث العمالة المواطنة الكاملة ليست في صالحنا دائما .
كغيري من أبناء هذا الوطن وربما بشكل مبالغ فيه أتحمس للبحريني ليعمل في كافة المجالات وأوافق الجميع على أن الحق في الوصول إلى الوظائف هو للبحريني بل لعلي لا أتردد عن القول إن البحريني بطبيعته موهوب ويمتلك من القدرات ما يمكن أن يحقق معها الإبداع في مختلف المجالات التي يعمل فيها وأنه قابل للتدرب وفي أوقات قصيرة ويشكل قيمة مضافة للعمل ( طبعا إذا ما دشته العيارة كما يحدث للأسف في أوقات غير قليلة )، ولكنني أعتقد أن غياب غير البحريني عن أي مجال يؤثر عليه سلبا لا إيجابا . كيف ؟
كمثال توضيحي أقول إنني أستطيع أن أجزم أن المدرسين الإماراتيين ( غير أولئك الذين اختاروا التدريس كوظيفة فقط ) من العاملين في مختلف مدارس دولة الإمارات العربية المتحدة يمتلكون قدرات عالية ومميزة ويحققون نتائج طيبة في عملهم وهم قادرون على الإبداع والعطاء غير العادي ، والسبب في اعتقادي أن هؤلاء عملوا في المدارس إلى جانب خبرات كثيرة وفدت إلى الإمارات وعملت في مدارسها من مختلف البلاد فاكتسبوا منهم الكثير ، و أكاد أجزم أن المدرسين من أبناء الإمارات قادرون اليوم على المساهمة بفاعلية في تطوير العملية التعليمية وإدارتها حتى لو قلت مساهمة المدرسين الوافدين و دون أن تتأثر العملية التعليمية ، فوجود مدرسين من مختلف دول العالم يحملون خبرات متنوعة أدى إلى تراكم الخبرات لدى المدرسين من المواطنين ، وهذه الخبرات لم تنتقل إلا من خلال الاحتكاك والتفاعل .
وهكذا الأمر في مختلف المجالات التي دفعت الظروف أصحاب الخبرات من كل مكان للعمل في أي بلاد وفي أي مجال للرحيل إلى الإمارات فمن دون هذا ربما لم يكن يستطيع أهل البلاد تطوير قدراتهم والعطاء والإبداع والانتقال بوطنهم إلى مصاف الدول الفاعلة والمؤثرة .
ومع ملاحظة الفارق بين ظروف البحرين والإمارات حيث كثير من المجالات في البحرين بها عناصر مواطنة منذ زمن غير قصير أثبتت قدراتها إلا أنني أرى أن الاستغناء بشكل تام عن الخبرات القادمة من الخارج يؤثر سلبا على العمل رغم أنه يعطينا شيئا من الزهو عندما نقول إن البحرنة في هذا المجال أو هذه المؤسسة هي بنسبة 100 % .
إن لم أكن مخطئا فإن مثل هذا الرأي طرحه قبل سنين الدكتور علي فخرو عندما كان وزيرا للتربية والتعليم ولعلي تبنيته منذ ذلك الحين ثم لمست أهميته عندما عملت في دولة الإمارات لاحقا ، فوجود بحرينيين فقط في مجال عمل ما يعني أن الجميع سيتبادل نفس الخبرات المحدودة بينما لو تم تطعيم الفريق العامل بعناصر أخرى يحمل أصحابها خبرات طيبة في مجال تخصصهم فإن الأمر سيكون مختلفا وسيكون الناتج أفضل حيث تنتقل تلك الخبرات من الوافدين إلى المواطنين الذين يمكنهم بالتالي قيادة المجال وتحقيق النجاح فيه والإبداع .
في مجال العمل الصحافي شهدت تطور شاب بحريني بدأ العمل الصحفي قبل نحو ثلاث سنوات ، لم يكن يمتلك سوى الاستعداد والرغبة للعمل في هذا المجال ، وكان حظه أن التحق بقسم صعب لكن رئيسه وأحد زملائه كانا من الوافدين من ذوي الخبرة في المجال فاكتسب منهما الكثير لأراه قبل فترة وجيزة وقد تم تكليفه القيام بأعمال رئيس القسم ولأراه أيضا ينجح في المهمة التي أوكل إليها .
من دون تردد أقول إن هذا الشاب ما كان له أن يحقق كل هذا النجاح لو أن القسم كان يعتمد فقط على عناصر محلية حتى لو كان بينها بعض الخبرات ، وما حدث يؤكد أهمية وجود خبرات من الخارج وكذلك أهمية وجود الجو المناسب الذي يؤدي إلى انتقال الخبرات عبر الاحتكاك المتواصل .
لست أشكك في قدرات البحريني فأنا من الذين يدعون أنه لا يوجد بحريني غير موهوب أو غير قادر على العطاء والإبداع ولكنني أدعي وجود بحريني أقل خبرة في مجال معين وأدعي أن هذه الخبرة تتوفر بوجود عمالة وافدة تمتلك الخبرات التي تضاف إلى بقية العوامل لتنتج عاملين مهرة معطائين .
وكي لا يؤدي ما أطرح هنا إلى نقاش غير مفيد أقول مسبقا إن المقصود هو أن الإبداع في العمل وتطويره يمكن أن يتم لو كان البحرينيون يشكلون نسبة 100 % ولكنه في هذه الحالة لا يكون بالمستوى الذي يمكن أن ينتج عن وجود خبرات وافدة إلى جانب الخبرات المحلية.
أنحاز دائما إلى البحريني وأتمنى كأي مواطن أن تكون نسبة البحرنة في أي مجال 100 % ولكنني أرى أن العنصر غير المحلي يمكن أن يسهم بفاعلية في تطوير العمل وإكساب العنصر المحلي الخبرات التي يحتاجها ليعطي ويبدع ، ولست أبالغ إن قلت إنه حتى بعد اكتساب البحرينيين في أي مؤسسة وفي أي مجال الخبرة اللازمة فإنني أفضل وجود نسبة ولو ضئيلة من غير البحرينيين فالعمالة المواطنة الكاملة ليست في صالح العمل دائما.