من أجل الحياة
قصيرة هي الحياة، مهما بدت مغرية ومهما بدت طويلة عند البعض تظل قصيرة عند العاقل، كم سنعيش من السنوات خمسين او حتى ستين عاما، نقضي عشرون منها بين طفولة ومراهقة لا نستشعر إلا ظاهر الأشياء ولا نتذوق إلا طبقة السكر الخارجية فقط دون ان نغوص في حقائق الأمور ودون حتى أن نعرف طعمها الحقيقي، ونقضي منها عشرون أخرى بين الكبر والعجز والضعف والمسئولية، فلا يبقى عمرا نحياه إلا عشرون الشباب، فلماذا يسعى بعضنا لأن يضيعه في التفكير وفي التردد والألم والخوف والرجاء.
الحياة أقصر من ان نضيعها في التفكير في أمور لا طائل منها، نختلف مع البعض او نتفق، احيانا حتى نختلف مع انفسنا او نتفق، أين المشكلة؟، لماذا نأخذ وقتا اطول مما ينبغي حتى نقتنع بأنه لا سلطة لنا ولا سلطان على هذه الحياة، هناك رب يدير لنا امورنا ويقرر لنا مصائرنا، فعلام التفكير والجهد والعناء، نعم علينا ان نعمل، نعم علينا ان نطور من انفسنا ونتغير حينما تطلب منا الحياة ذلك، لكن بشرط ان يكون هذا بقدر مناسب لا يزيد ولا يقل، أما النتائج فعلمها عند ربي وما دام علمها ليس عندي فلا أكثر من انساها واتركها لخالقها ولا أنشغل بها.
من أجل الحياة .. إنساها، لا تعيش فيها أكثر مما تحتمل، تنعم بما حولك من نعم، فإدراكك لما حولك من نعم ليس هو مفتاح رضائك عنها وانما استشعارك لما ستكون عليه من دونها هو اهم المفاتيح لتدرك قيمتها، أيضا انظر لغيرك والذي لم ينعم الله عليه بأي من هذه النعم، كيف هي حياته والى ماذا وصلت، ستدرك حينها قيمة الأشياء، الإنسان عدو لنفسه وإلا ما كانت النفس لتكون أمارة بالسوء، فانتصر على نفسك وانتصر على ذاتك وتذكر ان الدنيا لو اجتمعت لإسعادك ما تحققت لك السعادة إلا لو رضيت بما قسمه الله لك.
نعم نتمنى ان نكون الأفضل، نعم نريد ان نكون مع من نحب، نعم من حقنا ان نرجو أن تكون حياتنا أكثر بهجة وسعادة، لكن من قال ان كل ما يتمناه المرء يدركه، لو كان الأمر كذلك لعمت السعادة كل أرجاء المعمورة، ولما قامت الحروب ولما كانت هناك ضغائن ولا أحقاد، لكن كما يقول الفرنسيين "هذه هي الحياة"، ليست لها لوحة تحكم لإدارة شئونها، إن الله يريد لنا الخير ولكنه ليس خيرا في قالب جاهز ينزل على رؤسنا كنزول المطر، إنما هو خير يولد من رحم العمل والجهد والرضا والقناعة، دون هذه المفاتيح يغلق باب الخير في وجهك وتوصد أبواب السعادة امامك، تريد ان تنتصر على نفسك، الحل دائما في يدك مهما عميت عنه .. أرضى بما قسمه الله لك مهما كان، فكل ليل لابد ان يليه نهار.
حينما أقع في حيرة او في مشكلة ويطول أمرها .. أسعد وينشرح صدري .. ذلك اني دائما اتذكر "ضاقت فلما استحكمت حلقاتها .. فرجت وكنت أظنها لا تفرج"، إن الله جعل العسر لنميز من بعده اليسر، وخلق الهم والغم والكدر حتى نستطعم السعادة والفرح والسرور، كل هؤلاء من مخلوقات الله، أحاسيس خلقها الله نعيش معها وبها، ليختبر الله ايمان المؤمن ومدى صبره على قضاء الله وقدره، فإذا كان المعطي امر فهل من رادٍ لقضاءه، واذا كنت مؤمنا بأنه لا راض لقضاء الله فعلام الهم والحزن إذن، إنها متلازمة الصبر والايمان، إن تحققت نجوت وسعدت، وإن تبعثرت فإن روحك تتبعثر مثلها فلا تعرف للسعادة طعما مهما أنعم الله عليك من نعم، وسيظل الضباب يغيم على رأسك ما حييت، اللهم أرزقنا الرضا والقناعة، وأرحمنا من اتحاد شياطين الانس والجن علينا.