أقلام عادت تغرد
عانى الصحفيون في عصر الظلام – عصر مبارك – من الأسر الفكري ومنعوا من ممارسة الحرية التي كانت تجعل الحبر يسري في أقلامهم، فكان سجن الصحفيين والتضييق على الكتاب يمارس بشكل منهجي حتى اصبح الرأي الحر يمثل رصاصة تقتل صاحبها، لقد قصف مبارك واعوانه واتباعه العديد والعديد من الأقلام الحرة، وحّول الأقلام أشباه الحرة الى أقلام مأسورة تكتب فقط ما يملى عليها.
الآن بتنا نرى في الصحف القومية دماءً جديدة لم يكن من المعتاد ابدا ان نسمع حتى اسمها إلا خلسة في مؤتمر هنا او في ندوة هناك، والتي كانت تتم بعيدا عن اعين الأمن، كتابا عادت اسماءهم تلمع من جديد فقد كانت طيورا مهاجرة في اوطانهم لأنهم رفضوا الاملاءات ورفضوا التوصيات وفضلوا التواري والانزواء على ان يصبحوا ازلاما لهذا النظام الأسود.
وكما عادت الصحف تستنير بهذه الأسماء التي طالما نبشنا الانترنت بحثا لها عن مقال هنا او رأي هناك، فإنه أيضا تم اقصاء أنصاف اقلام كانت ملئ السمع والأبصار، كانت تزيقنا مرار النفاق والرياء وهي الأقلام التي جف حبرها من كثرة ما حورت وزيفت في الحقائق امام مواليهم اما خوفا واما طمعا.
لاشك عندي في أن عصر مبارك لم يكن عصر الفساد والظلم والقهر فحسب انه كان عصرا أسودا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وجل خوفي ان يكون سقوط مبارك هو مسلسلا من مسلسلات السادة الكبار في محاولة لاسقاط رأس النظام لحماية النظام نفسه، وهي مؤشرات لها اسانيد وادلة لا تخفى على أحد، فتقاعس المجلس العسكري وتباطؤه أصبح لغزا يحمل علامة استفهام كبرى تحتاج الى تفسير وتوضيح، وأداء الحكومة بقيادة عصام شرف هو محل انتقاد واسع حيث ان هذه الحكومة لم تقدم اي شيء للشعب حتى الآن ولم تتحرك خطوة واحدة للأمام، ولولا استشعار المواطنين بمدى اهمية اعطائها فرصة واعطاء انفسهم فرصة لالتقاط الانفاس، ما كان الشعب ليسكت على هذه الحكومة الفاشلة.
ان الأقلام التي عادت تغرد في الصحف الخاصة والقومية والتي نالت فرصتها بعد طول انتظار، يقع على عاتقها مهمة وطنية جليلة، وعلى اكتافها يقع عبء عودة النور الى العقول من جديد بعد سنوات وسنوات من الإظلام المتعمد، ان دورهم في تنوير الشعب وإيصال الحقائق له مجردة دون اي تحيز او مغالاة مهمة تحتاج الى رجال، اننا نثق في أن مصر لن تعود الى مجدها ولا إلى المكانة التي تستحقها بالثورة وحدها فالثورة هي الشرارة وهي الشعلة لكنها لن تكون ابدا الوسيلة ولا السلاح، واذا كانت الثورة قد نجحت في اسقاط بعضا من رؤوس النظام وبعض اعمدته، إلا ان المشوار لازال طويلا، يحتاج الى وعي من نوع جديد، والى ثقافة الديمقراطية ونحن نراها تتغلغل في عقول المصريين حتى يتعلموا كيف يحافظوا على ثورتهم وعلى أن يتعلموا ان الحياة الكريمة ليست فضلا من احد ولا منة من نظام انما هو حق تاريخي كفله لهم حضارتهم وانسانيتهم وماضيهم.