جزاكم الله خير الجزاء على اجتهاداتكم وجعلها في ميزان حسناتكم، سيدي الفاضل، أريد أن أعرف كيف يكون الإنسان متواضعاً، ليس كافياً أنه عكس الكبر، ليس فقط من الناحية الدينية إنما كذلك الدنيوية وعلاقته بين الناس ووو... أرجوكم زيدوني، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن داء الكبر من الأدواء التي يجب على المسلم أن يطهر قلبه منها، وذلك لسقوط المتكبر من عين الله ولتوعده إياه، قال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
ولقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر، فقال: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواهمسلم.
قال الإمام النووي يرحمه الله: أما بطر الحق، فهو: دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً، وقوله صلى الله عليه وسلم: وغمط الناس. معناه: احتقارهم. انتهى، فالعبد مطالب بالتواضع، وعلى قدر تواضعه تكون رفعته ومنزلته عند الله تعالى، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحد على أحد. وفي صحيح مسلم أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما تواضع أحد لله إلا رفعه. وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة حتى يجعله في أعلى عليين، ومن يتكبر على الله درجة يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين.
ونزيدك من سلوك المتواضع مع الناس ما يلي:
المتواضع يقبل الحق ممن جاء به، وإن كان دونه في المكانة.
المتواضع يحترم الناس ويقدرهم ويعرف لهم فضلهم، وإن كانوا دونه في أمور الدنيا.
المتواضع لا يطلب ثناء الناس ولا يحرص عليه.
المتواضع يرجع عن الخطأ إن تبين خطؤه، ويشكر من أعلمه به.
المتواضع لا يجد لنفسه فضلاً على أحد، بل ينسب الفضل كله لله.
المتواضع يغمط نفسه، ويرى نفسه أحقر الناس.
المتواضع لا يطلب العلو على الخلق، ولا تشرئب عنقه إلى المناصب، قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{القصص:83}.
المتواضع لا يحرص على الشهرة والظهور، ولا يحرص على تصدر المجالس إذا اجتمع بالناس، وانظر خبر تواضع أويس بن عامر سيد التابعين في صحيح مسلم: عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي.
ومعنى قوله: أكون في غبراء الناس أحب إلي. أي: أكون في ضعافهم وأخلاطهم الذين لا يؤبه لهم أحب إلي من التمييز والارتفاع عن الخلق، وهذا من إيثار الخمول وعدم الرغبة في الشهرة.
وقال بعض السلف: كنت مع ابن المبارك يوماً، فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب، ولم يعرفه الناس فزحموه ودفعوه!! فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا!! يعني: حيث لم نُعرف ولم نُوقر.
والمتواضع لا يحب قيام الناس له عند قدومه أو بين يديه.
والمتواضع يقبل العمل في مهنة مباحة، وقد عمل الأنبياء بأيديهم، وكذا العلماء وصالحو الأمة.
والمتواضع لا يستنكف عن حمل متاعه بنفسه، ولا عن لبس الدون من الثياب,.
والمتواضع لا يستنكف عن إجابة دعوة الفقير، ويحضر إلى ضيافته، ويجالس المرضى والمعلولين.
المتواضع لا يرضى أن يمشي غيره خلفه أو أن يركب وغيره يمشون، ولا يثقل عليه تقدم أقرانه في المشي والجلوس.
هذا، وإذا أردت أن تتعلم التواضع، فطالع سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وأخلاقه مع أهله وأصحابه في حله وترحاله، وفي انتصاره وهزيمته، وفي شأنه كله، وطالع أيضاً سير العلماء والعباد، ثم عليك بصحبة الصالحين، فإن صحبتهم تغري بتقليدهم، والطباع سراقة، والصاحب ساحب.
والله أعلم.