""تابع""التخطيطفالتخطيط سمة إنسانية يتميز بها البشر عن سائر المخلوقات، فالله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان عقلا يستطيع أن يميز به الأشياء كما يستطيع أن يضع التصورات والخطط التي تسبق أفعاله وتصرفاته, ولذلك فإن أي عمل ناجح لابد أن يسبقه تخطيط جيد، فالتخطيط هو «عملية فكرية تعتمد على المنطق والترتيب حيث يبذل فيها الجهد لتوضيح الأهداف التي تريدها الإدارة والبحث عن أفضل الوسائل لتحقيقها، وكذلك محاولة التنبؤ بالمعوقات التي يمكن أن تعترضها وكيفية التغلب عليها» (2).ولقد ساد بين المسلمين تفكير خاطئ بأن التخطيط له علاقة بالغيب، والواقع أن التخطيط لا يبحث في علم الغيب لأن ذلك خارج عن قدرة الإنسان، لكن التخطيط علم يأخذ بأسباب القدَر، ويستخدم المعلومات والإمكانات المتاحة لوضع تصورات (يُتوقع) نجاحها وليس في ذلك جزم، لأن تحقيق النتائج المتوقعة قد لا يكون تاما، بل ربما تحقق جزء منها وربما لم يتحقق بالكلية، ومن يتتبع سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) يجد أنها قائمة على التخطيط، ولعل أبرز صورة للتخطيط ما حدث في هجرته (صلى الله عليه وسلم).أما في التخطيط الاقتصادي فإن قصة يوسف عليه السلام تبرز أهمية ذلك، قال سبحانه وتعالى حكاية عن يوسف {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ} (يوسف - 47).أما التخطيط الإداري فهو واضح فيما عمله (صلى الله عليه وسلم) منذ هجرته إلى المدينة، حيث اهتم بتنظيم شؤون حياة المسلمين في المدينة مثلما اهتم بشؤون دينهم، ولعل أبرز صور التخطيط الإداري يتمثل في إعداده (صلى الله عليه وسلم) صحابته، ومشاورته إياهم في كثير من شؤون الحياة، وتوليتهم المسؤوليات، فقد كان يختار العمال من الصالحين أُولى العلم والدين ومن المنظور إليهم في العرب، وكان يكشف عن عملهم ويفتشهم ويتتبع أخبارهم ويعزل من أساء منهم. ومن هذا نستنتج أهمية التخطيط الإداري كأسلوب لتنمية الموارد البشرية، وتتمثل أهمية التخطيط في:1- القدرة على التفكير في الأهداف.2- القدرة على الرؤية المستقبلية.3- القدرة على تحديد الاتجاه والحشد خلف الاتجاه والتحفيزهم لتفجير الطاقات الكامنة.4- القدرة على توضيح الأهداف وتحديدها بدقة.5- القدرة على البحث عن الفرص المتاحة والاستفادة منها.6- القدرة على تحديد الأولويات.7- القدرة على وضع إستراتيجية فعالة تتسم بالمرونة والشمول والتكامل وتكون جسرا يصل الماضي بالمستقبل (3).القيادةإن الهدف الأساسي من تنمية الموارد البشرية هو إيجاد عناصر قيادية تتولى إدارة شئون المجتمع، وتقوده نحو التطور والتقدم، والقيادة هي المفتاح لأي عمل إداري، فإذا كانت القيادة على قدر من الوعي والإعداد الجيد استطاعت أن تحقق ما تعمل من أجله.والقيادة هي: «نشاط التأثير على الناس لكي يعملوا برغبتهم على تحقيق أهداف الجماعة» (4) وقد اهتم الإسلام بالقيادة كأسلوب للإدارة ووسيلة لتنمية الإنسان، فقال (صلى الله عليه وسلم) «لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدكم، ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة يتناجى اثنان دون صاحبهما» (مسند أحمد).ولذلك اعتنى الإسلام بإعداد القادة حتى يستطيعوا أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه دينهم وأمتهم، فوضع مواصفات للشخصية القيادية تلتقي مع ما يراه أهل الاختصاص من تلك المواصفات، لكنه يتميز عن ذلك بصفات خاصة منها:1- الإيمان والتقوى: لأن ذلك ضابط لسلوك الفرد وتصرفاته، قال تعالى {ويأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون} (آل عمران - 102). 2- الالتزام بالضوابط الشرعية، فالشريعة هي الحاكم لتصرفات الإنسان المسلم، والقائد أول من يجب عليه أن يلتزم بذلك، لأن التزامه ينعكس على من معه من الأفراد والعاملين، قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الأنعام - 162).3- القدوة الحسنة: فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) نموذجا للقدوة الحسنة، فزكاه ربه بقوله (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب - 21)، والقدوة الحسنة صفة لا بد منها للقائد حتى لا يناقض قوله فعله فيسقط من أعين الناس وممن معه، وقد حذر الله سبحانه وتعالى من ذلك بقوله {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2-3).4- العلم بما يقوم به: فأولى خطوات القيادة الإدارية أن يكون القائد محيطا بما يتولاه من مسؤولية وعمل حتى يستطيع أن ينقل معرفته إلى من معه من العاملين، ويقودهم لتحقيق الإنجازات المطلوبة من العمل، وقد حذر الله - سبحانه وتعالى- من العمل بلا علم فقال {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} (الإسراء - 36).5- المهارات العملية: فالقيام بأي عمل يحتاج بعد العلم إلى مهارات عملية تعين القائد على القيام بعمله في القيادة الإدارية، مثل تحمل المسئولية، وتنظيم العمل وتطويره، والقدرة على اتخاذ القرارات، وإثارة اهتمام وحماس العاملين معه، وبث روح التعاون بينهم، والقدرة على التعامل مع الأفراد والمجموعات وإدارتها وفهم الفروق الفردية بين الأفراد، واستخلاص النتائج وغير ذلك من المهارات العملية.6- المهارات السلوكية: إذ بها يستطيع أن يحقق الجوانب العملية في إدارته، فالقائد يجب أن يتحلى بصفات شخصية مميزة كالشجاعة والصدق والإيثار والحزم والثبات والهدوء والإنصاف وغيرها من الصفات التي تنظم سلوك الأفراد وعلاقاتهم مع بعضهم البعض.