تحليل واقع سياسات العمل في سوريا
مقدمة تحليلية:
عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة
إن سياسات سوق العمل فيسورية هي جزء لا يتجزأ من السياسةالاقتصاديةالكلية والتي تسعى الحكومة جاهدة إلى رسمها وتنفيذها بما يتوافق معالنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي وينعكس إيجابا على مستوىالدخل.‏ولعل هذه السياسات تعاني منكثير من الاختلالات الهيكلية والتشغيلية ويعود ذلك لجملة من الأسباب بعضها يتعلقبحزمة القوانين والتشريعات المتعلقة بالعمل والقوى العاملة والأخر يتعلق برؤىالحكومة واستراتيجياتها في هذا المجال ومدى فاعلية خططها وبرامجها إضافة إلى ثقافةالمجتمع تجاه مفهوم العمل وأوساطه .
والملاحظ اليوم وجود قصورفي تنظيم سوق العمل نتج عنه اختلالاتهيكليةفي الوظائف المفترضة لها من حيث عملية المواءمة بين العرض والطلب وإعادةتأهيل العرض من العمالة وخلق فرص عمل جديدة وهذا ما يبرز السعي إلى إصلاحهيكليجذري لتحسين بيئة العملوتنشيط الطلب على الموارد البشرية المؤهلة أو التي سيعادتأهيلها.‏
وهذا الإصلاح يجب أن ينطلقمن معالجة قضايا ومفاهيم جوهرية من حيث منعكسها وتأثيرها على واقع العمل في سورياولعل أهمها ما سنأتي على ذكره في سياق التحليل .
أولاً : التعامل مع العملكقضية نوعية لا كمية ، بمعنى أنه لا يجب أن يكون الهدف هو رقمي أي خفض معدلاتالبطالة وزيادة القدرات التشغيلية فحسب وإنما يجب التركيز على نوعية العمل ، بمعنىتحقيق معادلة الكفاية والكفاءة الإنتاجية ، فالهدف الكلي لا يتحقق عند حصول طالبالعمل على عمله ،وإنما هو البعد الاجتماعي لهدف التشغيل إذ تم تأمين مصدر دخل لفرديحتاج إليه ، لكن البعد الاقتصادي لهدف التشغيل لا يتابع كما يجب، فلا نتوقف مثلاًعند طبيعة العمل المؤدى ومنعكسه على إمكانية التوسع في إيجاد فرص عمل جديدة ، فلايمكننا أن نتخيل أن سوق العمل يتوسع تلقائياً ، بل هو عملية مركبة ذات أبعاداجتماعية واقتصادية وثقافية ،ولذلك علينا العمل بالتوازي على سياسات من شأنهاتوسيع القدرات التشغيلية لسوق العمل ، وتوظيف اليد العاملة بما يساعد في تحقيق هذاالتوسع وذلك من خلال توزيع اليد العاملة وفق منهجية وخطة محددة وليس بشكل عشوائيولعل أكثر ما يدل على هذا الأمر هو واقع مؤسسات القطاع العام الإنتاجية والتيتزداد خسائرها ولم يعد لها أي دور في عملية التنمية المطلوبة بل أصبحت عبئاً علىموازنة الدولة باعتبارها أمست مجرد مأوى لعمال يستمدون حصانة من القانون فلا يمكنتسريحهم وتدفع رواتبهم دون أي متحصلات أو أرباح لمؤسساتهم والبالغ عددها اليوم 242من أصل 250 مؤسسة وشركة ولذلك تبرز هنا ضرورة القيام بإصلاح هيكلي وجذري في بنيةالقطاع العام وتوفير متطلبات التنمية من بيئة عمل حقيقية إلى عامل يحقق الكفايةوالكفاءة الإنتاجية المطلوبة ، ويمكن للتبسيط ملاحظة المخطط التالي :
عامل مكان عمل مناسب دخل إنتاجية عالية زيادة في المبيعات زيادةالأرباح إمكانية لزيادةالإنتاج طلب يد عاملة فرص عمل جديدة .
ولذلكفإن العقبة القائمة اليوم هي مدى تحقيق العامل للكفاءة الإنتاجية المطلوبة فعلاً ،والتي تنعكس بدورها على إمكانية توسع سوق العمل أفقياً وعمودياً .
ثانياً : الخيارات الخاطئةللسياسات الحكومية التي بنيت على أساس التركيز على تنمية البنى التحتية على مدىالعقود الماضية ثم التوسع في القطاعات الإنشائية التي تتطلب يداً عاملة رخيصة ،ولذلك استطاعت الحكومة أن تحقق توظيفاً لليد العاملة لكن على المدى القصير دونتحقيق ارتفاع ملموس في معدلات النمو وذلك لانخفاض دخول اليد العاملة بشكل عامإضافة إلى عدم التوسع باتجاه إنشاء قطاعات عمل جاذبة ليد عاملة ذات كفاءة عالية ،وبالتالي بقيت قضية التوظيف في إطارها الاجتماعي والرقمي دون الانتقال إلى متطلباتعملية التنمية الاقتصادية من توفير للعنصر البشري ذي الكفاءة العالية الذي يحقققفزة نوعية في قطاع الأعمال ..
ثالثاً : عدم وجود قاعدةبيانات إحصائية دقيقة تحدد في ضوئها السياسات المقبلة ، فإصلاح قطاع العملوسياساته لم يشهد قفزات نوعية على الرغم من شدة الحاجة لها في ضوء التحولالاقتصادي الذي تشهده سوريا ، والانفتاح الاقتصادي الذي سيتأتى بعد توقيع اتفاقيةالشراكة مع الاتحاد الأوروبي واستحقاقاتها الكثيرة ، إضافة إلى ما يشهده العالم منتقلبات وأزمات اقتصادية ترخي بظلالها على دول العالم أجمع .
رابعاً :ضعف الحراكالمهني بالنسبة للعاملين من كبار السن و ارتفاع معدل التحول للداخلين الشباب،والذي يؤثر على مستوى الإنتاجية في بعض قطاعات الأعمال ،وينعكس أيضاً على استقرار اليد العاملة في وسط العمل .
فاليد العاملة الشابةالمحاطة بالعديد من المتطلبات الحياتية الضاغطة تبحث عن فرص عمل أكثر مردودية منالناحية المادية حتى لو كانت خارج حدود الدولة ، وبالتالي وعلى الرغم من الحاجةالماسة لليد العاملة الشابة لناحية إمكاناتها وإنتاجيتها القوية فإننا نلاحظ وجودنسب مرتفعة من المتعطلين الشباب والمتدفقين إلى سوق العمل سنوياً مقابل وجود نسبةكبيرة من كبار السن نسبياً في مواقع العمل حتى سن التقاعد دون تحقيق إنتاجية تذكر.. ويمكن هنا تخفيض سن التقاعد في بعض قطاعات العمل الإنتاجية إلى سن الخمسين معمنحهم أبنائهم حصراً أفضلية شغل وظائفهمالشاغرة ، وهنا نكون قد حققنا تشغيلاً ليد عاملة ذات إنتاجية أعلى دون التوسع فيالمؤسسة على الأقل .
خامساً :ربط الخطط والمناهج التعليمية بمتطلبات سوق العمل ، والسماح لممثلي قوى سوق العملبالتدخل في وضع المناهج بما يتناسب مع احتياجات السوق ، فالمشكلة هنا أن السياساتالحكومية في المجال التعليمي وبالأخص الجامعي والمهني غير مرتبطة على الإطلاقبعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، فهي تكاد تعمل بشكل منفصل ، إذ إنمخرجاتها ليست متوافقة مع أهداف سياسات وزارات أخرى لها نفس الهدف وهو زيادةمعدلات النمو، فالتنمية المحققة في القطاع التعليمي هي فقط على مستوى الحقل الأكاديميأما مرحلة ما بعد التأهيل الأكاديمي ليست موضوعة في الاعتبار حتى الآن كما يجب ،فالمناهج لا تتطرق إلى واقع مفروض سيقبل عليه الطالب بعد تخرجه فلا تهيؤه لمرحلةالعمل التي سيقبل عليها ، فيدخلها صفر اليدين ، ويقضي فترة زمنية غير محددة المدةلفهم معطيات ومتطلبات ونظام سوق العمل وطبعاً تكون فترة ذات إنتاجية بسيطة جداًعلاوة على إمكانية استمراره في عمله .
وهذا الإطار نقترح بعض المقترحات :
أولاً: إصلاح سوق العمل على حزمة من التشريعات والقوانين تطبق دفعة واحدة، إلا أن هذهالحزمة لم تفرض بعد، مع الأخذ بالحسبان معارضة القطاعالخاص ، لأن هذا النموذج المعتمد على العمالة الرخيصة سيزيد منحصة صاحب العمل علىحساب العامل وهو ما أدى لحدوث فجوة كبيرة بين الحصتين ومن ثمالاختلال الكبير الذييشهده سوق العمل.
ثانياً: ضرورة فرض نظام يتحكم في رسوم العمل ويضع سقفاً على حصص الوافدين لتقييد عرضالعمالة في مختلفقطاعات الاقتصاد، ودعم برامج التدريب الأساسية للإعداد للعمل، وزيادة الحوافز التيتشجع العمال على العمل في القطاع الخاص، معالعمل على زيادة مرونة تنقل العمالالوافدين بين الوظائف عن طريق السماح لحامليتأشيرات العمل السارية المفعول بتغييرأصحاب الأعمال، بالإضافة إلى رفع معاييرالعمل لكل العاملين،
ثالثاً : القطاع الخاص شريك فيوضع سياسات هذه الكليات التعليمية واقتراح مناهجها وهو ممثل في لجانهاالمختلفة وأنالتخصصات التي تطرح بهذه المؤسسات تراعى فيها الحاجة الحاليةوالمستقبلية جاء ذلكردا على التساؤلات التي طرحها من استطلعنا وجهات نظرهم .،وفي حالة أن هناك تشبع لتخصص معين تعملالوزارة على التقليل من هذا التخصص أوإلغاءه نهائيا حيث أن الوزارة لها الحقفي ذلك حسب اللوائح والأنظمة.
رابعاً : وضع حد أدنى للأجور لا بد أن يكون جزءا من سياسةاقتصادية متكاملة بمعنى أنه إذا كان الأجر سيرتفع فلا بد أن يكون المجتمع مستعدالتحمل هذه التكاليف، ذلك أنه عندما ترتفع الأجور سترتفع الأسعار وبالتالي سيرتفعمعدل التضخم.
خامساً: القدرة على توجيه اليد العاملة وتوزيعهاعلى قطاعات العمل وفق أولويات لوزارة وأهداف السياسات الحكومية التنموية وعدمالانغلاق في البعد الاجتماعي بمعنى تأمين فرصة عمل تحقق دخلاً فحسب ، ووضع سياساتتشغيل لليد العاملة المحلية مستندة على قاعدة بيانات دقيقة توضح واقع سوق العملوالعرض والطلب وأنواعه ومجالاته بمعنىتدخل الدولة بشكل مباشر عبر برامج واضحة قابلة للقياس ومحددة زمنياً تحقق تناغماًبين السياسات التعليمية والاجتماعية وسياسات العمل من جهة ومتطلبات العمليةالتنموية وظروف الاقتصاد الوطني بشكل عام .