رغم قناعتنا المطلق بضرورة دعم وتوطين البحث العلمى اذا كنا نبحث عن مستقبل أفضل لوطننا الا ان كلمة " باحث علمى " ماذا تعنى هل هى مهنة ؟ ام وصف لعمل شخص ؟ أم أن كل الحاصلين على شهادات الدكتوراة والماجيستر يمكن ان يطلق عليهم لقب باحث علمى بصرف النظر عما يقوم به من اعمال ربما لا تمت للبحث العملى وزيادة التراكم المعرفى باى صلة .وفى الحقيقة فان ما شهدته ،الاسبوع الماضى ، قاعات اكاديمية البحث العملى من اعتصاممجموعة من الحاصلين على درجتى الماجيستير والدكتوراه ومطالبتهم بالتعيين عن طريق التسكين المباشر فى وظائف بهيئات التدريس ومراكز البحوث بالجامعات دون التقيد بقواعد التعيين والإعلان عنها، يخلق سؤال هام حول مستقبل مهنة البحث العلمى ؟ فهل كل ما يطمح اليه الباحث العلمى هو مجرد الحصول على وظيفية حكومية والتعين براتب شهرى ربما لا يكفى لتغطية احتياجاته الاساسية للمعيشة .واذا كان الباحثين المعتصمين أكدوا أن عددهم لا يتجاوز الفى شخص ، وليس 10 الاف كما تدعى اكاديمية البحث العملى ، وأن هناك 7 الاف درجة وظيفية خالية فى هيكل الباحثين بالمراكز البحثية بالجامعات ، فهل الحل المثالى هو تسكين هؤلاء الباحثين فى هذه الدرجات الوظيفية وتنتهى المشكلة عند هذه الحد .فى تصورى ان مشكلة الباحث العلمى فى وطننا تكمن ان غالبية الباحثين يمارسون نظريا كافة اعمال البحث العلمى ، من حيث البحث وجمع البيانات واستباط بعض المعلومات المكررة والحصول على شهادات علمية بتقديرات ممتاز للترقية او زيادة فى الراتب ، ولكن للاسف فان هناك غياب تام لمفهوم او رؤية" البحث العلمى من أجل تطوير حياة الانسان " وتقديم حلول علمية وتكنولوجية جديدة للكثير من المشاكل التى تواجه مجتمعنا المحلى والعالمى وربما هناك العديد من الاسباب التى تحول دون تطوير الباحثين لدورهم ومساهمتهم العلمية للمفهوم العصرى للبحث العلمى ولكن هذا فى الحقيقة لا يعفيهم كليا من مسؤولية تراجع مستوى البحث العملى فى مصر وتراجع دورنا فى الاسهامات العلمية العالمية .فى اعتقادى أن توطين عملية البحث العملى مرتبطة بصورة قوية باعداد قاعدة كبيرة من الباحثين المؤهلين للعمل فى حقل البحث العلمى بصورة عملية ، وليس نظرية فقط ، بمعنى أدق ان نخلق قنوات تواصل وروابط وثيقة بين البحث العلمى وكافة مؤسسات المجتمع ، سواء مؤسسات صناعية او خدمية او وزراعية ، بحيث يكون لدى كلياتنا العملية فى جامعاتنا ، 22 جامعة على مستوى محافظات مصر ، وحدات بحثية ذات طبيعة خاصة يعمل فى هيكل محترف من الباحثين القادرين على تقديم حلول علمية وابتكارية للمشاكل التى تواجه المجتمع الكائن به الجامعة وان يكون لهذه الوحدات ميزانية بحث محترمة تكفى لتغطية اعمال البحث العملى مع الزام الجهات الحكومية بالاعتماد على الحلول المطورة فى هذه الوحدات البحثية .كذلك يجب فتح الباب امام هذه الوحدات البحثية لاقامة علاقات تعاون علمى مع الكثير من المؤسسات العلمية العالمية والمعنية بدعم البحث والتطوير بما يفتح الباب امام تبادل الخبرات وتكامل الابحاث والحصول على تمويل ميسر ومناسب للابحاث العلمية والتى يمكن لباحثينا اجراءها محليا بتكلفة أقل بكثير من تكلفتها فى الدول المتقدمة .نتفق أن تعين الباحثين ، من الحاصلين على درجتى الماجيستير والدكتوراه ، وتسكينهم على درجات وظيفية روتينية ربما يكون حلا مؤقنا للتخلص من ضغوط الموقف الحالى واعتصامهم ولكن لن يكون هو الحل الامثل لصالح بناء قاعدة علمية متميزة من الباحثين العلميين القادرين على بناء نهضة علمية وترسيخ مجتمع المعرفة والتكنولوجيا اذ يجب فى المقام الاول وضع استراتيجية واضحة الاهداف ومحددة المعالم لمستقبل البحث العملى ، وبوصفه استثمار فى المستقبل ، والتخصصات التى سنركز عليها ويلى ذلك توفير الباحثيين القادرين على تحقيق هذه الاهداف الطموحة حتى لا تتحول ميزانية البحث العملى ، المنخفضة اصلا ، لمجرد رواتب يتقضاها الباحثين شهريا ولا يتبقى منها ما يكفى لتغطية نفقات البحث العملى .فى النهاية نؤكد ان العقول المصرية.. هى أعز ما نملك مصر وان تعظيم الاستفادة من هذه الثروة البشرية هو التحدى الاكبر لنا فى المستقبل وعلينا جميعا ، حكومة ومؤسسات الاعمال ووسائل الاعلام ومؤسسات المجتمع المدنى ، وضع رؤية وطنية فى كيف يمكن ان تتحول مواردنا البشرية من عائق للتنمية الى فرص متنوعة وعنصر محفز لتحقيق طموحاتنا وتحسين مستوى معيشة المواطن .

بقلم : خالد حسن