يتخوف بعض العاملين الأكثر تجربة من نقل خبراتهم ومعرفتهم بالعمل إلى زملائهم حديثي التجربة اعتقادا منهم أن الأهمية والتقدير اللذين يحظون بهما في المنشأة إنما هما مستمدان من مقدار ما يحتفظون به من معرفة وخبرة, وبالتالي لا يحبذون مشاركة الغير في ذلك. طبعا لهذا السلوك دوافعه التي غالبا ما تتمحور حول افتقاد العامل الأمان الوظيفي في العمل، لذا فإنه عندما يلجأ إلى هذا الأسلوب فهو يحاول حماية وجوده واستمرار بقائه في الوظيفة التي يشغلها, ولكن هل هذا الشعور بعدم الأمان حقيقة أم وهم؟ في الغالب هو شعور وهمي ولكن له أسبابه التي
* إما تكون نتيجة لعدم إفصاح الرئيس عن رأيه في مستوى أداء ومهارات مرؤوسيه, ما يجعلهم غير مدركين أهميتهم في العمل
* وإما أنه ناتج عن عدم تقدير العامل ما يملك من قدرات ومهارات
* وإما لإفراط العامل في حب الأنا والرغبة في التميز على زملاء العمل
كل هذه الأسباب تجعل بعضا من هؤلاء العاملين يركنون إلى الاحتفاظ لأنفسهم بمعظم ما يعرفونه عن العمل, فلا يعطون إلا بقدر ضئيل يجعل زملاءهم المستجدين يشعرون بعدم الترحيب بوجودهم, وربما قادهم ذلك إلى الفشل في وقت هم في أمس الحاجة إلى من يأخذ بيدهم, فيؤثرون الانسحاب وترك العمل للبحث عن بيئة أفضل حالا, وفي هذه الحالة تخسر الشركات والمؤسسات مواهب شابة واعدة لم تعط الفرصة لإثبات ذاتها واكتشاف قدراتها بسبب عدم تنبه الشركات لهذه الإشكالية في علاقة العاملين بعضهم ببعض.
من المهم جدا أن تتأكد الشركات والمؤسسات أن بيئة العمل والعلاقة فيما بين العاملين تساعد وتشجع على انتقال المعارف والخبرات بين الجيل القديم والجيل الجديد أو بين العاملين ككل, فلا تسمح لبعض الممارسات غير السليمة من بعض المشرفين أو المشاعر السلبية عند بعضهم من أن تنتشر داخل محيط العمل فتؤثر سلبا في الكفاءة وجودة الأداء مما يعوق نمو الشركة وتطورها, فوجود حالة من الغموض والتباعد في علاقة الرئيس بالمرؤوس بحيث لا يحصل العامل بسببها على عبارات التقدير والإشادة أثناء الأداء المميز أو النصح والإرشاد عندما لا يوفق في عمله أو الميل لاستخدام أسلوب النقد الذي يضع العامل في حالة دفاع ويفقده الثقة بنفسه, كل هذه العوامل والممارسات لا تخلق بيئة عمل صحية تبعث على الاطمئنان وتساعد على التطور والإبداع فتنشأ فجوة كبيرة في المعرفة والخبرة بين العاملين، وبالطبع هذا ليس في صالح الشركات والمؤسسات لأن بقاءها واستمرار تقدمها مرهون بانتقال الخبرات والمعارف التي يملكها العاملون من جيل إلى جيل وأي تلكؤ أو عدم اكتراث بإزالة تلك الأسباب التي تعوق انسيابية انتقال المعرفة بين العاملين يصيب حديثي التجربة منهم بالإحباط والفشل, ما يؤدي إلى تركهم العمل في هذه الشركات, وهو ما يؤدي إلى تهديد وجودها ومقدرتها على الاستمرار في المنافسة, فالأجيال المتعاقبة التي تتناقل الخبرة والمعرفة فيما بينها هو السر في نجاح الشركات والمؤسسات العريقة وتقدمها.
للتغلب على إشكالية انتقال المعرفة والخبرات بين الجيل القديم والجيل الجديد من العاملين تلجأ الشركات العريقة, خاصة في الدول الصناعية المتقدمة, إلى تنظيم هذه العملية بما يعرف بالإرشاد والتعليم Mentoring , وفيها تقدم الشركة المساندة للعاملين وتشجعهم على أن يتولوا بأنفسهم إدارة عملية تعلمهم وتدريبهم وتطوير مهاراتهم وتحسين أدائهم لكي يعظموا من فرص العمل الجيدة التي يمكن الحصول عليها ويحققوا الأماني التي يطمحون إليها, وتتلخص هذه العملية في أن يقوم العامل المستجد الذي يطلق عليه Mentee باختيار أحد العاملين المؤهلين في مجال العمل نفسه داخلا لشركة نفسها, وفي بعض الحالات من خارج الشركة ويطلق عليه المعلم الخاص Mentor ليتولى مسؤولية تدريب حديث التجربة وإرشادهم, فيكون له كالصديق أو الأخ الأكبر يستشيره في كل خطوة يقدم عليها ترتبط بمسار تطوره الوظيفي الحالي أو المستقبلي فيتعلم منه كل ما يتعلق بالعمل الذي يقوم به ويكتسب منه الخبرة التي يحتاج إليها لأداء العمل بصورة أكثر مهنية.