بهذا العنوان يمكننا أن نصف حياة تلك المرأة المعجزة، إنها هيلين كيلر، قاهرة الإعاقة، المرأة التي ولدت في مدينة (تسكمبيا) من ولاية (ألاباما) بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1880م، وقبل أن تبلغ الثانية من عمرها أصيبت بمرض أفقدها السمع والبصر، وبالتالي عجزت عن الكلام لانعدام السمع.
سعت والدتها إلى تعليمها استعمال يديها في عمل إشارات تفصح بها جزئيًّا عما تود قوله، ثم وضعتها في معهد للعميان، وطلبت من رئيس القسم أن يرشدها إلى معلمة لبنتها، فأرشدها إلى (آن سوليفان) التي كانت قد أصيبت أول عمرها بمرض أفقدها بصرها، ودخلت معهد العميان في الرابعة عشرة من عمرها.
وبعد حين عاد إليها بصرها جزئيًّا، وقد التقت بعد انتهاء دراستها بهيلين كيلر لتبدأ معها رحلة طويلة مثيرة هي أشبه بالأعجوبة، وتمثل في الحقيقة أروع إنجاز تم في حق تأهيل المعوقين.
رحبت أسرة كيلر بالمعلمة سوليفان ترحيبًا حارًّا، وكانت هيلين آنذاك في حوالي السادسة من عمرها، بدأت سوليفان تعلمها الحروف الأبجدية بكتابتها على كفها بأصابعها، واستعملت كذلك قطعًا من الكرتون عليها أحرف نافرة، كانت هيلين تلمسها بيديها، وتدريجيًّا بدأت تؤلف الكلمات والجمل بنفسها.
وبعد مرور عام تعلمت هيلين تسعمائة كلمة، واستطاعت كذلك دراسة الجغرافيا بواسطة خرائط صنعت على أرض الحديقة كما درست علم النبات، وفي سن العاشرة تعلمت هيلين قراءة الأبجدية الخاصة بالمكفوفين، وأصبح بإمكانها الاتصال بالآخرين عن طريقها.
ثم في مرحلة ثانية أخذت سوليفان تلميذتها إلى معلمة قديرة تدعى (سارة فولر) تعمل رئيسة لمعهد (هوارس مان) للصم في بوسطن، وبدأت المعلمة الجديدة مهمة تعليمها الكلام، بوضعها يديها على فمها أثناء حديثها؛ لتحس بدقة طريقة تأليف الكلمات باللسان والشفتين، وانقضت فترة طويلة قبل أن يصبح باستطاعة أحد أن يفهم الأصوات التي كانت هيلين تصدرها.
لم يكن الصوت مفهومًا للجميع في البداية، فبدأت هيلين صراعها من أجل تحسين النطق واللفظ، وأخذت تجهد نفسها بإعادة الكلمات والجمل طوال ساعات مستخدمة أصابعها؛ لالتقاط اهتزازات حنجرة المدرسة وحركة لسانها وشفتيها وتعابير وجهها أثناء الحديث.
وتَحَسَّن لفظها وازداد وضوحًا عامًا بعد عام، فيما يعد من أعظم الإنجازات الفردية في تاريخ تربية وتأهيل المعوقين.
ولقد أتقنت هيلين الكتابة وكان خطها جميلاً مرتبًا، ثم التحقت هيلين بمعهد كمبردج للفتيات، وكانت الآنسة سوليفان ترافقها وتجلس بقربها في الصف لتنقل لها المحاضرات التي كانت تلقى، مما مكَّنها أن تتخرج في الجامعة عام 1904م حاصلة على بكالوريوس العلوم في سن الرابعة والعشرين.
ذاعت شهرة هيلين كيلر فراحت تنهال عليها الطلبات لإلقاء المحاضرات وكتابة المقالات في الصحف والمجلات، وبعد تخرجها في الجامعة عزمت هيلين على تكريس كل جهودها للعمل من أجل المكفوفين، وشاركت في التعليم وكتابة الكتب، ومحاولة مساعدة هؤلاء المعاقين قدر الإمكان.
ثم دخلت في كلية (رود كليف) لدراسة العلوم العليا، فدرست قواعد وآداب اللغة الإنجليزية، كما درست اللغة الألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية، ثم قفزت قفزة هائلة بحصولها على شهادة الدكتوراه في العلوم والدكتوراه في الفلسفة.
وفي الثلاثينيات من القرن العشرين قامت هيلين بجولات متكررة في مختلف أرجاء العالم في رحلة دعائية لصالح المعوقين؛ للحديث عنهم وجمع الأموال اللازمة لمساعدتهم، كما عملت على إنشاء كلية لتعليم المعوقين وتأهيلهم، وراحت الدرجات الفخرية والأوسمة تتدفق عليها من مختلف البلدان، ألفت هيلين كتابين، وكانت وفاتها عام 1968م عن ثمانية وثمانين عامًا.
وصدق الشاعر حين قال:
وإذا دعتـه الواجـبـات فحـمَّـلتـه بـما يَـئـود
وجـدتـْهُ صلب المنـكبـيـن فـلا يـخرُّ ولا يـميـد