ولأن الإدراك له أهمية عظيمة في تغيير عادات الإنسان وسلوكياته، فلا بد أن نتعرف على عناصره ومكوناته لنتعلم كيف تتكون إدراكاتنا وكيف يمكننا تغييرها إلى الأفضل.

تتكون عملية الإدارك من عدة عناصر:
  1. الإحساس.
  2. الانتباه.
  3. التفسير والإدراك.
ولهذه العناصر أهمية كبيرة في إدارك كل من الأشياء أو المثيرات المادية مثل جرس الهاتف أو صوت بوق السيارة أو إشارة المرور، وكذا الأحداث أو المثيرات الإجتماعية، حيث نمارس الإدراك الإجتماعي فندرك الآخرين وسلوكياتهم.
  1. الإحساس:
فنحن محاطون بالكثير من المثيرات البيئية، لكننا لا نعي معظمها أو ندركها؛ إما لأننا تعلمنا أن نتجاهلها، أو لأن حواسنا ـ أي أعضاءنا الحسية ـ غير قادرة على استقبالها والإحساس بها، وحواسنا التي تستقبل المثيرات هي النظر والسمع والشم والتذوق واللمس.
إلا أن لهذه الحواس طاقة محددة، ومع ذلك تختلف قوة الحاسة من شخص لآخر أحيانًا، ولدى نفس الشخص من فترة لأخرى.
فحاسة السمع مثلًا تلتقط مدى محدودًا من الترددات، أما ما يفوق ذلك فقد لا يمكن للبشر سماعه، لكن قد تسمعه حيوانات مثل الكلاب، لكن بعض الناس كفاقدي البصر يطورون حاسة السمع أو اللمس بمستوى أعلى أو أقوى من غيرهم.
وطالما توافرت حواس قادرة على استقبال المثيرات في بيئتنا المحيطة، فإن هذه المثيرات تؤدي لأحاسيس أو مشاعر، فالحواس بعد استقبالها للمثيرات الخارجية تنقلها عبر الأعصاب إلى المخ، وهكذا نشعر أو نحس بالصوت والضوء والملمس والمذاق والرائحة، وهناك أيضًا مثيرات داخلية في جسم الإنسان تنقلها الأعصاب للمخ، مثل الإحساس بالتعب أو الألم.
  1. الانتباه:
فبرغم قدرتنا على الإحساس بكثير من المثيرات البيئية، إلا أننا لا نلتفت إليها كلها، بل ننتبه لبعضها ونتجاهل البعض الآخر؛ إما لأنه غير مهم في نظرنا أو لأننا لا نريد رؤيته أو سماعه، وهكذا نمارس انتباهًا انتقائيًا لبعض المثيرات، وحتى ما ننتبه له فقد لا ندركه على حقيقته وبشكل كامل، بل قد ندركه على خلاف حقيقته أو بشكل جزئي.
إن خاصية الانتباه سلاح ذو حدين، فإن كان الانتباه والتركيز على الأمور المشرقة، صارت خاصية خير ونعمة للإنسان تساعده في التركيز على الإدراكات الإيجابية، والعكس صحيح أيضًا، فإن التركيز على الجوانب المظلمة والإدراكات السلبية يكون نقمة على صاحبه.
إذًا هي لحظات انتباه تغير إدراكك تجاه الأمور، من السلب إلى الإيجاب، تمر أمامك التجربة المريرة وتمر بذاتها أمام غيرك، فتلحظ أنت فيها كل إيجابياتها، بينما يغرق غيرك في أمواج سلبياتها، ترى أنت الهدية الربانية في البلاء بينما يمكث غيرك في حالة من الأسى والحزن على ما فات.
  1. التفسير والإدراك:
وتتضمن عملية الإدراك تنظيم وتفسير المثيرات التي نحس بها، فالأصوات والصور والروائح العطرية وتصرفات الناس وغيرها لا تدخل إلى وعينا خالصة تمامًا، وعندما ننتبه إليها فإننا نحاول أن ننظم ونصنف المعلومات التي نتلقاها لتفسيرها وندركها بمعنى معين.
والتفسير أيضًا عملة ذات وجهين، فالبعض يفسـر كل شيء بأنه نافع وخير، والبعض على العكس من ذلك.
ويحكى في ذلك الشأن أن ملكًا كان لديه وزير كلما حصل له شيء، يقول له الوزير: (لعله خير)، وفي يوم من الأيام قطع أصبع الملك، فقال له الوزير: (لعله خير)، فأمر الملك بحبس الوزير.
ثم مر الملك بغابة في رحلة صيد، فأَسَرته مجموعة من القبائل الوثنية، وأمروا بذبحه ليقدموه قربانًا لآلهتم المزعومة، ولكن عندما همَّوا بذبحه وجدوا إصبعه مقطوعًا فقرروا تركه؛ لأنه غير لائق أن يقدموا قربانًا ناقصًا، فأدرك يومها الملك كلمة الوزير: (لعله خير)، وأمر بإطلاق سراحه.
لقد كانت كلمة (لعله خير)، هي السبب في حبس الوزير، وهي أيضًا السبب في إطلاق سراحه، عندما تغير إدراك الملك عنها وفهم حقيقة معناها، وكان الحبس بالنسبة للوزير هو خير كبير، لأنه لو لم يحبس لقبض عليه مع الملك ولقطعت رأسه وقدم قربانًا لهذه الآلهة المزعومة.