وقبل أن يأخذنا بساط القرارات الفعالة، وثمارها التي تذكي الهمم، لابد أولًا أن نعلم ما هو المقصود بالقرار الفعال؟ ذلك الذي يعرفه الدكتور أكرم رضا في كتابه (بلا ندم) قائلًا: (إن القرار الفعال هو الذي يتم من خلال أعلى مستوى من الفهم، ثم يتحول إلى عمل؛ فيحدث أثرًا أو يحقق نتيجة). ومن هنا يمكننا أن نتعرف على أهم طريقين، لابد لكل من يسعى إلى القرار الفعال أن يسير فيهما، وهما:
  1. الفهم العميق والدراسة.
  2. التنفيذ الفعال.
الركن الأول: الفهم أولًا:
ونعني بعملية الفهم أن تقوم ـ عزيزي المدير الفعال ـ بجمع المعلومات التي تحتاجها في اتخاذ هذا القرار، ومن ثم تقوم بتحديد بدائل مختلفة للقرار، ثم تختار أهمها، وسوف نفصل في تلك المراحل على النحو التالي:
  1. جمع المعلومات:
وحتى تكون تلك المرحلة فعالة ومثمرة، لابد من توفر صفات هامة في المعلومات التي تقوم ـ عزيزي المدير ـ بجمعها، وذلك كما يلي:
  • صلة المعلومات بموضوع المشكلة:
فكما يقول الدكتور أكرم رضا: (إن معلومة بعيدة عن الموضوع كل البعد لا تحمل في جنباتها من الفائدة بقدر ما تحمله من التشويش على التفكير والتشتيت في التوجه).
  • الوصول إلى تلك المعلومة بالطرق المشروعة:
بمعنى أن تصل إليها بطريقة متفقة مع الشرع والقانون والعرف السائد، ولا تصل إليها بطريق غش أو خداع؛ لإن الله عز وجل لن يبارك في معلومة تصل إليها عن طريق لا يرضاه.
  • التوقيت السليم:
فالممعلومة التي تجمعها قبل موعد الحاجة إليها، قد تشوش تفكيرك وربما تهملها أو تنساها، أما إن كانت بعد وقت الحاجة إليها؛ فإنها تكون عديمة الفائدة وقليلة الغَناء، ولكن الحق دائمًا وسط بين طرفين، فالمعلومة التي تعد بمثابة القوة، هي تلك المعلومة التي تحصل عليها في وقتها من غير تقديم أو تأخير.
  • الدقة:
بمعنى أن تكون المعلومة موثقة، محددة، متوافقة مع غيرها من المعلومات، ولذا؛ يفضل التأكد من المعلومة من مصادر مختلفة إن أمكن ذلك.
  1. تحديد البدائل المختلفة:
وفيها يتم عرض جميع البدائل الممكنة والتي تساعد في اتخاذ القرار الناجح، فكما يقول بولينج: (أفضل طريقة للحصول على فكرة جيدة أن تكون لديك العديد من الأفكار)، وهناك طرق متعددة نستطيع من خلالها توليد تلك البدائل المتعددة ومن تلك الطرق ما يلي:
  • طريقة العصف الذهني (Brain Storming):
وهي تلك الطريقة التي ابتكرها الإعلامي ألكس أوسبورن، وتعتمد على أن يطرح الأفراد أفكارهم أثناء التفكير فيها، من دون تنمق، أو حذف، أو إضافة، وبدون وضع قيود على التفكير، ومن دون تقييم تلك البدائل، وبالتالي تخرج الفكرة عفوية من صاحبها.
  • طريقة توليد الأفكار تحريرًا (Brain In writing):
وفيها يقوم الأفراد بكتابة أفكارهم على قصاصات ورقية، ثم يتم تبادل تلك القصاصات بين الأفراد المجتمعين.
ويتضح في الطريقتين السابقتين أن توليد الأفكار يكون أكثر أثرا حينما يكون مع الآخرين، فكما يقول المثل الإنجليزي المشهور: (أكثر من عقل يفكر أفضل من عقل واحد)، ولكنك تستطيع أن تولد تلك البدائل وحدك أيضًا، ولكن يفضل أن تأخذ بآراء الآخرين معك.
  1. تقييم البدائل المختلفة لاختيار البديل الأمثل:
ولكن قبل أن نتحدث عن كيفية تقييم البدائل، عليك عزيزي القارئ أن تعي حقيقة هامة تقول: (لا يوجد بديل إلا وله عيوب ومزايا)، ومن أفضل الطرق لتقييم البدائل أن تقوم بما يعرف بتقليل قائمة الأفكار والبدائل أو (List Reductionونقصد بها تقليل البدائل باستخدام قاعدة العيوب والمزايا كما يلي:
  • بديل جيد: مزاياه أكثر من عيوبه.
  • بديل ضعيف: عيوبه أكثر من مزاياه.
  • بديل مختلط: مزاياه وعيوبه متساويان.
  • بديل غير مجدي: لا يساهم في حل المشكلة.
فتقوم باستبعاد البدائل غير المجدية، والبدائل الضعيفة، وتأخذ بالبدائل الجيدة، والبدائل الفعالة من النوع المختلط.
  1. اختيار البديل الأفضل، والبدء في تنفيذه:
وهنا نسوق لك ـ عزيزي المدير الفعال ـ بعضًا من النصائح التي سوف تعينك بإذن الله عند الاختيار بين البدائل المتاحة:
  • انظر في النتائج المترتبة لكل بديل، واحتمالات حدوث عواقب غير مرغوب فيها عن اختيار هذا البديل.
  • قد ينطوي الحل الأفضل من وجهة نظرك على قدر من المخاطرة أكبر مما ترغب أو تتحمل، فادرس المخاطر المتوقعة، ومقدار تحملك لها.
  • لا تنسَ أن تتأكد من الأثر الجيد الذي سيضيفه البديل المختار في سبيل تحقيق أهدافك.
  • إن كان معك شركاء في هذا القرار، فتأكد من كون البديل المختار يلقى قبولًا عندهم؛ حتى يحفزهم ذلك على تنفيذه في أرض الواقع.
  • وأخيرًا، فلا تنسَ الدعاء والاستخارة قبل اتخاذ القرار النهائي، والبدء في تنفيذ البديل المختار.
الركن الثاني: قرار + التزام = نجاح:
ولكن هل تكفي بضع كلمات، نصوغ من خلالها قراراتنا، و مجموعة من الخطوات لا تعدو كونها حبرًا على ورق؟! بالطبع لا، ولكن لابد من اكتمال طرف المعادلة بالتزام وانضباط لا يعرف الكلل ولا الملل، وإليك قصة رجل مثابر، جعل من الالتزام تاجًا فوق رأس قراراته، فقاده إلى نجاح عظيم، وإنجاز هائل.
إنها قصة طالب ياباني، قرر في عام 1938م أن يستثمر كل ما يملك في ورشة صغيرة، ليصنع محرك سيارة ويبيعه لشركة تويوتا، وبعد عمل مضنٍ متواصل، ترفض تويوتا شراء محركه؛ لأنه لا يتوافق مع مقاييس الشركة، عاد إلى دراسته ليتحمل سخرية مدرسيه وزملائه لفشله في صنع المحرك.
وفي عام 1940م ينجح في تصنيع المحرك، وتوقع معه شركة تويوتا عقدًا طالما حلم بتوقيعه، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وتعلن الحكومة اليابانية دخول الحرب العالمية الثانية، ولذا رُفض طلبه للحصول على الإسمنت اللازم لبناء مصنعه، فماذا يصنع؟ قام هو وفريقه باختراع طريقة مبتكرة لإنتاج الأسمنت اللازم لهم، ومن ثم بنوا مصنعهم.
ثم تأتي سنوات الحرب، ويتم قصف مصنعه مرتين؛ مما أدى إلى تدمير أجزاء رئيسية من هذا المرفق الصناعي، فكيف كانت استجابته؟ لقد جنَّد فريقه على الفور وأخذوا يجمعون علب البنزين الفارغة التي كانت المقاتلات الأمريكية تتخلص منها، والتي وفرت له المواد الأولية التي يحتاجها، وهي مواد لم تكن متوفرة في اليابان حينذاك، ويبدأ المصنع في العمل، ولكن زلزال يضرب المصنع، فيضطر إلى بيع ما تبقى منه لشركة تويوتا.
وبعدما انتهت الحرب، كانت اليابان تعاني من ندرة شديدة في مئونات البنزين، فيقرر بطل قصتنا أن يركِّب محركًا صغيرًا لدراجته، وسرعان ما أخذ جيرانه يطلبون منه أن يصنع لهم دراجات، ولذا قرر أن يبني مصنعًا لصنع المحركات لاختراعه الجديد.
غير أنه لم يكن يملك رأس المال اللازم، فأخذ يناشد أصحاب محلات الدراجات في اليابان وعددهم "18000" أن يهبوا لمساعدته، وأخذ يكتب خطابات لهم ليبلغهم بأنه يسعى للعب دور في إعادة إحياء اليابان من خلال قوة الحركة التي يمكن لاختراعه أن يوفرها، واستطاع إقناع "5000" من هؤلاء البائعين بأن يقدموا له رأس المال اللازم.
غير أن دراجته النارية لم تُبع إلا للأشخاص المغرمين جدًّا بالدراجات؛ ولذا أجرى تعديلًا جديدًا لصنع دراجات أخف كثيرًا وأصغر من دراجته، وسرعان ما حققت الدراجة الجديدة نجاحًا باهرًا.
بعد ذلك بوقت قصير يفوز بجائزة إمبراطور اليابان، ومن ثم يبدأ بتصدير دراجاته النارية إلى أوروبا والولايات المتحدة، إلى أن صنع أول سياراته في السبعينيات من القرن العشرين، وحظيت هذه السيارات برواج واسع النطاق.
إنها بالفعل قصة قرار فعال توج بمثابرة والتزام، فأثمر نجاحًا بلا حدود، ولكن هل تعلم ـ عزيزي القارئ ـ من هو ذلك الطالب الياباني؟ إنه المهندس "هوندا"، صاحب ومؤسس شركة هوندا اليابانية التي استطاعت منتجاتها أن تغزو العالم أجمع.