التفكير الاستراتيجي والتخطيط الاستراتيجي
يعد التفكير الاستراتيجي المستمر في عالمنا المتغير أمراً على قدر كبير من الأهمية إذا ما أردنا لأعمالنا التميز، " وتعد القدرة على التمييز بين التفكير على المدى القصير والتفكير على المدى الطويل، والتوازن بينهما مكوناً أساسياً من مكونات الاستراتيجية، ومن ثم ينبغي إدراك أهمية كل منهما في التخطيط الاستراتيجي ".


ويرى، أن التفكير سلسلة من العمليات المعقدة التي تجري في الدماغ البشري بسرعة مذهلة، مهمتها تبسيط الأمور التي تشغل الذهن، وتحليلها إلى عناصر أولية قابلة للربط والمقارنة والعرض والتمثيل والتصوير، ومن ثم الخروج بتصور أو نظرية تشكل قاعدة ثابتة للتطبيق العملي، والتفكير الحر يشكل عائقاً في وجه التخطيط لأنه يرهق الذهن بكثرة المعلومات التي لا لزوم لها في موضوع يجري التخطيط له بشكل محدد، ومن هنا نشأ ما يسمى التفكير الاستراتيجي، والذي هو مسار فكري محدد له خط سير واضح خاص به وله أهداف محددة، وهو (قناة) فكرية تبث وتستقبل صوراً بين التخطيط والتفكير الاستراتيجي نستطيع من خلالها الحصول على نتائج مجزية من عمليات التخطيط التي نقوم بها سواء في عالم المال أو الأعمال، وإن من يخطط لبناء مسجد مثلاً يأخذ بعين الاعتبار موقعه وقربه أو بعده من التجمعات السكنية والتجارية، واتجاه القبلة فيه، ومدى استيعابه وإمكانية توسعته، وهذا أحد أشكال التخطيط الاستراتيجي حيث يسير التخطيط جنباً إلى جنب مع استراتيجية معينة تجعل القائمين يلتزمون بالعمل في مسار فكري محدد.



والتخطيط الاستراتيجي يختلف عن التفكير الاستراتيجي، فالأول عملية تحليلية بينما الثاني معالجة للبصيرة.



وتخطيط الاستراتيجية هو عملية تفكير ديناميكية عن طريق القيادة الجماعية للفريق أو المنظمة ، تقوم على وضع الهدف المرجو من خطة العمل في الاعتبار.

ويعرف التفكير الاستراتيجي بأنه " ذلك الأسلوب الذي يمكن من خلاله المسئولون من توجيه المنظمة بداية من الانتقال من العمليات الإدارية والأنشطة الإجرائية ومواجهة الطوارئ والأزمات حتى تكوين رؤية مختلفة للعوامل الداخلية المتغيرة والعوامل الخارجية القادرة على خدمة التغيير المطلوب في البيئة المحيطة ، بما يضمن أفضل استخدام ممكن لإمكانيات التنظيم انطلاقاً من منظور جديد مركز بصورة أساسية على المستقبل مع عدم إهمال الماضي.


ويلاحظ أن التعريف اعتبر التفكير الاستراتيجي خطوة سابقة من الخطوات التي تخدم التخطيط الاستراتيجي.


تناول لمفهومي التخطيط الاستراتيجي والتفكير الاستراتيجي، حيث اعتبر التخطيط الاستراتيجي بأنه : " دراسة الواقع بكل أبعاده ومظاهره، من قوة وضعف ، وتحديات وفرص ، ورسم رؤى وأهداف مستقبلية بناءً على ذلك، ثم وضع برامج عملية تساعد على الانتقال إلى المستقبل المنشود" أما التفكير الاستراتيجي فهو" ينطلق من التأمل العميق لاستشراف المستقبل وتحديد الاتجاه الذي يقود المؤسسة للاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات والمتغيرات المستقبلية "، ويقود التفكير الاستراتيجي المؤسسة لاستنباط الاستراتيجية ورسم الخطوات المناسبة التي تحول رؤيتها إلى واقع، محققاً وضعاً أفضل يؤدي إلى رفع كفاءتها الداخلية والخارجية.



ويضيف : بأن للتفكير الاستراتيجي الفاعل مبادئ يقوم عليها وهي :-
o التفكير الاستراتيجي وسيلة وليس غاية.
o التفكير الاستراتيجي يتطلب التزام القيادة.
o التفكير الاستراتيجي يتطلب توسيع المشاركة.
o التفكير الاستراتيجي عملية ديناميكية مرنة وليست رتيبة أو منتظمة.



خصائص التفكير الاستراتيجي.



• تفكير افتراقي أو تباعدي (Divergent) لكونه يعتمد الإبداع والابتكار في البحث عن أفكار جديدة، أو يكتشف تطبيقات مستحدثة لمعرفة سابقة، وهو لذلك يحتاج إلى قدرات فوق العادية للتخيل والتصور وإدراك معاني الأشياء والمفاهيم وعلاقاتها.


• وهو تفكير تركيبي وبنائي(Synthesizing) يعتمد الإدارك والاستبصار والحدس لاستحضار الصور البعيدة ورسم ملامح المستقبل قبل وقوعه.


• وهو تفكير كلي منظم (System Thinking) باعتماده الرؤية الشمولية للعالم المحيط.


• وهو تفكير تفاؤلي وإنساني يؤمن بقدرات الإنسان وطاقاته الفعلية على اختراق عالم المجهول ، والتنبؤ باحتمالات ما سيقع ويحث على وجوب توظيف المعرفة المتاحة والمشاركة في صناعة المستقبل.


• وهو تفكير تنافسي(Competitive) يقر أنصاره بواقعية الصراع بين الأضداد، ويؤمنون بأن الغلبة لأصحاب العقول وذوي البصيرة ممن يسبقون الآخرين في اكتشاف المعرفة الجديدة، و تكمن أهمية التنافس في إدخال عنصر المخاطرة التي تدفع الاستراتيجيين لمواصلة التفكير بما هو جديد.


• والتفكير الاستراتيجي تفكير تطويري أكثر منه إصلاحي لكونه يبدأ من المستقبل يستمد منه صورة الحاضر وينطلق من الرؤية الخارجية ليتعامل من خلالها مع البيئة الداخلية ، فهو تفكير استباقي ومتعدد الرؤى والزوايا.


ونرى أن الرأي الذي ذهب بأن التفكير الاستراتيجي خطوة أولى ومهمة من خطوات التخطيط الاستراتيجي ويرتبط التفكير ارتباطاً وثيقاً كصفة لازمة بالقادة والمخططين الاستراتيجيين، لأن أول خطوة في التخطيط الاستراتيجي من ا لناحية التقليدية هي القيام بتشخيص واعٍ للظروف المحيطة ، وتحليل لكافة العوامل المتصلة سواء كانت حاضرة أو مستقبلية ، ثم وضع رؤية وبدائل . وكل ذلك لا يتأتى إلا بالتفكير الاستراتيجي.


مزايا التخطيط الاستراتيجي:


للتخطيط الاستراتيجي مزايا عديدة تنطلق من كونه يأتي تطوراً نوعياً لأنواع التخطيط المختلفة ولعل أهم ما يميز التخطيط الاستراتيجي ما يلي:


1. أنه عملية متكاملة ومتنوعة الأبعاد لصياغة وتطبيق خطة استراتيجية شاملة تؤدي إلى إكساب أو خلق الميزة التنافسية للمنظمة.


2. ينطلق التخطيط الاستراتيجي من تحليل منهجي شامل للمركز التنافسي الحالي للمنظمة، وللفرص والتهديدات الحالية والمتوقعة في بيئة الأعمال ، ولعناصر القوة والضعف الذاتية الموجودة في داخل المنظمة من جهة أخرى.


3. التخطيط الاستراتيجي عملية واسعة متعددة الأوجه ومتنوعة الأنشطة تتجاوز النظرة التقليدية للأنماط الأخرى من التخطيط، فالتخطيط الاستراتيجي ليس مجرد نشاط وظيفي وديناميكي متخصص ، وإنما هو أوسع شمولاً، وأغنى أبعاداً ، وأعمق مستوىً من التفكير العقلاني التحليلي ، حيث يتسم بالتفكير الموضوعي المتبصر الذي ينطلق من محاولة صياغة نظرة شاملة لكافة المتغيرات البيئية (الداخلية والخارجية).



4. يسعى التخطيط الاستراتيجي إلى إيجاد تصور تستطيع من خلاله أن تحقق ميزة تنافسية ، وذلك من خلال تحليل الاتجاهات المتوقعة والممكنة والتركيز على المستقبل، ويتميز التخطيط الاستراتيجي بأنه نوعي يركز على إنتاج وتوريد الأفكار غير المسبوقة..



5. يحقق التخطيط الاستراتيجي التفاعل والحوار البناء بين المستويات الإدارية الثلاث في التخطيط (العليا - الوسطى - الدنيا) وبين مستقبل التنظيم وسبل نجاحه وتطوره، ويرشد اتخاذ القرارات في العملية الإدارية.


6. يعمل التخطيط الاستراتيجي على التقليل من الآثار السلبية للظروف المحيطة على نشاط التنظيم وزيادة فاعليته وكفاءته ، وتقديم المساهمة في إحداث جودة أفضل للمنتج أو الخدمة.



7. يسعى التخطيط الاستراتيجي إلى وضع مسارات رئيسية للفعل الاستراتيجي تتمثل بخطط استراتيجية أقل رسمية وأقل ثباتاً ، وأكثر تغييراً وأوسع شمولاً ، وأعمق تحليلاً من الخطط الرسمية التقليدية التي تنغلق على ثوابت مبادئها وقواعد عملها ومراحل تنفيذها.


ويضع التخطيط الاستراتيجي عناصر جديدة في عملية التخطيط هي :-


• ربط التخطيط بالأهداف الاستراتيجية للمنظمة.


• تكامل النظرة في الداخل (تحليل البيئة الداخلية)، بالنظرة إلى الخارج (تحليل البيئة الخارجية).


• دراسة وتحليل القدرات والموارد التنظيمية بنظرة شمولية واسعة.


• نظرة متكاملة لتقييم أداء المنظمة في الماضي، وتحليل الموقف الاستراتيجي في الحاضر، وتكوين نظرة شاملة مع العمل المنظم من أجل المستقبل.


• تجاوز مستوى العمل بصيغة ردود الفعل والتخطيط من أجل التأثير الفاعل في السوق وهيكل الصناعة.


• ربط التخطيط بالثقافة التنظيمية للمنظمة وبقواعد لعبة الأعمال في بيئة العمل المحيطة.


• فهم التخطيط كأداة لتغيير استراتيجي شامل للأوضاع والموارد والقدرات.


• الانتقال من التنبؤ إلى الاستكشاف، من حشد الموارد إلى بناء القدرات، ومن السعي من أجل البقاء والمحافظة على الوضع الراهن إلى بناء الاستراتيجيات التي تؤدي إلى تكوين أو خلق الميزة التنافسية الاستراتيجية المؤكدة .



المرجع :
واقع التخطيط الاستراتيجي في الجامعة الإسلامية في ضوء معايير الجودة ، دراسة مقدمة من الطالب إياد علي يحيى الدجني ، إشراف الدكتور / عليان عبد الله الحولي ، استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في أصول التربية ( الإدارة التربوية ) 1427 هـ ـ 2006 م