لا جديد في القول, إن هناك اختلالا واضحا في هيكل القوى العاملة في المملكة, وهو ما تعترف به وزارة العمل وعجزت عن إصلاحه بالطرق التي اتبعتها خلال السنوات الماضية، هذا الاختلال ليس حكرا على المملكة فقط بل يمكن اعتباره خصوصية خليجية، وأسهم في ظهوره الارتفاع الكبير والمفاجئ لأسعار النفط منتصف السبعينيات وفشل المخططين في إدارة دفة التنمية البشرية بما يخدم الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى....
الإيرادات الضخمة التي تدفقت على الدول الخليجية النفطية خلال العقود الثلاثة الماضية صرف معظمها على مشاريع البنية الأساسية مثل التعليم والصحة والطرق والإسكان وغيرها، إلا أنها لم تؤسس لتنمية القوى العاملة بشكل يفي بمتطلبات خطط التنمية وعلى رأسها توفير فرص عمل لحديثي التخرج من الجنسين، فقد كانت أجهزة الدولة نفسها عاجزة عن سد حاجتها من العمالة في ذلك الوقت ما جعلها تتوسع في الاستقدام من الخارج وبالذات في قطاعي التعليم والصحة، أما اليوم وبعد أن ارتفع عدد السكان وربما تضاعف لم تستطع هذه الدول أن تتخلص من اليد العاملة الأجنبية منخفضة الأجر وتعدادها بالملايين, كما أنها عجزت عن توفير فرص عمل لأبنائها أيضا, ما شكل أزمة الأضداد, إن جاز لي التعبير, وهي على كل حال لم تحدث إلا في الدول الخليجية فقط, حسب علمي. ولكن هل صحيح ما يقال عن أن الخليجيين لا يرغبون في العمل في أعمال ولدوا وكبروا وهم يرون العمالة الآسيوية تعمل فيها؟ وهي أعمال يقال ويتداول أنها لا تتناسب مع عاداتهم وتقاليدهم مثل أعمال: النجارة, الحدادة, السباكة, البناء, الطهي, الحلاقة, الزراعة,والنظافة, وغيرها. الحقيقة أن العمل في هذا العصر لا يعترف بالتقاليد مع احترامي لكل من يسوق هذا المبرر، لأنه يرتبط بالأجر أولا وأخيرا، فهناك سعوديون يزاولون مثل هذه الأعمال لدى شركات تمنحهم رواتب جيدة، من هنا تأتي أهمية الجدل حول وضع حد أدنى للأجور ومدى مناسبته وعيوبه ومزاياه. في البدء يعد وضع حد أدنى للأجور أمرا إنسانيا قبل أن يكون تنظيميا، فمن غير المقبول أن يحتكر العامل السعودي مقابل أجر لا يفي بأبسط متطلباته المعيشية قياسا بمتوسط تكاليفها في المجتمع الذي يعيش فيه، بحجة أن هناك عمالة وافدة تقبل بنصف ما يدفع له, فهذا الأمر أسهم في أن يكون معدل دوران العاملين السعوديين كبيرا جدا وهو ما يتذرع به القطاع الخاص عندما يزداد الضغط عليه لتوظيف العمالة الوطنية. لكن وضع حد أدنى للأجور ينبغي من زاوية أخلاقية أن يشمل جميع العاملين في المجتمع من جميع الجنسيات، وهذا يعني أن يكون أجر العاملة والسائق وعامل النظافة يزيد على الأجر الذي يتقاضاه اليوم بخمس أو ست مرات، ومعناه أيضا أن تتضاعف أسعار السلع والخدمات وتقفل مئات المصانع الوطنية أبوابها بسبب اختلال موازين المنافسة مع السلع والخدمات المشابهة لمنتجاتها والمستوردة من الخارج، وفي المحصلة ستتضاعف تحويلات العمالة الوافدة لتهدد مقومات الاقتصاد الوطني. ما العمل إذن؟ هل تقف وزارة العمل مكتوفة الأيدي؟ أم تستمر في تطبيق سياسات عقيمة لا تحقق الأهداف الوطنية؟ الحل من وجهة نظري يكمن في إقناع منظمة العمل الدولية بالظروف التي تمر بها المملكة, وهي ظروف تشترك فيها دول مجلس التعاون الخليجي كافة بأن يسمح للمملكة بوضع حد أدنى للأجور يشمل المواطنين فقط، وفي حال عدم نجاح هذا المسعى فيمكن وضع حد أدنى لأجور المهن الوظائف بأسمائها وليتساوى حينها السعودي مع غير السعودي، إلا أن هذا الحل يتطلب رقابة صارمة لضمان نجاحه ومنع التلاعب في تطبيقه ولتكن المهن التي تكثر فيها العمالة الوافدة آخر المهن التي يوضع لها حد أدنى للأجور، إلى هنا أتوقف وربما تكون لي عودة. جريدية الإقتصادية عبد المجيد بن عبد الرحمن الفايز - كاتب اقتصادي