أوصت دراسة أعدها مركز البحوث والدراسات بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض بعنوان "الاستثمار في رأس المال البشري" إلى ضرورة السعي إلى إجراء حصر للاحتياجات الوظيفية القائمة والمستقبلية في كافة الأنشطة النوعية لسوق العمل، ليتم تصميم مناهج التعليم وبرامج التدريب على ضوئها. وذكرت الدراسة أن هناك أبعاداً عديدة للاستثمار في رأس المال البشري أهمها البعد الثقافي: حيث ينعكس تزايد نسبة المثقفين من الموارد البشرية في التنمية الحضارية للمجتمع وزيادة معرفة الفرد المؤهل تعليماً وتدريباً لديه فرصة أكبر للعمل كمواطن منتج يحقق قيمة مضافة تسهم في تنشيط الدورة الاقتصادية.

ويأتي بعد ذلك البعد الاجتماعي وتذكر الدراسة أن التعليم ينمي قدرات الفرد الذهنية والفكرية ويكسبه الأنماط والقيم السلوكية المتوازنة مما يجعله أكثر قدرة على تفهم المشكلات الاجتماعية وترسيخ الروابط الأسرية، إضافة إلى تأثيره الملموس في شعور الإنسان بالذات. يتبع ذلك البعد العلمي، حيث يوفر التعليم الكوادر العلمية القادرة على البحث والابتكار والاختراع والتطوير بما يسهم في إحداث النقلات الحضارية المختلفة وإحداث التقدم التقني في شتى مجالات الحياة والتحسين المستمر في وسائل المعيشة. وآخر الأبعاد هو البعد الأمني حيث تؤدي العناية بتعليم وتدريب الفرد إلى تخفيض نسبة البطالة والتي تتناقص مع ارتفاع المستوى التعليم والتدريبي مما يسهم في تحقيق الاستقرار الأمني للمجتمع، إضافة إلى قناعة الأفراد أنفسهم بضرورة وجود هذا الاستقرار. وعددت الدراسة العوامل المؤثرة في استثمار رأس المال البشري ومن ذلك العوامل الجغرافية وتشمل هذه العوامل موقع الدولة ومناخها وبيئتها الطبيعية ومصادر مواردها فالمناخ يحدد السن الملائم لبدء التعليم وبداية ونهاية السنة الدراسية ففي الجهات الشمالية التي تنتشر فيها العواصف الثلجية والبرودة مثل السويد والنرويج والدانمارك يتأخر سن التعليم الإلزامي إلى السابعة، بينما في المناطق المعتدلة والحارة يبدأ من السادسة، أما العطلات الدراسية الصيفية ففي معظم البلاد العربية تبدأ في شهر يوليو وتنتهي في سبتمبر لارتفاع درجة الحرارة في هذه الفترة، بينما تبدأ هذه العطلة في البرازيل في شهر ديسمبر وتنتهي في فبراير لأنها شهور الصيف في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، كما يؤثر المناخ في شكل وتكلفة المباني المدرسية وما تحتاجه من تدفئة صناعية أو تبريد صناعي أما البيئة فإنه في كثير من الدول يتم ادخال جانب من المقررات الدراسية يتعلق بطبيعة البيئة ساحلية أو زراعية أو صناعية أو صحراوية وغيرها ضمن محتويات البرامج التعليمية والتدريبية. كما أكدت الدراسة أن العوامل السكانية تؤثر وبشكل مباشر في الاستثمار برأس المال البشري خاصة التركيبة السكانية ومعدل النمو السكاني حيث يحدد التوزيع العمري للسكان في الفئات الموازية للمراحل التعليمية الكم المطلوب من المرافق والموارد التعليمية، كما يترتب على الزيادة في معدل النمو السكاني الحاجة إلى وفير المزيد من هذه المرافق وفي حالة عجز الإمكانات الاقتصادية عن توفير هذه المرافق والموارد في دولة ما تتفاقم مشكلات الأمية وازدحام الفصول التعليمية والضغط على الجامعات بأعداد كبيرة والاهتمام في كافة المراحل التعليمية بالجانب الكمي على حساب النوع مما يترتب عليه إهدار الاستفادة من الموارد البشرية وضعف التوافق بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وانتشار البطالة وغيرها من المشكلات. واعتبرت الدراسة العوامل الاقتصادية مهمة في الاستثمار في رأس المال البشري حيث يوجد ارتباط وثيق بين كل من الاقتصاد، والتعليم والتدريب حيث تؤثر الأوضاع الاقتصادية في النظم التعليمية والتدريبية من حيث تحديد محتوى التعليم والتدريب ومناهجها وأساليبها ومدتها وتوفير التكاليف سواء للانفاق الكامل عليها أو لدعمها، كما أن المؤسسات التعليمية والتدريبية تمد المشروعات الاقتصادية بالأيدي العاملة المؤهلة والمدربة في مجالات أنشطتها. وحول محددات الاستثمار في رأس المال البشري أشارت الدراسة إلى أن عملية تنمية الموارد البشرية ترتبط بجانبين متلازمين ومتكاملين أولهما يختص باكتساب العلم والمعرفة والمهارة مشكلاً جانب التأهيل، وثانيهما يتعلق بقضايا العمل والتوظيف، وهذان الجانبان هما الأساس في تكوين محددات الاستثمار في رأس المال البشري. مشيرة إلى أن التخطيط: ويعنى بوضع الأسس اللازمة لبناء الإنسان وتحديد احتياجاته من المهارة والمعرفة العلمية والثقافية والمهنية وغيرها والطرق والوسائل الفعالة لتوفير تلك الاحتياجات عبر مراحل زمنية محددة. كما أن التنمية حيث يتم من خلاله توفير المؤسسات التعليمية والتدريبية للقيام بخطوات تنمية الموارد البشرية شاملة تنمية القدرات الثقافية والفكرية والمهارات العملية لدى الفرد لتأهيله لممارسة مسؤولياته كمواطن منتج. أما عملية التوظيف التوظيف فيتم من خلالها إتاحة فرص العمل للقوى البشرية التي تنميتها وتأهيلها من خلال برامج التعليم والتدريب بما يمكن من استغلال القدرات والمهارات التي اكتسبتها في إنتاج السلع وتقديم الخدمات للمجتمع والإسهام في توفير احتياجاته. وحول حجم الإنفاق على تنمية الموارد البشرية في المملكة ذكرت الدراسة أن الاهتمام بتنمية رأس المال البشري انعكس من قبل الدولة في تزايد الاعتمادات المالية المخصصة له لتوفير المرافق التعليمية والتجهيزات والموارد البشرية التي تقوم بالتدريس والتدريب إدارة العملية التعليمية والتدريبية. وعن التوجهات المستقبلية لتنمية رأس المال البشري في المملكة ذكرت الدراسة أنه لا بد من توفير الروافد التي تجعل المواطن عاملاً منتجاً وقادراً على العطاء والتوسع في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في قطاعات التعليم والصحة والخدمات مع التنوع في وسائل تمويلها وإدارتها. كما رأت الدراسة الحاجة إلى تطوير مخرجات التعليم بما يتفق والشريعة الإسلامية واحتياجات المجتمع المتغيرة. وزيادة مساهمة المواطنين في القوى العاملة في القطاعات الاقتصادية المختلفة وخصوصاً القطاعات التي تتركز فيها العمالة الأجنبية والتوسع في مجالات عمل المرأة بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية. بالإضافة إلى الاهتمام بالرعاية الاجتماعية والصحية للمجتمع السعودي والعناية بالفئات المحتاجة للرعاية ومنها زيادة الاهتمام بالمعوقين وإدخال برامج وطنية لتأهيلهم ورعايتهم وتسهيل مجالات العمل لهم، والتوسع في برامج محو الأمية وتعليم الكبار بهدف القضاء على الأمية. وكذلك اتباع سياسة سكانية تراعي المتغيرات الكمية والنوعية للسكان وتوزيعاتهم الجغرافية وتعزيز العلاقة بين المتغيرات السكانية والنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية من خلال بناء الموارد البشرية وإعدادها وتأهيلها لمواجهة الحاجات المتجددة والمتغيرة للسكان، وتنويع مهارات المواطن ورفع مستوى إنتاجيته وتشجيع الاستثمار في مجالات التنمية البشرية، وتوفير الوسائل المناسبة لمواجهة احتياجات التركيبة السكانية. وشددت الدراسة على أهمية إعطاء أولوية في تنمية القوى العاملة من خلال برامج التعليم التقني والفني والتدريب المهني، وبرامج التدريب التعاوني التي تتيح التعايش مع واقع بيئة العمل وتعطي اهتماماً للجوانب التطبيقية. وتطوير المناهج التعليمية لتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات المجتمع بالإضافة إلى تطوير طرق ووسائل التأهيل والتدريب باستخدام التقنيات والتجهيزات المستحدثة. والاهتمام بتنمية كافة فئات الموارد البشرية بما فيها الفئات التي تحتاج إلى الرعاية مثل المعاقين بتأهيلهم وإتاحة مجالات العمل لهم وكذلك فئة الأميين بالتوسع في برامج محو الأمية وتعليم الكبار وجاء في توصيات الدراسة العديد من النقاط التي تساهم بشكل كبير في الاستثمار في رأس المال البشري منها: - الاهتمام بالأخذ بنظام التعليم والتدريب التعاوني لجدواه في تحقيق فعالية التأهيل سواء من خلال التعليم أو التدريب، وعنايته بالجانب التطبيقي، وتأثيره الملموس في تهيئة الشباب للتكيف بعد تخرجهم مع بيئة العمل. - التوسع والتطوير في مناهج التعليم وبرامج التدريب النسائية وفي مجالات مستحدثة ومدروسة بما يمكن من رفع النسبة المتدنية لإسهام المرأة في سوق العمل. - إعطاء أولوية في التخصصات التعليمية والتدريبية التي يتم التأهل عليها للنوعيات التي أثبتت جدواها في توظيف الخريجين منها، وتبادل التعريف بها بين الجهات المعنية بالتعليم والتدريب. - العناية بقياس أثر التعليم والتدريب للتعرف على مدى الاستفادة الفعلية من تأهيل الموارد البشرية، من خلال متابعة الخريجين بعد مباشرتهم الأعمال التي تم تأهيلهم لممارستها، والأخذ بالنتائج في تقويم وتطوير مناهج التعليم وبرامج التدريب. - تشجيع التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، للاستفادة من إمكاناتها وخبراتها في تصميم وتنفيذ برامج متطورة للتدريب تتواكب مع المستجدات العالمية. - السعي للاستفادة من صندوق تنمية الموارد البشرية الذي صدرت موافقة مجلس الوزراء الموقر على إنشائه، للإسراع في تحقيق نقلة نوعية في تأهيل وتدريب الشباب للتوافق مع سوق العمل. - التوعية المستمرة لأصحاب الأعمال والمسؤولين بأن التدريب عملية مستمرة، مما يتطلب مواصلة تدريب العاملين القائمين على رأس العمل لتحسين مستويات مهاراتهم. - تكثيف الإعلام عن أهمية التدريب خاصة في المجالات الفنية والمهنية، وتوليد الوعي والقناعة لدى الشباب بأهمية وضرورة الالتحاق بهذه النوعيات لجدواها في توفير فرص العمل. - مواصلة الاهتمام ببرامج التدريب الصيفي للطلاب واستحداث برامج جديدة، مع تخصيص جانب من التدريب ينفذ بمنشآت القطاع الخاص لتعريفهم ببيئة العمل بها. - التوسع في الكشف عن الفرص الاستثمارية المتاحة في المملكة من قبل الجهات المعنية يراعى فيها وجود مجالات عمل مناسبة للعمالة الوطنية. - العمل على إنشاء جهة موحدة تتولى تنسيق التوظيف في القطاع الخاص للاستفادة من الموارد البشرية التي تم تأهيلها للعمل مع قيامها بالتعرف المستمر على احتياجات سوق العمل وإخطار جهات التعليم والتدريب بها. - متابعة وتطوير تشريعات العمل بما يضمن الاستقرار الوظيفي للعمالة الوطنية في المنشآت ووضوح حقوقها وواجباتها. أجراها مركز البحوث بالغرفة التجارية بالرياض