ركزت خطط التنمية الخمسية المتعاقبة للمملكة على تنمية العنصر البشري، باعتباره محور ارتكاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة، التي تعيشها السعودية.

من هذا المنطلق أولت الحكومة جل اهتمامها وتركيزها لتطوير العملية التعليمية بمختلف أفرعها وتخصصاتها، بغية إعداد عناصر بشرية من الجنسين، قادرة ومؤهلة للإسهام بفاعلية عند التحاقها بسوق العمل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.

من بين المؤسسات التعليمية، التي حظيت باهتمام الدولة خلال خطط التنمية المختلفة، المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني التي تعود بداية تأسيسها إلى وقت مبكر جداً، عندما كانت مهامها موزعة بين ثلاث جهات حكومية، وبعد ذلك تم توحيدها ودمجها تحت مظلة واحدة في عام 1400هـ، تحت اسم المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني نتيجة للحاجة المتزايدة على تأهيل الشباب السعودي في مجالات التقنية المختلفة.

خلال مسيرتها التي تجاوزت ثلاثة عقود من الزمان، تمكنت المؤسسة من تأهيل أعداد كبيرة جداً من المواطنين السعوديين من الجنسين لسوق العمل، في مجالات تقنية ومهنية متعددة، وتمكنت أيضاً من تطوير أعداد كبيرة من البرامج التدريبية في مجال الأعمال التقنية والمهنية، وتقديم التراخيص لعدد كبير من برامج التدريب حسب الطلب الكمي والنوعي لسوق العمل (للذكور والإناث)، بما في ذلك سنِّ التنظيمات المختصة بجودتها وكفايتها والإشراف عليها.

من بين الأدوات والوسائل، التي استخدمتها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، في تطوير مجالات التدريب التقني والمهني في المملكة، بناء شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص، وإيجاد بيئة آمنة ومحفِّزة للعمل والتدريب، والتشجيع على الاستثمار في مجالات التدريب الأهلي، وتوثيق العلاقة مع الجهات التعليمية والتدريبية الوطنية، والتوسع في مجالات تدريبية متقدمة تدعم الخطط الوطنية المختلفة المتعلقة ببرامج نقل التقنية وتطويرها.

وبهدف تعزيز قدرات الموارد البشرية وتأهيلها بشكل أكبر مقارنة بأي وقت مضى، لتلبية احتياجات سوق العمل المحلية، تم اعتماد سياسة تعليمية عليا، تتضمن ضرورة الاهتمام بالتعليم التقني وتوسيع مجالاته على مستوى الكليات التقنية، بما في ذلك فتح مسارات أخرى للتعليم العالي في مجالات التنمية التي تحتاج إليها البلاد، حيث تضمنت السياسة التعليمية الجديدة على سبيل المثال التأكيد على عدم هيمنة المنهج الأكاديمي على العملية التدريبية، بالشكل الذي يمكن كليات التقنية من المحافظة على وظيفتها ورسالتها الأساسية، المتمثلة في إعداد الكوادر البشرية وفقاً لمتطلبات سوق العمل المحلي. كما تم اعتماد تنفيذ البرامج التدريبية في المؤسسة في ثلاثة مستويات مهنية، تكفل تحقيق مستويات مخرجات لسوق العمل ذات تأهيل متنوع وفق معايير مهنية يعدها المختصون في سوق العمل.

رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وتوسيع مساهمة مخرجات المؤسسة من الكوادر البشرية في سوق العمل، إلا أن هذه الجهود لا تزال دون الطموح والمأمول، في ظل محدودية أعداد الخريجين في كل عام، الذين لا يتجاوز عددهم 25 ألف متخرج سنوياً، وبالذات في ظل توجه معظم الخريجين للعمل في القطاعات العسكرية المختلفة، بسبب تنامي الطلب عاماً عن عام على الخريجين من المعاهد والكليات المهنية المختلفة من قبل تلك القطاعات وقدرتها على استيعاب مختلف التخصصات المهنية والفنية.

من هذا المنطلق، وبهدف تعزيز مساهمة خريجي المؤسسة في سوق العمل، يتطلب الأمر تعزيز القدرات المالية والكوادر التعليمية والتدريبية للمؤسسة، حيث تتمكن المؤسسة من التوسع في مخرجات التعليم، التي تلبي احتياجات سوق العمل، وفق خطة استراتيجية عشرية، تتيح الإحلال التدريجي للعمالة المهنية الوطنية محل العمالة الوافدة، التي يتجاوز عددها خمسة ملايين عامل في جميع التخصصات والأعمال والمهن. كما أن الأمر يتطلب التوسع في بناء الشراكات مع القطاع الخاص، ولا سيما أنها أثبتت فاعليتها وجدواها في توطين الأعمال المهنية والفنية في تلك الشركات، إضافة إلى توجيه القطاعات العسكرية في التوسع من تأسيس معاهد وكليات فنية ومهنية خاصة بها، تعمل على توفير احتياجاتها من التخصصات المهنية والفنية المختلفة، حيث يكون تركيز المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني على تلبية احتياجات القطاع الخاص من ذلك النوع من العمالة. آخراً وليس أخيراً، الأمر يتطلب نشر الوعي في أوساط المجتمع بأهمية العمل في المجالات المهنية المختلفة مثال مجال الحاسب الآلي، والإلكترونيات، وأعمال اللحام، والكهرباء، والميكانيكا، والتبريد والتكييف، والمحركات والمركبات، والتمديدات الصحية، والنجارة، والسمكرة وأعمال الدهان.

خلاصة القول، إن التوجه نحو بناء مجتمع تقني ومهني في السعودية، يتطلب من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، مضاعفة الجهود خلال السنوات القادمة المرتبطة بتدريب وتأهيل الكوادر البشرية للعمل في سوق العمل السعودي وفقا لاحتياجات ومتطلبات السوق.

إن التوسع في أعداد الخريجين التقنيين والمهنيين، يتطلب رصد مبالغ واعتمادات مالية إضافية لدعم هذا التوسع، إضافة إلى التوسع في بناء شراكات مع القطاع الخاص وتوجيه القطاعات العسكرية للتوسع في بناء المعاهد المهنية الخاصة بهما لتلبية احتياجاتها السنوية من العمالة المهنية، وأخيرا إن نشر الوعي بين أفراد المجتمع السعودي بأهمية العمل المهني والتقني، سيساعد على توطين الوظائف المهنية في سوق العمل والإقبال عليها من جميع فئات المجتمع، بما في ذلك احترامها وتقديرها.

إن تطبيق مثل هذه الاقتراحات وغيرها، سيمكننا من بناء طاقات مهنية جيدة تساعدنا على إحلال العمالة الوطنية المهنية محل العمالة الوافدة خلال فترة زمنية معقولة، كفيلة بتلبية احتياجات سوق العمل المحلي على ذلك النوع من العمالة، حيث تشمل الفائدة وتعم سوق العمل والاقتصاد وأفراد المجتمع السعودي على حد سواء، والله من وراء القصد.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.