وبدأت الأوراق في التساقط
أعلن اليوم صباحا وفاة البابا شنودة، وهو أحد الوجوه التي عشنا معها كبابا للأقباط منذ سنوات طويلة جدا حتى لا أكاد أقابل قبطيا يعرف بابا غيره، وأنا شخصيا غير مفاجئ من هذا الخبر فالرجل كان يعاني بشدة من المرض وكان يقضي وقتا طويلا خارج البلاد للعلاج .. وعلى كل الأحوال فقد لاقى ربه .. وقبله منذ اكثر من عام أيضا توفى الشيخ طنطاوي شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية الأسبق وهو أيضا من الوجوه التي عشنا معها لفترة ليست بالقصيرة، وها هو مبارك محبوس وأنا شخصيا اعتقد انه على شفا الموت، وعلى كل الأحوال هو فعليا في حكم الأموات فالإعدام او السجن على اقل تقدير ينتظره وهو صاحب الخمسة وثمانون عاما فكم سيمكث في الدنيا أكثر مما مكث وهو مسجونا، لذا فظني أنه في حكم الأموات فعليا، ومعمر القذافي الذي لم تعرف ليبيا رأسا غيره لمدة تزيد على الأربعين عاما قد مات، وغيرهما كثر فارقوا الحياة في السنوات القليلة الماضية، وإن كانت السنتين الأخيرتين شاهدتين على غروب شمس كثير من مشاهير الدنيا ومن كانت اسمائهم ملء السمع والبصر.
هل بدأت فعلا الأوراق في التساقط وبدأت ملامح عهد جديد على الأرض تجدد فيها شبابها وتلفظ كل الوجوه القديمة لتنبت لنا جيلا جديد يقود الأرض في مرحلة او منعطف جديد .. وهو ما يعني بالضرورة أن يتغير المستقبل المرسوم في مخيلتنا فاذا اتمت الأرض دورتها وبدء هذا العهد الجديد فلا أحسب ان تظل موازين القوة في العالم على حالها .. فما سيحدث أن تنهار قوى عظمى وأن تظهر قوى جديدة وتتغير كل الموازين على الأرض، ولا أعتقد في هذه الحالة أن تغيب الأمة الإسلامية عن هذه التغييرات لدورة جديدة، فالقرنين الماضيين شهدا أفول نجم الأمة الإسلامية وانهيار خلافتها وضعف غير مسبوق لحضارتها، لتتفتت الأمة الإسلامية الى دول ثم الى دويلات ومع هذا التفتت يظهر اليهود في الصورة من جديد ويقوم كيان صهيوني على أرض إسلامية عربية ويثبت مكانه ويحارب وينتصر وينهزم ولكنه يبقى ويلقى دعم من كل دول العالم تقريبا في مواجهة دول اسلامية ضعيفة ومتخاذلة .. وضعفها هذا ليس بسبب حكامها وانما بسبب بعدها عن دينها الحنيف ولأن المسلمين في هذا العهد أصبحوا تابعين لحضارات غربية، وكأنهم ارتضوا أن يمسكوا في ذيل الأمم الأخرى وهم الأحق بقيادة الأرض لما وهبهم الله من دين عظيم ودستور حياة من اتبعه حق اتباع ملك الأرض ومن عليها.
هل سيكون للإسلام مكانا جديدا في دورة الأرض الجديدة هذه؟، السؤال ليس بالتعقيد او بالصعوبة التي يبدو عليها، فكما يلاحظ جميع المحللين أن نجم الإسلاميين تعاظم بشدة في السنوات الأخيرة، وقد ساعدهم طوفان الثورات العربية في أن يصلوا الى منابر الحكم في دولا عدة مثل تونس وليبيا ومصر، وأخرى وصلوا اليها دون عناء الثورة مثل تركيا .. لتبدأ مرحلة جديدة تماما سيعود فيها الإسلام يحكم فيسود، ولا أحسب أن الله أوصل الإسلاميين للحكم في تركيا وهزيمتهم للعلمانيين بشكل ساحق بل ونجاح نموذجهم الإسلامي في حكم تركيا نجاحا مذهلا بكل المقاييس، كما أن الله ألهم الشعوب العربية للثورة على الطغاة العرب – وهو أمر كان ضمنا دربا من المستحيل – واوصل الإسلاميين الى الحكم .. كل هذا لا يمكن أن يكون محض صدفة، وإنما هو ترتيب رب العباد حتى يعطي الفرصة لنا مرة أخرى لنعيد للإسلام حقه الذي أضعناه سابقا .. انها الفرصة اذا ان نقبل هدية المولى عز وجل وننتهزها ونعيد بناء امتنا من جديد ليتوحد المسلمين كي تعود الحضارة الإسلامية الى مكانتها التي تستحقها كأم لكل الحضارات.