حين أطلقت شركة بي إم دبليو في العام الماضي علامتها التجارية الفرعية، ''آي''، لتوجيه شركة صناعة السيارات الألمانية نحو مستقبل أكثر صداقة مع البيئة وأخف وزنًا، تمت الإشادة بالتصاميم الأنيقة لأنموذجها الصناعي ''آي3''، و''آي8'' من السيارات الكهربائية، ووصفها ''بالرؤية التي سوف تغير المستقبل''.
لكن إعلان شركة بي إم دبليو بأنها تؤسس إلى جانب ذلك وحدة مشروع رأسمال استثمارية في نيويورك تبلغ تكلفتها مائة مليون دولار، وذلك للاستثمار في شركات ناشئة متكاملة، أشار إلى انسلاخ جذري آخر عن الماضي.
يقول أولريش كرانز، رئيس مشروع آي: ''نريد أن نجتذب رواد الأعمال الشباب والشركات الناشئة لكي يأتوا إلينا بأفكارهم وابتكاراتهم ويطلبوا الدعم''.
كان عدد من الشركات الألمانية – بما فيها ''سيمنز''، و''باسف''، و''ساب''، و''دوتشيه تيليكوم'' – يدير وحدات رأس المال الاستثماري منذ سنوات. ولكن حين تعافى الاقتصاد من الأزمة، يتحول المزيد من الصناعيين الأكثر شعورًا بالفخر والمكتفين ذاتيًّا، نحو رأس المال الاستثماري كطريقة للاستخدام الأفضل للموارد النقدية التي تحمل فوائد متدنية.
بقيامها بذلك، تعكس الشركات الألمانية اتجاهًا عالميًّا. وتم جمع عدد قياسي من صناديق الشركات الاستثمارية بلغ 83 صندوقًا في العام الماضي، في الولايات المتحدة وآسيا بشكل رئيس، وذلك وفقًا لمجلة التجارة ''جلوبال كوربوريت فينتشرينغ''. وتشتمل الأمثلة الحديثة التي تم تسليط الأضواء عليها شركة جنرال موتورز التي أسست فرعًا عام 2010 بلغت تكلفته مائة مليون دولار، وشركة جوجل التي أسست ذراع رأس المال الاستثماري عام 2009 بنحو مائة مليون دولار. وفي الأسبوع الماضي، تم إطلاق صندوق بمبلغ 300 مليون يورو من قبل شركة تيليكوم أورانج الفرنسية، وشركة بوبليسي جروب، وشركة إيريس كابيتال إنفيستمنت، وذلك للاستثمار في الشركات الرقمية الناشئة.
أما في ألمانيا، فقد قيل إن الشركة المتخصصة في الكيماويات، ''إفونيك أندستريز''، خططت في شهر كانون الثاني (يناير) لاستثمار قرابة مائة مليون يورو في الشركات الناشئة وصناديق رأس المال الاستثماري خلال الأعوام المقبلة. وأطلقت شركة بوهرينغر إنجلهايم، شركة المنتجات الدوائية، عام 2010 صندوق رأسمال استثماري للشركة، وفي العام ذاته، دمجت شركة المرافق، ''آر دبليو إي''، أنشطة صناديق رأس المال الاستثماري القائمة بصندوق جديد أطلقت عليه اسم ''إنوجي فينتشر كابيتال''، ويستثمر الصندوق في شركات الطاقة المتجددة. وأسست شركة ميرك صندوقًا للاستثمار في شركات التقنية الحيوية الناشئة عام 2009.
في حين أن المتوقع أن تجني وحدات رأس المال الاستثماري التابعة للشركات هذه أرباحًا في الأجل الطويل، إلا أن من النادر أن يكون الحافز الرئيس لقيام الشركات بتأسيسها حافز مالي. ويقول هندريك برانديس، الشريك المدير في شركة إيرليبيرد فينتشر كابيتال، شركة رأس المال الاستثماري الألمانية: ''إن القوة الدافعة وراء ذلك هي الحاجة الماسة إلى الابتكار. واكتشف عالم الشركات أن الابتكارات الجوهرية التي تم إنجازها أكثر احتمالاً في أن يتم تطبيقها أولاً في الشركات الناشئة النشطة''.
تستخدم شركة باسف، أكبر شركة كيماويات في العالم، حسب المبيعات، ذلك الأنموذج لمساعدتها على تطوير جيل جديد من تقنية المواد الكهروضوئية. وفي عام 2007، استثمر فرعها، شركة باسف فينتشر كابيتال، في مدينة هيلياتيك، وهي شركة ناشئة مقرها مدينة درزدن تشترك في تصميم وتطوير الخلايا الشمسية العضوية. ويقول ديرك ناشتيغال، رئيس ذراع رأس المال الاستثماري الذي تم تأسيسه عام 2001، وأعلن في الأسبوع الماضي استثمارًا بقيمة 13.5 مليون دولار في قطاع الكيماويات المتخصص في الولايات المتحدة: ''يتعلق الأمر بتسريع تطوير الابتكارات داخل الشركة، ويمكن أن يحدث ذلك بشكل أسرع عن طريق التعاون مع الشركات الناشئة''.
بالمثل، كانت شركة بي إم دبليو متحمسة لتقديم خدمات جديدة إلى الزبائن تتعدى نطاق الصفر من انبعاثات السيارات فحسب. وكان أول استثمارات مشروع آي فينتشرز في شركة بارك آت ماي هاوس، الذي يربط بين الأشخاص الذين يبحثون عن استئجار مساحة أو مرآب لركن سياراتهم، وأولئك الذين لديهم مكان إضافي.
يقول أنتوني إسكنازي الذي أسس ''بارك آت ماي هاوس'' قبل خمس سنوات، إنه بالمقارنة بالعمل مع رأس المال الاستثماري التقليدي، فإن التعامل مع شركة بي إم دبليو يعطي ''المزيد من الوقت للتأكد من أن المنتج أفضل ما يمكن أن يكون''.
يضيف إسكنازي قائلاً: ''إذا أردنا أن ننفذ حملة كبيرة، وترى شركة بي إم دبليو فائدة في ذلك، فلا يتعين علينا أن نفكر بمستوى شركة ناشئة، أو شركة ناشئة ممولة.. بل نتحدث عن شيء أكبر بكثير''.
يقول كلاوس شميدت، المدير العام المشارك في شركة روبرت بوش فينتشر كابيتال، ذراع رأس المال الاستثماري في مجموعة بوش، أكبر تكتل صناعي خاص في ألمانيا: ''في بعض الأحيان، تبحث الشركات الناشئة عن اسم علامة تجارية قوي بين مستثمريها، وفي أحيان أخرى، تبحث عن اكتساب الامتياز والتفوق التشغيلي. ويعاني العديد من هذه الشركات الناشئة عدم القدرة على تحويل الأفكار الجيدة في النماذج الأولية، إلى منتجات قابلة للتصنيع. وبالتالي، تأتي وتتحدث إلينا''.
وصل نشاط رأس المال الاستثماري للشركات إلى ذروته في الماضي عند بداية الألفية الجديدة، حين أغرت الثورة الرقمية شركات الإعلام، مثل ''بيرتلزمان''، و''أكسل سبرينغر'' بدخول السوق. وحين انفجرت فقاعة الإنترنت، تم إغلاق بعض وحدات رأس المال الاستثماري في الشركات، وقللت شركات أخرى أنشطتها في المجال.
على الرغم من عودة وحدات رأس المال الاستثماري للشركات لتصبح شائعة، إلا أنها ما زالت تشكل نسبة 10 إلى 15 في المائة من إجمالي الاستثمارات العالمية في رأس المال الاستثماري. ورغم أنها من المتوقع أن تجني أرباحًا في الأجل الطويل، إلا أنها تستثمر نموذجيًّا إلى جانب رأس المال الاستثماري كجزء من اتحاد، وتأخذ حصة الأقلية.
تبقى الممارسة رفاهية بإمكان الشركات الأكبر تحملها فقط. ويقتضي الأمر وضع نحو مائة مليون دولار في محرك استثمار نموذجي للبدء في صندوق، وحتى بوجود الإدارة الحذرة، فإن نحو 25 إلى 40 في المائة من الاستثمارات المدعومة بالمشاريع يفشل.
ثمة مجالات جديدة مثل القنية الحيوية والإعلام الرقمي والحركة الكهربائية – السيارات الكهربائية – والطاقة المتجددة تعمل كذلك على تغيير وتيرة وطبيعة الابتكار.
يقول ماركوس ثيل، المدير العام المشارك الآخر في شركة روبرت بوش فينتشر كابيتال: ''إذا نظرت إلى التغييرات في التقنية التي تحدث في اللحظة الراهنة، فسوف ترى الكثير من التسارع في السوق. ولا يصبح الأمر أكثر سرعة فحسب، وإنما أكثر تعقيدًا، وتنويعًا كذلك''.
إن عملية رعاية المبادرات الجديدة خارج الشركة لن تجلب أرباحًا في الأجل القصير فحسب، إذ يقول رالف شنيل، رئيس شركة سيمنز فينتشر كابيتال: ''إن توحيد الجهود مع شركة ناشئة أمر يكمل أنشطة البحث والتطوير الصناعية لدينا. ويمثل أداة ابتكارية من نطاق يشتمل على البحث والتطوير والاستحواذات والمشاريع الاستثمارية المشتركة والترخيص والتعاون بين الجامعات. ولكن إذا دخلت هذا المجال، يتعين عليك أن تدرك أنه استثمار طويل الأجل. ولا يمكنك أن تدخله ثم تخرج منه العام التالي''. يتعدى نطاق مزايا وحدة رأس المال الاستثماري مراكمة محفظة من حصص أسهم الأقلية في الشركات الشابة. ويشتمل بعض أكبر المزايا على اتصالات عديدة تجريها الوحدة حين تستكشف آفاق شركة ناشئة واعدة. ومن شأن ذلك أن يضع شركة ناشئة في مرحلة مبكرة على شاشة رادار شركة أكبر، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى علاقات الزبون – بالمورد، أو تنفيذ مبادرات مشتركة. ويقول ثيل في هذا الصدد: ''بإمكاننا أن ندخل شركات ربما لم يسمع بها الزملاء في وحدات أعمالنا المتنوعة بعد. ويشكل ذلك إلى حد كبير هدفنا الاستراتيجي – كجهة تعمل كوسيط بين الشركات الناشئة، ووحدات مجموعة بوش''. على الرغم من وفرة الشركات الابتكارية صغيرة ومتوسطة الحجم التي تركز على قطاعات محددة – المعروفة بشكل جماعي بالمؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم ''ميتلستاند'' - كانت ألمانيا تفتقر حتى فترة قريبة إلى مشهد الشركات الناشئة الناضجة بالكامل. على أية حال، ظهرت في السنوات الأخيرة مجموعة حيوية من الشركات الرقمية الناشئة في برلين واجتذبت الاستثمارات ورجال الأعمال من الخارج.
وفقًا لشركة إيرليبيرد فينتشر كابيتال، صندوق رأس المال الاستثماري الألماني، كان هناك 4.4 مليار دولار على الأقل في تجارة المبيعات المدعومة بالمشاريع الاستثمارية، واكتتابات عامة أولية في ألمانيا خلال الشهور الأربعة والعشرين الماضية – الأعلى في أوروبا. وتشتمل هذه على قيام شركة جروبون بالاستحواذ على شركة سيتيديل، مزود صفقات القسائم في برلين، وقيام شركة إي باي بالاستحواذ على ''براندز فور فريندز''، نادي التسوق الألماني على الإنترنت، بقيمة مائتي مليون دولار. لدى البلاد تقاليد طويلة بتقديم الدعم العام للأبحاث والتطوير والجامعات، ولكن مقارنة بالولايات المتحدة، ما زالت تتلقى جزءًا فقط من استثمارات رأس المال الاستثماري الضرورية لاستغلال الأفكار على الصعيد التجاري. وسبب ذلك جزئيًّا هو أنه يوجد في ألمانيا أربعة صناديق محلية مستقلة فقط لرأس المال الاستثماري قيمتها أكثر من مائة مليون دولار. للمساعدة في معالجة هذا التوازن، أسست الحكومة الألمانية عام 2005 شراكة بين القطاعين العام والخاص تحت عنوان ''هايتيك غروندرفوندس''، للاستثمار في الشركات الناشئة. وتلقت الشراكة دعمًا من شركات تتضمن ''باسف''، و''سيمنز''، و''ديملر بنز''، وبدءًا من شهر آذار (مارس) 2011 – أتمت ما مجموعه 228 من الاستثمارات.