الناس يفهمون الدين على أنه مجموعة الأوامر و النواهي و لوائح العقاب و حدود الحرام و الحلال.. و كلها من شئون الدنيا.. أما الدين فشيء آخر أعمق و أشمل و أبعد.

الدين في حقيقته هو الحب القديم الذي جئنا به إلى الدنيا و الحنين الدائم الذي يملأ شغاف قلوبنا إلى الوطن الأصل الذي جئنا منه، و العطش الروحي إلى النبع الذي صدرنا عنه و الذي يملأ كل جارحة من جوارحنا شوقا و حنينا.. و هو حنين تطمسه غواشي الدنيا و شواغلها و شهواتها.

و لا نفيق على هذا الحنين إلا لحظة يحيطنا القبح و الظلم و العبث و الفوضى و الاضطراب في هذا العالم فنشعر أننا غرباء عنه و أننا لسنا منه و إنما مجرد زوار و عابري طريق و لحظتها نهفو إلى ذلك الوطن الأصل الذي جئنا منه و نرفع رؤوسنا في شوق و تلقائية إلى السماء و تهمس كل جارحة فينا.. يا الله.. أين أنت.

و لحظة نخطئ و نتورط في الظلم و ننحدر إلى دركات الخسران فننكس الرؤوس في ندم و ندرك أننا مدانون مسئولون.. فذلك هو الدين.. ذلك الرباط الخفي من الحنين لماض مجهول.. و ذلك الإحساس بالمسئولية و بأننا مدينون أمام ذات عليا.. و ذلك الإحساس العميق في لحظات الوحدة و الهجر.. بأننا لسنا وحدنا و إنما في معية غيبية و في أنس خفي و أن هناك يدا خفية سوف تنتشلنا، و ذاتا عليا سوف تلهمنا و ركنا شديدا سوف يحمينا، و عظيما سوف يتداركنا.. فذلك هو الدين في أصله و حقيقته.

و ما تبقى بعد ذلك من أوامر و نواه و حرام و حلال و أحكام و عبادات هي تفاصيل و نتائج و موجبات لهذا الحب القديم.

و لكن الحب هو رأس القضية.. و إذا غاب ذلك الحب فإن كل العبادات و الطاعات لن تصنع دينا و لن تصنع متدينا مسلما كان أو مسيحيا أو يهوديا.

و ما كان الصليبيون الذين جاءونا غزاة طامعين.. على دين أي دين.. و لا كان سفاحو الصرب الذين يقتلون الأبرياء على أي ملة من ملل النصارى و لا كان إرهابيو اليوم الذين يفجرون القنابل مسلمين.. و لو صلوا جميعا و لو صاموا الدهر و لو أطالوا اللحى و قصروا الجلابيب و حملوا المصاحف و رتلوا الآيات.. ما بلغوا من الدين شيئا.

و هل بلغ النبي يحيا ( يوحنا المعمدان ) عليه الصلاة و السلام ما بلغه من نبوة إلا بذلك الحنان الذي كان يفيض منه و الذي قال فيه ربه: (( و حنانا من لدنا و زكاة و كان تقيا )) [ مريم : 13 ]
فتلك كانت أركان نبوته.. الحنان و الزكاة و التقوى.

و نبينا عليه الصلاة و السلام الذي كان يحتضن جبل أحد و يقول:
هذا جبل يحبنا و نحبه..
حتى الجماد كان موضع حب النبي و توقيره.

و هذا ابن عربي يقول:
لن تبلغ من الدين شيئا حتى توقر جميع الخلائق و لا تحتقر مخلوقا ما دام الله قد صنعه.

و هذا ربنا يقول عن المؤمنين:
(( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى )) [ الحجرات : 3 ]
فالقلوب هي دائما موضوع الامتحان.

و حب الله و حب ما خلق و ما صنع من أرضين و سماوات و نبات و حيوان و بشر هو جوهر كل الديانات الحقة.. و هو المقياس الذي نفرق به بين أهل الدين.. و الأدعياء المشعوذين و الكذبة.

و كل الدعاة الذين يغرقون أتباعهم في التفاصيل و القشور و المظاهر و يبتعدون بهم عن روح الدين.. عن الحب و الرحمة و التقوى و مكارم الأخلاق.. هم من الكذبة بقدر بعدهم عنها.

و ما كان اعتراض المسيح على الفريسيين إلا لإغراقهم في الجدل و في حرفية النصوص و في ظاهر الكلمات دون الالتفات إلى روحها.

و ما كانت نقمة موسى على اليهود حينما أمرهم بأن يذبحوا بقرة.. إلا لإغراقهم في الجدل و التنطع و السؤال.. أي بقرة تكون و ما لونها.. بنية هي أم مرقشة أم صفراء.. عجوز أم بكر.. ادع لنا ربك يبين لنا ما هي.. أو لعلك تهزأ بنا.

هذا الجدل و الغرق في التفاصيل و التحجر على الحروف و الكلمات أخرجهم من الدين في نظر موسى و استحقوا عليه التقريع و اللوم.

و للأسف الشديد التدين اليوم خرج من روح التدين بسبب انحراف الدعوة و انحراف أكثر الدعاة و إغراقهم في القشور و التفاصيل و الخلافيات و الأمور الثانوية مما ألقى بأكثر المسلمين إلى الاختلاف و الجدل و التعصب، و مما أوجد هذا التدين السطحي المتهوس الأبله.

و أرى أننا مطالبون اليوم أكثر من أي يوم مضى بالعودة إلى روح الإسلام و إلى نبعه الشامل.. إلى فضائل الحب و الرحمة و المودة و التقوى و سعة الصدر مع الخصوم و تدبر معاني النصوص و عدم الوقوف عند حروفها و قراءة القرآن بالقلب و ليس بالأحداق.

و الإسلام ليس ألغازا و ليس لوغاريتمات و لا يحتاج منا إلى كل تلك الفتاوى.
و النبي عليه الصلاة و السلام أجاب من سأله عن الإسلام فقال في كلمات قليلة بليغة:
قل لا إله إلا الله ثم استقم.
هكذا ببساطة.. كل المطلوب هو التوحيد و الاستقامة على مكارم الأخلاق.

إنها الفطرة و البداهة التي نولد بها لا أكثر.. أن تحب أخاك كما تحب نفسك.
إسأل نفسك.. هل تنام كل يوم على مودة و حب و رغبة في الخير و نية في عمل صالح ؟ أم على غل و كراهية و حسد و تربص ؟.. و ستعلم إلى أي مدى أنت على دين الإسلام.
ماذا تخفي في طيات ثيابك ؟ هل تخفي خنجرا أم مسدسا ؟ أم تخفي هدية حب و رسالة خير لإخوانك ؟
هل تخطط لتبني أم لتهدم ؟
هل تنطق بالطيب من القول و بالنافع من الكلام ؟ أم تدعو إلى الخراب و الدمار و الفتن ؟
إن الدين لا يحمل سيفا إلا للدفاع عن مظلوم و لا يعرف العنف إلا إصلاحا.

بهذه المقاييس تعرف نفسك و تعرف الخانة التي يقف فيها ذلك الداعية الذي يدعوك إلى الإسلام.. و تعلم أين يقف.. مع الدين أم مع الإجرام.

إن الفطرة و البداهة دليلك.. و لست في حاجة إلى فقه أو فلسفة أو فتوى.
قلبك يفتيك.

إنه الحب.. قلب القضية و روحها.. و الجوهر الصافي لجميع الأديان و كل الرسالات.
أما الشرائع و الأوامر و النواهي فهي لتنظيم شئون الدنيا لا غير.. و هي تابعة للإطار العام.. إشاعة السلام و العدل و الحب بين الناس.. و سوف يتوقف عملها في الآخرة.. حينما لا يعود لأحد حكم أو سلطان.

(( لمن الملك اليوم.. لله الواحد القهار )).
انتهت وظيفة كل الشرائع و كل الأوامر.. لأن الأمر الآن أصبح أمر ملك الملوك مباشرة، و التصريف تصريفه، و العدل عدله، و البطش بطشه.. و لم يعد لأحد الحرية في أن يطغى أو يظلم.

و مجال الشرائع إذن محدود بوظائفها و زمانها.

و كما قال الفقيه الإسلامي العظيم.. العز بن عبد السلام.
في زمان شيوع البلوى إذا أصبح تطبيق الشريعة مؤديا إلى ازدياد المنكر فإنه يحسن بالمسلم عدم تطبيقها ( شهود الزور على أبواب المحاكم و يمكنك أن تستأجر أي واحد لتقطع به يد خصمك ).
و من هنا أفتى العز بن عبد السلام بعدم تطبيق حد الخمر على عسكر التتار لأن سكرهم و غيبوبتهم سوف تكف شرهم عن الناس و في ذلك فائدة و خير.. بينما إفاقتهم سوف تؤدي بهم إلى معاودة الأذى و الضرر و في ذلك مزيد من المنكر.

لقد فهم ذلك الفقيه العظيم أن حكمة الشرائع هي إقامة المصالح في الدنيا و أنها مرتبطة بالمنافع و ليس لها حكم مطلق و أن مجالها محدود بوظائفها و زمانها.

و بهذا المعنى نفسه لم يطبق النبي عليه الصلاة و السلام حد القطع على السارق في سنوات الحرب كما لم يطبقه عمر بن الخطاب في عام المجاعة.

و نفس هذا الكلام يقال للغوغائيين من الدعاة و السطحيين الذين يطالبون بقطع الأيدي و الرجم و الجلد كعلاج للفساد الموجود.. و هم لا يعلمون أن الفقه الإسلامي نفسه لا يوافقهم على هذا الفهم السطحي و الغوغائي.. فالعصر باعترافهم عصر شيوع الفساد و شيوع البلوى، و بالتالي يستوجب فقها آخر ملائما للظرف القائم.. لأن تطبيق الحدود العادية سوف يزيد المنكر نكرا.. فالوزير و الكبير الذي يسرق مئات الملايين عن طريق العمولات لن تطبق عليه شروط القطع الفقهية التقليدية و سوف يعفى من القطع بينما النشال الذي يسرق خمسة جنيهات سوف تقطع يده و في ذلك ظلم فاحش و تشجيع للكل بأن يسرقوا و ينهبوا بالطرق الملتوية من عمولات و رشوة و اختلاس و تزييف و خلافه.. و في ذلك حض على عموم المنكر.

و على باب أي محكمة يمكنك أن تشتري أربعة شهود زور لتقطع يد من تريد و ترجم من تشاء.
ثم من يقطع يد من في عالم كله من اللصوص و المرتشين..؟!

و نفس الشيء يقال في معاقبة الزاني بالرجم في الوقت الذي تحض فيه الإذاعات و البث التليفزيوني الخارجي الهابط من الجو عبر الأقمار الصناعية على الفحش العلني و تدفع بالشباب دفعا إلى الفسق.. فالشباب مجني عليه و ليس جانيا و إطلاق الحدود في مثل هذه الحال من شيوع البلوى ظلم.. فضلا عن استحالة استيفاء الشروط الفقهية للرجم و هي.. أربعة شهود يحلفون أنهم شهدوا عملية الإدخال.. فالعقوبة هنا غير واردة.. و هؤلاء الدعاة الغوغائيون يقولون إفكا من القول و زورا و يباشرون فهما متحجرا ضيق الأفق لا يقول به أي فقيه مسلم مستنير.

و ينسى هؤلاء عقلانية الإسلام و مرونته و تقديره للظروف.
و يأخذون من القرآن آية واحدة مقطوعة من سياقها و يغفلون روح القرآن في مجموع آياته و نصوصه و هو كتاب أوله رحمة و آخره رحمة.

ألم يقل الإنجيل في صريح آياته:
إن أعثرتك يدك فاقطعها و إن أعثرتك عينك فاقلعها.
و هو أمر بقطع اليد التي تسرق و فقء العين التي تزني.. و مع ذلك لم يقل أحد من فقهاء المسيحية بهذا.. و إنما وضعوا الآية داخل مجموع آيات الإنجيل و سوره و قالوا بالروح العامة التي تشيع في كتابهم.. و هي روح المحبة و الرحمة و العفو و المغفرة.. و اكتفوا بالعقوبات التعزيرية مثل السجن و التأديب و الغرامة.

بهذا المفهوم من الحب و الرحمة يكون النظر إلى الشرائع في إطار زمانها و مكانها و ظروفها و في إطار الرحمة التي أوجبها الله.. فهو سبحانه خلق لنا الشرائع لإسعادنا في الدنيا و ليس لتعذيبنا و خلق لنا العقل لنتدبر كلماته و لم يضع داخل رؤوسنا حجارة و لا جعلنا آلات تنفذ في آلية بلا تدبر و بلا تفكير.. و أراد بروح النصوص أن تكون هي الحاكمة على حروفها.. و بدأ باسمه الرحمن الرحيم كل شيء.

و إسلامنا أوله رحمة و آخره حمد و أوسطه محبة.

و الحب هو روح الوجود و هو سر ديمومته.. و هو النفحة الربانية التي بدونها تنهد أركان الشرائع جميعها و تزول النعمة و ينعدم المعنى.

و بدون الحب في قلبك لا يعود لوجودك معنى و لا لفضائلك معنى و لا لدينك أي معنى مهما أطلت اللحى و بسملت و حوقلت و صمت و حججت و اعتمرت.

و غني عن البيان أن المقصود بالحب هنا.. هو حب الحق و حب الخير و حب العدل و حب الجمال و حب المثل العليا و هي جميعها أسماء الله الحسنى و مسمياته.. فهو سبحانه وحده الذي له المثل الأعلى في السماوات و الأرض.. و هو الحق و هو العدل الحكم و هو بديع السماوات و الأرض.. و كل جمال في الكون يرتد إلى جماله و كل كمال في الخلق يرتد إلى كماله.

و هذا هو الحب القديم الذي فُطرنا عليه منذ أن خاطبنا ربنا قبل أن نولد و قبل أن نجيء إلى الدنيا هاتفا بنا:
ألست بربكم.
فقلنا جميعا و نحن ننظر بتعلق و حب إلى وجهه الكريم:
بلى شهدنا.


و هذا الحب هو حقيقة كل الأديان و روح كل العقائد و أساس كل الملل.. و بدونه لا معنى لدين و لا معنى لدينونة.

و هذا الشوق النبيل هو الطاقة الدافعة وراء كل فن عظيم و كل إبداع رفيع و كل فكر ملهم و كل استشهاد و كل فداء و كل بطولة.

و هذه النورانية فينا هي التي اقتضت سجود الملائكة و تسخير الكون لنا.. و هي التي جعلت حياتنا رغم مشقاتها و عذابها جديرة بأن نحياها.

فماذا نحن فاعلون ؟

أما زلنا نختلف سنة و شيعة و شوافع و أحنافا و زيودا.. و على ماذا ؟
على ماء الوضوء يصل إلى الكوع أو يشمله.. و على الأيدي ترسل على الجانبين أثناء الصلاة أو تضم على الصدر.. و على نقاب أم حجاب.. و لحية أم جلباب.. و أذان واحد لإقامة الصلاة أم أذانين.. و نجهر بالصلاة متى و نخافت بها متى.. و ننتظر الإمام الغائب أم لا ننتظر.. و نولي الفقيه أم السياسي.. و نضع أموالنا في البنك أو عند الريان.

يا سادة.. فيم تختلفون.. ألا ترون الأيدي التي تريد أن تلقي بكم في جب و تهيل عليكم التراب ؟.. ألا تسمعون كلام الله يدوي في آذانكم.
(( إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون )) [ الأنبياء : 92 ]
ألا تسمعون وعيده و تهديده و هو يقول:
(( و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )) [ محمد : 38 ]

و إنه ليوشك أن يفعل إذا استمر خلافنا.

و فيم الخلاف و قد آذن الموت باقتراب و أطبق علينا التآمر من كل جانب.
و كيف يختلف أهل توحيد و أهل فطرة.. دينهم أبسط و أوضح من نور النهار.. أوجزه نبيهم في كلمات:
قل لا إله إلا الله ثم استقم.

لم يذكر عمامة و لا جلبابا و لا لحية و لا نقابا.. و إنما فقط الاستقامة على مكارم الأخلاق و على توحيد الله.. و كل ما عدا ذلك فضول.. و هل البنوك حرام أم حلال ؟ و هل التصوير حرام أم حلال ؟ و هل الموسيقى حرام أم حلال..؟
و هل الغناء حرام أم حلال..؟
لم يدخل بنا في هذه التفاصيل و المتاهات.
و قد غنت البنات و الأولاد للنبي عليه الصلاة و السلام عند قدومه المدينة و أنشدته الخنساء الشعر فاستزادها.. و لو كانت هناك كاميرات على زمان النبي لوجدنا له و لصحابته الكرام مئات الصور.

و هناك الجديد و الرفيع من الفنون الذي تنشرح له الصدور و هناك الوضيع و الهابط الذي تعافه الأذواق و ترفضه النفوس قبل الشرائع.
و تستجد في كل زمان أحوال و ظروف.
و تطرأ ملابسات و متغيرات.
ثم لا تختلف الأذواق على قبح القبيح و على حسن الحسن.
و لا يحتاج أهل الفطر السليمة إلى فتاوى و إنما قلب المؤمن دليله.

إنما هي تجارة جديدة يمشي بها تجار السوء في الناس فيشككون في كل شيء و يبثون الوسواس و ينشرون الخلافات و يشيعون المخاوف و يبذرون الأحقاد و يجعلون من كل طائفة عدوة للأخرى و يجعلون من كل إنسان خصيما لأخيه.
و هي تجارة تروج مع التخلف و تزدهر في الأزمنة الرديئة.
و نحن بلا شك في أردأ الأزمان.

و إذ يوشك الظلام أن يشتد و يملأ تجار السوء الأرصفة ببضاعتهم الفاسدة و يتنادى أبالسة الشقاق ليشتتوا الناس شراذم و جذاذات.. بينما تزحف علينا العداوات من كل جانب و نحن في غفلة.. لا أملك إلا أن أصيح بالكل.. أن انتبهوا.. و استقيموا يرحمكم الله.. و سدوا الفرج.. و ضموا الصفوف.. فليس أولى بالوحدة منا نحن عباد الواحد.. فليس عندنا كثرة من الآلهة نختلف عليها و إنما هو إله واحد و نبينا واحد و قبلتنا واحدة و صلاتنا واحدة.. و لا خلاف بين سنة و شيعة فكلنا بحب أهل البيت مشغوفون و بسيرتهم مغرمون و سيدنا علي هو سيد شباب أهل الجنة و هو في أعيننا سنة و شيعة.. و الطقوسية ليست بضاعتنا.. و إسلامنا ليس ضد النصارى بل هو معهم ما تعاونوا و ما تحابوا.. و الذين قتلوا مسلمي البوسنة ليسوا بنصارى بل هم وحوش لا ملة لهم و لا دين.. و لو كانوا نصارى لمنعهم إنجيلهم الذي يقول أحبوا أعداءكم.. و أتباع عيسى بحق و أتباع محمد بحق هم على طريق واحد و هو طريق موسى و طريق جميع الأنبياء فكلمة الله لجميع أنبيائه واحدة و لكن صهاينة اليهود خانوا توراتهم و اتبعوا أهواءهم و اتخذوا من التلمود و البروتوكولات دستورهم.. و صليبية اليوم ليس صليبية نصرانية بل صليبية صهيونية يهودية.

و أقول لكم.. اتفقوا و تناصحوا و تحابوا و تآخوا و تماسكوا صفا واحدا.
و إذا كان ربنا يقول إنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. فإن ما بأنفسنا الذي يريد ربنا أن نغيره هو هذه الأنانية و العصبية و الطائفية و عبادة الرأي و عبادة النفس و عبادة الهوى و حب الدنيا و الانغلاق على شخصانية ضيقة غبية عمياء لا ترى إلا لشبر واحد أمامها.

لم يطلب منا ربنا حيازة تكنولوجيا الذرة و الإلكترونيات و الليزر لينصرنا.. و إنما طلب هذا الطلب الواحد البسيط.. أن نغيرما بأنفسنا.. و قد أرانا بأعيننا كيف انتهت روسيا دون حرب و كيف ركعت على أقدامها دون أن تطلق عليها رصاصة.. و كيف انهزمت من الداخل.. من داخل نفوسها فانهارت و على ظهرها من القنابل الهيدروجينية ما يكفي لتفجير الكرة الأرضية عدة مرات.. فكذلك تكون نهاية الأمم العملاقة حينما تطغى.

و أتوجه بهذا النداء إلى 47 دولة إسلامية فيها أكثر من نصف كنوز الكرة الأرضية و أغلبها يتسول طعامه و يقترض مصروف يومه.. و أقول لهم.. منظركم عجيب و أنتم كالإبل الشاردة لا تجتمع على كلمة.. ألا تسمعوا حادي الصلاة و هو ينادي عليكم:
استقيموا يرحمكم الله.. و سدوا الفرج.. و ضموا الصفوف.
إنما يريدها سنة حياة لا تعليمات لمدة خمس دقائق.
فصلاة المسلم هي مؤشر لحياته و لا صلاة لكم و أنتم ممسكون بعضكم بخناق بعض.
فاجتمعوا و تحابوا و اتحدوا فقد تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها و أنتم كثير و لكن كغثاء السيل الذي انفرط و تفرق بددا.

فهلا اجتمعتم.. قبل أن يأتي عليكم الطوفان ؟
أليس فيكم رجل رشيد ؟

عجبت لكم.. أراكم في الصلاة تتوجهون بالملايين إلى كعبة واحدة في مكة.. فإذا انقضت الصلاة انفرط الجميع و تفرقت بكم الطرق.. فمنكم من كعبته واشنطن.. و منكم من كعبته باريس.. و منكم من كعبته جنيف.. و منكم من كعبته إسرائيل.. و منكم من كعبته صندوق النقد الدولي.. و منكم من كعبته السي آي ايه.. و منكم من كعبته نفسه.

فأي نجاح تنتظرون و كل منكم حرب على الآخر ؟
هل أرسلتم النظر لأبعد من أقدامكم فالموت على الباب و الله من ورائكم محيط و ما تبقى من عمركم لحظة.. ثم لا يعود يغني مال و لا بنون و لا جاه و لا ملايين الدولارات في بنوك نيويورك و لوكسمبورج و لندن.

لقد قررت إسرائيل يا سادة أن تقيم دولتها الكبرى على أكتافكم.. على أكتاف عداواتكم و تفرقكم.
و قررت أن يكون ذلك في السنوات القليلة القادمة.
فهل أنتم منتهون ؟
أم هي الإبادة ؟

المصدر : كتاب (( سواح في دنيا الله ))
للدكتور مصطفى محمود