«حافز» يغيِّر مسار البطالة في السعودية

طلعت زكي حافظ
إن غياب وجود تعريف رسمي دقيق للبطالة Unemployment في المملكة العربية السعودية، يضاعف من صعوبة إيجاد حل اقتصادي مناسب وسليم للبطالة في السعودية، الأمر الذي يؤكده ما كشف عنه البرنامج الوطني لإعانة الباحثين عن عمل ''حافز''، عن بيانات للباحثين عن عمل، التي تفوق بكثير الأرقام الرسمية للبطالة، التي كانت تَعلن عنها وزارة العمل السعودية في وقت سابق، وكانت تشير إلى أن عدد العاطلين عن العمل في المملكة بحدود 466 ألف عاطل وعاطلة، في حين أن بيانات الدفعة الرابعة لبرنامج ''حافز'' كشفت عن 1,153 ألف عاطل وعاطلة عن العمل استفادوا من إعانة تلك الدفعة.من هذا المنطلق وبغرض التمكن من القضاء على البطالة في السعودية، فإن الأمر يتطلب الاتفاق على تعريف واضح للبطالة في المملكة على غرار التعريف الدولي للبطالة حسب منظمة العمل الدولية ILO للبطالة، الذي يعرف العاطل عن العمل، على أنه كل قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى.وطبقاً لتعريف منظمة العمل الدولية للعاطل عن العمل، يتضح أنه ليس كل من لا يعمل عاطلا عن العمل، فمثلاً طلاب المدارس والمسنون وربات البيوت ومن هم في غنى عن العمل لا يعتبرون أشخاصاً عاطلين عن العمل، باعتبارهم إما غير قادرين على العمل بسبب ظروفهم الحياتية والمعيشية، أو أنهم لا يرغبون أساساً في العمل لأسباب معينة قد تكون شخصية عند مستوى أجر معين.في السعودية لا ينطبق تعريف منظمة العمل الدولية على العاطلين عن العمل، حيث إن أعداداً كبيرة جداً من السعوديين لا يقبلون مثلاً على أنواع كثيرة من الأعمال، وبالذات الأعمال المهنية والفنية عند مستوى الأجر السائد، نتيجة لموروثات وثقافات اجتماعية معينة، وبناءً على ذلك فإن توفر العمل أو الوظيفة في السعودية لشخص غير راغب في العمل أساساً بتلك الوظيفة لا يعد بطالة، ولا سيما أن البطالة في المملكة ينظر إليها بعض الاقتصاديين المحليين على أنها غير واقعية أو غير فعلية أو غير حقيقية (بطالة مفتعلة)، في ظل غياب معلومات دقيقة عن البطالة من جهة، وفي ظل أن مصطلح أو مفهوم البطالة في السعودية مفهوم فضفاض من جهة أخرى، لا يستند إلى معايير اقتصادية دقيقة، وبالذات أن البطالة في المملكة يمكن وصفها بالبطالة الهيكلية والاختيارية معاً، اللتين لا تعكسان أحياناً بدقة حقيقة البطالة في الاقتصاد، وبالذات في مثل اقتصاد كاقتصاد المملكة، الذي ينمو بوتيرة مستقرة، لكون أن البطالة الهيكلية على سبيل المثال، تقتصر على قطاع إنتاجي أو صناعي معين، ولا تمثل حالة عامة من البطالة في الاقتصاد، أو أنها تنشأ نتيجة للاختلاف والتباين القائم بين هيكل القوى العاملة وهيكل الطلب عليها، وبالذات في حالة وجود أعداد كبيرة من العمالة الوافدة، وكما واقع الحال في السعودية. كما أن تفشي البطالة في المملكة، يقترن بوجود بطالة اختيارية، التي ينسحب وفق تعريفها، شخص من عمله بمحض إرادته لأسباب معينة أو لا يقبل على الانخراط في بعض الأعمال لأسباب متعددة من بينها قد تكون أسبابا شخصية أو اجتماعية.البرنامج الوطني لإعانة الباحثين عن عمل ''حافز''، حدد معايير دقيقة لاستفادة الباحثين عن عمل في السعودية من خدمات البرنامج المتعددة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ألا يقل عمر الباحث أو الباحثة عن عمل عن 20 سنة، ولا يزيد على 35 سنة، وأن يكون قادراً على العمل، ولا يكون موظفاً أو عاملاً في القطاع العام أو القطاع الخاص، وألا يكون طالباً أو متدرباً في أي مرحلة من مراحل التعليم أو التدريب، وألا يكون لديه نشاط تجاري (مثل تملك مؤسسة أو الحصول على ترخيص محل لممارسة أي نشاط تجاري أو صناعي أو زراعي أو خدمي أو مهني.ولكن على الرغم من تميز برنامج ''حافز'' مقارنة ببرامج أخرى على مستوى العالم من حيث المدة ومقدار الإعانة، إضافة إلى دقة المعايير التي حددها البرنامج للاستفادة من الإعانة، إلا أن عدم التزام المتقدمين للبرنامج بأهدافه النبيلة قد يضعف من قدرته المرتبطة بمعالجة مشكلة البطالة في المملكة على الوجه المطلوب، ولا سيما أن البرنامج لا يقتصر فقط على دعم الباحثين عن العمل بمخصص مالي شهري، بل إنه يشتمل أيضاً على عناصر أخرى يأتي من ضمنها توفير برامج تدريب وتأهيل خلال فترة استحقاقهم، وذلك لدعم وزيادة فرصهم في الحصول على الوظيفة المناسبة التي تلبي تطلعاتهم.ومن هذا المنطلق فإن عدم الجدية في تعامل الملتحقين بالبرنامج، وكما أسلفت، لن يمكن البرنامج من التعامل مع مشكلة البطالة في المملكة، وبالذات في حالة كون أن البعض يلتحق بالبرنامج بهدف الحصول على الإعانة فقط، وليس بهدف البحث الجاد عن وظيفة حقيقية، تحقق له دخلا ثابتا قد يفوق بكثير مبلغ إعانة ''حافز'' يمكنه أن ينعم بعيشٍ كريم وحياة سعيدة.ويعول عدد من الاقتصاديين المحليين، على أن صدور وتطبيق اللائحة التنفيذية لبرنامج ''حافز'' في القريب المنظور، سيعملان على استبعاد الأشخاص غير الجادين في البحث عن عمل، ولا سيما أن اللائحة ستوضح بالتفصيل الحقوق والواجبات، التي يحصل عليها الباحث عن العمل، إضافة إلى توضيح الحالات التي ستخفض فيها الإعانة المالية، إلى جانب عدد من الأسباب الأخرى، التي سيترتب عنها إيقاف صرف الإعانة أو تخفيضها، ما سيمكن البرنامج من تحقيقه لأهدافه الوطنية النبيلة، المتمثلة في مساعدة الجادين عن البحث عن فرصة عمل الحصول عليها، والمساهمة الفاعلة في مكافحة البطالة في المملكة.