نحن نعاني من مشكلة بطالة هيكلية إجبارية، والدولة أدركت هذه المشكلة وأصدرت الكثير من القرارات والسياسات لحلها، ولكن تم الالتفاف والتحايل عليها من قبل بعض الجهات الحكومية والشركات، ولم يتم تفعيل هذه القرارات بالشكل المنشود
تبنت وزارة العمل مؤخرا رؤية جديدة وشاملة، لتنظيم سوق العمل في المملكة ومعالجة مشكلاته والمتمثلة في ظاهرة البطالة والتستر والتوظيف الوهمي للعمالة، ومن ضمن البرامج التي انتهجتها الوزارة في هذا المجال، إطلاق برنامج (نطاقات) والذي يعتمد على مبدأ تحفيز المنشآت لتوظيف العمالة الوطنية، بحيث تتمتع الشركات أو المؤسسات التي تحقق معدلات توطين عالية بحزمة من الحوافز بينما تتعرض المنشآت التي لا تتجاوب إلى عقوبات قد تصل إلى حد فقدانها عمالتها الوافدة.

ورغم أهمية برنامج (نطاقات)، إلا أن هناك تحديات تواجهها الوزارة في سبيل تحقيق أهداف هذا البرنامج، تتمثل في مصداقية السعودة وتعاون الجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة، ولفهم هذه التحديات، لا بد في البداية من مناقشة مفهوم البطالة وأنواعها وأشكالها في المملكة، ولأغراض التحليل، سوف يتم التركيز على فئة معينة من العاطلين وذلك بفرض ثبات العوامل والظروف الأخرى، وذلك من أجل الوصول إلى فهم حقيقي وموضوعي لهذه الظاهرة من الناحية الرقابية فقط.

فالبطالة تعني في أدبيات علم الاقتصاد: "وجود أعداد من الأفراد الذين يبحثون عن عمل ولا يجدونه ولديهم الاستعداد والرغبة في العمل"، وطبقا لهذا المفهوم فهناك شرطان أساسيان لتعريف العاطل لا يمكن فصلهما عن بعضهما: أن يكون قادر على العمل، ويبحث عن فرصة للعمل.

ولا يشكل العاطلون عن العمل فئة متجانسة بل عدة فئات تتفاوت فيما بينها من حيث معدل البطالة وطول فترتها ومدى المعاناة منها، كما أن هناك عدة أنواع من البطالة عرفتها دول العالم خصوصا الدول الصناعية، ومن هذه الأنواع البطالة الدورية والبطالة الاحتكاكية، والبطالة الهيكلية، كما تأخذ البطالة أشكالا مختلفة منها: البطالة المقنعة، والبطالة الاختيارية، والبطالة الإجبارية.

وبناء على ما سبق، فإن التركيز سوف ينصب في هذه المقالة على نوع البطالة الهيكلية الإجبارية والتي من وجهة نظري هي السائدة حاليا في سوق العمل، وبالتطبيق على فئة الشباب من حملة البكالوريوس والماجستير وبالذات في التخصصات المهنية مثل الهندسة والطب والقانون والمحاسبة، وتخصصات الحاسب الآلي.

فالبطالة الهيكلية التي هي موضوع نقاشنا تعني تلك البطالة التي تؤدي إلى حالة من عدم التوافق بين فرص التوظيف المتاحة وخبرات ومؤهلات الأفراد العاملين، وقد تكون راجعة إلى حدوث تغير هيكلية سوق العمل نفسه، وعندها تحدث البطالة الإجبارية عندما لا يجد الخريجون الجدد فرصا للتوظيف رغم بحثهم عنه وقدرتهم عليه وقبولهم لمستوى الأجر أو الراتب السائد.

وهذا هو ما نتحدث عنه بالتحديد، فقد بينت الإحصائيات الرسمية من قبل مصلحة الإحصائيات العامة والمعلومات لعام (2009)، أن عدد العاطلين السعوديين بلغوا (448,547) فردا، ويمثلون ما نسبته (10,5%) من قوة العمل السعودية، كما بينت النتائج أيضا أن أعلى نسبة للعاطلين هم من الحاصلين على شهادة البكالوريوس أو الليسانس وذلك بنسبة (44,2%)، وقد تضمنت خطة التنمية التاسعة للدولة أن من أبرز أسباب ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، يعود إلى وجود اختلالات هيكلية في سوق العمل.

إذن نحن أمام مشكلة للبطالة من نوع البطالة الهيكلية الإجبارية تتركز في فئة الشباب ومن حملة الشهادات العليا، فعلى سبيل المثال قد نجد في سوق العمل وجود نقص وحاجة إلى التخصصات القانونية، سواء في الدوائر الحكومية أو الشركات والمؤسسات، متمثلة في القضاء الإداري والتجاري، والمحاماة وغيرها ومع ذلك نجد من الخريجين من يحمل شهادة البكالوريوس أو الماجستير في القانون ولا يجد عملا أو وظيفة، تمتد لفترة طويلة قد تكون لأكثر من سنتين، وفي الوقت نفسه تتعاقد بعض الجهات مع خريجين جدد من الخارج ومن دون خبرة وبالأجر السائد!، وما ينطبق على تخصصات القانون، ينطبق أيضا على الهندسة وبعض التخصصات الطبية والمهنية الأخرى.
نحن بالفعل نعاني من مشكلة بطالة هيكلية إجبارية، والدولة أدركت هذه المشكلة وأصدرت الكثير من القرارات والسياسات لحلها، ولكن تم الالتفاف والتحايل عليها من قبل بعض الجهات الحكومية والشركات، ولم يتم تفعيل هذه القرارات بالشكل المنشود.

ومن ذلك على سبيل المثال قرار إلزام المقاولين في عقود التشغيل والصيانة والنظافة، بتوظيف سعوديين، وتضمين ذلك ضمن وثائق العقد، وحتى عند تقديم العطاءات في المنافسات، يشترط تقديم شهادة تثبت التزام المنشأة بالسعودة، بالإضافة إلى شرط الاستقدام، وكذلك مساهمة صندوق الموارد البشرية في جزء من الأجر للموظف السعودي، مع الإشراف والرقابة الميدانية على تطبيق هذه الشروط في الشركات.

ولكن ما حصل على أرض الواقع، عدم الالتزام بهذه الشروط عن طريق التزوير أو مخالفة الأنظمة والتعليمات دون حسيب، فبعض الجهات الحكومية لا تتحقق من مصداقية شهادة السعودة (وخاصةً أنها صورة وليست أصلا، ويسهل تزويرها)، وحتى وإن كانت سليمة فليس هناك تأكيدات على سلامة صدورها وخاصة في ظل عدم وجود أنظمة رقابة داخلية قوية، وقد لا يلتزم بعض المقاولين بالسعودة ولا تخصم عليه التكلفة عند صرف مستخلصات العقود، أما بخصوص صندوق الموارد البشرية، فالبعض يقوم بتسجيل أقاربه بشكل وهمي ليحصل على مبالغ الصندوق وإعطاء الآخرين نسبة قليلة منه، أو القيام بتسجيل مواطنين دون علمهم، كما يقوم البعض أيضا بإعطاء معلومات غير صحيحة يصعب التأكد منها، وعناوين وهمية لشركته في مكتب العمل وعند القيام بالزيارات الميدانية، لا يمكن الاستدلال على مكان الشركة، ناهيك عن عدم تفعيل الكثير من العقوبات في هذا المجال.

إن المأمول من برنامج (نطاقات) وكذلك (حافز)، أن يقلل من الإشكاليات السابقة، ولكن مخاطر التحايل مازالت موجودة، والمطلوب في هذه المرحلة تقدير هذه المخاطر ووضع الإجراءات الكفيلة للحد منها، بالإضافة إلى ضرورة تعاون الجهات الحكومية مع وزارة العمل، وخاصةً عند التعامل مع القطاع الخاص ومساءلة من يخالف ذلك، لتحقيق أهداف هذه البرامج بكفاءة وفاعلية.

*نقلا عن صحيفة الرياض السعودية.