* يكتسب التخطيط أهمية كبيرة للمدير الذي يقود المنظمة.. لكننا نلحظ غالب المديرين وأصحاب القرار في قطاعاتنا لا يستخدمون التخطيط في العمل.. لكنهم على أية حال ينجحون في سياساتهم المتبعة.. السؤال: هل بالفعل هناك من لا يخطط وينجح؟ وما هي أدوات وعناصر التخطيط الرئيسية والضرورية؟
- قد يوفق مدير ما في قرار ما في ظرف ما ويحقق نجاحاً ما! حتى لو كان بدون تخطيط دقيق وسليم، ولكن وفي كل الأحوال لا يمكن له ذلك إلا وقد بذل جهداً في التفكير والتأمل في القرار المعين وبذل العديد من الأسباب المساعدة على إنجاح القرار، أي أن في قراره بدايات تخطيط وليس تخطيطاً سليماً دقيقاً، وفي قراره عملٌ ببعض الأسباب وليس أخذاً دقيقاً وشاملاً وموضوعياً بكل الأسباب، ثم إن هذا النجاح يحتاج إلى بحث وتدقيق فربما يكون على حساب الهدر في الموارد أو على حساب تدمير أشياء أخرى أو قد يكون لا يصب في تحقيق رؤية وأهداف المنظمة الاستراتيجية أو قد يكون ظاهرياً وقد يكون مسألة نسبية أو قد يكون مؤقتاً أو جزئياً... إلخ. والمدير القيادي ليس هو الذي يوصل السفينة إلى الشاطئ فقط ويترك السفينة محترقة بهيكلها وبشرها ومواردها بل هو الذي يوصلها إلى بر الأمان سالمة مسلّمٌ ما فيها سالمة نامية مواردها متميز بشرها...إلخ. والله تعالى جعل الأصل المستديم والمطرد لحصول الأشياء بما فيها تحقيق النجاح والتوفيق هو أن يكون بعد الأخذ بكافة الأسباب الصحيحة وعلى رأس هذه الأسباب التخطيط السليم والبحث والدراسة المضنية والعمل الجاد، وهذه سنة الله الكونية التي لا تتبدل، قال الله تعالى عن ذي القرنين: (وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سبباً) وقال عن مريم بنت عمران: (وهزّي إليك بجذع النخلة). فمثلاً لم تتقدم الصناعات والتقنية ووسائل الحياة العصرية المختلفة هذا التقدم الهائل والمتسارع إلا بتوفيق الله أولاً ثم لأن أولئك الذين ساهموا فيها قد أخذوا بكافة الأسباب من التخطيط السليم والدراسة المتواصلة والبحث العميق والعمل التجريبي الميداني الواقعي للأشياء مرات ومرات. وللأسف كل يدعي أنه يخطط أو أن عنده خطة، برغم أنه لم يمارس أهم ضوابط ومتطلبات التخطيط السليم! وإذا سألت الكثيرين في القطاعين العام والخاص ماذا يقصدون بأنهم خططوا أو أن عندهم خطة؟ أخبروك بجدول عمل أو بميزانية مالية أو بأفكار وأهداف لم تدرس بعناية وعمق وشمولية! إذاً لكي نسمي الأشياء بمسماها الصحيح فإننا نقول:
إن حسن التخطيط أو التخطيط السليم وسيلة مهمَّة وأساسية لا غنى عنها للنجاح والنمو والتطوير والعلاج المنظَّم المستمر لأيَّة منظَّمة، وهو التخطيط الذي يتضمَّن خططاً واضحة وشاملة ومرنة للمنظَّمة ككل، ولأجزائها المختلفة، تتصف بالاستمرار، فكلما انتهت واحدة بُدئ بالأخرى في عملية مستمرة لا تتوقف، وهو الذي تتوفر فيه شروط وضوابط التخطيط السليم والخطط الناجحة التي سيرد ذكرها. والتخطيط إحدى الوظائف والمهام الأساسية للمدير القيادي الذي يجب أن تكون لديه كافة المهارات والقدرات للتخطيط السليم ووضع الخطط موضع التنفيذ، ثم التعهد بنجاحها وتحقيقها.
ولابدَّ للتخطيط الشامل أن يتضمَّن مدىً زمنيّاً قصيراً وبعيداً، وبالتالي يتمُّ تفصيل الخطط لكلِّ منظَّمة وكلُّ جزء منها على نمطين زمنيين:
أ) خطط يتمُّ إنجازها خلال عام أو كلَّ ستة أشهر أو أيَّة فترة من عام فأقل (تكتيكية)، وكلَّما أنجزت خطَّة بُدئ بالأخرى التالية لها لنفس الفترة، وهذه هي التي تبنى عليها الميزانية السنوية وتستند إليها.
ب) خطط يتمُّ إنجازها خلال ثلاثة أو خمسة أعوام (استراتيجية) وهي الوجه التنفيذي للرؤية والأهداف الاستراتيجية للمنظَّمة.
يقول اللواء بيري سميث: (القادة الذين ليسوا مخططين هم بكل بساطة نظّار وبوابون. ومع أن هؤلاء قد يمتلكون القدرة على إدارة المنظَّمة بكفاءة وفاعلية، إلاَّ أنَّهم لا يخدمون في حقيقة الأمر المصالح بعيدة المدى للمنظَّمة إذا لم يخططوا ويحددوا الهدف ويوفروا رؤية استراتيجية. فالقادة العظماء يميلون إلى أن يكونوا مخططين عظماء. هذا وينبغي أن تتوفر في جميع المؤسسات الكبيرة فرق للتخطيط بعيد المدى، تكون مهمتها تحضير وإعداد خطط شاملة للمدى البعيد، يتم تحديثها سنوياً).
إن أهمية الخطة أو الخطط تنبع من كونها الآلية الأساسية لتنفيذ وتحقيق الرؤية والأهداف الاستراتيجية للمنظمة، كما أنَّ هدف التخطيط يتمثل في ضبط وتنظيم وتوجيه كافة تحركات المنظَّمة وقراراتها وجهودها، الإداريَّة والمالية والفنية والإنشائية والبشرية والتسويقيَّة، وغيرها، خلال فترة الخطة، الكمية منها والنوعية، وذات العلاقة بالتنظيم أو التوسع الكمي أو النوعي أو زيادة العاملين وتخفيضهم، أو ذات العلاقة بإجراءات زيادة الدخل والأرباح أو تخفيض التكاليف أو التطوير العام، أو تحسين الأداء، أو غير ذلك، والتي تحتاج كلها إلى تخطيط سليم لإنجازها بشكل منظَّم وبأعلى كفاءة وبأسرع وقت وبأقل التكاليف وبأسلم وأحسن الطرق والأساليب.
والتخطيط السليم فرضٌ في كلِّ شيء، فهو فرضٌ عندما تكون هناك رغبة أو قرارٌ لبناء مشروع إنشائي؛ أو لعمل مشروع خدمي؛ أو للتوسع في بعض المواقع والخدمات؛ أو للزيادات البشرية، أو للاستثمار في أيِّ عمل تجاري أو عقاري؛ أو للاستثمار في أصول ثابتة للمنظَّمة من عائد أرباحها، أو لتطوير المنظَّمة وخدماتها وسلعها كمَّاً ونوعاً، أو لبناء وصناعة البرامج الآلية الشاملة، أو لزيادة الأرباح، كما أن التخطيط فرضٌ عندما يكون هناك تنفيذٌ لقرارات استراتيجية متوالية، أو لمراجعات شاملة، أو لعلاج مشاكل عامة أو محدَّدة؛ وهو فرضٌ لعمل النظام الشامل، ولعمل وتحديث السياسات والإجراءات، ولاحتواء التكاليف وللتدريب والتسويق. والتخطيط السليم مطلوب في كلِّ ما ذكر، سواءً على مستوى المنظَّمة أو أجزائها، وسواءً كان لكلِّ ما سبق جميعاً خطة واحدة شاملة أو لكلِّ واحد خطةٌ منفردةٌ. هذا، وفي حالة وجود ارتباطات مالية، كما هو الحال في أكثر الأمور التي يخطط لها، فيجب أن يكون ما خُطط له مُترءجماً - قدر المستطاع - على شكل خطة مالية محددة البنود، أي ميزانية تقديرية لفترة الخطة، وهي الوجه المالي للخطة. والتخطيط السليم فرضٌ في بناء المنزل الشخصي، والمشروع الشخصي، والعقارات الشخصية، وغيرها، بل إنَّه فرضٌ حتى للرحلات والسفر والتَّبضُّع، لكي تتم الاستفادة من الوقت والرحلة بشكل كامل وممتع.
يؤكِّد جيمس كوزيس وباري بوزنر أهمية الخطط الدقيقة لتحقيق الرؤية والأهداف، بقولهما: (إن الأحلام الكبرى لا يمكن أن تصبح حقائق مهمَّة بالحماسة فقط، إذ يجب أن يكون للزعماء خطط مفصّلة كذلك).
وبعد أن تمَّ توضيح معنى وهدف التخطيط السليم، فسنذكر أهم ضوابط وشروط وآليات التخطيط السليم الشامل والخطط الناجحة التي يمكن من خلالها للتخطيط أن يكون سليماً وللخطط أن تكون ناجحة بإذن الله، وهي على النحو الآتي:
1- أن يكون التخطيط منطلقاً من رسالة المنظَّمة وأنشطتها ورؤيتها وأهدافها الاستراتيجية وقيمها الثابتة، فإن لم تكن هناك رسالة ورؤية وأهداف واضحة وأنشطة محددة؛ فإنَّه يجب وضع رسالة وتحديد رؤية وأهداف وأنشطة واضحة للمنظَّمة؛ بحيث تكون الخطط وسيلة لتحقيق تلك الرؤية والأهداف الاستراتيجية ولتعزيز الأنشطة الأساسية والقيم الثابتة للمنظمة.
ويتبين من ذلك أنَّ هناك ترابطاً وثيقاً بين الرؤية والأهداف الاستراتيجية من جهة، والتخطيط من جهة أخرى؛ فلا أهداف ولا رؤية تتحقق بدون تخطيط، ولا تخطيط سليم بدون رؤية وأهداف ينطلق منها ويسعى إلى تحقيقها؛ فالتخطيط هو الآلية الأساسية التي من خلالها يتم تحقيق الرؤية والأهداف الاستراتيجية. والخطط ما هي إلاَّ تفصيل وتحديد تنفيذي دقيق للأهداف الاستراتيجية، بل إن بنود الخطط عبارة عن أهداف تفصيلية صغيرة محدَّدة بدقة. ولذلك يقول جوزيف شراوب: (تبدأ الخطط الناجحة بالأهداف الواضحة، فإذا لم تكن تعرف أين تذهب فلن تعرف أيَّ الطرق تسلك).
2- أن تكون هناك أهداف واضحة ودقيقة يُراد تحقيقها من التخطيط أو بنود الخطة، بمعنى أن تكون بنود الخطة بذاتها أهدافاً صغيرة أو أهدافاً تفصيلية محدَّدة تماماً يمكن تنفيذها فوراً دون مزيد تفسيرات. والتحديد الدقيق للبنود والأهداف يتمُّ عادةً بعد الموازنة بين أفضل البدائل المتاحة ودراستها بعناية واختيار أنسبها وأكثرها نفعاً وعائداً للمنظَّمة وأكثرها تحقيقاً للأهداف المحدَّدة.
3- أن تكون الخطط وبنودها وأهدافها شديدة الوضوح لجميع المسؤولين والعاملين، وأن تُعلن لهم؛ لكي يقوم كلٌّ بواجبه تجاهها ويوجه جهوده نحو تحقيقها والسير عليها، ولئلا تضيع أوقاتهم وجهودهم في أمور وأعمال واجتهادات لم يُهدف إليها ولم تطلب منهم.
يقول مثلٌ يُضرب في أهمية تحديد الهدف: عندما يكون الهدف هو صعود الجبل ويكتفي المدير فقط بإبلاغ الموظفين أنَّ الهدف هو صعود الجبل، فقد ينتهي بهم الأمر إلى صعود جبل آخر غير الذي قصده المدير. والقائد الحقيقي هو الذي يدرك أنَّه يجب عليه أن يُعيِّن الجبل وأن يُسمِّيه وأن يحدد موقعه والوقت التقريبي للوصول إلى قمته أيضاً؛ لئلا تضيع أوقات وجهود الموظفين في أهداف لم تُرَدء منهم أصلاً بسبب التقصير في تحديد الجبل واسمه وموقعه ووقت الوصول إليه تحديداً دقيقاً.
ولذلك يجب أن تحتوي الخطط على آليات وإجراءات محددة للتنفيذ، تتضمن تحديداً واضحاً لمسؤولية كلِّ جهة وإدارة وفرد في الخطة، مع تحديد الأمور المشتركة ومقدار الاشتراك وحدوده، كما تتضمن وسائل التنفيذ المختلفة. بالإضافة لجعل الجزء المعين من الخطة الخاص بكل إدارة وبكل موظف جزءاً من تقييم الإدارات ومديريها وموظفيها؛ وذلك لإعطاء الأهمية الكاملة للخطة، ولكي لا تضيع المسؤولية وتتيه الخطة ويتفرق شملها.
4- أن تكون الخطط واضحة جداً ودقيقة جداً ومحدّدة البنود، وبنودها قابلة للقياس والتقييم، وأن تتضمن - كلَّما أمكن ذلك - أهدافاً وقرارات وخطوات وتحركات واضحة محدَّدة بدقة بالأرقام أو الأنواع أو النسب أو التواريخ ونحوها. هذا، ولا يجوز تضمين الخطط التنفيذية بنوداً أو عبارات عائمة، أو أموراً غامضة، دونما إيضاح ماهيتها الكميَّة والنوعيَّة والزمنية بالتفصيل. إنَّ ذلك مهم للمساعدة في مراقبة بنود الخطة، ومعرفة هل نُفِّذَت أم لم تُنفَّذ، في الحجم أو الزمن أو الشكل أو النوع؟ وإن نُفِّذَتء؟ فما مقدار المنفذ منها؟ وما مقدار الانحراف وأسبابه؟ وأيضاً للمساعدة في تحديد نسب تحققها ونجاحها في أي وقت أثناء فترة الخطة، ثم التحرك المبكر المناسب على ضوء ذلك.