المبحث الأول
تجاوز المدير لغرض الشركة فى القانون المصري والفرنسي والنظام السعودي

يجب على المدير أن يتعامل باسم الشركة وحدود غرضها وتكون الشركة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن التصرفات التي تدخل ضمن اختصاصاته، أما إ1ا خرج المدير عن غرض الشركة فإن ذلك يرتب مسؤوليته الشخصية في المقام الأول أمام الشركة، ويتوقف مدى التزام الشركة بتصرفه أمام الغير على شهر غرضها واسمها ومدى حسن نية الغير أو سوتها، وعلى العكس من ذلك نجد أن هذا النظام أكثر تطوراً في حالة شركات الأموال.

المطلب الأول
تجاوز المدير لغرض الشركة

قد يكون مدير شركة التضامن من الشركاء كما قد يكون من الغير، وفي كلتا الحالتين يجب أن يلتزم بمراعاة غرض من الشركة في كل تصرفاته، مع أن البعض ذهب إلى أنه يجوز للشركة أن تمنع فى عقودها على مديريها إجراء بعض التصرفات مثل بيع أو رهن عقارات الشركة إلا إذا أذن الشركاء للمديرين بإجرائها، كما يتطلب هؤلاء هذا الإذن فيما يتعلق بالعقود طويلة لمدة.

ويلتقي هذا الرأي مع تضمنته المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري، حيث ورد في الأعمال التحضيرية أنه" ليس للمديرين أن يفعلوا شيئاً مخالفاً للغرض المقصود من الشركة، علي أنه كمبدأ عام لا يستطيع المدير بدون رضاء الشركة، وعدم وجود شرط خاص فى العقد، أن يعقد صلحا أو تحكيماً أو يتنازل عن ضمان أو رهن للشركة، أو يبرئ مدنياً من الدين، أو يقبل رفع الرهن قبل الوفاء بالدين المضمون، أو يبيع فيما عدا حالات البيع الداخلة في غرض الشركة" ويتفق مع هذا الرأي ما نصت علية المادة (30) من نظام الشركات السعودي. حيث عددت هذه المادة الأعمال المحظورة صراحة كرهن العقارات، وعلى المدير في هذه الحالات أن يتقيد بسلطته المحددة بالعقد وإلا كان مسؤولاً في مواجهة الشركة، وعلى خلاف ذلك فإن تصرفاته لا تسري في مواجهتها إذا كانت سلطاته مشهرة بالطرق القانونية. ويتفق مع ذلك القانون الفرنسي في المادة (13-14) من قانون 24 يوليو 1966. وقد يحصل أحياناً أن يتعامل المدير باسمه الشخصي لحساب الشركة وفي هذه الحالة تكون الشركة مسؤولة عن تصرفاته.

ويلاحظ أن المادة (22) من القانون التجاري المصري تشترط أن يكون الإمضاء بعنوان الشركة، غير أن النص ليس آمرا، إذ إن عنوان الشركة وإن كان من طبيعة شركات الأشخاص إلا أنه ليس من مستلزماتها، يضاف إلى ذلك أن من التعهدات ما لا يكون ثابتاً بالكتابة بصفة خاصة في المواد التجارية، حيث يكون الإثبات حرا ولا يتصور إثبات التوقيع بالنسبة لهذه التعهدات، ويقع علي صاحب الشأن إثبات أن التعامل حصل لحساب الشركة ويكون له في ذلك التمسك بكافة طرق الإثبات بما فيها القرائن.




وقد قضي بأن توقيع الشريك المدير في شركة التضامن باسمة على تعهد من التعهدات دون بيان عنوان الشركة، لا يترتب علية بمفردة إعفاء الشركة من الالتزامات، وإنما يكون قرينة على أن الشريك المدير يتعامل في هذه الحالة لحسابه الخاص، وهى قرينة تقبل النفي أو إثبات العكس بكافة طرق الإثبات بما فيها القرائن. ولما كانت أسباب الطعن خالية من تسبيب الحكم بخصوص القرائن التي استدل بها على أن المستندات المقدمة في الدعوي كانت مرتبطة بأعمال الشركة فإنه يمكن القول بأن هذه المستندات لم يكن موقعاً عليها من الشريك المدير للشركة، ويكون للمحكمة سلطة واسع في هذا الشأن وهي تعتمد عادة على طبيعة التعهدات أو الفائدة التي تعود على الشركة منه أو غير ذلك من الظروف.

بناء على ذلك يجب على المدير إذا تعامل لحساب الشركة أن لا يتجاوز السلطات المقررة له، فإذا تجاوز ذلك فإن الشركة لا تسأل عن التصرفات التي لا تدخل في اختصاصه ويقع عبؤها على المدير شخصيا. وبمعنى آخر يعد الغرض الوارد في النظام الحد الأقصى لما يمكن أن تقوم به الشركة أوسع من الغرض الفعلي، وليس للغير أن يطالب بحمايته فيما يجاوز حدود هذا الغرض النظامي.

ويقاس مركز المدير فى هذه الحالة على مركز الوكيل الذي خرج على حدود وكالته.
ويلاحظ أن هذه القاعدة يرد عليها استثناءان:
الاستثناء الأول:
إذا ترتب على تصرف المدير فائدة للشركة فإنها تكون مسؤولة فى حدود هذه الفائدة، بحيث لا تثري بغير سبب، إذا إن القول بغير ذلك يؤدى إلى مسؤولية الشركة وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب.
الاستثناء الثاني:
في حالة تعيين أكثر من مدير لشركة التضامن، فإن عقد الشركة غالبا ما يتضمن حدود وسلطات أى منهم كما سبق القول. الأمر الذي يقتضي من المدير احترام هذه الحدود.
فإذا اتفق على أن تكون قرارات المديرين بالإجماع أو بالأغلبية فلا يجوز الخروج على ذلك، إلا أنه في حالة الضرورة ووجود أمر عاج يتوقف على تفويته خسارة جسيمه لا تستطيع الشركة تعويضها، يكون للمدير منفردا القيام بهذه الأعمال، وقد تضمنت المادة 517/2 مدني مصري هذا الحكم.

وقضي أنه إذا اتفق المتعاقدان على أن لا ينفرد أحدهما بالتوقيع على شيكات الشركة، سواء أكان ذلك في سحب أموال من البنك أم في التعاقد بالبيع أو الشراء لحساب الشركة، وأن هذا العقد سجل في محكمة الزقازيق الابتدائية كما سجل ملخصه المعدل لرأس المال وأنه يكون المطعون عليه الثاني، إذ وقع منفردا على التزامه باسم الشركة قد خالف النص المذكور فلا يكون توقيعه ملزما للشركة ويكون هو وحده المسؤول بصفته الشخصية عن هذا التوقيع وأثره، ولما كان هذا الشرط المتضمن تقييد سلطة مدير الشركة جائزاً قانونا ويسري في حق الغير ممن يتعاملون مع الشركة متى كان ثابتاً في السجل التجاري الذي أوجب قانون التجارة في المادة (49) نشره في إحدى الصحف التي تطبع في مركز الشركة معدة لنشر الإعلانات القضائية أو في صفحتين تطبعان في مدينة أخرى، فإذا لم يحصل النشر فإنه لا يحتج به على الغير.

لما كان ما قررته المحكمة من أن الشرط المشار إلية لا يحتج به على الغير إطلاقا يخالف القانون حيث كان لازما على المحكمة أن تتحقق من حصول شهر هذا القيد قبل تاريخ تحرير الشيكات المطالب بقيمتها متى يكون حكمها مطبقاً للأحكام والقواعد القانونية سالفة الإشارة.

أما قول الحكم من أن التضامن واجب بمقتضي القانون بين الشركاء في شركات التضامن فهو تقرير لقاعدة لم تكن مثار نزاع في الدعوي، وهو يعد قولا يصلح ردا على دفاع الطاعن سالف الذكر مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه لخطأ في القانون وقصور في التسبيب.

وإذا استعمل المدير اسم الشركة في تعامله مع الغير واستهدف من هذا التعامل تحقيق مصلحة ذاتية له، كأن يكون مسموحاً له بعقد قروض يعقدها فعلاً باسم الشركة ويقصد من وراء ذلك إنفاقه على أمور خاصة به، فإن الفقه وكذلك القضاء يجمعان على أن الشركة تظل مسؤولة أمام الغير طالما كان حسن النية يجهل تمام أن المدير كان ستهدف من وراء التعامل باسم الشركة تحقيق مصلحة خاصة له.

أما إذا استطاعت الشركة إثبات سوء نية الغير أو كان التصرف يدل بذاته على سوء نية الغير كان يستخدم المدير اسم الشركة لإبرام تأمين على حياته ولصالح ورثته، فإنه يتعين القول في هذه الحالة بعدم مسؤولية الشركة عن التصرف الذي أجراه مستخدما بغير حق اسمها، وليس أمام هذا الغير إلا الرجوع على المدير شخصيا.
ويعد استخلاص سوء النية أو حسن النية لدى الغير من الأمور التي تدخل في سلطة قاضي الموضوع التقديرية بغير تعقيب علية، ومثال ذلك أن تكون الشركة هي شركة مقاولات إنشائية، ويبرم مديرها مع الغير تصرفاً بشأن التعامل باسم الشركة في السلع الغذائية أو أن يستعمل مدير الشركة اسمها للتعاقد مع مقاول لتشييد سكن خاص له، فإذا تجاوز المدير الحدود المقررة له فإن ذلك لا يلزم الشركة، ويثور التساؤل عن مدى مسؤولية الشركة نحو الغير في حالة التصرف المتجاوز لغرض الشركة إذا كان هذا الغير حسن النية.

فقد ذهب رأى إلى أن القيود الاتفاقية التي ترد علي سلطة المدير لا يحتج بها على الغير حسن النية ولو اشتهرت، بحيث تكون الشركة مسؤولة أمام الغير عن تصرف المدير وتقتصر هذه القيود على العلاقة بين الشركة والمدير.

ويذهب هذا الرأي إلى أنه يجب أن نقيم وزناً للحقائق الواقعية، وذلك أن الغير قد تعامل مع المدير بحسن النية دون أن يتساءل عما إذا كان التصرف الذي أجراه المدير ضمن سلطته أو متجاوزا لها، فليس من المعقول أن يطلب من الناس الاطلاع على السجل التجاري أو في أقلام الكتاب بالمحاكم على عقد الشركة قبل كل تعاقد، كما أنه لا يمكن إلزامهم بمراجعة الصحف المتخصصة للإشهار في كل مرة يتعاملون فيها مع المدير لمعرفة مدى سلطته.
فإذا كان المدير لم يراع عقد الشركة وتجاوز سلطته وأساء استعمال عنوان الشركة فلا يلوم الشركاء إلا أنفسهم لسوء اختيارهم، بما أن للوكالة قواعد عامة فللإدارة كذلك قواعدها ويعذر الغير إذا اعتمد على هذه القواعد.

وقد أخذت بعض أحكام القضاء بهذا الاتجاه حيث قضي بأنه من المسلم به أن الشركة تتقيد بتصرفات مديرها مع الغير – حتى إذا أساء استعمال السلطة الممنوحة له فيها – إذا كان المظهر الخارجي لهذا الالتزام قد طابق حدود سلطته في ظاهر ولم يترتب علية أي خروج واضح على تلك السلطة.

ويلاحظ على هذا الاتجاه أنه يعمل على استقرار التعامل وحماية مصلحة الغير حسن النية الذي اطمأن إلى التعامل مع ممثل الشركة، وعند المفاضلة يجب التضحية بمصلحة الشركة لأن الغير لم يرتكب خطأ في حين قصر الشركاء في اختيار مدير يكون جديراً بثقتهم.

كما أن هذا الرأي يأخذ بحماية الوضع الظاهر في التعامل، إذ إن الظاهر يدل على أن المدير يتصرف في حدود غرض الشركة، والأصل هو أن حسن النية مفترض ويكون على الشركة لإثبات العكس بكافة الطرق.

غير أن الرأي الآخر يري فى هذا الخصوص أن تصرفات المدير الذي تجاوز فيها سلطته المحددة في النظام والمشهرة لا يجوز أن يحتج بها الغير حسن النية في مواجهة الشركة، وبالتالي لا يكون أمام هذا الغير إلا الرجوع على المدير شخصياً دون الشركة.

ويؤدي إعمال هذا المبدأ على إطلاقه إلى الكثير من التعسف في حق الغير الذي لا يجد الفرصة في الرجوع دائماً إلى عقد الشركة للاطلاع على مدى سلطة المدير فيها.

والرأي الذي كتب له السيادة في مجال التطبيق في هذا الخصوص هو أن المدير يلزم الشركة بالأعمال التي تتم في حدودها غرضها، ولا تسرى على الغير الشروط المتفق عليها التي تحد من سلطة المدير، ولذلك ليس هناك ما يمنع الشركة من أن تلتزم أمام الغير بنتائج الأعمال التي يأتيها المدير خارج حدود سلطته المحددة بالعقد مادامت تلك الأعمال لا تتنافي وغرض الشركة، وكانت من أعمال الإدارة المعتادة وما دام الغير قد اعتمد على المظهر الخارجي (المشروع)، حتى لو كان ذلك خلافا للواقع.

ويتفق ذلك مع ما ذهب إلية القضاء من اعتبار أعمال المدير تجسيداً لإرادة الشخص المعنوي (الشركة) في الواقع المادي والقانوني، فضلاً عما في ذلك من عدم التعنت مع الغير لإلزامه دائماً بالرجوع إلى العقد وهو ما لا يحدث كثيراً حيث لا يسعفه المكان أو الزمان في ذلك.

وقد ذهب القضاء المصري إلي الأخذ بهذا الرأي الأخير، وهذا ما نجده واضحاً في حكم محكمة الاستئناف الذي يقرر أنه "من المسلم به أن الشركة قد تتقيد بالتزام مديرها مع الغير حتى إذا أساء السلطة الممنوحة له منها، إذا كان المظهر الخارجي للالتزام قد طابق حدود سلطته في ظاهرها، ولم يترتب علية أى خروج واضح على تلك السلطة".

ومفاد هذا الحكم أن الشركة تلتزم بأعمال المدير التي أجراها مع الغير خارجا عن حدود سلطته، ما دامت تلك الأعمال قد تمت في الحدود التي لا تتنافي وغرض الشركة، وما دام الغير قد اعتمد علي هذا الظاهر وهو مشروع، وقد أخذ بذلك المشرع المصري بنصوص صريحة في القانون رقم 159 لسنة 1981 في شأن شركات الأموال.

ويلاحظ أن هذا الحكم مجحف بالشركة غير أن القول بعكس ذلك يلحق الأذى بالغير حسن النية الذي اطمأن إلى التعامل مع ممثل الشركة. وإذا كان لابد من التضحية بإحدى المصلحتين فإنه يجب على الشركة أن تساند الغير لأنه لم يخطئ في تعامله مع المدير، في الوقت الذي أساءت الشركة اختياره.

من ناحية، لا يقتصر نشاط المدير على إتيان التصرفات القانونية لحساب الشركة ولكنة أيضا يباشر الأعمال المادية التي تخدم أغراضها، ولذلك تسأل الشركة عن الخطأ أو الإهمال الذي يقع من المدير أثناء تأدية عملة لأنه يبذل نشاطه لمصلحتها فيكون الغنم بالغرم.

ومن الأهمية أن نشير إلى الاختلاف بين نظام الشركات السعودي من جهة وبين قانون الشركات المصري والفرنسي من جهة أخري فيما يتعلق بمحاسبة الغير حسن النية حيث اكتفي نظام الشركات السعودي بالقول بكفاية الشهر في السجل التجاري، واعتبر ذلك قرينة قانونية على علم بمدى وحدود سلطة المدير.

بينما يذهب القانون المصري والقانون الفرنسي فيما يتعلق بحماية الغير حسن النية إلى أبعد الحدود، إذ عمل على حماية الغير حسن النية حتى ولو كانت قيود سلطات المدير قد أشهرت.

ولهذا تنص المادة(22) من القانون التجاري المصري على التزام الشركاء المتضامنين بالتعهدات الموقع عليها من أحدهم إذا كان توقيعه قد تم بعنوان الشركة.

وقد قضي بأنه "متى كان من الثابت في الحكم المطعون فيه أن توقيع أحد الشركاء المتضامنين على السندات لم يكن بعنوان الشركة المبين فى عقد تأسيسها المشهر قانوناً وأن هذا العنوان لم يتغير بسبب وفاة أحد الشركاء المديرين وقضى الحكم بقيام مسؤولية الشركة عن هذه السندات فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون".


وتأسس مسؤولية الشركة عن أفعال المدير على مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع، ويكون المضرور بالخيار، إما أن يرجع على الشركة أو على المدير أو يجمع بينهما في دعوي واحدة، وفي جميع الأحوال يكون للشركة دعوى الرجوع الشخصية، أي دعوي الضمان عن مسؤولية المدير، بمال فعلة للغير. غير أن العدالة – كما يري البعض بحق- تقضى أن تغف الشركة للمدير أخطاءه البسيطة المعتادة وهي التي يفرضها نوع النشاط الذي قام به، فيقع عبء هذه الأخطاء على عاتق الشركة وحدها، بحيث لو دفع المدير كان له الرجوع على الشركة بما دفعة.

ويتعين أن نفرق بين المسؤولية الجنائية للمدير والتي تعد ذات طابع شخصي بحث وتقع من ثم على عاتق المدير عن الفعل المنسوب إليه مثل الغش التجاري، وبين مسؤولية الشركة التي تظل قائمة فيما يتعلق بمطالبتها عن الفعل الجنائي الذي وقع من المدير وأدين فيه جنائيا.

وبناء على ذلك، تكون الشركة مسؤولة أمام الغير ليس فقط عن التصرفات القانونية التي يبرمها المدير بل أيضا عن الأفعال المادية التي تقع ويترتب عليها ضرر بالغير.