التنظيم عنصر مهم من عناصر الإدارة , ويأتي من حيث الأهمية والأولوية بعد التخطيط ، فإذا كانت وظيفة التخطيط هي التعريف بالأهداف وتحديدها ، فإن وظيفة التنظيم تتعلق بتحديد النشاطات اللازمة لتحقيق الأهداف المخططة ، وتجميع هذه النشاطات في إطار أو هيكل واحد ، ثم إسناد هذه النشاطات إلى وظائف محددة يقوم عليها أشخاص قادرون على العطاء والتواصل فيما بينهم وراغبون في النهوض بالعمل لأجل تحقيق الأهداف المشتركة . إذاً فالتنظيم هو الوسيلة إلى توزيع الأعمال , وتدرج السلطات , وتنسيق الاتصالات , وربطها في الاتجاهات كافة , وبدون التنظيم يفقد التخطيط أهميته , وقد يفشل الأفراد وينعكـس ذلك على أداء المنظمات (النمر وآخرون : 1997م ,147) . وفيما يلي نبذة موجزة عن مفهوم التنظيم , ومبادئه , وما يرتبط به من المركزية واللامركزية والتنظيم الرسمي وغير الرسمي , والمستويات الإدارية للتنظيم , والهيكل التنظيمي وخطوات بنائه .
تعريف التنظيم :
هو تجميع الأنشطة اللازمة لتحقيق الأهداف, وإسناد مهمة الإشراف على كل مجموعة لشخص تمنح له السلطات الإشرافية اللازمة, مع مراعاة التقسيمات الرأسية والأفقية اللازمة لإتمام البناء الهيكلي (السواط وآخرون:1416هـ ,121) .
ويعتبر " هنري فايول"، أحد رواد نظرية الإدارة العلمية, أول من أدرك أهمية التنسيق الفاعل داخل التنظيم , بدلاً من الاعتماد الكلي على البناء التقليدي للمنظمة للتعامل مع الاتساع المطرد في الأجهزة الإدارية , وما ينتج عنه من تعقيدات . لذا أكد " فايول" على ضرورة التنسيق والاتصال المباشر بين الإداريين الموجودين في المستوى نفسه بدلاً من الاتصال من خلال رؤسائهم . على أن يراعـى هذا المبدأ في البناء الهيكلي للمنظمة . هذا المبدأ لا يتفق مع مبدأ وحدة الأمر الإداري , لكنه قد يكون أحد الأساليب التنظيمية الفعالة . كما يمكن أن نعتبر هذا الاتجاه الخطوة الأولى إلى المنهج السلوكي في التنظيم (السواط وآخرون : 1416 هـ , 123) .
مبادئ التنظيم :
وضع " فايول" عدة مبادئ للإدارة أصبحت فيما بعد أسساً وقواعد عامة يؤخذ بها عند ممارسة الإدارة الحقة , والتي طبقت وعمل بها فيما بعد , وأصبحت من أساسيات علم الإدارة . وفي السطور اللاحقة نبذة موجزة عن كل مبدأ من تلك المبادئ :
أ. مبدأ تقسيم العمل :
وهو مبدأ التخصص الذي اعتبره الاقتصاديون عاملاً مهماً وضرورياً لرفع الكفاية في استخدام العمال . ولقد استخدم " فايول" هذا المبدأ في دائرة أوسع من دائرة المصنع الصغير الذي طبقه على جميع الأعمال بمختلف أنواعها سواءً كانت إدارية أم فنية .
ب. مبدأ السلطة والمسؤولية :
ويقوم هذا المبدأ على أساس التكافؤ بحيث يمنح الشخص المسؤول السلطات اللازمة لتحقيق أهداف المنشأة , ويحاسب في الوقت نفسه بقدر ما يمنح من الصلاحيات .
جـ. مبدأ وحدة الهدف :
يؤكد هذا المبدأ على أهمية إسهام كل فرد من منسوبي المنشأة إسهاماً فاعلاً وأكيداً لتحقيق الهدف المنشود .
د. مبـدأ تسلسل السلطة :
لا بد أن تنبع الصلاحيات والسلطات مباشرة وبوضوح من المسـؤول الذي يمثل قمة التنظيم الإداري إلى المستـويات الإدارية التي تليه وهكذا حتى المستوى التنفيذي , تسلسلاً واضحاً من كل مسؤول إلى الشخص الذي يليه وهكذا . وقد يؤدي عدم الالتزام بهذا المبدأ أو الأخذ به إلى ضياع المسؤولية وتداخلها والارتباك في العمل مما قد يقلل كثيراً من فاعلية التنظيم .
هـ. مبدأ تفويض السلطة :
يؤكد هذا المبدأ أن الصلاحيات يمكن أن تفوض , ولكن المسؤولية لا تفوض أبداً , فالقيادي المباشر هو المسؤول الأول عن مدى نجاح التنظيم في تحقيق أهدافه أو فشله .
و. مبدأ المحاسبة :
لا بد أن يحاسب كل شخص على قدر ما يمنح من الصلاحيات , وعلى مدى إسهامه في تحقيق الهدف العام للتنظيم , أي بمعنى أن يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة أمام رئيسه عن كل تقصير أو إخفاق .
ز. مبدأ وحدة الهدف :
يقوم هذا المبدأ على أن يرأس الأفراد القائمين بالعمل رئيسٌ معينٌ . فكل قسم كالمحاسبة أو شؤون الموظفين 000إلخ يتبع قيادياً (رئيس قسم المحاسبة أو رئيس قسم شؤون الموظفين وهكذا 000) .
ح. مبدأ وحدة الأمر :
بحيث يتلقى الأفراد أوامرهم من رئيس واحد فقط . وترفع تقارير العمل اللازمة إلى المدير المباشر , أو الجهة المعنية , حتى يتضح تسلسل السلطة من القمة إلى القاعدة والعكس .
ط. مبــدأ نطاق الإشــراف :
ويسمى أيضاً ( الضبط الإداري ومداه ) أو ( نطاق التمكن ) ويعبر عن عدد المرؤوسين الذين يمكن لرئيس واحد أن يشرف عليهم , فكلما زاد عدد المرؤوسين اتسع نطاق الإشراف ، وبالعكس كلما قل عدد المرؤوسين ضاق نطاق الإشراف . ويحدد " فايول" نطاق الإشراف بعدد يتراوح بين الثلاثة والعشرة , إلا أن محور التركيز في كل هذه الحالات يقوم على عدد الأفراد الذين يستطيع المدير الإشراف عليهم بفاعلية , فإن أشرف المدير على عدد أقل مما يجب فهذا يعني هدرًا لقدراته الإنتاجية , وإن أشرف على عدد أكثر مما يجب فقد تتناقص فاعليته في الأداء .
ي. المركزية واللامركزيــة :
يوجد في العملية الإدارية أسلوبان من أساليب الإدارة يحددان درجة تفويض السلطة الممنوحة للمرؤوس في الهيكل التنظيمي , فهناك المركزية الإدارية , ويقصد بها تجميع صلاحيات اتخاذ القرارات في يد شخص واحد في التنظيم بحيث يصبح هو المتصرف في جميع الأمور . وهناك اللامركزية , وهي انتشار صلاحية اتخاذ القرارات في أكثر من جهة أو إدارة أو شخص . ويقصد بصلاحية اتخاذ القرارات ممارسة الوظائف الرئيسة للإدارة من تخطيط وتنظيم وقيادة ورقابة00 0 إلخ . ولا يوجد في الواقع العملي مركزية إدارية مطلقة أو لامركزية إدارية مطلقة , بل هناك درجات مختلفة من المركزية أو اللامركزية (عبده : 1963م ، 74 , 75 ؛ السواط وآخرون : 1416هـ , 125 , 142 ؛ النمر وآخرون : 1417هـ 170, 151) .
ك. التنظيـم الرسمي :
وينشأ مع نشأة المنظمة , ويعنى بالعلاقات الرسمية للعاملين فيها , ويتم بموجبه تكوين الهيكل التنظيمي ووسائل الاتصال بين مستويات المنظمة وإيضاح لقواعد العمل , وتقسيم الأعمال , وتوزيع الاختصاصات بين العاملين, وتحديد السلطات والمسؤوليات لكل منهم , والتنظيم الرسمي يقوم على الأسس التالية :
1. مجموعة من القواعد والأنظمة القانونية المكتوبة التي تحكم النشاطات داخل المنظمة وتعد ملزمة للجميع .
2. وجود مجموعة من المبادئ الإدارية التي تحكم التنظيم الرسمي، مثل : تقسيم العمل , وحدة الأمر 000 إلخ .
3. يأخذ التنظيم الرسمي شكلاً هرمياً يمثل قاعدة عريضة تحتوي على المستويات التنفيذية حيث السلطات والمسؤوليات في تلك المستويات , بينما تأخذ في الازدياد حتى قمة الهرم الإداري , حيث تتجمع كل السلطات والمسؤوليات بيد شخص واحد هو : رئيس المنظمة أو مديرها أو الوزير المختص .
المستويات الإدارية في التنظيـم الرسمي :
يمثل التنظيم الرسمي ثلاثة مستويات أساسية هي :
أ. الإدارة العليا ( المستوى الأعلى ) :
يمثل هذا النوع قمة المستوى الإداري في التنظيم , حيث تتركز فيه جميع السلطات والصلاحيات , كما تمارس فيه أهم الوظائف الإدارية . ويعتبر هذا المستوى المسؤول الأول أمام الجهات الأخرى حول الخدمات التي يقدمها جهازه . ويمثل هذا المستوى الوزير , ووكلاء الوزارة , ورؤساء المنظمات الأخرى .
ب. الإدارة الوسطى ( مديرو الإدارات العامة ) :
يعد هذا المستوى حلقة الوصل بين الإدارة العليا والإدارة التنفيذية , ويضم هذا المستوى مديري الإدارات ومساعديهم .
ج. الإدارة التنفيذية ( رؤساء الأقسام والإدارات الفرعية ) :
يعد هذا المستوى قاعدة الهرم الإداري , ويشتمل على الوظائف التنفيذية والإشرافية في الجهاز الإداري . ويضم رؤساء الأقسام ومديري الإدارات الفرعية, وعادة ما تكون مهام قيادات تلك المستويات إشرافية نظراً لبعدهم عن الوظائف التخطيطيــة وغيرهـا من الوظائف الإداريـة التي تمارس في المستـويات الأعلـــى ( عبد الوهاب : 1982م , 86 ) .
بنـاء الهيكـل التنظيمي :
يمر بناء الهيكل التنظيمي بعدد من المراحل أو الخطوات نجملها في الآتي :
1. تحديد الأهداف التفصيلية التي يرغب التنظيم في تحقيقها , ليحدد بعد ذلك الهيكل الملائم لهذه الأهداف .
2. تحديد أوجه النشاط والممارسات اللازمة لتلك الإدارات .
3. تجميع النشاطات في شكل وظائف, ووضع توصيف متكامل لكل وظيفة.
4. تجميع النشاطات والوظائف في شكل تقسيمات إدارية .
5. تحديد العلاقات بين الأقسام داخل كل إدارة وعلاقة هذه الإدارة بالإدارات الأخـــرى .
6. وضع الخرائط التنظيمية و الدليل التنظيمي ويشمل الإدارات والأقسام والوظائف واختصاصات كل منها (عبد الوهاب : 1982م , 86 - 87) .
التنظيـم غير الرسمـــي :
ويعني مجموعة العلاقات والاتصالات والتفاعلات التي تنشأ بين الأفراد خارج نطاق الأنظمة والقوانين واللوائح الرسمية , وتمثل العامل المشترك الذي يربطهم وليس أهداف المنظمة . هذه التجمعات غير الرسمية تعتبر ظاهرة حتمية لأي تجمع رسمي , ويتزايد تأثيرها على مجرى اتخاذ القرارات الإدارية حسب قوة أعضائهـا ومواقعهم في السلم الهرمي للتنظيم . كما أنه في التنظيم غير الرسمي لا يوجد نظام مكتوب ومحدد لنوعية العلاقات والاتصالات التي تنشأ بين الأفراد . كما أن هذا التنظيم يعد بمثابة التنفيس عما يشعر به العاملون من الملل والضيق والتعب بسبب التنظيم الرسمي (النمر وآخرون : 1417هـ , 160).
إعــادة التنظيــــم :
إن عملية إعادة التنظيم من العمليات الإدارية المهمة والأساسية التي يفترض إجراؤها على فترات زمنية محددة , بالشكل الذي تراه المنظمة أو تقترحه , ولكن ذلك لا يحدث إلا قليلاً , بل إن هناك الكثير من الجهات والمؤسسات التي لا تلتفـت إلى مراجعة هياكلها التنظيمية إلا حينما تضطر إلى ذلك , نتيجة لسبب أو حدث قد يطرأ على تلك المنظمة أو المنشأة . وقد تكون الحاجة إلى إعادة التنظيم ضرورية في الحالات الآتية :
1. عندما يظهر أن التنظيم الأصلي أصبح غير فاعل لخطأ في التصميم الهيكــلي ذاته ( كزيادة عدد المرؤوسين الذين يرأسهم مدير واحد عن نطــاق الإشـراف المقبول، وعدم تكافؤ السلطة مع المسؤولية في بعض المناصب الإدارية … إلخ ).
2. عند حدوث تغيرات داخلية أو خارجية مثل : تغير إنتاجية العمل في المنظمة , زيادة أو نقص أو تغير طريقة القيام بالعمل كاستخدام الآلات بدلاً من الأيدي العاملة .
3. عندمـا تضعـف كفاءة التنظيـم , فإنه يتعـرض للكثير من المشكـلات الإدارية والتنظيمـية مثل التردد في اتخاذ القــرارات , والتهرب من المسـؤولية , وتأخر المعاملات … إلخ .
4. عنـد حـدوث تغيرات في القيـادة الإدارية للمنظمــة , كتعـيين قيادة جديـدة للمنظمة , تختلف في فلسفتها وطموحها عن القيادة السابقة . فتعمل الجديدة على إدخال التغييرات على المنظمــة لمواكبــة طموحــات القيــادة الــجديدة (الهواري : 1970م , 472 – 473 ؛ عصفور : 1983م , 271 - 268) .