سألني شاب قائلا : كيف كانت الصلاة تؤثر في الرعيل الأول من المسلمين فتهذب سلوكهم وتغذي إيمانهم بينما لم تؤدي مفعولها في أغلبية المسلمين اليوم !!
قلت: كان المسلمين في صدر الأسلام يعتبرون الصلاة عصب حياتهم ويقبلون عليها أشد من إقبالهم على الأكل والشرب .فالصلاة عندهم من مكملات حياتهم وحاجتهم إليها كحاجتهم إلى الماء والهواء , قال لي الصديق : إذن كانت الصلاة عندهم مهمة للغاية وكانوا وهو يصلون يربطون الغيب بالمشاهد الأرض والسماء .
قلت : نعم كانوا وهم يستعدون لصلاة يتهيئون لعملية الانطلاق العلوي بأرواحهم ومشاعرهم ويستمدون النور الإلهي من عالم النور فتجدهم وهم يصلون يرتفعون عن جاذبية الحياة إلى مصاف الملائكة الأطهار , فيعشون وقت الصلاة في لذة المناجاة وسعادة الاتصال بعالم القدس ولو كشف الحجاب لشخص ينظر إلى المصلين منهم لشاهد الأنوار متصلة بين الأرض والسماء . إن الصلاة عندهم عملية لها طابع خاص . إنها موعد الزيارة للحبيب .. لقد فهمو المدلول العميق لعبارة ( إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه) (1) . ولمسوا بل وتذوقوا لحديث القدسي الشريف ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) (2) تذوقوا وتغلغل في دمائهم وفهموا بتعمق قوله صلى الله علية وسلم :وأرحنا بها يا بلال (3) . إنهم كانوا يفرون للصلاة تخلصا من هموم الحياة ويقبلون على المساجد بالصلوات المكتوبة وعلى محاربهم الخاصة في صلاة التطوع إقبالا اشد من إقبال الظمأ على الماء البارد .. كانوا يصلون فيستمطرون الرحمات ويخرجون من الصلاة مبللين بالغيث النوراني , وهكذا كانت الحياة بالنسبة لهم صافية عذبة إلى أن لاقوا ربهم .
قال : إذن لا غرابة أن يكون مجتمعهم فاضلا وعصرهم قد احتوى على اكمالات التي نتقيأ ظلالها حتى اليوم , قلت : نعم , لا غرابة أن يكون ذلك بل الغرابة أن لو لم يكن الأمر كذلك ,فأمه متعلقة بخالقها ومعبودها ذلك التعلق لا يمكن أن تضام أو تخذل , أنها جاءت لتؤدي مهمتها في هذه الحياة بإتقان بارع وصدق وإخلاص فكانت الأمة الإسلامية أمة ذات وزن وثقل لم تصل إليه أمة من الأمم على مدى التاريخ .. أن تعلقهم بالله وارتباطهم به كان السبب الأول في عزهم ورفعتهم . قال الصديق هل المد الإسلامي والانتصارات الساحقة في الشرق والغرب والإطاحة بالأعداء كانت كلها بسبب إقامة المسلمين للصلاة ؟ قلت : نعم . وإن الأمر لا يحتاج إلى توضيح .
فالمسلمون أيام عزهم ورفعتهم حققوا كل شيء وأوغلوا بجيوشهم وفتوحاتهم أقاصي الأرض في حين أنهم ما كانوا يملكون الدبابة ولا النفاثة ولا الصاروخ لكنهم كانوا يملكون سلاح السلاح هوا الإيمان . وهو الحب والطاعة لله . ولذة الصلاة التي كانوا يقيمونها ويحافظون عليها ويتمتعون بلذة المناجاة أثناءها كانت الرافعة التي رفعتهم والكهربية الإيمانية التي دفقت في عروقهم شحنات متتالية من القوة والعطاء فأصبح الرجل منهم كعشرة رجال ممن سواهم .
المسلمون المصلون قوم يستمدون القوة من مصدرها ويستمطرون الرحمة من خزائنها ويحصلون على الكرامات من مواهب النعم وخالق الكون , فهم متصلون تماما بذي العرش ولن تستطيع قوة في الأرض مهما بلغت أن تخذلهم أو تغلبهم . قال محدثي : هذا هو الحق ..فبالصلاة يستعيد المسلمون أمجادهم . وبالصلاة تصفو النفوس .
(1) رواه البخاري عن أنس بن مالك
(2) رواه مسلم عن أبي هريرة
(3) رواه الأمام احمد في مسنده
By