بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين







الفصل الخامس:

تنظيم وإدارة العلاقات الاقتصادية الدولية



هذا الفصل جزء من مشروع كتاب عنوانه :
العلاقات الدولية في طريق التعليم والبحث

الأستاذ /بشير غضبان
جامعة مسيلة
أقدمه إلي الأخوة أعضاء النادي لعله يفيدهم ويعجبهم ولا يبخلون علينا بالدعاء وصالح الأعمال جزاهم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته






























تمهيد

المبحث الأول: نبذة تاريخية
الثاني:تفاعل الاقتصاد مع السياسة
الثالث:القوى السياسية المحركة للسياسة الدولية
الرابع: الأبعاد السياسية الثلاثة للعلاقات الاقتصادية الدولية
الخامس:الاقتصاد الدولي [سياسة دولية]
السادس: الإدارة الدولية في ثلاثة نسق فرعية
السابع:إدارة وتنظيم العلاقات الاقتصادية الدولية
منذ الحرب العالمية الثانية

خاتمة

الفصل الخامس:

تنظيم وإدارة العلاقات الاقتصادية الدولية

تمهيد
كان الهدف من المحاضرات التي ضمنتها مقررات :العلاقات الدولية ،والعلاقات الاقتصادية الدولية . هو محاولة لملأ الفراغ أو بالأحرى لردم الهوة التي تفصل بين مجالي الدراسة ،علي الرغم من أنهما تمثلان وجهين لعملة واحدة . ولأن الاقتصاد يلعب دورا لا يستهان به في بناء العلاقات الدولية وتشكيلها.ولا يمكن بأي حال من الأحوال لأي مجتمع تحقيق أي تقدم بدون تعاون دولي.لذلك نجد أن العلاقات الاقتصادية الدولية ،تقوم علي [مبدأ المشاركة] ،الذي يعتبر حجر الأساس ،بالنسبة للسياسة الخارجية لأية أمة.

المبحث الأول: نبذة تاريخية

يبدو لنا أنه منذ سبعينات القرن العشرين ،أن الفجوة أو الهوة، التي كانت تفصل بين مجالي العلاقات الدولية والعلاقات الاقتصادية الدولية بدأت تتقلص.فالاقتصاد السياسي الدولي ظهر للعيان ،علي الرغم من أنه كان في مستهل بزوغه مجالا للعلوم السياسية .بعض التحاليل النظرية والتجريبية في ميدان سياسة العلاقات الاقتصادية الدولية،بدأت كذلك تظهر في المجلات والكتب الرسمية المحترفة . غير أن الجزء الأكبر من بناء الجسور المهمة قام به من كانوا يدرسون العلوم السياسية. فقد كانت هناك إشارات وعلامات في طريق هذا التطور، علي أن بعض الاقتصاديين كانوا يلجأون إلى تضمين تحليلاتهم بعض المتغيرات السياسية [POLITICAL VARIABLES]،وفي نفس الوقت بدأ ينشأ جيل جديد من الطلبة في مجالات وتخصصات متعددة ،يعون كل الوعي العلاقة المتبادلة بين العلوم الاقتصادية والعلوم السياسية؛وهم يتعلمون منذ ذلك الوقت حتى الآن كيفيات استعمال وإدماج مواد ووسائل وطرق كلا المجالين . وحصل بعد ذلك الكثير منذ سبعينات القرن الماضي ،لتقوية وتدعيم هذا التطور الأكاديمي.وقبل كل شيء آخر نجد أن الاضطراب الذي وقع في الاقتصاد الدولي قد ساعد هو أيضا، علي إلقاء الضوء علي الأبعاد السياسية للعلاقات الاقتصادية الدولية.مشاكل الدولار المستمرة،تأثير الفتور والركود الاقتصادي علي مستوي العالم، التضخم ،الأزمة النفطية العالمية،ودعوة ومطالبة الدول النامية(المتخلفة) من أجل نظام اقتصادي دولي جديد.هذه، وحزمة أخري من المسائل العالمية، أرغمت الدارسين والمدرسين علي حد سواء، علي إعادة مناقشة الافتراضات (أو الادعاءات) ،التي فرقت بين العلاقات السياسية والعلاقات الاقتصادية علي المستوي الدولي لقرن من الزمان.
ونجد أن نقاط الارتكاز في مجري هذا التطور ،وكذلك التنظيم والإدارة في ميدان سياسة العلاقات الاقتصادية علي المستوي الدولي، لم تتبدل إلا بقدوم تسعينات القرن الماضي ق20 ،كما سنري بعد حين ؛من خلال مناقشة، مشاكل ومسائل نسق الاعتماد المتبادل في الغرب،واستمرار تبعية الجنوب للشمال ،والاستقلال بين الغرب والشرق، إلى حين تفكك هذا الأخير في تسعينات القرن الماضي-مواضيع استمرت لتزود الدارس بمدخل صحيح وفعال [A VALID APPROACH]لدراسة العلاقة بين السياسة والاقتصاد علي المستوي الدولي.أما ما أنجز من أعمال بعد ذلك،فقد كان مجرد إضافات (لأدوات ولوازم ) كانت تعكس كل من التحولات الأكاديمية والحوادث التي ظهرت تباعا . وأيضا ،كانت عبارة عن انعكاس لأبعاد جديدة لبعض التجارب التي قام بها بعض الكتاب،من أساتذة العلوم السياسية في بعض الجامعات الأمريكية والأوروبية، ومن العالم الثالث(الجنوب حاليا)، أواكتسبها بها بعض الناس كسفراء لدولهم في دول مضيفة أو لدي الأمم المتحدة، أو بعض رجال الأعمال من القطاعات الخاصة.
من خلال هذه الأعمال ،والتجارب الأكاديمية والتمثيل الحكومي الدبلوماسي ،وتطعيمها ببعض التجارب الخاصة بكل كاتب، وإضافة وجهة النظر الخاصة إلى المظاهر التطبيقية للمسائل التجارية ،والنقدية،والاستثمارية.من ذلك الحين، أصبح الموضوع ذو أبعاد ثلاثة يرسم ويتم تصميمه علي التجارب الأكاديمية ،والحكومية،وقطاع الأعمال الخاصة،وأعتقد أن الموضوع اصبح الآن عبارة عن تعليل وتفسير كامل لدوران التأثير والتأثر للبيئة الاقتصادية السياسية العالمية.
المبحث الثاني:تفاعل الاقتصاد مع السياسة

إن علم السياسة هو : [ علم المعرفة المنهجية المنظمة لشئون الدولة ] قد كون منذ البداية علما قائما بذاته.والإغريق هم من أبدع وابتكر في السياسة وهم واضعوا علم السياسة معا.يقول أحد المفكرين لا أتذكر أسمه إن اليونان القديمة هي أم الحضارة الأوربية ومعلمتها قد طبعتها بسمتها الغالبة وهي العلم.
وقد كان أر سطو، من بين الفلاسفة الإغريق ، ليس فقط هو الرائد الأول للمعرفة العلمية ،ولكن كان أيضا واضع هذه القاعدة الهامة، وهي أن لكل علم شخصيته المستقلة، ونحن ندين له بالسياسة وبعلم السياسة بين العلوم .والترتيب الذي وضعه أر سطو يقوم علي التمييز بين ثلاثة عمليات عقلية هي:المعرفة (SAVOIR) والعمل(FAIRE) والإبداع (CREER) .في رأي أر سطو توجد ثلاثة طوائف أساسية من العلوم هي : العلوم النظرية،هي( الرياضيات ، والطبيعة، وما وراء الطبيعة).العلوم العملية:وبين الطائفتين تقوم العلوم العملية وهي:الأخلاق والاقتصاد والسياسة.والعلوم الشعرية: (وتشمل العلوم الشعرية والمنطق، والخطابة،وفن الشعر).الأخلاق: علم السلوك الإنساني أي معرفة سلوك الفرد أو ما يسمي اليوم بالفرنسية(LA-MORALE) .والاقتصاد: هو العلم الذي يدرس الأسرة،تكوينها ،ومواردها ومعني أصل الكلمة باليونانية هو(المنزل).
والسياسة:هي العلم ،الذي يدرس دستور المدينة، وإدارة شئونها. وتقع السياسة عمليا في قمة هذا التدرج، لأن موضوعها وهو المدينة يشمل التنظيم الاجتماعي برمّته. وتسيطر السياسة ،نظريا ،علي غيرها من العلوم .لأنها تتحكم في سائر نواحي النشاطات الإنسانية الأخرى من الناحيتين الفكرية والمادية معا.لذلك ،كان يشار إلى السياسة بأنها ملكة العلوم [THE QUEEN OF SCIENCES].
غير أن ،التفرقة تبدوا واضحة عند الإغريق، بين السياسة التي هي معرفة الأشياء الوطنية ،والاقتصاد وهو العلم الذي يعني بالأشياء المنزلية.ويري أرسطو ، أن علم الاقتصاد يشتمل علي ثلاث مجموعات من الروابط الاجتماعية، بين الأزواج، وبين الوالدين والأبناء، وبين السادة والعبيد . يضاف إليها معرفة إدارة شئون البيت . ومنذ ابتداء النصف الثاني من القرن 18 حدث انشقاق في بنيان بديع هز أركان العلاقة بين الاقتصاد والسياسة ، إذ ظهرت الحيرة التي أخذت تتزايد بسبب الاستعمال المطرد لاصطلاح كان يستعمل في بداية القرن 17 هو اصطلاح[ الاقتصاد السياسي].
رأينا من قبل، أن الفرع الخصيب ألا وهو [علم السياسة ] كان ينمو ويزدهر باقتفاء أثر أرسطو ،أما الفرع الآخر وهو علم الاقتصاد الذي كان ما يزال موضوعا ناشئا ضعيفا عنده ،سرعان ما ذبل عوده.إلا أنه وتحت تأثير الأخلاق المسيحية صارت علاقات الأسرة تأخذ باطراد شكل العلاقات الشخصية التي لا تخضع للاقتصاد وإنما يحكمها علم الأخلاق المعروف منذ عهد الإغريق . ومع بداية تلاشي نظام الرقيق بدأت تنقص بشكل محسوس أهمية موضوع العلاقة بين السيد والخادم،وأخذت المسيحية تميل كل الميل هنا أيضا نحو هذه العلاقات وتضعها في كنف علم الأخلاق. ومن ثم فإنه لم يبق لعلم الاقتصاد من مجال سوى ما يتعلق ب’’ الذمة المالية وبالعناية بشؤون المنزل ‘‘.
وقد شهد القرن 17 واحدا من هذه التقلبات ،التي سبق أن مر بها علم السياسة ، مما غير تماما من معني كلمة الاقتصاد ، ففي عام 1615 نشر مونتكريتيان مطوله، في علم الاقتصاد السياسي، أهداه إلي الملك الشاب، لويس XIII وإلي والدته الوصية علي العرش .ومؤدي فكرة مونتكريتيان التي شرحها في رجاء متواضع، هي أنه ’’يتعين أن يكون تصريف الدولة لشئونها ،كما لو كان الأمر يتعلق بأسرة ؛لذلك، يتعين علي الدولة التصرف بالقسطاس في مواردها المحدودة‘‘.ويعقد مونتكريتيان مقارنة بين الإدارة الاقتصادية العائلية، وبين سلوك البذخ الذي كانت تسير عليه الدولة، وبخاصة إسراف الملوك والإنفاق اللا محدود علي سلوك البذخ !
ويرى مونتكريتيان أنه يجب أن يطبق الأمير، في الدولة نفس القوانين التي تطبق في إدارة أموال الأسرة .وهكذا نري أنه كان يخلط ويضم فرعين من المعرفة فصل بينهما أرسطو في دقة وعناية. فهو يسمي اقتصادا سياسيا كل ما يتعلق بقواعد الإدارة الحسنة لأموال المملكة.وسرعان ما وجدت هذه الفكرة من يكفلها من الاقتصاديين، وهكذا يصير الاقتصاد بنقله من المنزل إلي الدولة ،هو :’’فن إحكام إدارة الأشياء المادية‘‘.
عندما أضيفت صفة (سياسي) إلي اسم (اقتصاد) أصبح التعبير يعني(عبارة خاص بالدولة). ، أو مرادفا لها، واحتفظ الاقتصاد السياسي، عند آدم سميث( ADAM-SMITH ) ،بتبعيته التقليدية للسياسة ،فعرضه هذا المؤلف علي أنه (أحد فروع المعرفة التي يجب أن يحيط بها المشرع ورجل الدولة، وهو فرع يرمي إلي إثراء الشعب والملك معا، وبصفة خاصة يهدف إلي تزويد الدولة بدخل كاف لأداء الخدمات والنهوض بمرافقها العامة ‘‘.ولكن سرعان ما ظهر أن موقف آدم سميث قد تأثر بما ظل باقيا من العصور الغابرة .
ومنذ منتصف القرن 18 أخذ الاقتصاد يبتعد عن السياسة ،وانفصل منها وعنها وصار [علما منطقيا للأشياء الاقتصادية] التي يجب كما قال البعض: ’’أن ينظر إليها في ذاتها ولذاتها ‘‘، ومعرفة هذه الأشياء تعتبر مجالا قائما بذاته،و عندما ارتدي علم الاقتصاد ثوبه الجديد أصبح ليس مستقلا عن السياسة، فحسب ولكنه زعم أنه حقق لنفسه استقلالا تاما.
وهكذا ،في القرنين 19و 20 لم يعد للاقتصاد من حيث أهدافه الكبرى، صلة بالسياسة .كما انقطعت صلته أيضا بالمعني اللغوي الأصلي لاصطلاح الاقتصاد .وأصبحت تصفه التعريفات الجديدة طبقا للمفهوم الفرنسي التقليدي ب[ علم الثروات]،[علم المبادلة] مع إضافة صفة [بعوض]. وعاد الناس في فرنسا إلى استعمال مجرد لفظة [ECONOMIQUE]باعتبارها إسما،و [SCIENCE ECONOMIQUE]إبعادا لعلم الاقتصاد عن السياسة لفظا ومعني وموضوعا
ربما كانت الفكرة الأساسية الغالبة ،علي التوجه الفردي الحر في كثير من النواحي، هي فكرة التلقائية أكثر من فكرة الحرية والفرد. الظواهر الاقتصادية، هي مظهر من المظاهر الطبيعية ،في صورة تلقائية انبعاثية ،تنظم نفسها بنفسها ،وعلي حد مدلول الكلمة المأثورة، لقس إيطالي فإن[ العالم يسير نفسه بنفسه],وهكذا يخضع الاقتصاد لقوانين (طبيعية) .ومن ثم، فإن السياسة لا شأن لها في هذا المجال.وهي وإن تدخلت ، فلكي تضع العوائق، وهذا ما يعرقل سير هذه العجلة المدهشة، التي تدور دون هذه العوائق. بعد هذا، يخلص المذهب الفردي الحر إلي مفهوم ضيق ضئيل عن الدولة[MAINIMALITAIRE]، حتى يتضاءل دورها فيه، إلي أبعد ما يمكن . والسياسة في حياة الرجل العادي إن هي إلا استثناء أو مسألة عارضة .وكما لوحظ منذ ذلك الوقت أن ’’الإنسان في عصر المذهب الحر هو أقل الناس اهتماما بالسياسة ‘‘ . والغريب في الأمر، أن التوجهات الاشتراكية، تتفق في جوهرها مع خصمها العنيد المذهب الفردي في عدائهما للسياسة الفصل الخامس:تنظيم وإدارة العلاقات الاقتصادية الدوليةإبعاد السلطة السياسية، عن كل ما هو في حيز المجال الحيوي للاقتصاد)،تقريبا هو نفسه منظور (فناء الدولة في المجتمع).
لكن في الواقع ،نجد أن تفاعل السياسة والاقتصاد، عبارة عن موضوع قديم، كان يحتل مكانته في دراسة العلاقات الدولية.ويمكن تتبع مساره من أيام تجاري القرن 17 إلي ماركسي القرنين 19و 20 .حيث أن طلاب العلاقات بين الدول ،قد تناولوا مسائل الاقتصاد السياسي الدولي، ضمن المواضبع الدراسية المقررة . وهذا لايعني، أن دراسة الاقتصاد السياسي الدولي، في القرن 20 لم تهمل ولم يستخف بها ،لأن السياسة والاقتصاد، كما رأينا قد طلقا من بعضهما وعزلا في النظرية التحليل ،إن لم يكن في واقع العلاقات الدولية نفسها.
سبب من أسباب، هذا الطلاق ،يوجد في التراث (أو الميراث) النظري الأكاديمي الغربي الحديث .التراث، الذي صبغ بصبغته كثيرا من الدراسات السياسة والاقتصادية الحديثة في الليبرالية.وهو المسؤول، عن الفصل المصطنع، بين الاقتصاد والسياسة .لأن النظريين الليبراليين ،قد رفضوا مفهوم العصر القديم، لاتحاد النظام السياسي والاقتصادي .واستبدلوه بنظامين منفصلين .
أولا :جادل وناقش الليبراليون ،أن النسق الاقتصادي يرتكز علي الإنتاج ،والتوزيع، والاستهلاك للسلع والخدمات؛ هذه التطورات الاقتصادية تشتغل بموجب القوانين الطبيعية .أبعد من ذلك، فقد تمسك الليبراليون بالقول: انه يوجد تآلف وتناسق[HARMONY] في هذه القوانين، وفي النسق الاقتصادي .وفي مثل هذا الاتساق والتناغم الطبيعي، ستعمل القوانين الطبيعية بطريقة جيدة أو أحسن، وفي فائدة الجميع و المجتمع ،عندما تتدخل السلطة السياسية أقل ما يمكن بعملها الأتوماتيكي .وأعتبر الليبراليون، أن النشاط الاقتصادي، سيحتفظ ويبقي من اختصاص المؤسسة الخاصة، وليس من اختصاص المؤسسة الحكومية أو العامة .
ثانيا : أكد الليبراليون أن النسق السياسي، يتألف من القوة [POWER] ،والتأثير[INFLUENCE] ،وصناعة القرار العمومي .
وأن السياسة ليست مثلها مثل الاقتصاد ،فإنها لا تطيع القوانين الطبيعية أو التناسق والتآلف الطبيعي،بل قد تقدم علي لي عنقها .السياسة، شيء غير متفادي[UNAVOIDABLE] والحكومة ضرورية، لإسداء خدمات أساسية كالدفاع عن الوطن،والقانون الذي يفصل في المنازعات،وحفظ النظام العام .وكيفما كان ذلك لكن ففي نظر الليبراليين، يتعين علي الحكومة ،والسياسة ، أن لا تتدخلا في النظام الاقتصادي الطبيعي .حقا ،ففي النسق الدولي ،كان أمل الليبراليين الوحيد ،هو العمل من أجل تحقيق السلام والتآلف أو التناسق، الذي يمكن تجسيده ،عن طريق عزل السياسة عن الاقتصاد، وترك التطورات الطبيعية والتآلفية المتناسقة لحرية التجارة، تعمل وتأخذ مجراها بين الدول،ليس فقط لتحمل معها الازدهار،بل وكذلك السلام لجميع الأمم.
مثل هذا الفصل النظري، بين السياسة والاقتصاد ،قاد إلي /وتقوى بالتخصصات الأكاديمية الحديثة .منذ القرن 19 نجد أن علم الاقتصاد والعلوم السياسية قد تابعا تطورها كمجالين منفصلين، فركز كل واحد منهما علي تطورات منفصلة عن الآخر ،وكل منها إلي حد بعيد تجاهل الأرضية المشتركة، أين يتداخل ويترابط الاثنان بالفعل. نتيجة لذلك، فإن الاقتصاد السياسي الدولي ،نجده قد تشر ذم إلي السياسة الدولية ،والاقتصاد الدولي ،وما يتفرع عنهما .فالاقتصاديون في جزء كبير ، تجاهلوا دور العوامل السياسية، في تطور و سياسة الاقتصاد الدولي .في حين نجد أن رواد السياسة الدولية، قد نزعوا ،هم أيضا نحو تجاهل المسائل الاقتصادية في دراسة مجريات العلاقات ما بين الدول . تطورين اثنين، أحدهما سياسي والآخر اقتصادي ،تبعا الحرب العالمية الثانية ، عمقا وقويا هذا التقسيم المألوف في التحليل.
في السنوات الأولي، لما بعد الحرب، توصلت القوى العظمي العالمية ، إلي عقد اتفاقية حول العلاقات الاقتصادية الدولية المستقبلية .في الغرب تم وضع حجر الأساس لنسق أو نظام بريتون وودز THE BRETTON WOODSلإدارة الاقتصادي الدولي، الذي أسس ووضع أو شيد القواعد اللازمة، لتنظيم وإدارة العلاقات التجارية والمالية ،فيما بين الدول الصناعية العظمي .وفي الشرق دشن السوفيات هيمنته علي أوربا الشرقية، التي رسمت القواعد الأساسية، لنسق اقتصادي دولي ،كخصم منفصل للغرب - ومستقر . أخيرا ، وأثناء العقد الأول، لما بعد الحرب يلاحظ المتتبع للأحداث، أن القسم الأكبر من العالم الثالث، بقي خاضعا من الناحية السياسية والاقتصادية للغرب وارتبط مع بلدانه المتطورة بعلاقات إمبريالية، رسمية وغير رسمية .هذه الدول لم يكن لها اختيار، في الإذعان و القبول ،أو رفض النظام الاقتصادي الدولي ،الذي أسس لهم (أو نشأ في غيابهم) .
كنتيجة لتشغيل الهياكل والقواعد المتفق عليها للتفاعل الاقتصادي الدولي،نجد أن الخلاف حول القضايا والمسائل الاقتصادية خفّض إلي حده الأدنى .كذلك، فإن أهمية المظهر الاقتصادي للعلاقات الدولية، بدت وكأنها تتقهقر أو تتراجع، علي الرغم من، أن بعض التطورات، مثل المجموعة الاقتصادية الأوروبية ،وقضية الجنية الإسترليني، كانت تقفز علي السطح من حين لآخر . من تطورات ما بعد الحرب أيضا ،نجد أن التفاعل أو العلاقات الاقتصادية الدولية المتبادلة، قد دحرجت إلي مرتبة مستوى السياسة الدنيا [LOW-POLITICS] .تطور آخر لما بعد الحرب تسبب في تقهقرا للعلاقات الاقتصادية الدولية كان بروز الحرب الباردة .لأن القضايا أو المسائل التي كانت تدخل في نطاق العلاقات الدولية و أخذت حيزا كبيرا من تفكير وجهد صناع القرار و الملاحظين، هي مسائل [الأمن] :بسبب استيلاء أو هيمنة الاتحاد السوفيتي علي شرق أوربا ،وتطور قدرته النووية ،وتقسيم ألمانيا ،وانبعاث اتفاقية منظمة حلف الأطلسي، والاستراتيجية النووية الأمريكية ،والصراع الكوري،و حرب فيتنام، ومسائل الحرب المحدودة . لذلك كله، فإن تحاليل العلاقات الدولية ،قد ركزت علي ما كان يبدو أنها مواضيع تتعلق بالسياسة العليا [HIGH POLITICS] ،مثل الأمن والمسائل التي ترتبط بهذا الموضوع، تحاليل النسق [SYSTEMS ANALYSIS]، نظرية اتخاذ القرار ، الاستراتيجية ونظرية اللعبة ، والمحاكاة ، حل الصراع ، كل هذه المواضيع أسست علي أولوية القضايا الأمنية . هذا، لأن واقع العلافات الدولية السائد آنذاك، قوض أركان الفصل بين دراسة الاقتصاد و دراسة السياسة الدولية . معطيات عقود ما بعد الحرب التي صبغت دراسة السياسة الدولية بصبغة الإجماع الاقتصادي، وبقاء تأجج الصراعات العسكرية ،نراها قد تغيرت وتحولت . لذلك نجد أن الابتعاد أو الانشقاق الصيني الروسي ،وفتور علاقات الترابط داخل الحلف الأطلسي ،ساعدت علي استبدال القطبية (تؤجل بالمواربة والحيلة) لسنوات الخمسينات، بنظام دولي أكثر مرونة. وعلي الرغم من أن الوفاق الشرقي-الغربي ،فان(الولايات المتحدة وأوربا الغربية) لم يعودا كثيري الاهتمام جدا بأمنهما العسكري.
في سبعينات القرن XX الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أظهرا إرادة وقدرة علي الوصول إلي اتفاقيات حول المسائل الأمنية لتخفيف تأجج ضغط الحرب الباردة .السياسة الشرقية لألمانيا الغربية أو[OSTPOLITIK] ،والاتفاقيات التي تم التوصل إليها في ملتقى هلسنكي في سنة 1975 ، فيما يتعلق بالأمن الأوربي، ساعدت علي التقليل بشكل كبير من مفعول عنصر عدم الاستقرار في أوربا الشرقية .
أخيرا ، الحرب الطويلة الأمد، في فيتنام قد انتهت .والبلدان الأوربية أتممت مشوارها الصعب، في مفاوضاتها مع مستعمراتها التي تحررت منها .البلدان المتحررة، الآن تريد أن تعيش في سلام، لتلتفت إلى مواصلة ومتابعة برامجها التنموية.
في نفس الوقت ،الاتفاقية الواسعة، حول القواعد الاقتصادية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، انهارت تحت ثقل وزن القوي الجديدة الأقوى[THE POWERFUL NEW FORCES] من الدول الغربية ،و تحطم نظام بريتون وودز للتسيير، أو انهار. تجدد نشاط وقوة الاقتصاد ين الأوربي والياباني، وجهد وعسر يقع علي ميزان مدفوعات الولايات المتحدة، بسبب الحرب الفيتنامية أولا ثم الأزمة البترولية،والتضخم ، ونمو الأسواق الرأسمالية الطوعية، الاختيارية، الإرادية. كل ذلك قاد إلي تفكك وتحلل النسق النقدي الدولي، الذي طور بعد الحرب العالمية الثانية . موازاة مع نمو المجموعة الاقتصادية الأوربية كقوة اقتصادية ،وديناميكيات التجارة اليابانية ،والكساد المرتد والمتكرر ، والتضخم المخيم أو المحلق [ THE SOARING INFLATION]، عوامل أقل ما يقال عنها أنها كادت أن تهدد العلاقات التجارية فيما بين وحدات المنظومة الغربية .
أنماط دولية جديدة للإنتاج، وضعت تحدي متعدد الوجوه للنظام الدولي السياسي والاقتصادي التقليدي . في الشرق،الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية الشيوعية أوجدوا نسقهم المغلق المنضبط للتنمية الاقتصادية والتفتوا إلي الغرب من أجل سد نقص التجارة والتكنولوجيا فقط .و كانت تصرفات الصين تدل علي رغبتها في زيادة الارتباطات الاقتصادية مع الدول المتقدمة صناعيا . وفي الجنوب ،أي في دول العالم الثالث المستقلة حديثا ،كانت البلدان حديثة الاستقلال ،مثقلة بمشاكل اقتصادية جديدة، وطلب اقتصادي جديد،هذا وقد وصلت إلى حلبة الملعب الدولي متأخرة. الاعتبارات السياسية الرئيسية، لهذه البلدان كانت هي التنمية الاقتصادية ،المساعدة، التجارة والاستثمار الأجنبي، والاستقلال النهائي .ولكن الإشكالية الكبرى التي أصبحت مطروحة هي: كيف ستندمج اقتصادات هذه الدول في الاقتصاد الدولي ؟ فعلا، أصبحت إشكالية كبري . مع العلم أن ،بعض البلدان التي كانت توصف بأنها أقل تطورا البرازيل ،المكسيك وجنوب كوريا علي سبيل المثال كان لها اقتصاديات أكثر نشاطا وحيوية ، استطاعت أن تهدد حتي بعض القطاعات الحساسة في بعض الدول المصنعة .
قليل من البلدان الجنوبية،نجدها قد نطت إلي المسرح الاقتصادي الدولي ،وفي حوزتها ثرواتها البترولية الجديدة .غير أن أغلبية بلدان العالم الثالث،والحالة هذه ،قد وقعت ضحية للنسق الاقتصادي الدولي الحالي . وواجهت عوائق عديدة كانت تعرقل محاولات التنمية الاقتصادية . لذلك كله ،فالعالم الثالث كمجموعة كان يطالب بإنشاء نسق اقتصادي دولي جديد، وإعادة بناء العلاقات الاقتصادية الدولية بين الدول،بين الذين يملكون [THE HAVES] والذين لا يملكون [THE HAVE NOTS]. إذن ،وكما نري أن الإجماع الاقتصادي الذي ساد لفترة ما بعد الحرب كان يتفكك وأن المسائل الاقتصادية أصبحت تنبعث من جديد لتطرح نفسها إلي جانب مسائل الأمن .هذه المواضيع، أصبحت هي هدف التركيز في العلاقات الدولية .لذلك ،إذا كانت النظرية والتحليل تحافظان علي اتصالهما بالواقع،سيكون من الضروري بناء الجسور ومحو الفجوة التي كانت تفصل بين السياسة والاقتصاد، لاكتشاف التداخل بينهما ضمن النسق الدولي .هذه الدراسية تحاول أن تناقش،موضوعا واحدا لهذا التداخل ،الطريق الذي من خلاله يمكن للسياسة الدولية أن تصبغ أو تشكل الاقتصاد الدولي .

المبحث الثالث:
القوى السياسية المحركة للسياسة الدولية

طلبة السياسة الدولية، هؤلاء الذين ناقشوا موضوع التفاعل بين الاقتصاد والسياسة، ركزوا في معظم مناقشاتهم علي الطريق الذي يؤثر فيه الواقع الاقتصادي علي السياسة .علي سبيل المثال، يوجد هناك قسم للتفكير يحتفظ لنفسه بأن الموارد الاقتصادية المادية والبشرية هي التي تحدد القوة الاستراتيجية والديبلوماسية لأي دولة . واستنتج المحللون الطرق التي يمكن فيها للناتج الإجمالي القومي لأي بلد ، وكذلك كمية ونوعية الموارد، وتجارته الدولية ووضعيته المالية ،تحديد قوته العسكرية .فالأدبيات الخاصة بالموضوع تظهر، أن تأثير الاقتصاد علي السياسة مهم جدا أو ذو أهمية معتبرة .فالتصنيع المبكر لبريطانيا في القرن التاسع عشر مثلا، كان يشكل موردا ذو أهمية قاعدية للقوة السياسة البريطانية، وعامل مهم في تفعيل هيمنة الهيكل الاقتصادي والسياسي البريطاني فيما وراء البحار خلال القرن 19 .وبطريقة مشابهة ،فإن القوة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية هي الأخري كانت عبارة عن عامل هام ساهم في تأسيس وبناء الهيمنة، بل والسيطرة العسكرية والسياسية الأمريكية خلال القرن العشرين.مثلما العوامل الاقتصادية تؤثر [INFLUENCE]علي النتائج السياسية، فإن العوامل السياسية هي الأخري،يمكن أن تؤثر علي النتائج الاقتصادية .علي أية حال، فإن طلبة السياسة الدولية ،تجدهم أحيانا يفحصون المحددات السياسية للعلاقات الاقتصادية الدولية ، وأحيانا يتغاضون عنها ، علي الرغم من تجاهل فعل تأثير الاقتصاد علي السياسة .لذلك فإن عملنا هذا سيعتني بوجه العملة الآخر الذي كان يتجاهله الطلبة أحيانا ألا وهو: الديناميكية السياسية للاقتصاد الدولي.
وهناك ،ثلاثة طرق بواسطتها يمكن أن نري تأثير العوامل السياسية علي النتائج الاقتصادية.

أولا: النظام السياسي يشكل النظام الاقتصادي :

لأن هيكل وعمل النظام الاقتصادي الدولي-إلي حد بعيد كان قد تحدد بواسطة هيكل وعمل النظام السياسي الدولي.
ثانيا : الاعتبارات السياسية كثيرا ما ،أو في أحيان كثيرة، تشكل السياسة الاقتصادية .لأن السياسات الاقتصادية كثيرا وتكرارا تملي بواسطة المصالح السياسية التي تطغي وتطفو عليها.
ثالثا : العلاقات الاقتصادية الدولية نفسها هي علاقات سياسية،لأن التفاعل الاقتصادي الدولي ،مثله مثل التفاعل السياسي الدولي ،هو عبارة عن عملية[PROCESS] التي بواسطتها يستطيع الفاعلين الدوليين أو غير الدوليين تسيير أو الفشل في إدارة خلافاتهم ،أو يتعاونون أو يفشلون في ذلك أيضا للوصول إلي أهداف عامة .اتركونا الآن ننظر بتفصيل أكثر إلي هذه الأبعاد السياسية الثلاثة للعلاقات الاقتصادية الدولية ،من خلال المبحث التالي.

المبحث الرابع:
الأبعاد السياسية الثلاثة للعلاقات الاقتصادية الدولية

تمهيد:
تجدر الإشارة أولا إلى أن هيكل ونشاط[THE STRUCTURE & action] ،أو عمل النسق الاقتصادي الدولي ، يتحدد-إلي حد بعيدبصورة مباشرة أو غير مباشرة ،بهيكل وعمل النسق السياسي الدولي .لذلك نجد أن الإنتاج ، و التوزيع ، والاستهلاك عبر التاريخ الحديث والمعاصر، قد تأثر بالعوامل الاستراتيجية والدبلوماسية للدول- الأمم.وسنتطرق إلى هذا الموضوع ، من خلال هذه المطالب .

المطلب الأول :النسق السياسي والنسق الاقتصادي

مما لا شك فيه، أنه أثناء فترة التجاريين فيما بين القرنين 15و18 .كان للتفاعل الاقتصادي خاصيتين سياسيتين أساسيتين :
أولا: صعود أو بروز ظاهرة الدولة- الأمة الأقوى [THE POWERFUL NATION-STATE ] من أنقاض عالمية ، ومن الخصوصية المحلية للعصور الوسطي ؛فبرزت عدة وحدات سياسية مركزية مثل إنجلترا ، فرنسا،إسبانيا، السويد، براشا (ألمانيا) وراشا (روسيا) التي كانت سياسات، كل واحدة منها،هي محاولة تدعيم القوة،سواء علي الصعيد المحلي ،ضد بناءات القوة الداخلية، أو علي الصعيد الخارجي ضد غيرها من الدول الأخري .
ثانيا: في عهد النظام السياسي المركانتيلي (التجاري) سادت ظاهرة المنافسة علي القوة بين هذه الدول المتقاربة في المساواة -إلى حد ما . لأن القوة قد كانت تتوزع بطريقة متساوية تقريبا . إلا أنه كانت توجد أحيانا بعض التغيرات،التي يمكن وصفها أنها كانت ذات أهمية نسبية في وضعيات قوة بعض الدول. وعلي الرغم من، هذه المنافسة علي القوة (أو الصراع حولها) كانت هناك بعض العوائق أمام هذه التصرفات .التي استطاعت أن تكبح جماح الدول المتنافسة ،من جهة ، كانت الدول تسترشد بثقافة سياسية عامة بما في ذلك الإجماع علي شرعية النظم الملكية .ومن جهة أخري ،كانت توجد هناك أيضا عوائق تقف في سبيل زيادة قدرة وقوة كل دولة . لأن حالة تنظيم وإدارة الدول آنذاك كانت ضعيفة وهزيلة ، والجيوش التي كانت تعتمد عليها في توفير الاستقرار في الداخل والحماية من الأخطار الخارجية، كانت صغيرة وفي معظمها تشكلت من عناصر مرتزقة . وبالنتيجة، فإن الأهداف العسكرية والدبلوماسية كانت هي الأخري جد محدودة .
نلاحظ أن ،تأثير البناء السياسي علي البناء الاقتصادي للدول التجارية كان عميقا. فالحقل الاقتصادي [THE ECONOMIC REALM] أصبح ميدانا للتنافس والصراع السياسي .إن اتباع سياسة القوة وسعي الفاعلين وراء أهداف ’’قوة الدولة‘‘ ، قاد إلى تلبية نداء دافع ’’القوة الاقتصادية، والثروة الوطنية‘‘، وعملية المنافسة .إلا أن ،هذه المساعي قد حدّت بواسطة الواقع السياسي المعاش آنذاك ،ومن ثم ترجم إلي منافسة اقتصادية .بحيث أن كل المبادلات الاقتصادية الدولية،قد نظمت و رتبت من أجل هدف واحد هو قوة الدولة [ FOR THE PURPOSE OF STATE-POWER.] . هذا لأن التجاريين آمنوا كل الإيمان، بأن الثروة والقوة يرتبطان ارتباطا شديدا بملكية وحوزة ما يسمي بالمعادن النفيسة،الذهب والفضة . وأشاروا علي الحكومات أن تنظم هياكل تجارتها الدولية من أجل الحصول والحفاظ علي ميزان تجاري في صالحها، لتركيم أو تجميع هذه المعادن لتكون في حوزتها.ومن أجل هذا الغرض كانت توجد مراقبات [CONTROLS] علي أسواق التبادل، وأسواق الصرف، والحركات الدولية للمعادن الثمينة .وإلي جانب هذا كان التعامل أو المعاملات التجارية[ TANSACTIONS]يتم من خلال تطبيق السياسات التجارية المتمثلة في التعريفات الجمركية [TARIFFS]، وتطبيق نطام الحصص[QUOTUS]أو الكوطات،وحظر بعض المعاملات التجارية.وتوفير الحكومات لإعانات مالية حكومية من أجل التصدير[SUBSIDIES] ،وصناعات بدائل الاستيراد [أي شئ يحل محل الآخر [IMPORT SUBSTITUTION] ، وأحيانا التكفل أو حتى الانخراط والتورط في الإنتاج والتجارة. ونتيجة لهذه السياسات التجارية نجد أن الدولة التجارية قد تطلعت لحيازة مستعمرات لها بغية الحصول علي موازين تجارية ملائمة ،تماشيا مع الهدف السياسي العام للاكتفاء الذاتي ودعم قدرتها وقوتها . وأوجدت المستعمرات لتؤدي دور خدمة المصالح التجارية للدولة الأم [THE METROPOLE]. التي أعطت ترتيبات صارمة لاقتصاد المستعمرات ليخدم هذه النهايات أو الغايات . إنه رد الفعل لمثل سياسات التجاريين ترتيب وتنظيم الإنتاج ،والصادرات والواردات ، ومراقبة السفن الملاحية ، مثل هذه الأفعال هي التي قادت أو دفعت المستعمرات الأمريكية للتمرد ضد إنجلترا .
لذلك، ففي المرحلة المركانتيلية أو التجارية ،نجد أن طبيعة بروز الدولة، ونظام أو نسق الدولة، في جزء كبير منه هو الذي حدد طبيعة التفاعل الاقتصادي .ولما تغير ذلك الهيكل السياسي، عندما صعدت بريطانيا ،إلي صف الدولة المهيمنة سياسيا ، تغير تبعا له النسق الاقتصادي.
في القرن التاسع عشر، نجد أن النسق السياسي قد تميز بواسطة ميزان القوة، علي مستوى القارة الأوروبية،وبواسطة قوة بريطانيا، فيما وراء البحار (أي في الخارج) . في القارة، روسيا وفرنسا أجبرتا [CONSTRAINED] علي إعادة الاصطفافات أو الانحيازات [REALGNMENTS] لمؤتمر فينا [THE CONGRESS OF VIENNA] والقوي العظمي الأربعة للقارة، روقبوا بواسطة خصومهم ومنافسيهم .هذا جعل في إستطاعة بريطانيا لعب دور الموازنة والوسيطة في نفس الوقت [A BALANCING AND MEDIATING ROLE] بموقعها الجغرافي خارج القارة الأوروبية وسيطرتها علي البحار . لأنها استطاعت أن تراقب مداخل ومخارج أوربا لبقية العالم، ورفضها لحصول الدول الأوروبية علي مستعمرات فيما وراء البحار. ونجد أن حيازة ابريطانيا لقوة بحرية كبيرة ، بالإضافة إلي الانهيار التدريجي لقوى القارة، عوامل كان لها معني واحد هو أن أكبر جزء غير أوربي من العالم، كان إما يرزح تحت السيطرة البريطانية ، أي حكم التاج البريطاني أو مستقل، ما زالت لم تطأه أرجل الغزاة .
بسبب هذا النسق السياسي، لميزان القوة في القارة الأوربية ، وقوة بريطانيا فيما وراء البحار، حققت بريطانيا سبقا [A HEAD START] في التنمية الاقتصادية ،واستطاعت أن تنشئ نظاما اقتصاديا دوليا، الذي أهلها أن تصبح هي المركز التجاري والمالي،و كانت سياسة حرية التجارة هي أساس هذا النسق الدولي.
الجذور السياسية للتجارة الحرة، أو بالمعني الأصح حرية التجارة، يمكن الرجوع بها إلي الوراء حتي الفترة النابوليونية . عندما فرض الإمبراطور الفرنسي النسق أو النظام القاري، الذي أدي إلى تطبيق سياسة مقاطعة اقتصادية شاملة ضد بريطانيا. هذه المقاطعة النابوليونية شجعت علي تحويل الاقتصاد البريطاني ،من التجارة مع القارة ،إلي التجارة فيما وراء البحار أو عبر البحار.
وبعد هزيمة فرنسا وإنهاء المقاطعة الاقتصادية لبريطانيا . واصلت هذه الأخيرة، السير قدما إلى الأمام في الطريق الذي عبدته لتجارتها الخارجية،مع إلغاء قوانين الغلال (الحبوب)،قوانين الملاحة،والسحب الرسمي التدريجي للتعريفة الجمركية. وكيفما كان ذلك ،فإن بريطانيا استطاعت أن تبتكر نظاما للتبادل ؛تبادل المصنوعات المحلية ،من أجل الحصول علي المواد الخام. ونجد أن إبرام المعاهدات مع الدول الأوروبية جعلت هذا النظام يمتد إلى القارة.وبهذه الطريقة تعمقت الهيمنة التجارية البريطانية أكثر فأكثر عن طريق استثماراتها في الخارج .
في القرن التاسع عشر، تدفقت كميات كبيرة من رأس المال البريطاني علي الولايات المتحدة، وكندا، وأمريكا اللاتينية،والمناطق الأخري للإمبراطورية،ومن ثم بزغت مدينة لندن كمركز مالي دولي.لذلك كله، ففي القرن 19 ،نجد أن الهيمنة العسكرية والسياسية لبريطانيا جعلت في إمكانها تبني وتدويل [نسق اقتصادي ليبيرالي]. لكن مرة ثانية،عندما بدأ النسق السياسي يتغير أويتحول في نهاية القرن19-كان ذلك اشارة واضحة علي أن قوة بريطانيا بدأت تشحب وتضعف-وأن النسق الاقتصادي الليبيرالي، هو الآخر بدأ يذبل ويضعف،ليفسح المجال أمام بروز نسق إمبريالي جديد
[A NEW IMPERIALIST SYSTEM EMERGED].
إن جذور إمبريالية القرن التاسع عشر، عبارة عن شيء معقد ومتملص ومراوغ ومحير[ELUSIVE]،لكن يوجد هناك عاملين سياسين خطيرين ساعدا علي نموها وتطويقها للعالم:
الأول: هو ضعف السيطرة البريطانية التي شجعت علي بروز وانبعاث قوي سياسية ،وعسكرية ،واقتصادية مزاحمة ومنافسة لها وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا.
والثاني: هو تأثير هذه القوي الجديدة الذي كان يبعث علي القلق، نجده قد تقوي وتدعم بظهور الوطنية الحديثة .أيضا نجد أن نمو هذه القوي المنافسة لبريطانيا قد ظهر بفعل دوافع قوي الهويات الوطنية الصعبة المراس أو العنيدة ،والفخر الوطني،والبحث عن الإنجاز الذاتي وعن القوة الوطنية العظمي.أضف إلى ذلك،فإن علاقات القوة المتساوية تقريبا، والوطنية الجديدة تمخضتا عن ظهور نسق دولي كان يمتاز بالمنافسة الشديدة.كان جامحا، وغير مجبر وغير مكترث بهدف بريطانيا الذي كان يتمثل في الدعوة إلى الحفاظ علي التوازن،وعلي الإبقاء علي هيمنتها ،فيما وراء البحار.طبعا هذا هو الهدف الذي ساهم مساهمة كبيرة في حالة استقرار نسق بداية القرن التاسع عشر.
هذه التحولات السياسية، سمحت لقوى أخرى أن تفعل فعلها في الواقع:منها الضغوطات السياسية للطبقة الرأسمالية الجديدة القوية،التي كانت تقف جنبا إلى جنب مع القوي العسكرية،وظهور كثير من المغامرات والأعمال الطائشة التي قام بها عدد كبير من المغامرين والمكتشفين، وصيادي الثروة [FORTUNE HUNTERS]،التطورات التكنولوجية والمواصلاتية التي سهلت عملية مراقبة مناطق ما وراء البحار،وأفعال وردود أفعال العناصر الديناميكية في المنافسة الإمبريالية .كل ذلك ساعد علي تصاعد وتأجج الصراع السياسي الدولي؛لكن هذه المرة قامت به القوي العظمي خارج أوروبا ولكن لم تحن سنة1914-وخلال عقود قليلة،تم اقتسام كثير من مناطق وأوطان آسيا وإفريقيا علي دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
هذه الإمبريالية الجديدة، كانت هي القاعدة الأساسية لظهور نسق دولي جديد.لأن السيطرة السياسية الأوروبية أدت إلى سيطرة اقتصادية واستغلال بأتم معني الكلمة.كما حدث في أيام التجاريين ،فإن المستعمرات قد أدمجت في نسق اقتصادي دولي صمم خصيصا لخدمة المصالح الاقتصادية للدولة المترو بول.ولأن المتغلبين أو المنتصرين الظافرين هم الذين راقبوا الاستثمار والتجارة،ونظموا النقد والإنتاج ،واحتكروا العمل .ومن أجل ذلك تم تشييد بناءات وهياكل التبعية الاقتصادية في المستعمرات ،التي بقيت وستبقي لفترة أطول من بقاء سيطرة سلطتهم السياسية الفعلية.
هذا النسق الإمبريالي،وسيطرة وهيمنة بريطانيا المستبقاة [THE RESIDUAL] في الغرب،انهارت في النهاية أمام توتر وإجهاد الحربين العالميتين الأولي والثانية.ففي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية،انبثق نسق سياسي اقتصادي جديد،ارتكز علي المواجهة غير الودية أو بالأحري العدائية للقوتين العظمتين الجديدتين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
سياسيا ؛النسق الجديد كان ثنائي القطبية[BIPOLAR]. في الغرب ،كان يوجد تسلسل هرمي انتظمت فيه الولايات المتحدة كأقوى قوة سياسية وعسكرية واقتصادية مسيطرة علي أوروبا واليابان المضعفتين(أي الذين أضعفتهما الحرب) .في حين أنه في العالم الثالث نجد أن معظم أممه بقيت خاضعة سياسيا للقوي الإمبريالية القديمة.وفي الشرق برز الاتحاد السوفيتي كقوة تسيطر سياسيا وعسكريا بدون منازع .أخيرا ،الغرب والشرق واجه بعضه بعضا في حرب باردة .
هذا النسق السياسي الدولي العام هو الذي حدّد النسق الاقتصادي الدولي الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية.ولأسباب سياسية الغرب والشرق اعتزلا وبل وعزلا عن بعضهما البعض،وكوّنا نسقين اقتصاديين منفصلين ،أحدهما مغلق والآخر مفتوح.ففي الشرق ،فرض الاتحاد السوفيتي نسقا اقتصاديا شيوعيا دوليا ارتكز علي المفهوم الاشتراكي لمجموعة من الدول كانت تشد بعضها بعضا مصلحة مشتركة
[A SOCIALIST COMMONWEALTH] ، ولأسباب سياسية أيضا رأى الاتحاد السوفيتي جعل الأعضاء الآخرين لهذا الكمنويلث تابعين له اقتصاديا ومنعزلين اقتصاديا عن الغرب اتقاء شر التأثير السلبي والدعاية المضادة لتوجهاتها الاشتراكية. وفي الغرب نجد كذلك أن السيطرة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة هي الأخري قد موثلت بسيطرتها الاقتصادية . فالرؤية الليبيرالية الأمريكية هي التي ميزت ولوّنت النظام الاقتصادي في الغرب.
مبادئ النسق الاقتصادي الدولي، كانت مرة أخري كما سادت في مرحلة السيطرة البريطانية وبخاصة سيطرة دولة علي دولة أخري :حرية التجارة وحرية حركات رؤوس الأموال.عن طريق هذا النسق نجد أن التجارة الأمريكية ،والاستثمار الأمريكي ،والدولار الأمريكي كان هو السائد أو المهيمن أو بالأحرى المسيطر. لذلك كله، فالسياسة هي التي لونت الاقتصاد أو شكلته في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي سبعينات القرن الماضي كما هو من قبل،كان-إلى حد بعيد المجال السياسي المتحول هو الذي سبب انهيار النسق الاقتصادي لما بعد الحرب.إن تضاؤل وتراجع القوة الأمريكية ،وازدياد التعددية[PLURALISM]في الغرب ،ووفاق القوي العظمي، والإجماع السياسي الذي استجد آنذاك في الدول النامية(المتخلفة)، حوّل وغّير النسق الاقتصادي الدولي.

المطلب الثاني :
الاهتمامات السياسية والسياسة الاقتصادية

بالإضافة إلى تأثير النسق الاقتصادية،فإن العوامل السياسية أيضا تؤثر علي السياسات الاقتصادية.عبر التاريخ. وكما رأينا ، السياسة الوطنية شكلت الاقتصاد الدولي.في الفترة المركانتيلية، الحكومات نظمت (رتبت) النشاط الاقتصادي،وحازت علي مستعمرات.في القرن 19 أبطل ،البريطانيون مفعول قوانين الحبوب،قوانين وقرارات ومراسيم الإبحار والملاحة واتجهت ابريطانيا نحو اتباع سياسة التجارة الحرة.
في نهاية ذلك القرن ، اتجهت السياسة العامة هي الأخرى إلي ضم أقاليم وأوطان في آسيا و إفريقيا .في السنوات منذ الحرب العالمية الثانية ، ركزت السياسة الخارجية الأمريكية علي نسق تجارة حرة متعدد الأطراف أو متعدد الجوانب (أي جمعي يتميز باشتراك أكثر من دولتين)[MULTILATERAL]. هذه السياسات الوطنية بدورها كانت محددة [DETEMINED] أو مصممة بواسطة الإنبثاقات السياسية الداخلية [BY INTERNAL POLITICAL POCESSES] . لذلك كله فالسياسة الاقتصادية هي نتائج تطور سياسي مساومتي [BARGAINING] أي صفقاتي إن صح هذا التعبير الذي يمكن أن توجد فيه جماعات عدة، تمثل مصالح مختلفة متصارعة ،حول نتائج سياسية مختلفة . علي سبيل المثال ،نجد أن الصراع بين الجماعات (الزمر) ،يحدث بين جماعات تستحسن وجود حواجز جمركية (خفيفة)، وجماعات أخري تدافع عن سياسة الحماية.وبين الجماعات التي تدافع عن المساعدات الاقتصادية الخارجية ومعارضيها، وبين الجماعات التي تستحب الاستقلال الطاقوي،وتلك الجماعات التي تدافع عن الاتكال والاعتماد علي المصادر الخارجية للطاقة.
ناتج الصراع السياسي إذن تحدد عن طريق القوة [BY POWER] فاختلاف القوة قوة الجماعات المتصارعة هو الذي يؤثر في نتائج السياسة الاقتصادية الخارجية .لذلك فإن الظاهرة المركانتيلية يمكن النظر إليها علي أنها عبارة عن نتائج لصراع سياسي بين قوى محلية خصوصية، والقوة البارزة (أو الناهضة) للحكومة المركزية : والتجارة الحرة كانت نتاج الصرع بين طبقة ملاك الأرض [THE LANDED CLASS] أو [A LANDED PROPRIETOR] التي أيدت الحماية ،والطبقة البرجوازية الصاعدة التي ناصرت حرية التجارة .أما الإمبريالية فإنها قد عكست [REFLECTED] القوة السياسية للطبقات العسكرية والرأسمالية السائدة ،والمسيطرة. والليبرالية الأمريكية (و م أ) حددت بواسطة التأييد والمناصرة، التي تمتعت بها في أوساط جماعات الأعمال، والعمل القوية
[POWERFUL BUSINESS AND LA BOUR GROUPES] .
في أحيان كثيرةنجد أن ، المصالح الاستراتيجية والدبلوماسية المهيمنة أو الطاغية [OVERRIDING] هي ما يحّدد انبثاق التساوم السياسي. والسياسة الاقتصادية هي التي تتشكل في كثير من الحالات بواسطة الاهتمامات السياسية [BY POLITICAL CONCERNS] أو تصبح وسيلة واضحة للسياسة الاستراتيجية والدبلوماسية الوطنية . ويمكننا أن نلاحظ من استقراء التاريخ أن السياسة التجارية كثيرا ما وعن عمد يتم ربطها بالأهداف السياسية.ومما يلاحظ كذلك أن المقاطعة صارت وسيلة اقتصادية للحروب السياسيةفي مراحل تاريخية معينة .

طبقت فرنسا سياسة المقاطعة لتضعف بريطانيا خلال حروب نابليون. و طبقتها عصبة الأمم، التي دعت إلي مقاطعة إيطاليا بعد احتلالها لأثيوبيا كمحاولة منها لإيقاف المعتدي في سنة 1935.أما الولايات المتحدة ،و منذ الحرب العالمية الثانية وفي أحيان كثيرة قامت بقاطعة التجارة مع البلدان الشيوعية بغية إضعاف (لتضعف) القدرة العسكرية الروسية . و ’’مقاطعة العرب البترولية‘‘ التي طبقتها الدول العربية لفترة قصيرة علي الولايات المتحدة وهولندا ،التي كانت مجرد محاولة قامت بها هذه الدول لتحويل سياستهما الخارجية وتدعيمهما لاسرائيل . وفي سنة1980 حاولت الولايات استعمال الضغوط الاقتصادية لإجبار ايران لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين . واستعملت المقاطعة والحصار الشامل علي العراق لتركيعه وتدميره .هذه الأمثلة وغيرها كثير، لخير دليل علي أن السياسة التجارية كانت تستغل لخدمة الأغراض والأهداف العسكرية الاعتدائية منها والدفاعية.وهذا ألكسندر هاملتن [ALEXANDER HAMILTON] كان يجادل، بأن الولايات المتحدة هي: الفرخ الذي ينبت الريش [THE FLEDGLING] يتعين علي الولايات المتحدة أن تشيد نظاما صناعيا محليا عن طريق اتباع سياسة الحماية التجارية ، من أجل تفادي الاعتماد علي المصادر الخارجية للعرض، التي من الممكن قطعها في وقت الصراع السياسي أو الحرب. وحديثا ،كانت توجد هناك دعوات للولايات المتحدة لتطوير عناصر الطاقة من أجل تحاشي النتائج السياسة والاقتصادية لتبعيتها للمصادر الخارجية للعرض.

المساعدة الخارجية هي الأخري، وسيلة اقتصادية معروفة استغلت من أجل الأهداف الاستراتيجية والديبلوماسية. ولتوضيح هذا الأمر نجد أن مشروع (مخطط) مارشال [THE MARSHALL PLAN]، الذي أعطت بموجبه الولايات المتحدة BILLION17$ ،كمنح للبلدان الأوروبية الغربية، لاعادة بناء اقتصادياتها، المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، ما كان هذا المشروع المساعداتي الذي لم يستثن حتي بلدان أوروبا الشرقية بما في ذلك الاتحاد السوفيتي،ليتم لولا الأغراض السياسة المبيتة، لأنه كان في الأصل قد صمم لجعل أوربا الغربية في مأمن من التوسع السوفيتي.
أيضا ، المساعدات الاقتصادية الخارجية للبلدان المتخلفة ،استعملت هي الأخري لاكتساب أصدقاء للغرب أو للشرق أثناء الحرب الباردة . طبعا،كانت البلدان المتلقية للمساعدة من كلا الجهتين تجد في الطرفين المتنافسين علي اكتساب صداقتها هامشا للمناورة والمساومة. إلى حين، بطل مفعول هذه التصرفات، بمجرد فناء أحد المعسكرين . غير أن الأصل في المساعدة الخارجية السابقة هو مجردالابقاء علي التأثير السياسي في تلك المستعمرات المستقلة حديثا.

المبحث الخامس:الاقتصاد الدولي [سياسة دولية]

و أخيرا، نصل إلى أن العلاقات الاقتصادية الدولية، بنفسها هي التي تؤسس العلاقات السياسية الدولية . يمكن تعريف العلاقات السياسية الآن علي أنها هي ’’نماذج ،أو أنماط، أو أشكال التفاعل السياسي بين الدول‘‘، وكما في كل السياسات ؛السياسة الدولية تشمل أو تتضمن سلوك السعي وراء الأهداف [GOAL – SEEKING BEHAVIOR]، وانبثاق [PROCESS] ، تقرير من يحصل علي ماذا؟ متي؟ وكيف؟
[WHO GETS WHAT ,WHEN, & HOW?] . كذلك فالعلاقات الدولية هي علاقات سياسية عندما تشتمل علي تفاعل جماعات مختلفة في ملاحقتها ومواصلة سعيها وراء الأهداف. يتراوح التفاعل فيما بين جماعات النسق الدولي، في الترتيب ؛من الصراع إلى التعاون. وهذا يعني أن تصرف الفاعلين الدوليين يتضمن أصنافا شتي من الصراع أو التعاون .وهذا التفاعل يمكن أن يمتد من أقصي حالة للتعاون إلى أقصي حالة من الصراع، وفي أقصي التطرف يأخذ صفة [الصراع البحت]. يحدث هذا عندما تكون مصالح الجماعات المتورطة فيه متعارضة تماما[DIAMETRICALLY-OPPOSED].وعندما تدرك جماعة معينة أهدافها،فالجماعة الأخرى لا تستطيع الوصول إلى غاياتها. علي سبيل المثال:من الملاحظ أنه في حالة تورط بعض الفاعلين الدوليين في صراع علي إقليم أو مقاطعة،نجد أن الدولة(أ) ستربح الإقليم والأخرى(ب)ستخسره. وفي التطرف الآخر يوجد [التعاون]،في مثل هذه الحالة، فالجماعات تدرك بأن لها مصالح مشتركة ،وكلها تستفيد من فوائد هذه المصالح المشتركة.علي سبيل المثال: الحلفاء لهم مصالح عامة في ضمان دفاعهم الجماعي، المستعمرات لها مصالح عامة في حصول كل منها علي استقلالها، الشركاء التجاريين لهم مصالح عامة في المحافظة علي ميزات العلاقات التجارية النافعة والمفيدة...الخ.
معظم التفاعلات الدولية،إن لم نقل كلها ، تحتوي علي عناصر من كل من الصراع (أو الخلاف ) والتعاون ،حتى في وجود حالات الصراع المتطرف،يمكن أن يوجد عنصر التعاون.علي سبيل المثال:أنه بالرغم من وجود مواجهات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (سابقا) حول وضع الصواريخ السوفيتية في كوبا 1962 ، أو حول حروب الشرق الأوسط،خاصة حرب أكتوبر 1973 ،فان مصالح القوتين العظمتين كانت تملي عليهما تحاشي سلوك وتصرف تصعيد هذه الخلافات إلي درجة حرب نووية و [هولوكستHOLOCAUST]،لا يبقي ولا يذر في الأرض ديارا. هذه المصالح المشتركة وحالة الرعب المتبادل قاد تهما إلي الإتفاق لإيجاد حلول لها .وعلي العكس من ذلك ، وفي أوضاع أو وضعيات تشمل مستويات عالية من التعاون ،قد يحضر عنصر الخلاف ،خاصة عندما تشترك جماعات معينة في مصالح عامة، الا أنها تختلف دائما حول مصالح خاصة [OVERSPECIFIC-INTERESTS]. علي سبيل المثال : كل دولة من الفاعلين الدوليين ترغب لنفسها تأسيس نظام نقدي دولي مستقر والحفاظ عليه ، لكن بعض هذه الدول تفضل نمطا خاصا من النظام النقدي [PARTICULARLYPE] .مثل معدل الصرف الثابت أو نظام معدل الصرف العائم ،الذي يلبي ويشبع مصالحهم الوطنية الأكثر خصوصية [THE MORE SPECIFIC] .لذلك، ففي إطار الأهداف العامة، نجد أن الدول قد تختلف حول الوسائل الأفضل في نظر كل منها للوصول إلى الهدف العام المشترك.
في السياسة الداخلية ، الحكومات هي التي تنظم وتسير عملية السعي وراء الأهداف ،لأنها هي التي لها سلطة صنع واتخاذ القرارات نيابة عن المجتمع الوطني، ولها القوة لفرض تنفيذ هذه القرارات .ونجد أن الشئ الذي ما زال يميز السياسة الدولية عن السياسة الداخلية ،هو في الواقع غياب مثل هذه الحكومة .في النسق الدولي،ينعدم وجود ،جهاز شرعي له السلطة التي تخوله سلطة تنظيم و إدارة حل الخلافات وتسويتها ، أو الوصول إلي أهداف مشتركة لصنع وفرض تنفيذ قرارات ا لنسق الدولي . عوضا عن ذلك، فإننا نري أن سلطة صنع القرار قد تشتت عبر جماعات عدة :حكومية [GOVERNMENTAL]، وبين حكومية [INTER-GOVERNMENTAL] ،وغير حكومية [ GOVERNMENTAL NON-] .لأنه لا أثر لحكومة دولية ،فالمسائل المركزية الرئيسية للسياسة الدولية هي [THE ADJUSTMENT] اما تسوية وضبط أو تسيير الصراع والوصول إلي تحقيق التعاون .
لذلك فان الوسائل التي بواسطتها يدير الفاعلون الدوليون ،وغير الدوليين /أو يفشلون في إدارة خلافاتهم أو صراعاتهم، والطرق التي بواسطتها يتم التعاون / أو يحصل الفشل في التعاون ،في عملية السعي لتحقيق الأهداف المشتركة للمجموعة الدولية ،هي الموضوع المركزي أو الجوهري للسياسة الدولية .
عبر القرون، إخترع الفاعلون [ THE ACTORS] مؤسسات و قواعد وإجراءات، لإدارة سلوك الصراع والتعاون الدوليين ، بترو وبتعمد وتأن أو غير تعمد أو قصد [accidentally] .هذه الأشكال لإدارة النظام الدولي، نجدها قد تغيرت أو تنوعت عبر الوقت ، والمكان ، والمسائل، و كانت سلوكات وتصرفات الفاعلين تتراوح من حالة الهيمنة إلي واقع الاستعمار، إلي تحكيم القانون الدولي. وعندما تكون هناك مؤسسات ،قواعد، ، وإجراءات فعالة، نجد أن الخلاف يأخذ مكانه في حدود ضيقة ،ويتغلب عليه التعاون الذي يمكن الوصول إليه أو تحقيقه. لكن عندما لا توجد مؤسسات، وقواعد ، وإجراءات فعالة ، نجد أن الخلاف يصعب تسييره وتنظيمه، وبالنتيجة ، يصبح التعاون غير ممكن ، في مثل هذه الأوضاع إذن ، الخلاف الدولي يمكنه ،أن يتدرج نحو مزيد من التوتر في العلاقات بين الدول، ويتم استدعاء السفراء ،وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، وقطع العلاقات، وتبادل التهديد والوعيد، وفرض الحصار الاقتصادي، والمناوشات علي الحدود، ثم يعلو صوت المدافع علي صوت العقل . أي يتصاعد الخلاف إلي مستوى الحرب، أو يمكن أن يتحول إلي حرب .
مما سبق عرضه ،و زيادة في التوضيح ،يمكن أن نقول: أن معاينة وبحث موضوع العلاقات الاقتصادية الدولية، أدرج في كثير من الأحيان وكأنه إدارة للصراع والتعاون، في غياب الحكومة.كما يحدث مع كل عمليات التفاعل السياسي الدولي. كما سبق وأن ذكرنا فان التفاعل كان يتراوح[RANGES] من الصراع البحت[PURE] إلي التعاون . وذلك لوجود بعض العلاقات الدولية التي كانت تقود إلي مستويات عليا للصراع(الخلاف) .الثروة،مثلا كانت هدفا مهما جدا بالنسبة للجماعات السياسية الدولية، ومواصلة البحث عن الثروة ،عادة ما يقود أو يؤدي أو يدفع إلي نشوب الصراعات علي المنافذ إلي الأسواق ، ومراقبة المواد الأولية، ومراقبة وسائل الإنتاج .مثل هذه الصراعات كانت ترتبط في طبيعتها بالصراع علي القوة والسيادة . وعلي سبيل المثال فان مواجهات المنتجين والمستهلكين فيما يتعلق بسعر البترول ، يعتبر بمثابة تحد من قبل المنتجين، لقوة كل من الدول المتقدمة صناعيا، وكذلك لسطوة الشركات البترولية العملاقة.أما كثرة اهتمام الساسة والعامة في كندا،وأوربا، والعالم الثالث بالشركات المتعددة الجنسيات ، يمكن أن يكون في جزء منه عبارة عن رد فعل للمساس بسيادتهم .وكيفما كان ذلك الاهتمام فان كثيرا من التفاعل الاقتصادي الدولي ،يتضمن أحيانا مستوى عال من التعاون . ومما لا شك فيه ،أن دولا عديدة تشترك في أهداف نسق نقدي مستقر،و تقوم بتوسيع العلاقات التجارية ،ورفع إنتاجاتها ،علي الرغم من أنها كانت تختلف في وسائل تحقيق هذه الغايات . لأن البعض منها كان يفضل معدل صرف ثابت، في حين أن البعض الآخر كان يفضل معدل صرف عائم. وقد يدافع البعض علي سياسة تخفيض التعريفات الجمركية الخاصة بالمنسوجات ، في حين أن البعض الآخر يعارض ذلك بشدة . بعض الفاعلين الدوليين يفضل النمو والازدهار عبر التجارة الحرة ،في حين أن البعض الآخر كان يشعر بأن التجارة الحرة تعرقل وتمنع النمو المنشود ، البعض كان يعتبر أن الشركات المتعددة الجنسيات وسائل حيوية تقود إلي إنجاز النمو الاقتصادي ، في حين أن البعض الآخر كان يعتقد أنها هي التي تبقي علي التخلف بل وتعمقه [THEY PERPETUATE UNDERDEVELAPMENT] .
كما في كل السياسة الدولية ،الدول عن عمد أو عن غير عمد أسست،مؤسسات قواعد ،وإجراءات لإدارة أو تسيير الصراع والتعاون الدوليين .الإدارة الاقتصادية الدولية .إذن، تختلف (تتنوع) مع الوقت ،و المكان ، والمسألة أو الإشكالية المطروحة .كما حدث في المرحلة التجارية ، ومرحلة حرية التجارة ، و مرحلة الإمبريالية، هذه المراحل المتعاقبة ، كانت لها أشكال تاريخية للإدارة التجارية ،أو للتسيير التجاري .
في أوقات مختلفة،نجد أن نظام الذهب ،ونظام الدولار- أدخلا كمعيارين في تنظيم وادارة العلاقات المالية الدولية - معيار الذهب خلال القرن 19،ونظام الدولار في القرن20، التسيير كان فعالا لكن في أوقات أخري ،كما في فترة الكساد العظيم الذي ضرب العالم في الثلاثينات 1930، أو الأزمة النقدية ل1971-1973، كأحداث بارزة في تاريخ العلاقات الاقتصادية الدولية ،تسببت في تعطيل آلة الإدارة الاقتصادية الدولية إلى أن انهارت بصدد بعض العلاقات ، في أسواق الاقتصاديات المتطورة . وقد يحدث ذلك مع وجود قواعد ،ومؤسسات وإجراءات متشابكة وفعالة . أما في علاقات أخري ،كتلك التي توجد بين الدول المتقدمة والبلدان المتخلفة ،فإننا نادرا ما نري أثرا لأي قواعد أو مؤسسات ، ولا حتي إجراءات، و إن وجدت كانت موضوع خلاف كبير. أخيرا ،ففي بعض المجالات ، كالتجارة الدولية ، توجد قواعد أسست رسميا (شكليا)، وأنشئت لهذا الغرض منظمات دولية ،واخترعت لها إجراءات غير رسمية ، أمافي مجالات أخري، مثل الإنتاج الدولي ، الإدارة الدولية نجد أنها ما زالت تتكئ علي أشكال رقابية بدائية ،يعني في بدايتها [RUDIMENTS] .
هذا العمل ،هو دراسة للطريق الذي سلكته الجماعات، لادارة أو الفشل في إدارة العلاقات الاقتصادية الدولية ،منذ الحرب العالمية الثانية. ومناقشة موضوع النسق الذي أنشئ بعدها ،وانهياره، وإمكانيات خلق أشكال جديدة للإدارة الدولية . غير أن التأكيد علي الإدارة بواسطة الدول، زاد من أهمية تدخلها في ادارة الاقتصاد الدولي .لذلك،فانه من المتوقع زيادة هذا التدخل في السنوات المقبلة. لأن الدول صارت في وضع يتعين عليها أن تتدخل في النسق الدولي، لتحديد أدائه لوظيفته، وقدرته لمقابلة غايات وأهداف أعضائه. .....يتبع