الحب شعور داخلي لا يظهر، لكنه له آثار مادية، فكل شيء في داخل النفس له ما يؤكده في خارجها. وللعلماء تعريفات متنوعة للحب، فقال بعضهم: المحبة هي "الميل الدائم للقلب الهائم".

إن الإنسان له ظاهر هو الجوارح، وله باطن هو القلب، وللجوارح عبادة، كما أن للقلب عبادة. وعبادة القلب المؤمن الخاشع هي الحبّ، فيجب أن يمتلئ القلب خوفاً من الله تعالى، تعظيماً لله تعالى، وحبّاً لله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}، (سورة البقرة الآية: 165).

لو أن الإنسان طبّق الأشياء الظاهرة، ولم يجد في قلبه ميلاً إلى الله، لم يجد في قلبه أُنساً بالله، يجب أن يُراجع نفسه، فنحن نريد في هذا الموضوع أن يُراجع الإنسان قلبه، هل هو سليمٌ كما أراد الله عزّ وجل حيث يقول: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، (سورة الشعراء الآية: 88-89).

أكثر من مائة آية عن الحبّ

لو استعرضنا كتاب الله عزّ وجل، لوجدتنا أن أكثر من مائة آية أو تزيد، تتحدث عن الحبُّ، الحب مادته في القاموس حَبَبَ، ميلُ القلب، فقلبُ المؤمن لا بد من أن يميل إلى الله عزّ وجل، لا بد من أن يميل إلى الله. فهل أنت أشدُ حباً لله؟: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، (سورة التوبة الآية: 24).

فالنسبة بين العبد وبين الربّ كما جاء في القرآن الكريم: هي الحب، فهناك علاقةٌ بين العبدِ وبين الربّ، العبد يحب الله عزّ وجل، والله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، (سورة المائدة الآية: 54).

وأحكام الإسلام كلها لها مظهر في الصلاة والوضوء والركوع والسجود والصوم والحج أو الزكاة، وكذلك في التعامل اليومي، وفي أحكام الزواج، وفي أحكام الطلاق، وفي أحكام المواريث، وفي أحكام البيوع، هذا كله أحكام ظاهرة، جوهر هذه الأعمال كلها وروحها هو

والحبُّ أصلٌ في الإيمان، فلا بد أن ينبني الإيمان بالله ورسوله على الحب قبل كلِ شيء، فعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي : "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال له عمر: فإنه الآن ـ والله ـ لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي : "الآن يا عمر".

وفي حديث آخر يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لِما جئت به".

الرحمة والحبّ

هناك فرق كبير بين رحمة الله للعبد وبين حبّ الله للعبد، فالله سبحانه وتعالى يرزق عباده جميعاً ويقول في الحديث القدسيّ: "عبدي لي عليك فريضة، ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي، لم أخالفك في رزقك".

فأنت تأكل وتشرب، ليس معنى هذا أن الله يحبك، أن تُوّفقَ في تجارتك، ليس معنى هذا أن الله يحبك، وأن تكون صحتك طيبة قوية، ليس معنى هذا أن الله يحبك، أن تكون غنيّاً، ليس معنى هذا أن الله يحبك، فنحن نجد قارون وقد آتاه الله من الكنوز {ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبةِ أولي القوة}، وأن تكون قوياً، ليس معنى هذا أن الله يحبك، فقد فرعون قال: {أليس لي مُلكُ مِصرَ وهذه الأنهار تجري من تحتي}.

الحبُّ شيء والرحمة شيء آخر، وقد قال علماء التوحيد: محبة الله لعباده صِفةٌ زائدة على رحمته، أنت قد ترحم إنساناً سيئاً، قد ترحم إنساناً جاهلاً، قد ترحم إنساناً لئيماً، يعني: الأب يطعم أولاده جميعاً، ولكن الأب أحياناً قلبه يتجه إلى أحدِ أولاده، فاتجاه قلب الأب إلى أحدِ أولاده، هذه صفة زائدة على رحمته بهم، الله سبحانه وتعالى يرزق عباده جميعاً، يرحم عباده جميعاً، يعطي عباده جميعاً: {﴿كُلاّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً}، (سورة الإسراء الآية: 20)، لكن الله سبحانه وتعالى لا يحب إلا المؤمنين الصادقين.

هل أنت تحبُّ الله؟!

لكل دعوى دليل، وحبّك لله عز وجل له علامة ودليل، ومن علامات الحب لله:

1- استكثار القليل من ذنوبك، واستقلال الكثير من طاعتك:

المحبُون للهِ عزّ وجل مهما قلت ذنوبهم يخشونه، ومهما كَثُرت طاعاتهم يستقلونها، أما المنافقون: لو فعلَ عملاً صالحاً، يملأ الدنيا صخباً وضجيجاً، وينمُّ به، ويقول: فعلتُ كذا وكذا.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن المُؤمنَ يَرى ذَنبَهُ كأنَّهُ في أصل جَبَل يَخافُ أن يَقَعَ عَليه وإنّ الفاجرَ يَرى ذُنوبَهُ كَذُباب وَقَعَ عَلى أنفه فقال لَهُ هكذا"، رواه الترمذي وأحمد.

2- الاطمئنان بالطاعة، وكره المعصية:

وقد قيل إن حبّ الله هو: معانقة الطاعة ومباينة المخالفة؛ فالمحبّ دائماً مع الطاعة، دائماً مبتعدٌ عن المعصية، من الطاعة مقتربٌ، ومن المعصية مبتعدٌ.

فعن أنس بن مالك عن النبي قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من أحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل، ومن كان الله عز وجل ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه"، (أخرجه النسائي).

3- المداومة على ذكره عز وجل:

يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً}، (سورة الأحزاب الآية: 41).

الأمر منصب على الذِكر الكثير، لا على الذِكر فقط، ذكر في كلِ حالٍ؛ باللسان والقلب، والعمل والحركة، نصيبك من محبة اللهِ على قدرِ نصيبك من الذِكر.

4- أن تهب كلك لمن أحببت، فلا يبقى لك منه شيء:

ونختم بهذا المثل الرائع الذي ضربه الصدّيق رضي الله عنه في حبّ الله، وذلك حينما جاء أبو بكر بكل ماله للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالَ النبيّ: "يا أبا بكر ماذا أبقيتَ لنفسك؟!"، قال: تركتُ لهم الله ورسوله.
المصدر: علامات أون لاين