التخطيط في الإسلام :
ويعتبر الفكر الإسلامي عمومًا فكرًا استراتيجيًا في التفكير وحتى في إصدار الأحكام، حيث يهتم اهتمامًا بالغًا بالمقاصد الشرعية والنظرة إلى المآل في الأمور وقضية التوازن بين المصالح والمفاسد وقضية اعتبار المصالح وغيرها من أساسيات الفكر الإسلامي .
كما أن المجتمع الإسلامي في جميع عصوره قد شهد صورا ً كثيرة من التخطيط ولم يكن ثمة خلاف بينه وبين التخطيط المعاصر إلا في الوسائل وحجم الخطة ولكنه في واقعه كان يشتمل على عناصر الإعداد والتنفيذ ويدخل في كافة نشاطات الدولة السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والحربية ، بل ويتميز عن أي تخطيط آخر ، ويمكن القول أن التخطيط الإداري من منظور إسلامي هو : وظيفة إدارية يقوم بها فرد أو جماعة من أجل وضع ترتيبات عملية مباحة لمواجهة متطلبات مستقبلية مشروعة في ظل المعلومات الصحيحة المتاحة والإمكانات الراهنة والمتوقعة كأسباب ، توكلا ً على الله عز وجل من أجل تحقيق أهداف مشروعة .

ملامح التخطيط في الإدارة الإسلامية :
يمكن القول أن ملامح التخطيط في الإدارة الإسلامية هي على النحو التالي :
1 - إنه وظيفة إدارية رئيسية يقوم بها فرد أو جماعة وليس كما أشار معظم الكتاب إليه بأنه أسلوب عمل جماعي ... فالفرد في شؤونه الخاصة به يخطط ، وصاحب الحانوت يخطط ، وصاحب المؤسسة التجارية يخطط ، وأصحاب الشركة في القطاع الخاص يخططون ، وكذلك رجال القطاع الحكومي.
2- وضع تدابير وترتيبات عملية مباحة لمواجهة المستقبل ... ويقصد بالتدابير المباحة أي الالتزام بحدود الله تعالى التي بينها في كتابه إجمالا ً وفصلها وشرحها المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه حتى أصبح الحلال بينا ً والحرام بينا ً وبينهما أمور مشتبهات ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.
3- متطلبات مستقبلية مشروعة ... إذ لا يجوز التخطيط لمتطلبات مستقبلية محظورة أو مشتبه في جوازها لأن الإدارة بوظائفها ومنها التخطيط أداة تستخدم لعبادة الله تعالى ، وبهذا يجب التقيد بمشروعية الاحتياجات المستقبلية التي يسعى التخطيط إلى الاستعداد لتحقيقها.
4- المعلومات المتاحة والإمكانات الراهنة والمتوقعة يجب أن تكون صحيحة ... وهذا يعني عدم اللجوء إلى تشويه الحقائق وتزييف المعلومات والمبالغة في التقديرات للاحتياجات المالية والفنية والبشرية والنظر إلى الإمكانيات المالية بنظرة واقعية وإلى المتوقعة منها بصورة أقرب إلى الواقع ، إذ أن المغالاة في هذا الجانب تؤدي إلى ظهور تصورات خاطئة واتجاهات منحرفة ونفقات مالية متهورة وسفه وتبذير هنا وهناك مما ينتج عنه تدهور إداري خطير وفساد كبير.
5 - التوكل على الله تبارك وتعالى هو القاعدة الأساسية في التخطيط الإسلامي إذ أن التخطيط الإداري الحديث لا يعير هذا الجانب أي اهتمام ولا يحسب له أي حساب ، فكل البيانات والمعلومات والتوقعات إنما هي وسيلة ( سبب ) وليست غاية في حد ذاتها. فالتخطيط في الإدارة الإسلامية ما هو إلا من قبيل ( اعقلها وتوكل ) وليس من باب التدخل في علم الغيب والادعاء بالمعرفة التامة بمستقبل الفكر والأداء والإنجاز.
6- تحقيق الأهداف المشروعة ... وهذا هو بيت القصيد فبغية التخطيط في الإدارة الإسلامية أن يسعى في كل خطواته إلى الوصول إلى أهداف تتفق مع مقاصد الشرع الحنيف الخمسة ، وهي : حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، وإنه في ظل هذه المقاصد فقط – والتي حددها فقهاء الأمة الإسلامية – يتحقق مفهوم المشروعية للأهداف التي يجب على المخطط الإداري المسلم التقيد بها والعمل من أجلها