• أسباب الطعن بالقرار الإداري (دعوى إلغاء القرار الإداري )

تعتبر القرارات الإدارية من التصرفات القانونية الحيوية التي تعبر عن سياسات الدولة العامة ونظامها القانوني والاقتصادي والاجتماعي وكل ما يتعلق بالحاجات العامة وأسلوب تنفيذ ذلك، والقرار الإداري باعتباره تعبير عن إرادة السلطات العامة هو محتوى وجوهر العملية الإدارية ، لأن مفهوم القيادة الإدارية الحديثة لا يعدو عن كونه صلاحية اتخاذ القرارات المؤثرة والفاعلة تبعا لمدى الصلاحيات التي خولها إياها المشرع من حيث سلطة التقدير أو التقييد، إذ تعكس القرارات الإدارية مدى فعالية الإدارة وكفاءتها وقدرتها على تحويل التشريعات وخاصة الإصلاحية منها إلى واقع عملي ذو اثر ايجابي ملموس على حياة الناس ومستوى الرفاه الاجتماعي، وعلى خلاف ذلك فان الإدارة الضعيفة غير الكفؤة تؤثر سلبا على حياة الناس، وكم من التشريعات الإصلاحية العظيمة أفرغت من محتواها الإنساني الاجتماعي بسبب ضعف الإدارة أو فسادها، ويرى بعض فقهاء القانون أن القرار الإداري أضحى مصدراً من مصادر الحق لقدرته على إنشاء الحقوق العينية والشخصية، تعبيرا عن أهمية القرار الإداري في الحياة المعاصرة.
والقرار الإداري يخضع لمبدأ المشروعية، بمعنى وجوب أن تتم جميع تصرفات السلطات العامة في إطار القواعد الدستورية والقانونية و إلا كان التصرف معيبا وباطلا يستوي في ذلك أن يكون التصرف ايجابياً كالقيام بعمل أو سلبياً كالامتناع عن عمل يوجبه القانون، وعدم مشروعية القرار قد ترتب المسؤولية الجنائية في حالات معينة.

و الأصل أن تتمتع القرارات الإدارية بقرينة المشروعية، بمعنى انه يفترض فيها أنها قد صدرت صحيحة ومشروعة، إلا أنها قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس، إذ بإمكان صاحب المصلحة في الطعن بالقرار الإداري أن يقيم الدليل على أن القرار الإداري مشوب بعيب من عيوب عدم المشروعية.

وتنقسم القرارات الإدارية من حيث مداها وعموميتها إلى نوعين من القرارات, قرارات فردية وقرارات تنظيمية، والقرار الفردي هو القرار الذي يتعلق بفرد أو مجموعة من الأفراد محددين بذواتهم ومثاله تعيين موظف أو نقله أو القرار بقبول الطلبة في الجامعات. أما القرارات التنظيمية وتسمى في العراق بالأنظمة والتعليمات وفي مصر باللوائح فهي تلك القرارات الصادرة من السلطة التنفيذية والتي تتضمن قواعد عامة مجردة ملزمة تخاطب الأفراد بصفاتهم لا بذواتهم وغير محددين سلفا وهي بهذه الحال تشبه القوانين من حيث الخصائص وتصدر حسب الأصل بناءا على قانون صادر من السلطة التشريعية لتسهيل تنفيذه ومن أمثلتها أنظمة الوزارات والجامعات وتعليمات رخص القيادة وحيازة الأسلحة وغيرها. وكلا نوعي القرارات الإدارية يمكن أن تصدر معيبة فتكون محلا للطعن أمام القضاء.

ويقصد بعيوب القرار الإداري ، أو حالات إلغائه، حالات عدم المشروعية التي تصيب القرار الإداري والتي يمكن أن تؤدي إلى إلغائه عن طريق دعوى الإلغاء.
ولما كانت عناصر القرار الإداري هي الاختصاص والشكل والسبب والمحل والغرض أو الغاية، فإن أشكال عدم المشروعية التي تعيب القرار الإداري هي:-
1) عدم المشروعية التي تتعلق بالجهة التي تصدر القرار (عدم الاختصاص).
2) عدم المشروعية التي تتعلق بالإشكال و الإجراءات (عيب الشكل).
3) عدم المشروعية التي تتعلق بأسباب القرار.
4) عدم المشروعية التي تتعلق بمحل القرار. (عيب مخالفة القانون).
5) عدم المشروعية التي تتعلق بالغرض(عيب الانحراف بالسلطة).

وكلما افتقد القرار الشروط القانونية اللازمة لإصداره بالنسبة لكل عنصر من عناصره فأن ذلك يعد سبباً كافياً لطلب الإلغاء أمام القضاء.و ينص قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972، على انه)... ويشترط في طلبات إلغاء القرار الإداري النهائية أن يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص أو عيباً في الشكل أو مخالفة القوانين أو الأنظمة والتعليمات أو خطأ في تطبيقها أو الإساءة في استعمال السلطة(ويذهب جانب من الفقه المصري إلى أن هذا النص يحدد أوجه الإلغاء بالأوجه التالية:-
1- عيب الاختصاص.
2- عيب الشكل.
3- مخالفة القانون.
4- إساءة استعمال السلطة.

وفي العراق تنص (م- 7 /2/هـ) قانون مجلس شورى الدولة المعدل رقم 65 لسنة 1979 على ما يأتي:- يعتبر من أسباب الطعن بوجه خاص ما يأتي ":-
أولاً: أن يتضمن الأمر أو القرار خرقاً أو مخالفة للقانون أو الأنظمة أو التعليمات.
ثانياً: أن يكون الأمر أو القرار قد صدر خلافاً لقواعد الاختصاص أو معيباً في شكله.
ثالثاً: أن يتضمن القرار خطأ في تطبيق القوانين أو الأنظمة أو التعليمات أو في تفسيرها أو فيه إساءة أو تعسف في استعمال السلطة".
وفي تطور قانوني مهم نص المشرع الدستوري في دستور العراق لسنة 2005 في المادة (100) منه على انه:-
(يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن.)، وهذا يعني إلغاء جميع الاستثناءات الواردة على ولاية القضاء الإداري سواءً وردت في قانون مجلس شورى الدولة أو التي كانت تزخر بها القوانين العراقية والتي قيدت نطاق الطعن إلى ابعد الحدود حتى أصبح الأصل هو عدم جواز الطعن والاستثناء جوازه، مما يعني أن الطعن بالقرار الإداري أصبح أمراً متاحاً وممكناً أياً كانت جهة إصداره ومهما علت مرتبة مصدره في الدولة.

خصائص دعوى الإلغاء:- دعوى الإلغاء دعوى قضائية بكل معنى الكلمة وهي من حيث نشأتها وتطورها من خلق القضاء، كما أن لهذه الدعوى صفة عامة، أي أنها دعوى القانون العام يمكن أن توجه ضد أي قرار إداري دون حاجة إلى نص خاص، وإذا نص القانون على أن قراراً إدارياً لا تسمح الدعوى بشأنه فأن ذلك لا يشمل دعوى الإلغاء ما لم تستبعد بشكل صريح.
وأساس قيام دعوى الإلغاء هو فكرة عدم المشروعية والتي تظهر عند مخالفة الإدارة لقاعدة قانونية وتوجه نحو القرار الإداري المخالف للقانون بقصد إلغائه.
وتعد دعوى الإلغاء من النظام العام، أي إنها قائمة دون حاجة لنص يقررها إذ يمكن رفعها ضد أي قرار إداري معيب، وللقاضي أن يثيرها من تلقاء نفسه ولو رفعت الدعوى بشأن عيب آخر، كما انه لا يقبل من احد أن يتنازل مقدماً عن حقه في استخدام هذه الدعاوي وكل تنازل من هذا القبيل يعتبر باطلاً.

كما إنها دعوى موضوعية (عينية)، أي إنها دعوى القضاء الموضوعي، بمعنى أن هذه الدعوى لا يراد بها أساساً الاعتراف بحق شخصي وحمايته، وإنما تهدف إلى حماية قواعد قانونية وتعمل على إزالة مخالفتها حتى لو حققت لأصحاب الشأن حماية مراكزهم القانونية ومصالحهم الذاتية، فالهدف الرئيس لدعوى الإلغاء هو حماية النظام القانوني ومبدأ المشروعية.
وتعرف دعوى الإلغاء بأنها: هي تلك الدعوى التي يستطيع كل فرد صاحب مصلحة أن يلتجأ إليها ليطلب من القضاء الإداري إلغاء قرار إداري تنفيذي استناداً إلى عدم مشروعيته.
القرار الإداري محل الإلغاء: الإلغاء قد يكون إلغاءاً إدارياً أو إلغاءاً قضائياً:-
1- الإلغاء الإداري : ينبغي التمييز في هذا المجال بين القرارات التنظيمية (الأنظمة، التعليمات، اللوائح) والقرارات الفردية، فللإدارة الحق في تعديل أو إلغاء قراراتها الإدارية التنظيمية في أي وقت تراه مناسبا لذلك, لأن هذه القرارات إنما تنشأ مراكز تنظيمية عامة وتتضمن قواعد عامة مجردة كما هو حال التشريعات.

أما القرارات الفردية، كقاعدة عامة فلا يجوز إلغاؤها وقد ترتب عليها إكساب الشخص حقا شخصياً أو مركزاً خاصاً، إلا خلال ستين يوما من تاريخ صدورها وهي المدة المحدد للطعن أمام القضاء الإداري ،إذ أنها بعد مرور هذه الفترة تتحصن ضد الإلغاء القضائي فمن باب أولى أن تتحصن ضد الإلغاء الإداري، أما إذا لم يولد القرار حقا خاصا كالقرارات الولائية أو الوقتية كقرارات ندب الموظفين ومنح الرخص المؤقتة فان أمر إلغائها جائز في أي وقت, لأنها لا ترتب حقوقاً مكتسبة. وإذا كان من المسلم به فقها و قضاءاً انه لا يجوز الرجوع في القرار الإداري إلا أن ذلك لا يعني خلود هذا القرار بل إن أثار القرار تنتهي من خلال القرار المضاد وفقا للشروط التي ينص عليها القانون، فقرار تعيين موظف في وظيفة معينة لا يتأثر بعد ذلك بتغير الشروط القانونية لشغل هذه الوظيفة حتى لو فقد الموظف بعد تعيينه بعض شروط الوظيفة التي شغلها، إلا أن الإدارة تستطيع أن تنهي آثار قرار تعيين هذا الموظف من خلال القرار المضاد، مثلا بإحالته على التقاعد أو فصله أو عزله وفقا للقانون.

2- الإلغاء القضائي: يقصد هنا بإلغاء القرار إنهاء آثار القرار القانونية بالنسبة للمستقبل وبأثر رجعي. والأثر الرجعي اثر من آثار الحكم بالبطلان وفي هذا يقول فقهاء القانون (ينبغي أن لا يضار التقاضي بسبب بطء التقاضي) مما يقتضي إعادة الحال إلى ما كانت عليه، وهو محل بحثنا هذا.
عدم رجعية القرارات الإدارية : الأصل أن القرارات الإدارية أياً كان نوعها يجب أن تطبق بأثر مباشر ولا تتضمن أثراً رجعيا. وسبب عدم جواز الرجعية يعود لاعتبارات قانونية ومنطقية، منها:
أ ـ نص الدستور والقوانين النافذة على انه ليس للقوانين اثر رجعي ويترتب على ذلك أن ليس للقرارات الإدارية اثر رجعي لأنها أداة تنفيذ تلك القوانين وهي أدنى منها درجة في سلم التدرج القانوني فلا يمكن أن يكون لها ما ليس للقوانين.
فالقاعدة العامة أن القرارات الإدارية بكل أنواعها يجب أن تطبق بشكل مباشر ولا تتضمن أثراً رجعيا لأنه لا يجوز المساس بالحقوق المكتسبة إلا بقانون يتضمن الأثر الرجعي، أي في حالة نص القانون على الأثر الرجعي لنفاذه وفقا للضوابط الدستورية وجاءت القرارات الإدارية تنفيذا لمقتضاه.
ب ـ إن هذا ما تقتضيه العدالة الطبيعية ومبدأ استقرار المعاملات والصالح العام إذ ليس من العدل إهدار الحقوق ولا يتفق والمصلحة العامة أن يفقد الناس الثقة والاطمئنان على استقرار حقوقهم مما يقتضي أن يكون التنظيم للمستقبل مع ترك الآثار التي تمت في الماضي على ما هي عليه. وهذا خلاف الإلغاء القضائي الذي يكون بأثر رجعي نتيجة الحكم ببطلان القرار الإداري لمخالفته للقانون فيزال كل اثر له وفي هذا يقول فقهاء القانون (أن التقاضي لا يمكن أن يضار بسبب بطء التقاضي)، يتضح أن الأصل الام هو عدم جواز الأثر الرجعي للقرار الإداري إلا انه يرد على هذا الأصل استثناءات محدودة منها جواز الأثر الرجعي بنص تشريعي أو تنفيذا لحكم قضائي بالإلغاء ويرى بعض الفقهاء جواز رجعية القرارات الإدارية التنظيمية إذا تضمنت أحكاماً أصلح للإفراد حتى لو لم تتعلق بعقوبة معينة.
ونتناول بالبحث تباعا عيوب القرار الإداري:

أولاً:- عيب عدم الاختصاص:-
نظمت دساتير الدولة القانونية الحديثة وتشريعاتها السلطات والاختصاصات داخل الدولة وأوكلت ممارستها إلى مؤسسات متنوعة، وتتوزع هذه السلطات والاختصاصات بموجب القوانين والأنظمة أيضاً داخل هذه المؤسسات على مجموعة من الموظفين يعرفون بمتخذي القرارات أو صانعي القرارات داخل المؤسسة وهم المخولين بالتعبير عن إرادة الهيئة الرسمية التي يعملون فيها، ولا يجوز لغيرهم التعبير عن هذه الإرادة، ويتأسس معيار توزيع سلطة الدولة على الاختصاصات المقررة للوظيفة العامة التي يشغلها العضو الإداري بحيث يكون لكل موظف ولاية إصدارها في حدود اختصاصه من حيث الموضوع والزمان والمكان، وعليه فان الاختصاص في القرار الإداري، هو الصلاحية القانونية لفرد أو عضو أو لهيئة في التنظيم الإداري لإحداث آثار قانونية معينة بإسم شخص إداري عام.
ويعتبر عنصر الاختصاص من أهم عناصر القرار الإداري ويترتب على عدم مراعاته بطلان القرار ومن ثم إلغائه.
وهذا يعني وجوب صدور القرار الإداري عن عضو إداري وأن تكون له صلاحية التعبير عن إرادة الدولة أو أي شخص إداري آخر. ولا يتحقق الوجود القانوني للعضو الإداري إلا بوجود سند قانوني بتعينه سواء كان هذا السند قراراً إدارياً أو عقداً إدارياً إذا كان هذا العضو فرداً، وبالقرار الصادر بتشكيله إذا كان هيئة أو لجنة أو مجلس. وفي حالة عدم وجود هذا السند القانوني فأن الشخص الطبيعي لا يمكن أن يعبر عن إرادة الدولة وإلا اعتبر مغتصباً أو منتحلاً ومن ثم تكون قراراته من الناحية القانونية لا اثر لها أو منعدمة.

ومصادر قواعد الاختصاص تستمد من الدستور ومختلف القوانين و الأنظمة والتعليمات فضلا عن أن القضاء قد استخلص قواعد الاختصاص على أساس من المبادئ العامة للقانون غير المكتوبة من ذلك قاعدة توازي الاختصاصات وهي قاعدة غير مكتوبة اعترف بها القضاء ومقتضاها: انه إذا وجد نص يحدد لهيئة إدارية معينة اختصاص بإصدار قرار معين ثم سكت عن بيان الجهة التي تملك تعديله أو إلغاءه فأن هذا الاختصاص يكون لنفس الهيئة التي تملك إصدار القرار. ومن ذلك ما ذهب إليه القضاء المصري من انه إذا نظم المشرع اختصاصاً بعينه ولم يعهد به إلى إدارة معينة أو بيان الموظف المنوط حق استعماله فيكون ذلك للموظف الذي يتفق هذا الاختصاص وواجبات وظيفته.

قواعد الاختصاص من النظام العام: قواعد الاختصاص ملزمة للإدارة بشكل خاص وتبدو هذه الخاصية من اعتبارها من قبيل النظام العام ويترتب على ذلك مايلي:

1- يمكن إثارة الدفع بهذا العيب أمام القضاء في أي مرحلة من مراحل نظر الدعوى ولا يحتج على المدعي في هذا المقام بأنه قدم طلبات جديدة.
2- يجب على القاضي أن يثيره من تلقاء نفسه إذا ما بدى له أثناء نظر الدعوى ولو لم يثره صاحب الشأن.
3- لا يمكن للإدارة أن تتفق مع الأفراد على تعديل قواعد الاختصاص، لان قواعد الاختصاص لم تقرر لصالح الإدارة بل للصالح العام.
4- عدم التوسع في تفسير قواعد الاختصاص ولابد أن تفسر على نحو من التفسير الضيق، لان التوسع في التفسير يؤدي إلى خلق اختصاصات جديدة للإدارة.
5- كما أن عدم المشروعية الناتجة عن اتخاذ القرار من هيئة غير مختصة لا يمكن أن تصحح بتصديق لاحق من الجهة المختصة، فالبطلان لا يزول نتيجة الإجازة أو التصحيح اللاحق، إلا في حالة الضرورة والظروف الاستثنائية وبصدد ذلك قضت محكمة القضاء الإداري في مصر بأن القرار المطعون فيه (قد صدر من غير الجهة المختصة بإصداره قانوناً، ولا يغير من هذا الوضع إحاطة مدير المصلحة به أو اعتماده له لان القرار الباطل بسبب عدم الاختصاص لا يصحح بالاعتماد فيما بعد من صاحب الشأن فيه، بل يجب أن يصدر منه إنشائياً بمقتضى سلطته المخولة له).

ويعرف مجلس الدولة المصري عيب الاختصاص بقوله "إن عيب الاختصاص في دعوى الإلغاء هو عدم القدرة على مباشرة عمل قانوني معين جعله المشرع من سلطة أو هيئة أو فرد أخر". ولعيب الاختصاص صورتين:

الصورة الأولى – اغتصاب السلطة "العيوب الجسيمة".
وذلك عندما يكون العيب جسيماً وفي هذه الحالة لا يعتبر القرار مجرد قرار غير مشروع وإنما يعتبر قراراً منعدماً أي انه قرار باطل، ويمكن لصاحب العلاقة بل عليه عدم إطاعته أو الالتزام به بل له أن يقاوم تنفيذه، والإدارة من جانبها وهي تحاول تنفيذه تنفيذاً مباشراً إنما ترتكب بذلك اعتداءاً مادياً، كما أن هذا القرار لانعدامه ليس بحاجة حسب الأصل أن يكون موضوعاً لدعوى أمام القضاء لإعلان انعدامه، لأنه مجرد واقعة مادية ولكن الأوضاع العملية و الواقعية قد تجعل من هذا القرار مع انعدامه عقبة مادية في سبيل ذوى العلاقة لاقتضاء حقوقهم أو الوصول إليها لذلك جاز أن يكون محل تظلم أو دعوى لإعلان انعدامه ومن دون الالتزام بموعد معين، ومن ثم جاز للإدارة سحب قرارها المنعدم بأي وقت وكذلك جاز للقضاء أن يقبل دعوى الإلغاء دون أن يلتزم بشرط الميعاد.
وعندما يكون القرار منعدماً جاز للقضاء العادي النظر بهذه القرارات أيضاً ولو كان في الدولة قضاء إداري لأنه لا يعدو عن كونه واقعة مادية.
ويطلق اصطلاح اغتصاب السلطة على عيب الاختصاص حينما يكون جسيماً غير أن الفقه لم يتفق على العيوب التي تعتبر من قبيل العيوب الجسيمة.
وجاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 13/98ـ99 في 7/10/1998 أن (قرار إعلان أول الخاسرين فائزا بعد إقالة احد الأعضاء يعتبر عديم الوجود لأنه يشكل اغتصاباً للسلطة التي تعود للشعب وحده) وجاء في حيثيات القرار (أن القرار المطعون فيه صادر عن سلطة غير صالحة بصورة جلية وهو بالتالي عديم الوجود ويعتبر والحال هذه كأنه لم يكن ويمكن الطعن فيه خارج المهلة القانونية فتكون المراجعة مقبولة شكلا).
غير أن اغلب آراء فقهاء القانون الإداري وأحكام القضاء المستقرة ذهبت إلى أن حالات اغتصاب السلطة التي تؤدي للانعدام في حالات معينة هي ما يلي:-

أولاً – صدور القرار من فرد عادي أو بعبارة أخرى من مغتصب وذلك لان الوجود القانوني لأي موظف أو مكلف بخدمة عامة يرجع إلى صدور قرار بتعينه أو بتكليفه وهذا القرار هو الذي يسبغ على شخص ما صفة العضو الإداري أو الهيئة التابع للدولة أو أي شخص إداري آخر وفي حالة عدم وجود هذا القرار أو عدم وجود سند قانوني فان الشخص الطبيعي لا يمكن أن يعبر عن إرادة الدولة وإذا فعل يعد مغتصباً ومن ثم تكون قراراته منعدمة ولا اثر لها إلا إذا كان مما يصدق عليه وصف الموظف الفعلي ومن ثم يمكن تصحيح النتائج تلك.
والموظف الفعلي أو الواقعي في الظروف العادية هو ذلك الشخص غير المختص الذي لم يقلد الوظيفة العامة أصلاً أو كان قرار تقليده للوظيفة العامة معيباً من الناحية القانونية أو كان موظفا وزالت عنه صفته الوظيفية لأي سبب كان، والموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية هو من يباشر الوظيفة العامة تحت إلحاح ظروف استثنائية ودوافع سياسية أو اجتماعية أو بدافع المصلحة الوطنية وعدم توقف المرافق العامة الحيوية وخاصة في أوقات الحروب وغياب السلطات العامة أو انحسارها، والأصل اعتبار قراراته التي يتخذها منعدمة وباطلة قانونا لأنها صادرة من غير مختص إلا أن الفقه والقضاء ولاعتبارات تتعلق باستقرار المراكز القانونية وضرورة سير المرافق العامة بصفة منتظمة اعترف بصحة هذه القرارات ضمن شروط معينة وتتخلص هذه الشروط في قيام فكرة الظاهر بأن تكون عملية تقلد هذا الشخص للوظيفة متسمة بمظهر المعقولية معنى ذلك أن من يتولى وظيفة معينة على أساس من عمل منعدم وهو القرار المتسم بالمخالفة الجسيمة و الصارخة لا يمكن أن يكون موظفاً فعلياً ومن ثم تكون قراراته منعدمة.
وقد طبق هذا المبدأ فعلاً في ألمانيا فيما يتعلق بالقرارات التي اتخذها مجلس الموفدين ومجالس العمال سنة 1918 في نهاية الحرب العالمية الأولى وقد قرر القضاء فيما بعد أن هذه المجالس كانت قد تصرفت بهدف حماية النظام العام والصالح العام وعلى ذلك فأن قراراتها تعتبر صحيحة ومنتجة لأثارها وتسأل الدولة عنها مدنياً.
وذهب القضاء الإداري الفرنسي إلى تبني هذه المبادئ نفسها حينما قضى بأن المجلس البلدي وقد تولى تطوعاً إدارة المرافق العامة فأن قراراته بهذا الشأن تكون صادرة من سلطة فعلية ومن ثم يصدق عليها وصف القرارات الإدارية المنتجة لأثارها ونفس هذا الحكم يصدق بالنسبة للقرارات والتصرفات الصادرة من لجان التحري التي ظهرت عقب الإنزال الذي قــام به الحــلفاء في فرنسا سنة 1944.

ثانياً – صدور القرار ممن تتوفر فيه صفة الموظف العام لكنه لا يملك سلطة إصدار قرارات إدارية إطلاقاً.
كان يصدر القرار من مستخدمين مناطة بهم أموراً كتابية أو يدوية أو صدور القرار من هيئات أو مجالس استشارية، من ذلك حكم مجلس الدولة الفرنسي باعتبار القرار من مدير مكتب الوزير برفض تقرير راتب تقاعدي قراراً منعدماً لصدوره من لا يملك سلطة إصدار قرارات إدارية.

ثالثاً – صدور القرار من جهة إدارية في نطاق الوظيفة الإدارية بصورة عامة ولكنه يتضمن اعتداء على اختصاص جهة إدارية أخرى لا تمت بصلة للجهة مصدرة القرار.
كان يصدر قراراً من وزير يختص به بشكل واضح وزير أخر دون غيره.

ولكن يلاحظ أن القضاء الإداري المصري قد توسع في تطبيقه لهذه الحالة حتى انتهى أحياناً لإدخال حالات عدم الاختصاص البسيط ضمن حالات اغتصاب السلطة من ذلك القرار الصادر نتيجة تفويض باطل حيث قضت محكمة القضاء الإداري المصري في حكمها الصادر في 5/1/1954 بأن (المرسوم بقانون رقم 24لسنة 1931 أعطى اختصاصات معينة لمدير عام مصلحة السكة الحديد بالنسبة لطائفة من موظفيها، ولا يجوز قانوناً التفويض في هذا الاختصاص بل يتعين أن يباشر الاختصاص من عينه القانون بالذات، من ثم فيكون القرار المطعون فيه الصادر من سكرتير عام مصلحة السكك الحديد بفصل المدعي ينطوي على نوع من اغتصاب السلطة فهو قرار معدوم لا اثر له) وهذه القرارات في الحقيقة معيبة بعيب اختصاص بسيط لان هؤلاء يملكون أيضاً سلطة اتخاذ قرار فهو معيب وليس منعدم.

رابعا – صدور القرار من جهة إدارية متضمناً اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية أو السلطة القضائية.
نصت المادة (61) من دستور العراق لسنة 2005 (يختص مجلس النواب بما يأتي: أولاً: تشريع القوانين الاتحادية.)وبموجب النص فان مجلس النواب هو الجهة المختصة بتشريع القوانين، فان مارست السلطة التنفيذية تشريع القوانين فان تصرفها هذا يكون مشيباً بعيب عدم الاختصاص الجسيم.
كان تقوم الإدارة بفرض ضريبة بنظام أو تعليمات لم يكن قد قررها قانون، باعتبار أن المبدأ العام في هذا المقام أن لا ضريبة ولا رسم إلا بقانون حسب ما جاء في المادة (28) من دستور العراق لسنة2005(أولاً: لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلا بقانون.) وكذلك إنشاء شخص معنوي عام، كوزارة أو مؤسسة، بنظام أو تعليمات من دون أن يكون هناك نص قانوني يجيز ذلك. لان السلطة التنفيذية تكون قد حلت نفسها محل السلطة التشريعية في مثل هذه الأحوال المتقدمة.
أو أن تتولى الإدارة إصدار قرارات قضائية أو أحكام قضائية هي من اختصاص القضاء بموجب الدستور والقانون ولو تحت ستار قرارات إدارية، ويحدث هذا الفرض غالبا في النزاعات الحاصلة بين الإدارة و منتسبيها، حيث نصت المادة (88) من دستور العراق لسنة 2005 على انه (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة).
ويذهب مجلس الدولة الفرنسي إلى اعتبار مثل هذه القرارات من قبيل القرارات المنعدمة من ذلك مثلاً حكمه بإنعدام قرار مدير الإقليم بإبطال عملية انتخاب مجلس مدينة من المدن التابعة للإقليم لان المدير تدخل في موضوع من اختصاص القضاء الإداري لذلك يعتبر قراراًَ باطلاً ولا اثر له.
أما القضاء الإداري المصري فقد كان ولا يزال يقرر في أحكامه باعتبار اعتداء الإدارة في قراراتها على اختصاص السلطة التشريعية أو القضائية من قبيل اغتصاب السلطة الذي يؤدي بهذه القرارات للانعدام فقد جاء في احد أحكامه (أن العمل الإداري لا يفقد صفة الإدارية ولا يكون معدوماً إلا إذا كان مشوباً بمخالفة جسيمة ومن صورها أن يصدر القرار من فرد عادي أو من سلطة في شأن اختصاص سلطة أخرى كأن تتولى السلطة التنفيذية عملاً من أعمال السلطة القضائية أو السلطة التشريعية) ومن ذلك حكمها أيضاً (أن تدخل الإدارة في العلاقة بين المالك والمستأجر يجعل قرارها معدوماً).
ومن ذلك حكم مجلس الدولة المصري "أن القرار التأديبي الذي استندت عليه الوزارة في طعنها فيما قضي به من رد المبالغ التي استولى عليها المطعون ضده من إعانة غلاء المعيشة دون وجه حق لم يستحث عقوبة فحسب وإنما تعداها الفصل في منازعة لا يملك الفصل فيها فأغتصب بذلك سلطة القضاء وأصبح قراره بهذا الشأن منعدماً لا اثر له" كذلك الحكم إذ نص القانون على تشكيل لجنة ما على وجه معين فأنه لا يصح تعديل هذا التشكيل إلا من يملكه قانوناً وهو المشرع أما السلطة القائمة على تنفيذ القانون فلا تملك أصلاً تعديل التشكيل فأن فعلت كان من قبيل اغتصاب السلطة فيبطل بطلاناً أصلياً.
في مثل هذه الحالات المتقدمة يعتبر القرار الذي يصدر منعدما، لأنه يفقد مقومات القرار الإداري ولذا فأنه يعد عديم الأثر قانونا ولا يتمتع بالحصانة المقررة للقرارات الإدارية مما يعني جواز سحبه دون التقيد بالمدد القانونية للطعن كما يمكن رفع دعوى الإلغاء دون التقيد بهذه المدة أيضاً.

الصورة الثانية – عيب الاختصاص العادي " البسيط":-
إذا لم يكن العيب جسيما في موضوع الاختصاص كما تقدم يتحقق عيب الاختصاص البسيط الذي يؤدي إلى بطلان القرار والحكم بإلغائه شريطة أن يتم ذلك خلال المدد المحددة للطعن بالقرار الإداري، وهذه الحالات تتمثل في عيب الاختصاص من حيث الموضوع ومن حيث الزمان ومن حيث المكان.
أولاً – عيب الاختصاص الموضوعي:-
ويقصد به أن تصدر جهة إدارية قرارها في موضوع لا تملك قانونا إصدار القرار بشأنه لأنه يدخل في اختصاص جهة إدارية أخرى. ويتحقق ذلك عندما يكون الأثر القانوني الذي يترتب على القرار مما لا يختص مصدر القرار بترتيبه قانونا.
ويفترض في هذا المقام مشروعية محل القرار و إن من الممكن إحداثه قانونا ولكن بقرار يصدر من الجهة المختصة، وعليه إذا كان محل القرار غير مشروع ولا يجوز إحداثه من أية سلطة إدارية كانت, فأن القرار لا يكون مشوباً بعيب عدم الاختصاص الموضوعي وإنما يكون مشوبا بعيب المحل.
ذلك إن قواعد الاختصاص تحدد مقدماً الموضوعات التي تدخل في مجال نشاط جهة إدارية معينة ومن ثم عليها أن تلتزم فيما تصدر من قرارات حدود هذه الموضوعات دون أن تعتدي على ما اختص به القانون جهة إدارية أخرى فان فعلت فان قرارها يكون معيباً بعدم الاختصاص من الناحية الموضوعية وهذا هو عيب عدم الاختصاص الايجابي وهناك عدم الاختصاص السلبي وصورته أن تمتنع سلطة إدارية عن مزاولة اختصاصاتها لاعتقادها خطأً أنها لا تملك هذا الاختصاص، ويتحقق عيب الاختصاص الموضوعي في عدة أشكال وهي كما يلي:-
أ – اعتداء جهة إدارية على اختصاص جهة إدارية موازية: كان يعتدي وزير على اختصاص وزير أخر وقد بينا أن هذه الحالة قد تؤدي إلى عيب اغتصاب السلطة التي تؤدي للقرار بالانعدام ولكن عيب الاختصاص البسيط هو الذي يتحقق عندما يكون هناك غموض وتداخل في الاختصاصات.
كأن يصدر وزير قرار بترقية موظف أصبح تابعاً لوزارة أخرى بسبب الغموض الذي رافق نقل الموظف.

ب – اعتداء جهة إدارية دنيا على اختصاص جهة أعلى منها: أي أن تباشر جهة إدارية الاختصاصات التي أوكلها المشرع لجهة إدارية أعلى منها في سلم التدرج الوظيفي.
كان يصدر وكيل الوزارة قرار من اختصاص الوزير أو أن يصدر الوزير قراراً لا يمكن اتخاذه إلا من قبل مجلس الوزراء. وكذلك القرارات الصادرة من سلطة إدارية عليا لا يمكن ولا يجوز لسلطة أدنى منها أن تغيرها أو تعدلها إلا بتفويض من سلطة عليا. حيث نصت الفقرة (ثالثاً) من المادة (80) على انه (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الآتية. ثالثاً: إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين).
وقد نص الدستور العراقي على اختصاصات السلطة التنفيذية، حيث نصت المادة (67) على انه (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقاً لإحكام الدستور).
وقضت المحكمة الإدارية العليا المصرية بشأن الطعن رقم 2600 ـ50 ق. عليا – جلسة 9/4/2005 – الدائرة الأولى عليا ـ أملاك الدولة ـ أن (المبدأ: التصرف في أراضي طرح النهر من اختصاص وزير الإصلاح الزراعي ـ صدوره من المحافظ يجعله مشوباً بعيب عدم الاختصاص).

ج – اعتداء جهة إدارية عليا على اختصاص جهة أدنى منها: قد يحدد القانون لجهة إدارية اختصاصات لا تملكها الجهة الإدارية التي تتبعها تلك الجهة وخاصة بالنسبة للهيئات التي تتمتع بقدر من الاستقلالية في عملها كالجامعات، فأن باشرت الجهة الإدارية العليا تلك الاختصاصات شاب تصرفها البطلان، وقضى مجلس شورى الدولة اللبناني في قراره ذي الرقم 141 في 23/10/ 1986 بأن (قرار لجنة المعادلات في وزارة التربية لا يلزم الجامعة ما لم يتخذ وفق الأصول بحضور ممثل الكلية أو المعهد المختص – فتكون صلاحية تقييم الشهادة من اختصاص الجامعة تحت رقابة القضاء) وجاء في حيثيات القرار أن (معادلة شهادة الدكتوراه حلقة ثالثة بشهادة دكتوراه دولة الصادرة عن أمين سر لجنة المعادلات في وزارة التربية لم تصدر وفقاً للأصول المحددة في المادة 67 من القانون رقم 75/67 سواء أكان لجهة تشكيل اللجنة أم لجهة بحثها في المعادلة في معرض تحققها من شرط الشهادة المطلوبة للتعيين في الجامعة اللبنانية، وبالتالي فان الإفادة المذكورة تعتبر غير ملزمة للجامعة اللبنانية لجهة معادلة الشهادة التي يحملها المستدعي بشهادة دكتوراه دولة. وبما أن صلاحية تقييم شهادة المستدعي تعود والحالة هذه للجامعة اللبنانية التي تمارسها على ضوء قوانينها وأنظمتها وتحت رقابة هذا المجلس، وذلك في غياب القرار الصادر وفقاً للأصول عن لجنة المعادلات في وزارة التربية الوطنية).
وفي إطار جهة إدارية معينة قد يحصل أن يعتدي الرئيس على اختصاص مرؤوسيه.
القاعدة أن للرئيس الهيمنة على أعمال المرؤوس، إلا انه وفي حالات معينة قد يخول المشرع المرؤوس اختصاصاً معيناً دون أن يكون للرئيس التعقيب عليها ومن ثم إذا فعل ذلك كان منه اعتداءً على اختصاص المرؤوس فيقع قراره معيباً وكذلك إذا منح الاختصاص من قبل القانون مباشرة للمرؤوس أو كان له اختصاص معين عن طريق التفويض فلا يجوز في هذه الحالة للرئيس أن يباشر هذه الاختصاصات ابتداءً وان كان له حق التعقيب على قرارات المرؤوس بعد اتخاذها.
وجاء في قرار لمجلس شورى الدولة اللبناني رقم107 في 3/12/ 1993 أن (قيام الدولة بهدم الإنشاءات المرخص بها من البلدية ومن دون علمها يشكل تعدياً على الملكية الفردية ويدخل ضمن اختصاص القضاء العدلي). وجاء في حيثيات القرار (وبما أنَّ البلدية وبعد أنَّ تلقت مخابرة المحافظ بالطلب إليها تهيئة العمل لتنفيذ الهدم الذي لم يعد قابلاً التأجيل وجهت إلى وزارة الداخلية ومحافظ جبل لبنان البرقية رقم 90/ص تاريخ 22/2/1965 والتي جاء فيها: "- لقد تبلغنا قرار مجلس الشورى رقم 30 تاريخ 20/2/1965 بوقف تنفيذ الهدم... ليس لدينا تقرير فني بأن بناء ي.ح. مخالف للقانون...". وبما أنَّ البلدية تدلي بأن الهدم الحاصل بتاريخ 23/2/1965 قد جرى بدون علمها لأنها كانت بانتظار جواب الدوائر المختصة حول المخالفات لاتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة. وبما أنَّ المستدعي يصر على ادعائه بأن الدولة قامت من تلقاء نفسها بهدم الإنشاءات دون علم البلدية أو صدور قرار عنها بهذا الشأن. وبما أنَّه إذا كانت الدولة قد قامت بهدم الإنشاءات دون الاستناد إلى قرار بالهدم صادر عن السلطة المختصة وهي البلدية لاسيما بعد إتمام كافة الإنشاءات التي تدعي المحافظة مخالفتها للقانون فإن عملها يشكل تعدياً. وبما أنَّ أعمال التعدي تخضع لصلاحية القضاء العدلي. وبما أنَّ مسألة الصلاحية المطلقة تتعلق بالإنتظام العام وتقتضي إثارتها عفواً).

د – اعتداء الإدارة المركزية على اختصاص الإدارة اللامركزية: إذا كان للإدارة اللامركزية مباشرة اختصاصاتها المخولة لها قانوناً على نحو من الاستقلال "لأنها تستمد اختصاصها من القانون وليس من السلطة المركزية" إلا أن هذا الاستقلال ليس مطلقاً وإنما تباشر الإدارة المركزية نوعاً من الرقابـــة (الوصاية) على أعمال الإدارة اللامركزية وذلك بموجب ما يعطيها القانون من الاختصاصات المحددة، كالإذن السابق والتصديق اللاحق والإلغاء بالنسبة لبعض القرارات إذا كانت غير مشروعة وفي هذه الحالة على الإدارة المركزية أن تلتزم حدود هذه الاختصاصات فلا تتجاوزها (لا رقابة بلا نص ولا رقابة خارج حدود النص)(رقابة وليست سلطة رئاسية) فلا تحل نفسها محل الإدارات اللامركزية لمباشرة بعض اختصاصاتها إلا إذا توفرت شروط الحلول وهي: -1- نص القانون -2- امتناع الإدارات اللامركزية على اتخاذ قرار رغم تنبيهها فتحل السلطة المركزية محلها استثناءً، أو أن تقوم بتعديل بعض القرارات التي تصدرها الإدارة اللامركزية في حين أن القانون لا يخولها سوى التصديق أو عدم التصديق على تلك القرارات.
وقد أشار القضاء الإداري المصري في بعض أحكامه إلى بعض هذه العيوب التي تصيب القرارات الإدارية المركزية، ومن ذلك ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري المصرية، من (أن وزير التربية وان كان الرئيس الأعلى للجامعة إلا أن سلطته لا تتجاوز الحدود التي نص عليها القانون صراحةً ومن ثم فأن مباشرة وزارة التربية بداءةً لحق جامعة القاهرة في التقاضي ينطوي على مخالفة لقانون الجامعة وتجاوز من جانبها في استعمال حقها في الإشراف على الجامعة إلى حد مباشرة الحقوق التي تملكها هذه الأخيرة على وجه الاستقلال) وذهبت المحكمة نفسها إلى أن (من المسلم به فقهاً وقضاءً أن علاقة الحكومة المركزية بالمجالس البلدية والقروية إن هي إلا وصاية إدارية وليست سلطة رئاسية وبناء على ذلك فأن الأصل أن وزير الشؤون البلدية والقروية لا يملك بالنسبة لقرارات هذه المجالس سوى التصديق عليها كما هي أو عدم التصديق عليها كما هي دون أن يكون له حق تعديل هذه القرارات).

تفويض الاختصاص: المقصود بتفويض الاختصاص في مجال النشاط الإداري هو أن يعهد عضو إداري ببعض اختصاصاته لعضو إداري أخر ليمارس مؤقتاً هذه الاختصاصات بدلاً عنه إذا جاز القانون ذلك.
ذلك أن صاحب الاختصاص ليس كمن يملك حقاً يستعمله متى شاء ويتنازل عنه متى رأى ذلك، وإنما ينبغي عليه أن يمارسه شخصياً دون أن يكون له التخلي عنه ما لم يكن هناك نص قانوني يجيز له التفويض. إن الهدف من التفويض هو للتخفيف عن كاهل بعض الموظفين المنوطة بهم سلطات متعددة ورغبة في تدريب أعضاء الإدارة من الكوادر الوسطى على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات.
ويوجد نوعان من التفويض:الأول تفويض السلطة (تفويض الاختصاص) والثاني تفويض التوقيع.
والنوع الأول يؤدي إلى تعديل ترتيب الاختصاص بين أعضاء الإدارة ويتمثل بانتقال الاختصاص من عضو إلى أخر.
أما النوع الثاني فيهدف إلى أن يتخفف صاحب الاختصاص الأصيل من بعض أعباءه المادية والخاصة بمجرد التوقيع ويعهد به إلى عضو آخر ليمارسه بدلاً عنه وفي هذه الحالة يتخذ من فوض إليه التوقيع القرار باسم صاحب الاختصاص الأصيل.
بما أن تفويض الاختصاص يؤدي إلى تعديل ترتيب الاختصاص فمعنى ذلك انه يؤدي إلى تخلي المفوض مدة التفويض عن ممارسة اختصاصه، أما تفويض التوقيع فلا يؤدي إلى فقدان المفوض لحقه في ممارسة اختصاصه.
وتفويض الاختصاص يوجه إلى العضو الإداري بصيغة شاغل منصب مهني ومن ثم إذا ما تغير هذا العضو فأن التفويض ينتقل إلى خلفه في المنصب، وعلى العكس من ذلك فان تفويض التوقيع ذو طابع شخصي ومن ثم يسقط بتغيير المفوض والمفوض إليه.
وتختلف قوة القرارات المتخذة بموجب التفويض في الاختصاص والتفويض في التوقيع من حيث التدرج فالقرار بموجب تفويض الاختصاص يأخذ مرتبة العضو المفوض إليه في السلم الإداري .
أما القرار الصادر بموجب التفويض بالتوقيع يأخذ مرتبة العضو صاحب الاختصاص الأصيل في السلم الإداري.
وقضى مجلس شورى الدولة اللبناني في قراره 213 في 6/1/1991 (عدم مراعاة صلاحية السلطات التأديبية تتعلق بالانتظام العام،لا يمكن تفويض الصلاحيات التأديبية إلا بنص صريح يسمح بذلك).
وفي إطار نظام تفويض الاختصاص نصت المادة (123)من دستور جمهورية العراق على انه (يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات أو بالعكس، بموافقة الطرفين وينظم ذلك بقانون).

ثانياً – عيب الاختصاص المكاني:
يقصد بعيب الاختصاص المكاني مباشرة الجهة الإدارية الاختصاص خارج النطاق الإقليمي المحدد لها، فأن كان لجهات الإدارة المركزية أن تمارس اختصاصها على نطاق إقليم الدولة كله، فأن جهات الإدارة المحلية أو الإقليمية يجب أن تمارس اختصاصها في النطاق الإقليمي المحدد لها، ومن ذلك عدم جواز أن يمارس المحافظ اختصاصه إلا في نطاق محافظته ومن ثم إذا اتخذ قراراً يمتد أثره إلى محافظة أخرى كان قراره معيباً بعيب عدم الاختصاص من حيث المكان. وبموجب دستور العراق لسنة 2005 لا يجوز للسلطة الاتحادية أن تمارس صلاحياتها مكانياً في الأقاليم فيما عدا ما خصها بها الدستور، حيث نصت المادة (121)على انه(أولاً: لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لإحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية).

ثالثاً – عيب الاختصاص الزماني:
يقصد به مباشرة الجهة الإدارية لاختصاصها دون التقيد بالحدود الزمنية له. ومعنى ذلك انه لا يجوز للموظف العام مباشرة وظيفته إلا خلال الفترة الزمنية التي يتولى فيها هذا المنصب، فإذا قام سبب من أسباب انتهاء الخدمة فيه، كالإحالة على التقاعد أو الاستقالة أو النقل إلى وظيفة أخرى، امتنع عليه مباشرتها، وإلا كانت قراراته مشوبة بعيب عدم الاختصاص.
ويكون الاختصاص مقيداً من حيث الزمن من ثلاث نواحي:
أ – لا يمكن لأية جهة إدارية أو عضو إداري أن يمارس ما هو محدد لها من اختصاص إلا في الوقت الذي يتقلد فيه المنصب و يحل هذا الوقت بتوقيع القرار الإداري بتعيينه أو إبرام العقد بتعيينه أو بتوقيع قرار تشكيل اللجنة.
ب – لا يمكن للمجالس الإدارية أن تباشر اختصاصها إلا خلال انعقاد جلساتها كما أن مباشرة المجلس لاختصاصه مقيد بمدة ولايته ومقيد كذلك بأدوار انعقاده.
ج – تفقد الجهة الإدارية اختصاصها بإنهاء تقلدها للمنصب أو إنهاء مدة ولايتها، وعلى سبيل الاستثناء في بعض الحالات ولتأمين استمرارية المرفق العام في حالة عدم تعيين خلف لتلك الجهة الإدارة يمكن لها الاستمرار مدة إضافية في مباشرة اختصاصاتها إلى أن يعين خلفاً لها بموجب التشريع أو استناداً للمبادئ العامة.

من ذك، ما هو متعارف عليه بالنسبة للوزراء المستقيلين حيث يستطيعون الاستمرار في انجاز الأمور المعتادة أو الجارية على الرغم من قبول استقالتهم لحين تعيين خلف لهم ويعترف القضاء الفرنسي بحق تحديد ما يعتبر من الأمور الجارية وما يخرج عن هذا المعنى ومن ثم يحكم بإلغاء القرارات والإجراءات الصادرة من قبل الحكومة المستقيلة أو الوزير المستقيل التي تتجاوز مفهوم الشؤون الجارية لأنها تكون صادرة من جهة غير مختصة.
ومن المقرر فقهاً وقضاءً أن صفة الموظف العام تبقى ملازمة للشخص إلى اللحظة التي يتحقق فيها سبب من أسباب انتهاء خدمته ومن ثم أي قرار يتخذه الموظف بعد ذلك يصدق عليه وصف القرار المنعدم لصدوره من المغتصب على النحو التالي:-

1– حالة العزل: تزول صفة الموظف العام بإبلاغ القرار للموظف أو بمضي مدة معينة على النشر عند غيابه.
2– حالة الاستقالة: تزول صفة الموظف العام من تاريخ قبول الاستقالة أو بانقضاء المدة المحدودة قانوناً من تاريخ إيداعه.
3– حالة العزل: كعقوبة تبعية لعقوبة جنائية أو كعقوبة تكميلية لعقوبة جنائية تزول صفة الموظف بإصدار الحكم.
4– التعيين المؤقت: بالنسبة للموظف المعين لمدة محددة فصفته تزول بانتهاء المدة.
5– التقاعد: بالنسبة لإنهاء الخدمة لبلوغ السن القانونية لانتهاء الخدمة فأن صفة الموظف العام تنتهي بقوة القانون بتاريخ بلوغ هذه السن حتى لو صدر قرار الإحالة إلى التقاعد بعد ذلك. أما إذا صدر القرار من الجهة المختصة بمد الخدمة قبل بلوغ السن المقررة لترك الخدمة فتستمر صفة الموظف العام إلى نهاية المدة الجديدة وقد يكون القرار المتخذ بمد المدة معيباً وبهذه الحالة تستمر فيه صفة الموظف العام على أساس من نظرية الموظف الفعلي في الظروف الاعتيادية إذا توفرت شروطها.
6– في حالة أن يقوم سبب لانتهاء الخدمة بالنسبة لبعض الموظفين أو المجالس مع وجود نص قانوني يسمح لها بالاستمرار في أدائهم لوظائفهم إلى أن يعين من يخلفهم فان صفة الموظف العام تبقى ملازمة له وتبقى قراراته منتجة لأثارها إلى التاريخ الذي يحل محله فيه شخص آخر أو مجلس آخر.
7– في حالة أن يصدر قرار إداري بفصل موظف ثم يصدر بعد ذلك حكم قضائي بإلغاء قرار الفصل فان حكم القرارات التي يتخذها الموظف خلال المدة بين قرار الفصل وحكم الإلغاء يرجع إلى تاريخ إصدار قرار الفصل واعتباره كأن لم يكن.
كما أن صفة الموظف العام لا تنقطع بالنسبة للتصرفات والقرارات الداخلة باختصاصه والتي يأمر بها بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي المقررة. كما إنها لا تنقطع في حالة تمتع الموظف بإجازة مقررة قانوناً ومن ثم يستطيع الموظف العودة إلى ممارسة اختصاصه قبل انتهاء مدة الإجازة ولكن شرط أن يعلن رغبته على نحو كاف من الوضوح وان تكون القرارات مما يملك اتخاذها حتى لو أهمل الموظف تلك الشكلية الخاصة بالإعلان وذلك لان الإعلان يخلق غرضاً داخلياً وهو غير موجه لعامة الناس
ومن قبيل القيود الزمنية لممارسة الاختصاص ما نصت عليه المادة (72) من دستور جمهورية العراق من انه (أولاً: تحدد ولاية رئيس الجمهورية بأربع سنوات ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب. ثانياً: أ – تنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء دورة مجلس النواب. ب – يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ أول انعقاد له. ج – في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب من الأسباب، يتم انتخاب رئيس جديد لإكمال المدة المتبقية لولاية رئيس الجمهورية).

























  • المراجع العلمية:

ـ الدكتور سليمان الطيماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية ، مطبعة جامعة عين شمس، الطبعة السادسة 1991.
ـ الدكتور سليمان الطيماوي، مبادئ القانون الإداري ، القاهرة 1978.
ـ الدكتور إبراهيم عبد العزيز شيحا، القضاء الإداري، منشأة المعارف في الإسكندرية، طبعة 2006.
ـ الدكتور شاب توما منصور، القانون الإداري ، 1980.
ـ د. سمير تناغو، القرار الإداري مصدر للحق، دراسة في القانون المدني، منشأة المعارف ـ الإسكندرية 1972.
ـ الدكتور محمود محمد حافظ، القضاء الإداري في القانون المصري والمقارن، دار النهضة العربية 1993.
ـ الدكتور عادل سيد فهيم، القوة التنفيذية للقرار الإداري، الدار القومية للطباعة والنشر.
ـ الدكتور عبد المنعم محفوظ، علاقة الفرد بسلطة الحريات العامة وضمانات ممارستها، دار الهناء للطباعة، القاهرة.
ـ علي محمد بدير، د. مهدي ياسين السلامي د. عصام البرزنجى، مبادئ وأحكام القانون الإداري 1993.
ـ الدكتور ثروت بدوي مبادئ القانون الإداري 1966.
ـ الدكتور طعيمة الجرف – القانون الإداري والمبادئ العامة في تنظيم ونشاط السلطات الإدارية – دار النهضة العربية 1978.
ـ الدكتور عبد الغني بسيوني – القانون الإداري – منشأة المعارف 1991.
ـ الدكتور سامي جمال الدين – اللوائح الإدارية – منشاة المعارف – الإسكندرية 1984.
ـ الدكتور شوقي شحاتة – مبادئ القانون الإداري – القاهرة – دار النشر بالجامعات المصرية 1955.
ـ الدكتور عصام البرزنجي، مجموعة محاضرات القيت على طلبة الدراسات العليا ـ الماجستير ـ كلية القانون جامعة بغداد، للعام الدراسي 1998ــ 1999.
ـ القرارات الإدارية ـ انس جعفر، أستاذ القانون العام، الناشر دار النهضة العربية، الطبعة الثانية 2005.
ـ مجلة القضاء الإداري ـ الجمهورية اللبنانية ـ عدد خاص بالقرارات المتعلقة بالقضايا الانتخابية سنة 1998 ص (372).
ـ مجلة القضاء الإداري ـ الجمهورية اللبنانية ـ العدد الثالث سنة 1987 - 1988 ص (191).
ـ مجلة القضاء الإداري ـ الجمهورية اللبنانية ـ العدد الثامن سنة 1994 ص (223).
ـ مجلة القضاء الإداري ـ الجمهورية اللبنانية ـ العدد السادس سنة 1991 و1992 ص (302).