د. عبداللطيف العزعزي
خلق المولى عز وجل البشر متباينين، فلكل فكر وإدراك ووعي وفهم وأهداف وغيرها، مختلفة بدرجة ما عن غيره. فما أقوله قد يكون مخالفاً لما تؤمن به، وما أفعله قد لا يروق لك، وما أفكر به قد يتعارض مع ما تفكر به وهكذا. فلكل منا علمه وفهمه واستيعابه. فمن تحدّث فإنما يتحدث من مصادر متنوعة منها خبراته ومقاييسه وتحليلاته وغيرها، وهذه الأمور وغيرها لا يتساوى فيها البشر، فرب قولٍ من طفل أبلغ من عالمٍ مجتهد
فمنذ أشهر ظهر خبر عن شاب ألماني يبلغ من العمر 16 سنة حل مسألة رياضية عجز عن حلها علماء الرياضيات في العالم. وفي العام الماضي دار حوار بيني وبين أحد أبنائي البالغ من العمر آنذلك 10 سنوات حول مسألة علمية، فذكر لي أمراً فيها، فنفيته وقلت بغير ذلك، فقال لي: أتصدق كلامك بمعلوماتك القديمة، وترفض كلام ابنك الذي أخذ هذه المعلومة بالأمس؟، فما كان مني إلا أن سكت وتبسمت، فقد احترمت رأيه وثقته بنفسه وقلت في نفسي: لعل هناك أموراً استجدت على الساحة العلمية، أو أنني لم أتذكر المعلومة جيداً، وهذا الأمر وارد، ونحن بشر، نتذكر وننسى، ونصيب ونخطئ
لكل منا عقله ومكانته وعلمه وخبرته ودرايته بغض النظر عن الشهادة العلمية أو السن، “فرب كلمة من أميٍ تفتح باب خير لعالم”. ولذا هناك بعض الأمور التي علينا الأخذ بها عند التعامل مع الآخرين خاصة عند الجلوس إليهم والحديث معهم، فنحن نتعامل مع عقول وليس أجسادا وأشكالا. نتعامل مع أنفس لها قدرها وعزتها. ومن تلك الأمور التي يفضل أن تؤخذ بعين الاعتبار ما يلي
(1) إذا كنت في مجلس نقاش أو حوار، فأحسن الاستماع إلى المتحدث إلى أبعد الحدود. فإن كنت تعرف شيئاً عن الموضوع الذي يدار وأحببت أن تدعم هذا القول فاستأذن بالكلام، وقم بتعزيز حديث المتكلم بما لديك من النقاط الهامة والمفيدة، وتجنب أن تعيد ما قاله المتحدث أو أن تطيل وتسهب، واحذر أن تأخذ وقت الجلسة لصالحك لكيلا يكون حديثك مملاً، أو أن يقال عنك إنك أناني وتحب الظهور
(2) إن أخطأ المتكلم في معلومة أو في حكم ما، فلا تقم بتصحيح ذلك له أمام الحضور، فإن فعلت ذلك فإنه سيعتبر فعلتك تلك إهانة له، فقد يغضب أو ينسحب؛ لأنه قد يعتبر ذلك إهانة، والنفس البشرية لا تقبل الإهانة. وقد حدث ذلك في قاعة إحدى الجامعات حيث هاجم أحد الطلبة رأي البروفيسور بطريقة فيها استنكار ورفض لما ذكره في محاضرته مما جعل البروفيسور يهاجم الطالب بشكل غير مباشر لتبرير كلامه
ولذا عزيزي القارئ قم بمناقشة ما تظن أنه أخطأ به بينك وبينه على حدة بعيداً عن الحضور، أو ناقشه بعد أن ينفض المجلس أو الاجتماع. أما إذا كان قد أخطأ في نقطة هامة كأن تكون علمية أو قانونية أو شرعية قد يترتب عليها صدور أحكام أو قرارات فحاول أن تطلب المداخلة ثم قدم ما تراه أو تعرف أنه صواب على شكل طلب استفهام وتوضيح، فلعل فيما قاله شيء جديد عليك، فبهذا التصرف تكون قد حفظت ماء وجهك وأعطيت للشخص مكانته