محمد العطار
(إن القادة العظماء يمتلكون حسًا عاليًا للرعاية، فإنهم يهتمون فعلًا بموظفيهم)
بريان تراسي
يشير الرضا عن العمل، إلى مجموعة من إتجاهات الفرد ناحية عمله، وفي هذا المجال يمكن أن نفرق بين جانبين على الأقل من الرضا، يتمثل أولهما، في جوانب الرضا، وهو ميل الفرد لأن يكون راضٍ بدرجات متفاوتة عن الأوجه المختلفة للعمل، ومن أمثلة هذه الجوانب: العمل ذاته، والدفع، والترقيات، والتقدير، والمنافع، وظروف وشروط العمل، والإشراف، وزملاء العمل، والسياسة التنظيمية. وبالإضافة إلى جوانب الرضا، هناك الرضا بوجه عام، أو بمعنى آخر ملخص عام يعمل كمؤشر لإتجاه الفرد ناحية عمله، ويقطع عابرًا كل جوانب الرضا المختلفة، ومثال الرضا العام، أن الفرد بقوله: (بصفة إجمالية أحب عملي بالرغم من وجود بعض الجوانب التي تقف حائلًا لتحقيق بعض التحسينات). ويمثل الرضا العام للفرد، متوسط أو مجموع إتجاهات الفرد ناحية الجوانب المختلفة للعمل، وبهذا يمكن لفردين التعبير عن نفس المستوى العام للرضا، ولكن لأسباب مختلفة. الرضا عن العمل والروح المعنوية: بالرغم من أن كلًا من الرضا عن العمل والروح المعنوية يعبران عن المشاعر الإيجابية، التي تنتاب الفرد تجاه عمله، فتعتبر إنعكاسًا لمدى الإشباع الذي يتوافر لحاجاته وتوقعاته، من خلال العمل إلا أن هناك اختلافين أساسيين بين المفهومين: الأول: بينما يشير مفهوم الرضا إلى المشاعر الإيجابية، التي يقف أثرها على الماضي والحاضر فقط، أما مفهوم الروح المعنوية تعبر عن حالة يمتد أثرها في المستقبل. الثاني: أن مفهوم الرضا عن العمل تعبير عن شعور فردي، أما الروح المعنوية فهي تعبير عن روح الجماعة، فإذا كان أحد المديرين يصف مشاعر أعضاء إدارته ككل تجاه العمل، فإنه يقول: (أن الروح المعنوية للعاملين في إدارتي عالية أو منخفضة حسب الأحوال)، أما إذا كان يخص بالحديث أحد أفراد تلك الجماعة، فإنه يقول أن (فلان راض أو غير راض عن العمل). قياس الرضا عن العمل: بالرغم من وجود إتجاهات متعددة لدى الفرد تجاه الجوانب المختلفة لعمله، إلا أنه من الصعب تقييمها وقياسها، ويرجع هذا إلى صعوبة الملاحظة المباشرة للإتجاه، وصعوبة إستنتاجه بدقة من خلال سلوك الفرد، فإلى حد كبير نعتمد في قياس الرضا عن العمل على ما يذكره الفرد، وعادة لا يفصح الفرد بصورة صادقة عما بداخله. أساليب قياس الرضا عن العمل: 1. قوائم الإستقصاء: تعد قوائم الإستقصاء هي المدخل الشائع لقياس الرضا عن العمل، وهي تتضمن بعض الأسئلة التي يجيب عليها الأفراد، معبرين من خلالها عن ردود أفعالهم تجاه عملهم. 2. أسلوب الأحداث الحرجة: وهو أسلوب أو إجراء آخر، يمكن من خلاله قياس وتقييم رضا الفرد عن عمله، وهنا يصف الفرد بعض الأحداث المرتبطة بعمله، والتي حققت له الرضا أو عدم الرضا، ثم يتم اختيار وفحص الإجابات؛ لإكتشاف عوامل أو مسببات الرضا أو عدم الرضا، فمثلًا إذا ذكر عديد من الأفراد مواقف في العمل، والتي تم معاملتهم من خلالها بطريقة سيئة من المشرف، أو عندما يمتدحون المشرف لمعاملته الطيبة، يظهر هذا أن نمط الإشراف يلعب دورًا هامًا في رضا الأفراد عن العمل. 3. المقابلات الشخصية: وهي الطريقة الثالثة لتقييم رضا الأفراد، وهي تتضمن مقابلة الأفراد بصفة شخصية، ووجهًا لوجه، وبسؤال الأفراد عن إتجاهاتهم، غالبًا ما يفصح الفرد بصورة أكثر تعمقًا عن استخدام قوائم الاستقصاء، فمن خلال سؤال الأفراد والحصول على استجاباتهم، يمكن التعرف على الأسباب المختلفة، التي سببت الاتجاهات المتعلقة بالعمل. نظريات الرضا عن العمل: ما الذي يجعل بعض الأفراد يشعرون بالرضا أكثر من غيرهم؟ وما هي العمليات التي تؤدي إلى شعور الفرد بالرضا عن العمل؟ توجد نظريات عديدة تساعد في تقديم الإجابات عن هذين السؤالين، ولكن سوف نتعرض لأكثرهم تأثيرًا وهما: 1. نظرية ذات العاملين: وقد تناولها في إطار نظريات الدافعية. 2. نظرية القيمة: وسوف يتم مناقشتها الآن بشيء من التفصيل. نظرية القيمة: وقد قدمها لوك، وهي من أهم نظريات الرضا عن العمل، ووفقًا لهذه النظرية، فإن الرضا عن العمل يتحقق إلى المدى الذي يحدث فيه التوافق بين ما يحصل عليه الفرد فعلًا من نواتج، وما يرغب فيه الفرد من نواتج، وكلما حصل الفرد على نواتج ذات قيمة بالنسبة له، زاد شعوره بالرضا عن العمل. وقد ركز هذا المدخل على أي ناتج يكون ذو قيمة بالنسبة للفرد، بغض النظر عن ماهية هذا الناتج، فمغزى تحقيق الرضا وفقًا لهذا المدخل، هو مدى التباعد بين جوانب عمل الفرد الفعلية، وتلك التي يرغب في تحقيقها، وكلما زادت الإختلاف أو التباعد، قل رضا الأفراد. فالرضا عن العمل هو نتيجة لحصول الفرد على ما يرغب فيه، وقد أيدت نتائج الأبحاث هذا الرأي، فكلما زاد التباعد بين ما هو قائم بالفعل، وبين رغبات الأفراد المتعلقة بالجوانب المختلفة لعملهم مثل الدفع، الترقية، شعر الفرد بالإستياء أو عد الرضا عن العمل، وتكون هذه العلاقة أكبر بالنسبة لهؤلاء الأفراد الذين يعطون أهمية أكبر لهذا الجانب المعين. ومن أهم المضامين التطبيقية لنظرية القيمة، هو جذبها للإهتمام بجوانب العمل التي تحتاج إلى التغيير؛ لكي يتحقق الرضا عن العمل خاصة أن النظرية اقترحت إحتمال إختلاف هذه الجوانب بإختلاف الأفراد، ايضًا وفقًا لمدخل القيمة، فإنه من أكثر الطرق فعالية لتحقيق رضا الأفراد عن عملهم هو البحث عنه، واكتشاف ماذا يريد الأفراد من عملهم، ومحاولة توفير هذه الرغبات بقدر المستطاع. ما هي محددات الرضا عن العمل؟ هناك بعض المحددات التي تؤدي إلى تحقيق الرضا عن العمل، ومن ضمن هذه المحددات: 1. التباعد: وقد تم مناقشته، أي أن الرضا عن العمل يتحقق من التقارب بين النواتج التي يرغب الفرد في تحقيقها، وتلك التي يحصل عليها فعلًا في مجال العمل. 2. العدالة: أي شعور الفرد بالعدالة عندما يحصل على ما يعتقد إنه يستحقه من العمل. 3. الوضع الشخصي المسبق للفرد: فقد تؤثر شخصية الفرد على مدى شعوره بالرضا عن العمل، فبالرغم من إمكانية التأثير على مستوى الرضا من خلال تغيير بيئة العمل، إلا أن الموقف الشخصي المسبق للفرد قد يؤثر على مستوى شعوره بالرضا، بالرغم من التغيرات الإيجابية في بيئة العمل. النواتج المترتبة على عدم الرضا عن العمل: يكثر الحديث عن أهمية بناء رضا الأفراد عن العمل، بإفتراض أن معنوية الأفراد تؤثر تأثيرًا كبيرًا وحرجًا على فعالية المنظمة، ولكن بالرغم من أهمية تأثير الرضا عن العمل على المنظمة، إلا أن هذه الأهمية قد لا يكون لها التأثير القوي الذي نتوقعه، ومن ثم لابد نبحث في النواتج التي يمكن أن تترتب على الشعور بعدم الرضا عن العمل، وفي هذا المجال سيتم تناول بعض من هذه النواتج. الإنسحاب عن العمل: عندما يشعر الفرد بعدم الرضا عن عمله، فإنه دائمًا يبحث عن أي وسيلة تبعده عن هذا العمل، وهذا ما يسمى بالإنسحاب من العمل، وهناك شكلين رئيسيين من أشكال الإنسحاب وهما: 1. الغياب. 2. ترك العمل الإختياري. 1. الغياب: يعد الغياب سلوكًا مكلفًا بالنسبة للمنظمة، وترجع هذه التكلفة إلى تكلفة الأجازات المرضية، وفقد الإنتاجية، والتكلفة المعنوية للأفراد الذين يقع عليهم عبء العمل المكلف به الأفراد الغائبين. وبالرغم من تأثير عدم الرضا عن العمل على الغياب، إلا أن هذه العلاقة لا تتميز بقوتها، ويرجع ضعف العلاقة بين الرضا عن العمل والغياب إلى عدة عوامل، والتي ترجع في معظمها إلى القيود المفروضة على قدرة الفرد في التعبير صراحة على حبه أو كرهه للعمل، وتحويل هذا الشعور إلى فعل بعدم حضوره للعمل، ومن ضمن العوامل التي تضعف العلاقة بين الرضا عن العمل والغياب ما يلي: · بعض حالات الغياب قد تكون إضطرارية، ولا يمكن تجنبها، ومن ثم فإن العامل قد يكون راضي عن عمله، ولكنه مضطر للغياب. · الفرص المتاحة للفرد خارج العمل، والتي يحقق من خلالها الرضا بعيدًا عن العمل، كأن يذهب الفرد لرحلة، ومن ثم فقد يغيب الفرد الذي يشعر بالرضا، بينما قد يتواجد في العمل شخص قد يشعر بعدم الرضا. · في حالة خصم أيام الغياب من المرتب، فإن الحاجة الإقتصادية للفرد قد تجعل الفرد غير راضي، ولكنه في احتياج مادي أن يتواجد في العمل أكثر من الفرد الراضي عن العمل. 2. ترك العمل الإختياري: يشير ترك العمل إلى الإستقالة من المنظمة، مما يكلف المنظمة تكلفة عالية، تتمثل بعض من هذه التكلفة في: تكلفة الإحلال، وتكلفة التدريب، وتكلفة التعيين، وكلما ارتقينا في السلم أو التدرج التنظيمي، حيث تنعقد الوظائف تكنولوجيًا، فإن هذه التكلفة تزداد، وإلى جانب هذه الأنواع من التكلفة، هناك تنوعًا آخر من التكاليف غير الملموسة، مثل تشتيت عمل الفريق الذي كان يعمل فيه الفرد، أو فقد فرد اكتسب خبرات ومهارات خاصة بطريقة غير رسمية عبر مدة خدمته. والآن ... ماذا بعد الكلام؟ بعد مناقشة النواتج السلبية لعدم الرضا، فإنه من المنطقي أن تحاول المنظمة الإهتمام بزيادة رضا الأفراد عن عملهم، وأن تحاول تجنب عدم رضاهم عن العمل، وبالرغم من أن عدم رضا الأفراد قد لا يكون بالضرورة سببًا في تحديد أداء الفرد، إلا أن هذا لا يمنع من محاولة زيادة الرضا عن العمل، على الأقل لكي نزيد من شعور الأفراد بالسعادة في عملهم؛ لأن الرضا عن العمل هو غاية في حد ذاته. ما الذي يمكن عمله لزيادة رضا الأفراد عن العمل؟ هناك بعض الإقتراحات، ومنها: 1. الدفع للأفراد بصورة عادلة: فعندما يشعر الفرد بعدالة ما يحصل عليه من مكافآت ومزايا، وعدالة الإجراءات التي طبقت لتحديد ما يستحقه، وعندما نترك له بعض الحرية في تحديد ما يرغبه من نوعية المكافآت أو المزايا، فإن الفرد يشعر بالرضا عن عمله. 2. تحسين نوعية وجودة الإشراف: فعندما تكون العلاقة بين المشرف والأفراد علاقة طيبة، يسودها الإحترام، ويراعي فيها المصالح المشتركة، وتكون هناك خطوط إتصال مفتوحة بين المشرف ومرؤوسيه، يزيد رضا الأفراد عن العمل. 3. تحقيق اللامركزية في سيطرة القوة التنظيمية: وتعني اللامركزية، إعطاء الحق لأفراد متعددين لإتخاذ القرارات، فعندما توزع سلطة إتخاذ القرارات، ويسمح للأفراد بالمشاركة بحرية في إتخاذ القرارات، فإن هذا يزيد من شعورهم بالرضا، ويرجع هذا لشعورهم، أو لإعتقادههم بإنهم يستطيعون التأثير على المنظمة. 4. تحقيق التوافق بين الوظائف التي يقوم بها الفرد وإهتماماتهم: فكلما شعر الفرد بأنه يستطيع إشباع إهتماماته من خلال عمله، شعر بالرضا عن عمله.