التأخر أو التأخير.. ماذا يعني؟..

عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة
تقنيات ادارة الوقت ملخص محاضرة القاها مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا
على طلاب الدفعة الثالثة في المعهد الوطني للادارة
أولاً ـ تمهيد
من المقولات الشائعة: أن تأتي متأخراً، خير من أن لا تأتي.. وكذلك:كل تأخيرة، فيها خيرة.. فهل هي مقولات صحيحة أم مُخدِّرة مُضللة؟. لن أجيب، وأترك الحكم للقارئ بعد إطلاعه على الفقرات الآتية..
ثانياً ـ أهم خصائص الزمن أو الوقت
1) حياة الإنسان حركة في الزمن، تحيط بها وباستمرار.. والزمن أداة قياس الحياة..
2) يمر الزمن ويمضي دون انتظار أحد، وتستحيل إعادته.. فإما أن نحسن استغلاله، وإلاّ فقدناه.. والمثل يقول: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.. فملكية الزمن مؤقتة، والناجح هو من يكسبها بالعمل والراحة المحسوبين..
3) والزمن يأتي ويمضي بسرعة.. وأي شخص منا يستطيع تصفّح سنوات عمره في لحظات، وكذلك الزمن المقبل سيأتي ويمضي سريعاً، فيجب استثماره آنياً، والاستعداد للمستقبل الآتي..
4) وخسارة الزمن جماعية، تُحيط بالبشرية، ولا تعوّض لأنه لن يعود.. فهو أغلى من التقييم، ومن يقول: الوقت من ذهب، يجحفه الزمن حقه.. كما لا ينفع الندم والحسرة عليه فهو لن يعود!.
5) والزمن محدود، فالساعة 60 دقيقة، واليوم 24 ساعة، والساعة 25 مستحيلة، فعلينا النشاط وتوزيعه في إطار هذه المحدودية.. وإن تأجيل موضوع سيكون على حساب موضوع آخر، لذا قيل: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد..
6) والتأخير في إنهاء أي مشروع، يُرتب زيادة في التكلفة والإنفاق.. عدا عن تأخر إنتاجه أو خدماته..
7) ويجب استغلال الزمن بسرعة مذهلة، لتقليص الفجوة التي تفصلنا عن الدول المتطورة.. وإلاّ، ستزداد لأنها سائرة بوتيرة سريعة..
8) وإن وجود " الساعات " في معاصمنا، وبيوتنا، ومكاتبنا، وكل مكان، دليل قاطع على أهمية الزمن الفائقة..
ثالثاً ـ تكريم الله للإنسان
* يعتبر التفكير بالزمن والإحساس به، من أهم ما كرّم اللهُ به الإنسانَ عن باقي المخلوقات، التي تتصرف بغرائزها.. واهتمام الإنسان بالزمن نابع أو مرافق لإنسانيته، وإذا فقد هذا الاهتمام، فهو يتخلى عن إنسانيته!.
* وقد حلف الله جلَّ وعلا " بالزمن " في آيات كثيرة من القرآن الكريم.. مما يضفي عليه أقصى أهمية وقيمة..
* لذا، تعتبر الاستفادة من الزمن من أهم الأمور التي يجب احترامها لدى تقييم أداء الفرد أو الإدارة أو أي تجمّع بشري أو مجتمع أو أمّة.. وإلاّ، فإن التخلف في استثماره هو جزء من التخلف الذي تعانيه المجتمعات.. فالدول المتقدمة هي متقدمة باحترام الزمن، بخلاف الدول النامية..
رابعاً ـ مظاهر هدر الزمن
لن أحيط بكل مظاهر هدر الوقت وأشكاله، كما يحيط هو بحياتنا، لأنه العنصر المشترك في كل حركة أو نشاط من حياتنا.. وقد تكون المظاهر فردية، أو عامة.. شخصية أو مجتمعية.. على أنها كلها خطرة ومضرَّة.. ومن ذلك:
1) علاقات الإشراف الكثيرة للمسؤولين في المستويات العليا، المركزية والمحلية.. التي تتفاقم بالمركزية الإدارية، بحيث يصرف المسؤولون جزءاً كبيراً من وقتهم في معالجة أمور بسيطة، وذلك على حساب وقت العمل..
2) وينشغلون عموماً، بالاجتماعات المتكررة كثيراً بصيغ متنوعة.. مع آثارها السلبية: بسبب التأخير المعتاد في بدئها.. وحين لا يسبقها تحضير لجدول الأعمال، أو دراسات للمواضيع، أو بالخروج عن جوهر المواضيع.. مما يطيل زمن المناقشات.. فنكون قد استنزفنا أهم الإمكانات البشرية، وهي الوقت والفكر والجهد، دون جدوى..
3) وتردف الاجتماعات الكثيرة، اللجان المتعددة، الدائمة والمؤقتة، في كل المستويات، التي تهدر الوقت..
4) واستخدام الأدوات المتخلفة، يؤدي إلى إضاعة الوقت وخسارة السباق مع العالم المتقدم.. فأدوات الاتصال والمعلوماتية وغيرها، وهي عصب الحياة، ما تزال بطيئة والاستفادة منها محدودة.. والعالم المتقدم حين يستخدمها وينفق الأموال الطائلة على تطويرها، إنما يسعى إلى الربح، ومن أهم ما يربحه الوقت..
5) وهدر وقت المواطنين الاجتماعي، يُسببه ضعف الجهات الخدمية.. ومَثَلُها: النقل الداخلي، وبطء المعالجة والتسويف " تعال غدا أو بعد أسبوع "، وفقد السلع الاستهلاكية وانقطاع الكهرباء.. وهو هدر لا يمكن حسابه بالأرقام، ولكنه هدر فاحش بالغ!، يؤثر على أدائهم وإنتاجيتهم وفعالياتهم في مجال أو موقع يعملون..
6) وضعف التنسيق بين الجهات المتعاونة في تنفيذ المشاريع، يؤثر سلباً يسبب تأخير تنفيذها واستغراقه وقتاً طويلا، بالإضافة إلى النفقات المادية المختلفة..
7) ونفتقد التنسيق في الوزارة الواحدة لتعدد معاوني الوزير، فيصبح الوزير مكلفاً به، فيصرف وقته على أمور بسيطة، بدلاً من صرفه في الموضوعات الهامة، وتحقيق الاتصالات الخارجية مع المستويات الأعلى والموازية والقاعدية..
8) ويساهم العاملون في هدر الوقت، وقتهم الشخصي والوقت العام، عن طريق تبادل الزيارات غير المبررة واستقبال الضيوف والانشغال بالأمور الخاصة على حساب العمل..
9) ويعتبر تعطيل الجهات العامة والمدارس في مناسبات كثيرة، عاملاً مساعداً على عدم استغلال الوقت..
10) وأضرب بعض الأمثلة على هدر الوقت، قد تبدو بسيطة، ولكنها ذات آثار سلبية مختلفة على أصحابها شخصياً، أو على التجمّعات التي تضمهم، أو على المجتمع، لا يمكن حسابها أو تقديرها، ولكنها كبيرة جداً ولاشك.. وأترك للقارئ أن يسعى لتقدير آثارها السلبية الخطرة وحسابها.. ومنها..
* تأخر عامل منتج في مصنع عن بدء عمله..
* تأخر أو تباطؤ موظف أو عامل مكلف بتسهيل أمور المواطنين المراجعين، أو المتعاملين مع منظمته..
* تأخر مسؤول في إصدار قرار أو خطة أو وثيقة تتعلق بجميع المواطنين أو معظمهم..
* تأخر المعلم أو المدرس عن بدء حصة درسية أو المحاضر.. * تأخر تلميذ على درس حساب أو رياضيات..
* تأخر سائق واسطة نقل عن مواعيد عمله.. في مدرسة، معمل، شركة، وزارة، وغيرها..
* تأخر حكم أو حكام مباراة.. أو إحدى الفرق..
* الاستمرار في استعمال الحواسيب ووسائل الاتصال والمعلوماتية المتخلفة..
* . . . . . . .
10 ـ . . . . . . . . .
خامساً ـ استثمار الزمن على نحو أمثل
بذكْر ما أعلمه عن مظاهر هدر الوقت، أكون قد شكلت عند القارئ قاعدة انطلاق لحسن استثماره، فهي تساعد على اتخاذ تدابير معاكسة لها، على الصعيد الرسمي أو الفردي.. وأهمها مثلاً، لأني لا أستطيع إحصاءها:
1) القناعة بأهمية الزمن الفائقة، وبارتباطه بإنسانيتنا، وترجمة هذه القناعة إلى أسلوب عملي، يتلخص في: الشعور الدائم بضغط الوقت، وعدم التأجيل، وضرورة استباقه واستغلاله..
2) " القدوة "، من قبل الرؤساء، في سلوكهم الشخصي وفي كل تصرفاتهم، لأن مرؤوسيهم سيقلدونهم..
3) الإلحاح على المرؤوسين للالتزام بالمواعيد.. وحفز الملتزمين به ومساءلة اللامبالين..
4) التصدي العاجل لما هو بعيد في الزمن من المشاريع.. ولنتذكر سلوك الأرنب في سباقه مع السلحفاة.. فعلى المخططين استهداف سنة 2035 و2045 على الأقل، في استراتيجيتهم وبرامجهم المرحلية..
5) حُسن توزيع الوقت المحدود على * الحاجات الطبيعية للإنسان.. * الحاجات الاجتماعية والتربوية والثقافية.. * الحاجة للعمل.. بحسب ظروف كل مسؤول، واستعداده الفكري والنفسي والجسدي لأوقات العمل..
6) وكذلك توزيع وقت العمل بتوازن بين: * الأعمال الداخلية، * الأعمال الخارجية مع الجهات المتعددة، * الأعمال التخطيطية طويلة المدى، واليومية، * الأعمال المكتبية والمتابعة الميدانية.. مع مراعاة: قلة الدخول بالتفاصيل كلما ارتفع المستوى، لأن انشغال الرؤساء بالتفاصيل سيكون على حساب الأمور الكبيرة..
7) الإقلال من المركزية الإدارية لنربح وقت الرؤساء.. بـ: * جعل الصلاحيات للمستويات المتوسطة والقاعدية، متوازنة مع مسؤولياتها.. * تفويض الصلاحيات للمستويات المرؤوسة، بما يؤهلها.. * مراعاة " النسبة العكسية " بين وقت إشراف الرؤساء على الوحدات الأدنى، وبين عددها، فكلما زاد عددها يجب أن يقلّ الزمن المخصص لأي منها، وأن تترك لها المرونة.. * إيجاد المنسق، في الوزارة والمحافظة.. * تبسيط سير المعاملات " الروتين " وتوزّعها "البيروقراطية " بتطبيق: عدم مرور المعاملة إلاّ على صاحب رأي أو قرار.. علماً بأن كلاً منهما موضوع تنظيمي لابد منه، والمهم هو ممارستهما بفعالية، دون إضاعة الوقت ودون الإحالات غير المبرّرة..
8) استعمال الأدوات المتطورة.. ولنتذكر أن الحاجة للاتصالات والمعلومات، هي كحاجة الجسم للهواء والماء..
9) التنسيق، والتزامن "التنسيق في الزمن" بين الجهات المتعاونة في تنفيذ مشروع..
10) استعمال " المفكرة، الجيب، أو الطاولة.." للتذكُّر.. ومسك " مصنف الانتظار " للمتابعة..
11) تصفح المعاملات الواردة، قبيل الانصراف، لتحديد الوقت الذي ستعالج، بعد المظهر، مساء، أم بالمنزل..
12) استخدام أوراق الملخصات وآراء التسلسل، لدى عرض المعاملات على الرؤساء، مما يفيد * في تنافس المرؤوسين.. * وتشجيعهم على تحملهم مسؤولياتها وتأهيلهم.. * والمتابعة، إذ يضع كل منهم التاريخ مع توقيعه..
13) . . . . . . . . .
سادساً ـ صفوة القول
على كلٍّ منا، أن يحترم نعمة الإحساس بالزمن والتفكير فيه، التي كرَّمه بها الله تعالى، لنملأه بالعمل .. فيقدر موقفه دون إغفال أية نقطة، فترك الهدر البسيط بدايةً، يتطور إلى انحراف كبير.. وأن يبدأ باستثمار أمثل للوقت.. * على صعيده الذاتي، الشخصي، والأُسري.. * وعلى الصعيد الجماعي: في منظمته، خاصة إذا كان القدوة لمرؤوسين..
ولا أدري، إذا كان يحق لي القول: إن التأخر، أو التأخير، أو هدر الوقت.. يشابه التخلف، وهو أحد مظاهره وأشكاله، التي لن تساعدنا على اللحاق بقطار المعاصرة..
لا أدري، بعد ما بيَّنته، ما هو حكم القارئ العزيز على المقولات التي مهدت بها الكلام: " أن تأتي متأخراً، خير من أن لا تأتي.. و" كل تأخيرة، فيها خيرة..".. علماً بأني أعتبرها مقولات خدَّاعة مُخدِّرة، ويجب إغفالها..

التأخر أو التأخير.. ماذا يعني؟..

عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة
تقنيات ادارة الوقت ملخص محاضرة القاها مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا
على طلاب الدفعة الثالثة في المعهد الوطني للادارة