.



كل شخص منا يشعر في قرارة نفسه أنه شخص متميز وكل شخص منا يشعر بالطاقة
التي تشتعل في داخله، الفرق بين الناجح وغيره، هو أن الناجح أطلق العنان
للطاقة الجبارة التي تختلج في صدره ووجهها نحو هدف ما بينما اكتفى الآخر
بإطلاقها بخجل وراقبها وهي تتشتت في كل الجهات مع تقدم سنوات العمر، فلنتفق
أولا على أن النجاح يتعلق أولا وأخيراً بالإنسان ولجميع البشر نفس الفرص
بالنجاح، غير ان البعض ينطلق بشجاعة ليستفيد من الفرصة بينما يتردد الآخرون
في انتظار فرص قادمة، اقول للمترددين: لا بأس، الفرص لا تنقطع من الحياة
فإن فاتتك واحدة فاملأ قلبك بالعزم كي لا تضيع الفرصة القادمة.

لعلي كنت محظوظاً لانني نشأت في عائلة علمتني كيف أستخدم طاقتي وكيف أروضها
، أعتقد أن النجاح صناعة تبدأ من كيفية تربية العائلة لابنائها ، أذكر كيف
كان والداي يشجعاني على القراءة وكيف كانا يمضيان معي ساعات طويلة وأنا
أجلس في أحضانهما متصفحاً كتباً كبيرة بألوان زاهية، في حينها كنت أصغر من
أن أستطيع القراءة وكانت الصور بالنسبة إلي عالماً سحرياً فشجعني والدي على
الرسم (الخربشة ) أيضاً، ببساطة كانا يسلحاني بالأدوات التي تجعلني أستطيع
أن أعبر عن نفسي وأن أخرج طاقتي من خلالها ، وهذا ما حدث، تحولت مع مر سنين
الصبا الأول إلى قارئ نهم ورسام كاريكاتور لاذع وأخيراً إلى رجل يحاول أن
يبني شيئاً.

لا أجد هدفاً من أن أشير إلى أنني ألفت ورسمت أول قصة مصورة عندما كنت في
الصف الخامس وأني كتبت أول برنامج حاسوبي عندما كنت في الصف السابع، وأسست
شركتي الأولى عندما كنت في السنة الثالثة بكلية هندسة الإلكترون، فكل ما
سبق كان نتيجة لتلك النشأة التي أحاطتني بالعناية عندما كنت مخلوقاً
ضعيفاَ كثير الازعاج.

دخلت كلية هندسة الكهرباء اختصاص إلكترون على مضض فقد كنت أتوق إلى
الاختصاص في مجال الرسوم Comics ، غير أني لم أجد ضالتي في كلية الفنون
الجميلة آنذاك ووجدت كلية الهمك (كما يحب طلابها الاشارة إليها وهي اختصار لعبارة الهندسة الميكانيكية والكهربائية) أقرب ما تكون إلى هواياتي في مجال الحاسب، وبدأت في هذه المرحلة فقرة جديدة من
تجربتي بالحياة ، كان الهوة تزداد اتساعاً بين أحلامي واختصاصي وكانت
النهاية والبداية في آن معاً عندما رسبت في السنة الثالثة، كانت نهاية
لأنها قطعت كل أفكاري حول إمكانية الابداع في جو عدم القناعة بالاختصاص،
وبداية لانني قررت أن لا أدخل بعد هذه التجربة عملاً ما لم أغرم به كلياً،
وهكذا كان ، توجهت عام 1993 لإنشاء شركة مع زميلي لؤي السقا وأكرم تميمي
وسميناها تقنيات متطورة (سوبر سوفت) ، كانا طالبين في نفس الكلية وكان
الولع ببرامج الحاسبات قاسماً مشتركاً بيننا، فنزلنا في أحد أيام الصيف
الحارة إلى شارع في مدينة دمشق وجلنا كافة المحلات والمكاتب فيه ونحن نعرض
على الزبائن كل شيء ، برامج أجهزة ، طابعات ، شبكات، لم نتوقع كمية الطلبات
التي انهالت علينا، بدأنا بإنتاج برامج إدارية ومحاسبية بسيطة للشركات
المحلية ولمسنا بدهشة كيف كانت هوايتنا تتحول إلى مال ، وكيف كان عملنا
ينال رضى زبائننا رغم تواضع إمكانياتنا فقد بدأنا من الصفر حقاً، وسّعنا
نشاطنا بافتتاح مقرنا في غرفة مستودع صغيرة ارتفاع سقفها مترين ولا تزيد
مساحتها عن ثمانية أمتار مربعة ملأناها بثلاث طاولات مختلفة المقاسات
والأحجام وعليها ثلاثة أجهزة طيبة كانت تعمل ليل نهار لنبث من خلالها
أحلامنا. مع الوقت ومع تزايد أعباء العام الدراسي فترت حماسة زميلي و تركا
الشركة فبقيت وحيداً ، غير أن بريق العمل أغرى مجموعة أخرى من زملاء صباي
بالانضمام إلي هما أيمن شابسيغ ووسيم بركات واستمر العمل بالكثير من الامل
رغم الكثير من المصاعب والاحباطات وكان دخولنا في مجال الملتيميديا
multimedia 1995 قد أشعل الولع بداخلي لإنتاج برامج تجمع بين الناحية
التطبيقية والناحية الفنية المتنوعة فبدأت بإنتاج برامج دعائية للشركات في
هذا المجال interactive CD.

في عام 1997 سافر أيمن إلى الولايات المتحدة بعد أن تلقى فرصة لإتمام
اختصاصه هناك كما ترك وسيم العمل ليتفرغ لدراسته التي اضطربت بسبب
العمل، فكان علي أن أستمر وحيداً مرة أخرى، قمت بتوظيف شخصين وأتممت الدراسة في الكلية
بسهولة رغم أني لم أكن أتوجه إليها إلا لتقديم الامتحانات، غير أن اقتراب
مناهج ومواد التدريس من علوم الحاسبات التي أعشقها في السنتين الرابعة
والخامسة أشعل حباً جديداً لكليتي من جديد واستطعت خلال السنوات الاخيرة من
رفع معدلي بشكل ملحوظ مما أهلني لأن أكون من العشرة الأوائل وان أستكمل دراساتي
العليا في مجال الحاسبات والتحكم.

وكأي شاب كان هاجس خدمة العلَم يتملكني، فكثير من الشباب يقرر السفر الى
الخارج لتحقيق أحلامه بسرعة ، فمن جهة يحصل على وظيفة بدخل جيد تمكنه من
دفع بدل الخدمة العسكرية وتكوين أسرة يعيلها بكرامة من الجهة الأخرى، غير أن ما
أقلقني اكثر هو مصير شركتي التي مرت ست سنوات على تأسيسها، والزبائن الذين
باتوا يثقون بها، لم يتطلب الأمر تفكيراً طويلاً فلطالما آمنت بإذن الله أن
الإنسان هو الذي يصنع ظروفه لا العكس ، توجهت إلى الخدمة بسرعة وفي حقيبتي
مجموعة كبيرة من كتب البرمجة، وبالفعل كانت أياماً رائعة، كان جميع زملائي
في المهجع يغطون تعباً في لهيب الظهيرة فيما كنت أتمدد وأنا غارق في بحر
المعلومات اللذيذة المنعشة ، لم يعرف كثير من زبائني بأنني كنت أقضي فترة
خدمة العلم ولم يصدقوا فيما بعد عندما أخبرتهم بذلك فقد تمكنت والحمد لله
من تنظيم وقتي بشكل دقيق فاعتذرت عن قبول الاعمال الجديدة فيما أتممت متابعة
الزبائن القدامى ودعمهم فنياً خلال إجازاتي وأيما وقت استطعت تأمينه.

وأخيراً وعندما أنهيت الخدمة، تملكتني أفكار كثيرة حول الخطوة التالية، كنت
قد حققت الكثير مما أصبو إليه وكانت لدي شركة متواضعة تدر علي ما يكفي
لأفكر دائماً بتطوير عملي، لعل الكثيرين يعتقدون أن النجاح في الحياة يتعلق
بأمور محسوسة كامتلاك الاموال والسيارات أو حتى الزواج من فتاة الاحلام
الرائعة ، كل ما سبق شيء جميل غير أنك تستحق أن تمنح نفسك هدفاً أسمى من
ذلك كله، كانت محطات دعوة سيد العالم محمد صلى الله عليه وسلم لا تفارق
تفكيري، وكيف كرس هذا الرجل حياته من أجل دعوة الناس الى النور رغم كل
الظلام، هذا ما صرت أحدث نفسي به، انتقلت أحلامي من مرحلة التأثير في حياتي
الى مرحلة التأثير في الآخرين، صار هدفي هو أن أنجح في ذلك وهذه كانت
المحطة الثانية في مشواري فقد اتفقت أحلامي مع أفكار السيدين عدنان سالم
وحسن سالم، واللذين كانا من أكثر زبائني نشاطاً بحكم عملهما كمسؤولين عن
إدارة دار الفكر، مؤسسة النشر الدمشقية العريقة. فتعاقدا معي على إنشاء قسم
خاص للنشر الالكتروني في دار الفكر وأعطياني مطلق الحرية للتصرف ، فانطلقت
بحماسة لانتقاء مجموعة من الشباب الذين يتميزون بقدرتهم على الابتكار ،
وكانت مهمتي الأساسية أن أحولهم الى كيان قادر على تنفيذ أي حلم وتحويله إلى
حقيقة، أما عن المواضيع التي كنت أنوي التطرق إليها فقد كانت كثيرة غير
أنني اخترت العمل في مجال الإعلامMedia لأنه من جهة يتيح لي استخدام
قدراتي المتعددة في مجال البرمجة والتصميم والاخراج والتأليف ومن جهة أخرى
لانه الأكثر تأثيراً على الناس لتعدد أدواته وتنوعها.

لم يستغرق انتقاء طبيعة أول مشروع الكثير من الوقت، كان صراخ إخواننا في
فلسطين أقوى من أي شيء ومجرد قناعتي بأننا نستطيع أن نفعل لهم شيئاً هو
المحرك الذي جعلني أصنع (تحت الرماد)، أول لعبة عربية بالمفهوم التجاري
والنوعي لهذه الكلمة.

ما حدث بعد ذلك شيء رائع ، تفاعل مئات الألوف من العرب والأجانب من أنحاء
العالم دلني بأنني على الطريق الصحيح ، وأني أصبحت قادراً والحمد لله على
التأثير فيمن حولي، أن أكون فاعلاً في حياتي، نسيت كل المصاعب الفنية
والتقنية، لم أدرك حجم ما قمت به مع فريق عملي الرائع إلا من كم الاهتمام
الاعلامي الرسمي والشعبي بما قمنا به، ومن هجوم عصابات من الحاقدين
الاسرائيليين على مواقعنا على الانترنت ، لقد تحولت طاقتي وأحلامي إلى سلاح
في معركة بقائنا في هذا العالم.

قررت التفرغ لهذا الأمر وان أكرس حياتي كي أستمر في هذا النهج ، فأسست مع
السيد حسن سالم شركة جديدة باسم (أفكار ميديا) https://www.afkarmedia.com/ وصار شغلي الشاغل انتقاء مواضيع ترقى بتفكير الانسان
العربي والمسلم حول العالم، أن أنفض الغبار عن تاريخنا وأصالتنا وحضارتنا،
اختصصت بالألعاب لأنها الوسيلة الأذكى والأسهل لتمرير الافكار وإقناع
المتلقين لها، وها نحن الآن وبعد مرور سنتين على تأسيسها، نخوض طرقاً صعبة
دخلناها طوعاً، غير أن خبرة المحارب في داخلي تخبرني بأن الصبر هو سلاح
النصر، قد تمر أيام صعبة تجعلني أفكر ملياً بما زججت نفسي فيه، غير أن
عزيمة النصر تعاودني مع كل صباح فأعود وأذكر كيف تحول حلم شخص واحد إلى
شركة تضم الآن ثلاثة أجيال من الحالمين.