الأفراد متنوعون من حيث الملكات والمواهب الفطرية. وهم يلتحقون بالمؤسسات وقد تم تشكيل قدر غير يسير من معارفهم ومكوناتهم النفسية من خلال احتكاكهم ببيئاتهم المتنوعة. ولهذا التنوع أهميته القصوى في إثراء الحياة. ذلك أن الحياة تحتاج إلى العديد من الأدوار، تبدأ من الأمير والوزير وتتدرج حتى الخفير ومن هو دون ذلك، ولولا هذا التنوع لم تلبَّى احتياجات الحياة ومتطلباتها. والأفراد هم ذخيرة كل أمة وعدة نهضتها، فكلما عظم رصيدها منهم -كماً وكيفاً- كلما كان نصيبها من القوة أكبر وأوسع. ولما كانت النهضة نتاج مجموعة مشاريع متساندة في مختلف المجالات، والمشاريع بحاجة إلى أبطال يحملونها؛ من هنا عظمت الحاجة لتنمية الموارد البشرية وتطويرها، وأصبحت محط اهتمام أمم الأرض ومدار تفكيرها. والبيت والمدرسة ودور العبادة والنادي هي المحطات الأولى التي تمر بها هذه اللبنات في طريقها للتشكل، وعليها معول كبير في سلامة هذه اللبنات وتوجيهها، فهي المحاضن الطبيعية لتوليد القيادات للمجتمعات، فإذا صلحت صلحت اللبنات وإذا فسدت فسدت هذه اللبنات. وأكبر ما تواجهه هذه المؤسسات المجتمعية، هو هذا التنوع في الأفراد، فبعضهم يتمتع برغبة في التعلم والتقدم والفعل والمبادرة وبعضهم دون ذلك، وبعضهم يمتلك صفة المثابرة على الفعل وبعضهم دون ذلك، وبعضهم قادر على التفكير والبعض دون ذلك، وبعضهم قادر على التنفيذ وبعضه دون ذلك، وبعضهم مدرك للأهداف والغايات العظيمة وبعضهم دون ذلك. وحين يبدأ المربون في تعبئة الموارد للفعل في مشاريع محددة يصابون بالإحباط من مثل هذه الظواهر، خاصة في المشاريع التطوعية، والتي غالباً ما تفتقد صفة الإلزام القانوني، وجل ما تمتلكه هو الإلزام الأخلاقي والوازع الداخلي ودرجة الإحساس بالهدف المشترك. ولأن الحسابات الداخلية للفرد معقدة كما بينا في موضوع "العقد النفسي"، فلن نسعى هنا للقول بوجود حل جذري للمشكلة بمعنى إيجاد علاج شاف، ولكن سنتحدث عن إدارة الظاهرة باعتبارها أمراً يمكن التخفيف منه والتعايش معه وتحقيق الأهداف الممكنة فيه. وهنا ولغرض البحث فقط سأتجنب الحديث عن الجمهور العام أو سواد الناس، ودورهم في النهضة، فهذا موضوع في غاية الأهمية ولطالما تم إهماله، ولكن في هذا المقام سأركز على الرواحل، وأعني بهم الملتزمين في مشاريع نهضوية صغرت أم كبرت، وحملة الأهداف الواضحة والغايات العليا أو من يُعَدُّون لذلك. شروط بناء الدافعية: - شروط في الفرد: فالأفراد كما أسلفنا فيهم من التنوع ما لا يعلمه إلا الله، ويصلحون لأعمال متنوعة، وفي كل خير. والدرر التي تبحث عنها المشاريع التنموية والنهضوية بشكل أساسي هم ذوي الاهتمامات والمواهب والنفسيات العالية، ففي الناس من يصلح لسباق المسافات القصيرة ومنهم من يصلح للمسافات المتوسطة ومنهم من يصلح للمسافات الطويلة. - شروط في المربي : * أن يدرك المربي أو المؤسسة الحاضنة حجم التنوع البشري، وأن تتوفر تعريفات إجرائية لتقسيم الطاقات باعتبار: الاهتمامات (عليا – متوسطة – دنيا)، وباعتبار المواهب الظاهرة والمحتملة: (عقلية – عاطفية اجتماعية – مهارية حركية)، وباعتبار القدرات المفيدة: هل هي إدراكية تصورية أم عملية تنفيذية أم كلا الأمرين... وباعتبار القيم العليا. وأن يعرف المستهدفات الثلاثة من صناعة الأفراد: فالفرد يسأل: ما هو المطلوب مني؟ وللمربي نقول اختزن في ذهنك تنظيماً ثلاثيا للإجابة.. فبعض الناس قد يكون هو في حد ذاته المشروع ...فالعالم مشروع والإعلامي أحياناً مشروع .. والخبير في أي مجال قد يكون مشروعاً في حد ذاته وهكذا، فهؤلاء قد يكون المطلوب منهم ولهم التخصص الدقيق والإبداع في مجالاتهم وخدمة نهضة الأمة من زاويتهم ويعانون على ذلك. وبعض الناس قادر على حمل مشروع والانطلاق به، وهذا النوع من الناس يحتاج لإعداد خاص يؤهله للقيام بالمشاريع بفاعلية وكفاءة ...وبعض الناس قادر على دعم مشروع إما بجهده أو برأيه أو بماله... فلسان حال المربي لمن حوله: كن مشروعاً ، أو حاملاً لمشروع، أو مسانداً لمشروع، تنل رضى الله، وتساهم في نجاح مشروع الأمة. * أن يدرك المربي أهمية وضوح المسار التعليمي والتدريبي للفرد ومدته، حيث يلعبان دوراً هاماً في منظومة بناء الحافزية ...فكلما كانت صورة المسار التدريبي ضبابية أو طالت مدته. فقد الأفراد اهتماماتهم وتركيزهم وبالتالي قلت دافعيتهم. - شروط في البيئة: والعاملون بشر، فهم في حاجة للتذكير، وإلى نظام اتصال فعال، ومحضن اجتماعي دافئ، وإلى مأسسة العمل ووضوح الإجراءات والسياسات... وكلما افتقدت المحاضن شروط المؤسسية بشكل أو بآخر، أثر ذلك على عمليات بناء الدافعية. وأخيرا: يحرص المربي الناجح والقائد الفعال على إشراك الأفراد في النجاحات، ويحتفي معهم بالنجاحات المرحلية، فالنفس الإنسانية جبلت على النظر القصير والرغبة في النجاح السريع، وبالتالي فكل نجاح جزئي يجب الاهتمام به والاحتفاء به، فكل جزء من الطريق يُقطع في اتجاه الهدف هو مناسبة لبناء الدافعية.