ان الابتكارات التكنولوجية على مدار الخمسين سنة الماضية قد حسنت بشكل كبير الانشطة المحاسبية والتمويلية والاجراءات والسياسات المالية (Lee, Bishop et al. 1996) ، ومع ان التكنولوجيا وبكل تأكيد ليست جديدة على المحاسبة ، فإن التقدم الحديث قد طور جميع أوجه وظائف المحاسبة ، بما في ذلك ، القياس الاقتصادي والابلاغ المالي والتخطيط والرقابة الادارية والتدقيق (Burn 1994) . ان دور التكنولوجيا والحواسيب داخل المنشأة قد تغير ايضا (Fisher 1995) ، فأنشطة شبكة المعلومات المحلية والدولية بما فيها الانترنت ، والعديد من اشكال التجارة الالكترونية ، وتبادل البيانات الالكترونية ، اضافة الى تخطيط موارد المنشأة وغيرها من التطبيقات ، قد حولت الطريقة التي تتم فيها المحاسبة ، والتي ادت الى التساؤل حول اهمية قيمة الوظائف والمهارات المحاسبية التقليدية . ومع التغير في ايجاد القيمة من خلال امتلاك وتحويل المعرفة ، وعمليات حل المشاكل ، وعمليات اتخاذ القرارات ، وعمليات الاتصال ، تصبح التكنولوجيا جزءا مكملا لمثل هذا التغير ، وستخدم كمخزن اساسي للمعرفة . وستكون الانترنت ومواقع البرمجيات وتطبيقاتها الاساس والبنية لهذه التكنولوجيا (Harris 1995) . وتسمح التكنولوجيا للعديد من الاشخاص ذوي الكفاءات والمواهب المتعددة ليصبحوا ثروة موارد لمنظمة عصر المعلومات . وتزود شبكة المعلومات لغة وقاعدة بيانات مشتركة من اجل الاتصالات ، والحصول على البيانات الحساسة الحقيقية حول البيئة الخارجية ، كما تساعد الافراد في ايجاد مصادر المعرفة وحل المشاكل (Quinn, Anderson et al. 1996) . وفي الوقت الذي تأخذ فيه المنشأة خطواتها الاولى في تحويل البيانات الى معلومات ، تكون عمليات قراراتها وهيكلها الاداري قد تحول (Drucker 1988) . لقد حدد الاكاديميون والمهنيون منذ وقت طويل مجالات مثل الاتصال ومهارات التحليل لمسائل ضرورية للنجاح في مهنة المحاسبة ، ومع الاختراق القوي للتكنولوجيا وتغلغلها في المهنة ، فقد اصبحت المهارات الاخرى ضرورية لمهنة المحاسبة ، وخاصة البراعة والمعرفة التكنولوجية والتي سوف تطلب من كل من يدخل المهنة ، الامر الذي يحقق بشكل ايجابي النجاح في مزاولة المهنة (Goldsworthy, 1996; Hanno & Turner, 1996) . وبالتالي فانه يفترض ان الخصائص المقبولة قبولا عاما سوف تقود الى النجاح في المهنة . كما ان البراعة التكنولوجية في حقل المحاسبة يجب ان تضاف الى هذه المعرفة لتشمل هذه الخصائص ، من اجل تحقيق البراعة والأهلية التكنولوجية . ان الصورة التقليدية للمحاسب كطاحونة ارقام لم تعد تلائم المهنة ، ووضع المحاسب خلف طاولة ليجمع اعمدة هائلة من الارقام لكي تعرض على الاخرين من اجل اتخاذ القرارات ، هي مسألة غير حيوية ، تهدر الجهد والوقت ناهيك عن الاخطاء التي يمكن ان تحدث . فالحواسيب وغيرها من أنواع وأدوات التكنولوجيا الحديثة قد حررت المحاسبين من المهام المملة للتجميع اليدوي للمعلومات المالية ، فمحاسب اليوم أصبح اكثر كفاءة وفاعلية ، يأخذ على عاتقه دور متخذ القرار والحكم الشخصي من خلال الخبرة والكفاءة التي امتلكها في استغلال وقته للتحليل والتدبير المنطقي بشأن المعلومات المالية ، ويلعب دورا نشطا وفعالا في استراتيجية اتخاذ القرارات داخل المنشأة . ان الكثير من الأمور التي تدرب عليها المحاسب المهني تقليديا للقيام بها ، ويتوقع القيام بها داخل المنشآت ، قد يصبح غير ضروريا (Wallman 1997) . فالتقدم الصناعي الجديد او نموذج الحصول على الثروة قد غير التفكير في الطريقة التي تدار بها منشأة الاعمال ، واتخاذ المفاهيم والطرق المحاسبية التقليدية من اجل خدمة هذا النموذج الجديد ، والخيارات المتاحة للمهنة هي إما ان تتكيف مع المتطلبات الجديدة ، او تصبح بدون علاقة أو صلة أوغير ملائمة (Elliott, 1992; Taylor, 1993) . ان التطور السريع للتكنولوجيا الجديدة قد تتطلب ايضا اصلاح وتعديل وتطوير التعليم المحاسبي . ان دور المحاسب في المنشأة سيكون مختلفا بشكل جوهري مما كان عليه الوضع في السابق . وهناك العديد من الجمعيات المحاسبية المهنية قد حددت أوجه تحويلية لمهنة المحاسبة . وأحد مكونات هذا التغير يرجع الى التطبيقات التكنولوجية الابداعية الجديدة في الحقل المعرفي والمجتمع بشكل عام . ان هذا النموذج الجديد لايجاد المعرفة والتركيز على استخدامها الضمني قد بين أن افراد المنظمة كأساس لايجاد القيمة ، وأثر الخدمات المهنية على الصناعة والاقتصاد كان له وقعا ممتازا على نجاح المنشآت . كما يمكن القول بأن ذلك سيكون له أثر كبير على مهنة المحاسبة. وبالتالي ، فإن المهارات المطلوبة من المحاسبين يتوقع لها ان تكون مختلفة عما كانت عليه في السابق . ان نظرية ادارة المعرفة تشرح وتبين التحول الكبير لمجتمعنا الاقتصادي ، من مجتمع يتصف بايجاد الثروة من خلال انتاج وتصنيع السلع ، الى مجتمع يتصف بايجاد الثروة من خلال الرسملة في الافراد داخل المنشأة ، ومن خلال التحول الجماعي للمعلومات الى المعرفه . فالعملية التي تتصف بعدم الوضوح للأخذ بالمعرفة الضمنية للأفراد ، ونصنيفها في معرفة واضحة ومحددة ، وتحويلها الى رأسمال استراتيجي فكري بقيمة تعتبر قيمة كبيرة بالنسبة للمتعاملين مع المنشأة ، وهو ما يميز المنشآت الناجحة . وهناك عاملين وراء هذه العملية للإنتفاع من رأس المال المفكر يجب التأكيد عليهما : 1- ان التكنولوجيا تلعب دورا واسعا في هذه العملية . 2- ان الطريقة التي يعالج بها الأشخاص المعلومات وتصورهم للواقع مختلفة . وحيث ان نماذج الادراك لدى الاشخاص يمكن ربطها مباشرة بمهاراتهم وأهليتهم ، فقد بدأ العلماء باكتشاف العلاقة بين القدرات الحاسوبية وعمليات الادراك العامة لدى الأفراد (Evans and Simkin 1989) . ان نظم المعلومات أو المكونات الذكية هي المسيطرة في الوقت الحاضر ، بما في ذلك النظم المبنية على المعرفة ، ونظم دعم القرار ، ونظم ادارة المعرفة . فالأساس النظري لهذه النماذج يركز على التطور الادراكي (Gregor 1999) .ويمكن ان يعرف اسلوب الادراك "على انه خصائص العمليات المستخدمة من قبل شخص في امتلاك وتحليل وتقييم وتفسير البيانات المستخدمة في اتخاذ القرار" (Igbaria & Parasuramen 1989) . ومن أجل ذلك ، وبما ان مهنة المحاسبة تخضع لتحول جذري بسبب سيطرة تطبيقات شبكة التكنولوجيا ، وظهور المعرفة المنظمة ، فإنه يفترض ان اساليب الادراك للمحاسبين والذين يمكنهم ربط الكفاءة التكنولوجية المتقدمة بشكل ناجح مع الادوار التي تعودوا عليها ، سوف تختلف عن تلك التي تنسب للمحاسب التقليدي . ومع التغيرات التي حولت وظيفة المحاسبة كنتيجة لكل من التركيز على ايجاد المعرفة والتقدم التكنولوجي ، فإن الحدس بأن الاسلوب الادراكي للمحاسب الذي يناسب دوره في هذا الهيكل التنظيمي الجديد ، قد يكون مختلفا . وبمفهوم أدوات قياس نماذج الادراك سوف يتصف المحاسب الناجح على أنه مدركاً بالحدس وواعياً ومبتكراً ومبدعاً وتجريدياً ومبتدعاً وواسع التفكير . وفي دراسة (Shaw 2001) التي استقصى بها الخصائص المرتبطة بالأهلية والجدارة التكنولوجية من خلال اختبار نماذج الادراك المعروضة من قبل الاشخاص الذين سيدخلون مهنة المحاسبة بشكل خاص ، قام بالبحث عما اذا كان طلبة المحاسبة الذين أظهروا براعة وأهلية بالتكنولوجيا قد أظهروا نماذج ادراك مختلفة عن الأشخاص الذين لم يظهروا ذلك . ان محاسبوا اليوم والمستقبل سوف يتوقع منهم ان يكون لديهم البراعة والكفاءة في معرفة المفاهيم والتطبيقات التكنولوجية المختلفة ، مثل نظم التدقيق ، وتخطيط موارد المشروع ، والتجارة الالكترونية ، والمواضيع المتعلقة بالأمان للإنترنت ، وتبادل البيانات الإلكترونية وغيرها . ففي الماضي لم تكن هذه المجالات ضمن ما يتوقع ان يقوم المحاسب بعمله او ان يكون ملماً به . فمن الناحية التقليدية تقع مهام وأعمال المحاسب بشكل أكبر في مجال التجميع والتحليل والشهادة على المعلومات المالية الناجمة عن نظم المعلومات المحاسبية اليدوية او المؤتمتة . ان تضمينات تكنولوجيا المعلومات والنظم المحاسبية المؤتمتة في تدريس المناهج المحاسبية مسألة هامة جداً . وعملية جذب الطلبة الى نماذج وأساليب الادراك والتعليم لدراسة المحاسبة مسألة ضرورية . اضافة الى ان هناك حاجة ملحة لإعادة تصميم المنهاج المحاسبي ، والذي يتدرب فيه الطلبة على هذه التكنولوجيات المستجدة ، وكذلك تطوير مهارات التحليل السليمة والصحيحة الضرورية لهم ، ليحققوا النجاح في حياتهم العملية . فالمدرسون (الهيئة التدريسية) يستطيعوا ان يزودوا طلبتهم بالتوجيه بخصوص المهارات الضرورية للتقدم المهني والنجاح . كما يطلب من مدرسي المحاسبة ان يبقوا على صلة واتصال مع المحاسبين الممارسين للمهنة، من اجل تحديد ما هي الابتكارات التكنولوجية الجديدة ، وادخالها في غرفة المحاضرات . وبالمثل يطلب من الجهات المهنية التي ترخص المحاسبين ان يراعوا المعايير من اجل التدريب والشهادة المهنية لتلبية المطالب الجديدة لمهنة المحاسبة في عصر المعلوماتية .