الدراسة عليك والبحث علينا !!الدراسة عليك والبحث علينا !!


سامر أبو رمان


كان هذا عنوان رسالة جاءت عبر البريد الإلكتروني من جهة أردنية تعرض خدمة بيع الأبحاث والرسائل الجامعية! كما نجد هذه الخدمة ـ أيضا ـ معروضة بشكل بارز على واجهات المكتبات، وخاصة تلك المجاورة لصروحنا العلمية، وقدراً رأيت ذات العبارة – قبل الفترة - داخل حرم إحدى الجامعات السعودية !

من واقع العمل في مراكز الدراسات واستطلاعات الرأي يأتينا بعض الذين يجهلوننا فيسألون عن تقديم خدمة المساعدة في كتابة الرسائل الجامعية! والأقل غباء من هؤلاء يأتون بحجة البحث عن كتاب أو مرجع، وإذا به يعرض بطريقة غير مباشرة أو مباشرة على بعض باحثي وباحثات المركز مساعدته في تجميع المادة، وكتابة الدراسة نيابةً عنه!

أحد الزملاء ذهب العام الماضي للعمل في إحدى الدول الخليجية، واضطر أن يبحث عن عمل آخر بعدما اكتشف أن مالك هذه المؤسسة قد جمع أموالا طائلة من خلال تقديم خدمة بيع الأبحاث والرسائل الجامعية، ولا زال يتكسب من هذه الصنعة؟

انتشرت ظاهرة شراء الأبحاث والحصول على الشهادات الجامعية الموهومة وتفاعلاتها بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وتعددت الأشكال والجهات التي تبيع هذه الدرجات في مختلف أنحاء العالم، فهناك بعض الجامعات التي تعطي شهادة عليا من خلال تقديم بحث شكلي أو بالخبرة، ففي الحالة الثانية ما عليك إلا أن ترسل سيرتك الذاتية، ليأتيك الرد بالموافقة بإجماع اللجنة ـ غالبا ـ على منحك الدرجة التي تطلبها بالنموذج! وتبدأ الاتصالات تنهال عليك يطالبونك بدفع الرسوم التي تقارب 700 دولار للدكتوارة، مع إمكانية التقسيط، وأحيانا يقدمون خصومات تشجيعية! فلما سألت إحدى هذه الجامعات الأمريكية " بلفورد " عن كيفية التأكد من أن المعلومات في السيرة الذاتية صحيحة حتى أستحق الشهادة؟ قالوا إذا تبين أن هناك معلومات مزيفة نقوم بسحب الشهادة!

لا أنسى رسالة التهنئة التي جاءتني من قبل أحدهم، وقد ذيلها باسمه مسبوقا بحرف الدال مفتخرا!! فعجبت من هذه السرعة في حصوله على الدكتوارة، بل تفاجأت أنه يدرس أصلا، فإذا بها شهادة من جامعة " أشود الأمريكية " – من أخوات جامعة بلفورد – فنصحته وخوفته بأن المجتمع لن يرحمه عندما يكتشف حقيقة هذه الشهادة، ففي زمن المعلومات لم يعد الاستخفاف بعقول الناس بهذه البساطة، وقبل ذلك عليه بأن ينسجم مع نفسه، ويكون صادقا بما حصل عليه من درجة علمية.

أذكر مُذ كنا نتواصل معه على مدار عامين ونحن نخاطبه رسميا وشفويا بالدكتور، إلى أن شاء الله وزارنا في الأردن، فاستفسرنا عن الجهة التي تخرج منها ومنحته شهادة الدكتوراة وقبلها الماجستير، فإذا بها على شاكلة هذه الجامعات! وعندما بينت لصاحبنا هذا الخلل، قال لي: "لا تأخذ الموضوع بهذه الحساسية، فأنت منذ أن تخرجت من مرحلة البكالوريوس لم تجلس في البيت، بل دخلت سوق العمل، واكتسبت خبرات، ووو .... ولذا تستحق شهادة الدكتوراة من خلال هذه الخبرات! وهذه ببساطة فلسلفه هذه الجهات التي تعطي هذه الدرجات"!

تفشى هؤلاء " المنفصمون " في أرجاء بلادنا العربية، وأصدرت بعض الجهات أسماء مئات من العرب الذين حصلوا على شهادتهم العليا بهذه الطريقة، أغلبهم من دول الخليج العربي، وأحدثت ردود أفعال مختلفة تجاه هؤلاء، ففي السعودية أصدر وزير التربية والتعليم قرارا بعدم تلقيب العشرات من مدراء إدارات ومدراء مدارس و مشرفين و غيرهم بالدكتور بالمراسلات الإدارية، بعضهم قد حصل على شهادته من هذه الجامعات.

لا ينبغي استمرار التغافل عن هذا الكذب والتحايل البحثي، وخاصة في ظل الحملة والضجة التي نشهدها على أصحاب الشهادات المزورة مؤخرا.

ولعل الأكثر إزعاجا، بل وقهرا في كل هذه القصة، أن نرى بعض هؤلاء يوما أصحاب مناصب مرموقة، يُنّظرون علينا في الأمانة والأخلاق والكفاءة والوطنية!