قد تضطر الظروف الإنسان للخروج إلى سوق العمل في سن مبكرة، وهو ما يجعل البعض يتوقف عن التعليم ويبدأ في خوض تجارب الحياة والتعلم منها بنفسه. وقليل ممن تضطرهم الظروف للعمل في سن صغيرة يحرصون على استمرار التعلم، بل الإصرار على نيل أعلى الشهادات وتقلد أرقى الوظائف.

هذا ما حدث مع الشاب محمد بن إبراهيم التويجري من مواليد الجبيل بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية عام 1946م، عندما اضطرته الظروف الاجتماعية والاحتياج المادي إلى البحث عن عمل بعد حصوله على شهادة الابتدائية.

عمل التويجري وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة بمستودع بالسكة الحديد لمدة شهرين، ثم انتقل بعدها إلى العمل بعدة أعمال بسيطة، حتى شغل وظيفة مراسل في أحد البنوك السعودية وهو في سن السادسة عشرة، حيث كان يتنقل بين إدارات البنك لتوصيل الأوراق بين الموظفين.

وكما يقول التويجري في مقابلة مع مراسلة "إسلام أون لاين.نت" بالقاهرة فقد بدأت قصة كفاحه الوظيفي في البنك، حيث حدد هدفه في استكمال تعليمه حتى ينتقل لوظيفة أفضل.

رحلة الدراسة

بدأ الشاب السعودي استكمال دراسته من خلال فصول التعليم الليلي حتى حصل على شهادة المتوسطة (دبلوم التجارة) بعد الابتدائية من مدارس الدمام التجارية المتوسطة عام 1964م، وانعكس ذلك على عمله، حيث تدرج بالسلك الوظيفي للبنك الذي يعمل به، حيث انتقل من وظيفة مراسل إلى كاتب بريد، ثم طابع على الآلة الكاتبة عربي، حتى استطاع شغل وظيفة رئيس قسم الخدمات وبعدها رئيس قسم الحسابات التجارية بنفس البنك عام 1965م.

خلال هذه الفترة نجح التويجري في تكوين مدخرات، ساعدته في الحصول على بكالوريوس علوم في إدارة الأعمال من جامعة دنفر بالولايات المتحدة الأمريكية تخصص إدارة أعمال عام 1976، ثم ماجستير إدارة الأعمال من نفس الجامعة تخصص مالية عام 1979م، والدكتوراة من جامعة ولاية أريزونا بالولايات المتحدة تخصص إدارة أعمال عام 1982م.

انتقل بعد ذلك الشاب السعودي للعمل بصفة أكاديمي متخصص في علم الإدارة، فعمل أستاذا مساعدا لإدارة الأعمال، ثم أستاذ إدارة الأعمال عام 1994 بأكاديمية الإدارة بالسعودية، حتى استطاع شغل مدير عام المنظمة العربية للتنمية الإدارية التي مقرها القاهرة، وهذه المنظمة هي إحدى المنظمات المتخصصة المنبثقة من جامعة الدول العربية.

مفتاح الصعود

وما بين الشاب محمد بن إبراهيم العامل كمراسل ببنك إلى د. محمد التويجري الأكاديمي البارز مراحل صعبة تحتاج إلى فهم كيف تعامل معها الشاب السعودي، فيقول التويجري لـ"إسلام أون لاين.نت": إن لكل مرحلة من هذه المراحل صعوبتها وخصائصها، ولكن الفهم المبكر للصعوبة يسهِّل التغلب عليها.

ووفقا للأكاديمي السعودي فالفهم المبكر يأتي من القيم الدينية الراسخة في الوجدان، ويوضح ذلك قائلا: "نحن جيل تربى في المساجد، تعلم أصول دينه ومن ثم تعلم المبادئ والأخلاق الحميدة، وقدوتنا في ذلك رسولنا الكريم والصحابة الأجلاء، ولم يكن المسجد يعلِّم الدين فقط، وإنما كان يبرز النماذج المشرفة في كل المجالات العلمية والأدبية؛ ما جعل قلوبنا تتعلق بهم ونحلم بأن نكون مثلهم".

ويرجع التويجري انتشار روح اليأس واللامبالاة بين الشباب العربي إلى "افتقادهم التربية السليمة، فقديما كانت العائلة والمسجد هم المسئولين عن النشأة، ومن ثم خرّجوا لنا العلماء والمبدعين في الوطن العربي الذين نحفظ أسماءهم عن ظهر قلب، ولكن اليوم انشغل الأب والأم بالسعي وراء المال وتركوا تربية الأبناء، وفقد المسجد دوره، فلم يجد الطفل غير التلفزيون ليتعلم منه النفعية والانتهازية وأقصر الطرق للكسب السريع".

كما أصبح الشاب وقدوته المطرب ولاعب الكرة... إلى آخر هذه النماذج التي يحرص التلفزيون العربي على تقديمها وكأنها هي المجتمع العربي، وليس به علماء يجب تسليط الضوء عليهم ليكونوا نماذج مشرفة للشاب العربي. وبالتالي في بيئة مثل هذه كانت النتيجة الطبيعية تحطم إرادة الشباب، والسعي وراء الكسب السريع بصرف النظر عن مصدره وطريقة الحصول عليه، على حد قول التويجري.

البطالة أم الأزمات

ومن الهم الخاص إلى الهم العام يطرح التويجري رؤاه للأزمات التي تعترض المنطقة العربية من خلال تجربته، فيعترف الأكاديمي السعودي أن أهم أزمة تواجه الشباب العربي هي ارتفاع نسب البطالة، حيث تتوقع تقارير منظمة العمل العربية أن يتجاوز عدد الباحثين عن عمل بالوطن العرب عام 2010 الـ32 مليونا مقابل 12 مليون شخص حاليا، وهو بالطبع رقم مفزع يتطلب تصدي كل الجهات الرسمية وغير الرسمية لهذه القضية.

ونتج عن البطالة بعض الأمراض الاجتماعية الخطيرة مثل المحسوبية وسوء الاختيار للوظيفة، فبدلا من اختيار الشاب الماهر ذي المهارات المناسبة للعمل يتم الاختيار حسب قرابة الشاب من صاحب القرار.

ويرى التويجري أن البطالة هي قضية حكومة وشعب معا؛ فالحكومة مطالبة بالحلول القومية والبعيدة المدى مثل إصلاح المناهج التعليمية بما تتطلبه احتياجات سوق العمل، بالإضافة إلى زيادة المشروعات الاستثمارية والإنتاجية كثيفة العمالة أو التي تحتاج إلى عمالة كثيرة، وحل مشاكل المشروعات الصغيرة بما لها من قدرة على امتصاص العمالة وزيادة التنمية... إلخ.

في الوقت نفسه يقول: إن على الشباب دورا مهما يتمثل في تغير التفكير والبحث عن فرص العمل، بالإضافة إلى السعي الدءوب نحو اكتساب المهارات الخاصة التي تتطلبها سوق العمل، وقد يعتقد البعض خطأ أن اكتساب المهارات يقصد بها الفنية فقط، وهذا مفهوم خاطئ؛ فالمهارات التي تتطلبها سوق العمل متباينة ومتنوعة وفق طبيعة العمل، فقد تكون كتابية، فنية، تكنولوجية، وغيرها.

إجادة الإدارة هي الحل

ويربط التويجري رؤيته لحل قضية البطالة بين الشباب العربي باحتياج الدول العربية إلى إجادة إدارة سياساتها، فيقول: إن العالم العربي يفتقد الإدارة الاستشرافية في تنمية كوادره، فمثلا في التعليم يجب على كل دولة عربية أن تخطط للمستقبل من خلال البيانات المتوفرة لديها، وهو ما يعرف بالإدارة الاستشرافية في التعليم، حتى تتمكن من رسم سياستها التعليمية بعد 20 عاما، فمثلا كم سيكون عدد الطلبة لديها؟ وما هي نوعية الوظائف الموجودة؟؛ وبالتالي تبدأ في توفير الأماكن المناسبة لهم والدراسة التي تحتاجها سوق العمل وقتها.

والغرب دائما يفكر في الغد ويخطط له في الوقت الذي نعيش فيه على أمجاد آبائنا وأجدادنا -وفقا للأكاديمي السعودي-. كما تزداد أيضا الهوة التعليمية بين العرب والغرب يوما بعد يوم ولن نستطيع اللحاق بهم إلا إذا بدأت الحكومات في تهيئة المناخ التعليمي الذي يعتمد على تعلم المعلومة وليس حفظها.

ويدلل التويجري على رأيه بالقول: إنه في عام 1980 بدأ الغرب يعد مناهجه التعليمية على أساس أن الكمبيوتر بعد 20 عاما سيكون أهم وسيلة للتعلم وللحياة، بينما ظل العالم العربي على مناهجه القديمة، فكانت النتيجة أن أصبح الكمبيوتر اليوم في الغرب أهم وسيلة للعلم والتخاطب والتكنولوجيا، في الوقت الذي ما نزال نحن نستهلك الكمبيوتر والإنترنت في الترفيه وشغل الفراغ.

وفي مثل هذه الظروف يوصي المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الإدارية شبابنا بالسعي والعمل الدءوب حتى يحقق السعادة المتمثلة في الرضا الذي يولد راحة الضمير، ولعل لنا عبرة من حديث رسولنا الشريف الذي يقول فيه: "لو قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، ونصيحتي للجميع الحكمة المأثورة "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".