لا يمكن أن يتصور أن تكونهناك نجاحات مؤسسية من غير موظفين يقفون وراء تلك النجاحات، ولذا يقول السيد عبدالأمير بو حمد مدير المكتب الإداري في كلية التربية بدولة الكويت: (إن أهمية دور الموظف تكمن في أنه حجر الزاوية في تطبيق الفكر القيادي ليكون واقعاً) [جريدة الرؤية عدد الأربعاء, 19 مارس 2008].


ثلاث قوى من أجل ثقافة قيمية [(الثقافة التنظيمية وعلاقتها بالالتزام التنظيمي)، محمد بن غالب العوفي، ص(22-24)]:


هناك ثلاث قوى تلعب دوراً أساسيّاً في المحافظة على قيم المؤسسة وثقافتها السائدة:


1- الإدارة العليا:


تعتبر ردود فعل الإدارة العليا عاملاً مؤثراً على ثقافة المنظمة من خلال القرارات التي تتخذها.


2- الاختيار والتعيينات:


تلعب عملية جذب العاملين وتعيينهم دوراً كبيراً في المحافظة على ثقافة المنظمة، وتهدف عملية الاختيار لتحديد واستخدام الأفراد الذين لديهم المعرفة والخبرات والقدرات لتأدية مهام العمل في المنظمة بنجاح.


وفي عملية الاختيار يجب أن يكون هناك مواءمة بين المهارات والقدرات والمعرفة المتوفرة لدى الفرد مع ثقافة المنظمة وأفرادها، بمعنى آخر لا يكون هناك تناقض بين الأفراد في المنظمة من أجل المحافظة على ثقافتها؛ لأنه قد يتأثر الأداء والفعالية في المنظمة بسبب تأثير الأفراد الجدد والذين يحملون ثقافة لا تتناسب مع ثقافة أفراد المنظمة الحاليين.


3- التنشئة أو المخالطة الاجتماعية:


فالعناصر المنضمة حديثاً للمنظمة لا تعرف ثقافة المنظمة، وبالتالي يقع على عاتق الإدارة أن تعرف الموظفين الجدد على الأفراد العاملين في المنظمة وعلى الثقافة السائدة بها، ويعتبر هذا أمراً ضرورياً حتى لا يتغير أداء المنظمة.


وعلى الرغم مما تفعله المنظمة أثناء عملية الاختيار والتعيين إلا أن العامل الأساسي والأكثر أهمية هو أن تعمل المنظمة على مساعدة العاملين الجدد على التكيف مع ثقافتها؛ بسبب أن العاملين الجدد غير معتادين على الثقافة التنظيمية، وقد يهدمون المعتقدات والعادات السائدة في المنظمة.


ويمكن تصوير عملية التنشئة الاجتماعية على أنها عملية تتكون من ثلاث مراحل، وهي كما يلي:


أ*. ما قبل الدخول: وتشمل عملية التعلم التي تتم قبل انضمام الفرد للمنظمة.


ب*. المواجهة: وفيهااحتمالات التعارض بين توقعات الموظف الجديد وبين الواقع.


ت*. التحول: تحدث تغييرات تستمر لفترة طويلة نسبياً حيث يتمكن العامل الجديد من المهارات المطلوبة لإنجاز العمل، ويؤدي أدواره الجديدة بنجاح، ويجري التعديلات اللازمة بما يتلاءم مع قيم ومعايير جماعة العمل.


سمات الموظف المثالي في البيئة المثالية:


وفي الحقيقة هناك مجموعة من السمات الأساسية يجب أن تكون متمكنة فيك أيها الموظف؛ حتى تساهم في صنع بيئة مثالية للعمل، وهذه السمات هي:


السمة الأولى: الأمانة:

إن سمة الأمانة من أهم السمات التي لا غنى لأي موظف عنها؛ كي يستمر في عمله وينجح فيه، فكل عامل يجب أن يكون أميناً على عمل ومال من يستخدمه، ولذا؛ قال رسول الله r: (...والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته) [رواه البخاري]، وفي هذا ربط عميق بين أداء الأمانة وأخلاق المهنة وقال الشاعر:
إذا أنت حملت الخؤون أمـانة *** فإنك قد أسـندتها شر مسند


أفضل السياسات:


(أظهر بحث أجري في المملكة المتحدة، أن 20% من الأشخاص المتقدمين للوظائف الجديدة لم يملئوا طلبات الالتحاق بأمانة، ولا يتوقف هذا على الأكاذيب التافهة، ولكنهم يدعون حصولهم على شهادات جامعية، بل إنني سمعت بعض الأشخاص يطلبون من شركاتهم سيارات ثم يكتشفون بعد ذلك عدم قدرتهم على القيادة.


ولذا؛ فإن جماع الأمر لو حققت الرخاء عن طريق الكذب، فستحقق فائدة وقتية، ولكنك ستفقدها بعد ذلك إلى الأبد ... فالأمانة هي أفضل سياسة على الإطلاق، ويجب أن يدرك المحيطون بك أنك أمين وتحترم كلماتك، فالأمانة ترتبط بالثقة والتي تعتبر عاملاً مهماً للتقدم في أي مؤسسة) [من هناك ابدأ الاستقرار الوظيفي، باتريك فورسيث، ص(50-51)].


(ولذا؛ جاء الإسلام ليحصن الوظيفة من الفساد بإرساء قاعدتي القوة والأمانة؛ حيث ورد في القرآن الكريم: (قَالَتْ إِحدَاهُمَا يَأبَتِ اْسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اْسْتَئْجَرْتَ اْلقَوِىُّ اْلْأَمِينُ)[القصص: ٢٦]، فمن الخطأ أن نقصر إسناد الوظائف إلى من تتوفر فيه القوة، وهي الإحاطة الشاملة بمهارات ومتطلبات أداء الوظيفة العامة، دون اتصافه بصفات الأمانة والخشية والخوف من الله وأداء الشعائر التعبدية؛ بحيث تطمئن لأمانة الموظف العام لأداء مصالح الرعية المرتبطة بالوظيفة التي يشغلها) [العلاقة والتأثير بين قيم الفرد والمنظمات في بناء أخلاقيات المهنة من منظور الفكر المعاصر والإسلامي، د.إبراهيم فهد الغفيلي، ص(13)].


الأمانة الوظيفية:


أ*- الأمانة المالية:


وكما أن الإنسان لا يحب أن يتعدى أحد على أمواله الخاصة، فإنه كذلك يجب أن لا يتعدى على مال غيره، وها نحن نهمس في أذن ذلك الموظف، الذي قد يرتضي ليديه أن تمتد على أموال شركته، خاصة كانت أو ملكاً للدولة: هل يا ترى صاحب الشركة أو المؤسسة أتاه ماله بالراحة، أم أنه في الغالب تعب حتى حصل على هذا المال؟


وهل الدولة حصلت على هذه الأموال إلا بجهدٍ من المواطنين أجمعهم، فكيف يستأثر هو بجهد غيره؟! فالأموال التي يؤتمن عليها الموظف في العمل، سواء كان مديراً له حق التصرف في الميزانية، أو أمين صندوق، أو موظف حسابات، أو غيرهم، فإنها وديعة بيده يجب أن يحافظ عليها، ولا يتصرف فيها إلا فيما فيه مصلحة العمل.


وغنيٌّ عن القول أن الأموال ليست بالضرورة أن تكون سائلة، بل كل مال لو كان عينيّاً كالسيارات والأجهزة والأدوات والمعدات وغيرها، وغنيٌّ عن القول أيضاً أن الأموال قليلها وكثيرها حرام بغير حق، من القلم الرصاص والورق حتى السيارات وآلاف الريالات، وهذا واضح من العموم في قوله r: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) [رواه البيهقي وصححه الألباني]، ولم يفرِّق بين القليل والكثير.


النزاهة في المرتبة الأولى:


ونظراً لأن النزاهة ونظافة اليد عملةٌ ثمينة للموظفين المختصين بالأموال، (فقد اتفقت كلمة 1400 مدير مالية في كبرى الشركات الأمريكية على أن النزاهة والاستقامة تحتل المرتبة الأولى لمن يرغبون في توظيفهم في قسم المالية، حيث احتلت الاستقامة والإخلاص نسبة 58 %، بينما حصلت ما بعدها في الأهمية وهي مهارات الاتصال الشفهي على 14 % ) [المالية والمحاسبة، روبرت هاف، نقلًا عن موقع www.calcpa.org].


ب*. الأمانة العلمية:


ونقصد بها دقة المعلومة، فلا بد لمن يعلم أن يبلِّغ العلم بشكل صحيح غير محرَّف، وعلى الموظف ألا يقوم بنشر أي معلومة تأتي إليه حتى يتأكد من صحة مصدرها؛ منعاً لانتشار الشائعات المضللة التي قد تفتك بجو العمل، وعليه أيضاً رد الأمور المشكلة وغير الواضحة إلى المديرين والقادة الأكثر علماً ودراية وخبرة.


السمة الثانية: المبادرة:


لاشك أن المبادرة والإيجابية من أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها الموظف في عمله، فيمكن أن تكون المبادرة سبباً في وصول الشركة إلى القمة، ومما يساعد على ذلك كون طبيعة الإنسان هي المبادرة والفاعلية وليس السلبية والإتكالية، فكما يقول ستيفن كوفي: (إن طبيعتنا الأساسية هي أن نكون فاعلين، وليس أن نكون عرضة لأفعال الآخرين، إن الأخذ بزمام المبادرة لا يعني أن تكون مندفعاً، بغيضاً، أو عدوانياً، إنه يعني إدراك مسؤوليتنا في صنع الأحداث) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي، ص(105)].


الدوائر الثلاث:


ولذلك فإنك ستجد أن ما يواجهك في حياتك من مشاكل، يمكن تصنيفها إلى ثلاثة دوائر كمدخل للتعامل معها بإيجابية واقتدار:


الدائرة الأولى: مشاكل تقع تحت سيطرتك المباشرة:


وهي الخاصة بتصرفاتك الشخصية، كعيب فيك تبغي إصلاحه مثلاً أو ردود أفعالك تجاه المواقف المختلفة أو طريقتك في الاستجابة للضغوط والتعامل معها.


الدائرة الثانية: مشاكل يمكنك أن تؤثر فيها بطريقة غير مباشرة:


وهي التي تتعلق بتصرفات الآخرين كسلوك سيئ في أحد زملائك في العمل أو من أحد أصدقائك تبغي تغييره.


الدائرة الثالثة: مشاكل لا يمكنك السيطرة عليها أو التأثير فيها:


سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، مثل تلك المتعلقة بالماضي أو بحقائق الأمور خارجة عن نطاق إرادتك، كحدوث أزمة اقتصادية، كالتي يعاني منها العالم أجمع.


في أي الدوائر سوف ينصب تركيزك؟


ولكي ترتقي ذروة سنام المبادرة والإيجابية، فعليك أن تواجه مشاكل النوع الأول، وذلك بتغيير تصرفاتك إلى الأفضل قبل أن تطلب من غيرك أن يفعل ذلك.


ثم تواجه مشاكل النوع الثاني وذلك بتغيير طريقة تعاملك مع الآخرين ومحاولة اكتساب المهارات التي تؤهلك للتأثير فيهم وتغييرهم للأفضل.


وأما المشاكل التي من النوع الثالث فعليك أن تتقبلها كما هي وأن تتعلم كيف تتعايش معها بنفس راضية حتى لا تؤثر في معنوياتك أو قدرتك على مجابهة غيرها من المشكلات التي تستطيع أن تفعل بإزائها شيئاً.


ستيفن كوفي يضرب مثالاً [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي، ص(120-123)]:
كنت لسنوات عديدة أعمل مع إحدى المؤسسات التي كان يترأسها رجل يتسم بالحيوية الديناميكية، كان هذا الرجل قادراً على استشراف التوجهات، وكان خلاقاً وموهوباً متمكناً ولماحاً، وكان الجميع يعرف عنه ذلك غير أن أسلوبه في الإدارة اتسم بالتسلط (الديكتاتورية)، حيث كان يميل إلى معاملة الآخرين كأنهم (سعاة بريد).


كانت المحصلة النهائية لهذه التصرفات أن جميع أفراد فريق المدراء المحيطين به تقريباً كانوا يتبادلون الشكوى منه، وكانوا يقولون أنهم حاولوا إنقاذ الموقف ولكن، مُحِلين أنفسهم من أيَّة مسؤولية تحت ستار نقاط الضعف في رئيسهم.


غير أن أحد المدراء كان من النوع الإيجابي كان ما يدفعه هو القيم وليس المشاعر، لقد أخذ زمام المبادرة، لقد توقع وتمثل الوضع وفهمه، لم يكن غافلاً عن نقاط ضعف الرئيس، ولكنه بدلاً من أن ينتقدها رأى أن يعوضها، لقد كان يؤكد على نقاط القوة في الرئيس على رؤيته وموهبته وإبداعاته.


لقد ركز هذا الرجل على دائرة تأثيره ـ أي الدائرة الأولى ـ لقد كانت تتم معاملته كساعٍ أيضاً، غير أنه كان يحاول أن يفعل أكثر مما هو متوقع، كان يتنبأ باحتياجات الرئيس، وكان يتفهم أعماق اهتماماته غير الظاهرة.


وفي الاجتماع التالي لذلك الرئيس مع المدراء كان يعطي توجيهاته للجميع كعادته إلا هذا المدير الإيجابي لقد كان يسأله: ما رأيك؟ لقد اتسعت دائرة تأثيره ... وشيئاً فشيئاً بدأت دائرة تأثيره تتسع، واستمرت في تمددها إلى حد أن أحداً في المؤسسة لم يكن ليصدر عنه أية تحركات مهمة دون أن يكون هذا الشخص الإيجابي ضالعاً فيها وموافقاً عليها، بما في ذلك الرئيس.


لقد كان النجاح الذي أحرزه هذا الرجل غير معتمد على ظروفه وفي حين يجد عديدون آخرون أنفسهم في نفس موقفه فإن استجابته الاختيارية لهذه الظروف وتركيزه على دائرة تأثيره هي التي أوجدت هذا الفرق.