في غضون السنوات القليلة الماضية جذب موضوع إدارة المعلومات اهتمام العديد من قطاعات الشركات. وعلى الرغم من عدم الاتفاق على تعريف محدد لإدارة المعلومات فإن الشركات والحكومات والمؤسسات والمنظمات تعرب على نحو متزايد عن اهتمامها بالموضوع. ومعظم التفسيرات الحالية لإدارة المعلومات تتصل بالعالم الصناعي للأعمال التجارية في الحقبة الماضية. وبالنظر إلى جذورها الضاربة في عالم الأعمال التقليدي القديم، فإن العديد من تفسيرات إدارة المعلومات ربما تكون لها تأثيرات خطيرة وضارة على إستراتيجية المعلومات للمشروعات والحكومات والمؤسسات.

وتوضح هذه الدراسة الافتراضات الجوهرية الخاصة باستراتيجية المعلومات ومدى الحاجة إلى تحديثها بالنظر إلى تغير افتراضات استراتيجية الأعمال التجارية والبيئة التجارية المنافسة. وبناءً على هذه المناقشة يتم اقتراح منظور لإدارة المعلومات متبوعاً باقتراحات للمديرين من أجل نشر هذا المفهوم في عالم الأعمال الجديد. ويتم التركيز على مشروعات التجارة الإلكترونية والقضايا وثيقة الصلة.
لاحظ مديرو استراتيجية المعلومات بعض التحولات المهمة التي تحدث في هذا المجال في الربع الأخير من القرن العشرين. ومن هذه التحولات تكنولوجيا المعلومات كعامل يقدم ميزة تنافسية وتأثير السعة الموجية لتكنولوجيا المعلومات باعتبارها أدوات يمكن الانتفاع بها كالطاقة الكهربية أو الاتصالات التليفونية والظواهر الإلكترونية المتعددة التي ظهرت مع ظهور الإنترنت والتجارة الإلكترونية كعوامل جوهرية في الأعمال التجارية واستراتيجية تكنولوجيا المعلومات.
وبينما يقترح بعض الباحثين أن نفس الاستثمارات في أنظمة المعلومات يمكن أن تؤدي إلى مكاسب مختلفة من حيث الميزة التنافسية، يقترح آخرون مثل اقتصاديي تكنولوجيا المعلومات بول ستراسمان أنه لا توجد علاقة من أي نوع بين استثمارات الكمبيوتر وأداء الشركة. وقد لاحظ جون سيلي، مدير مؤسسة (زيروكس بارك) أنه على الرغم من استثمار ما يزيد عن تريليون دولار في التكنولوجيا على مدى العقدين الماضيين فإن الصناعة قد حققت القليل من التحسن في فعالية وكفاءة العاملين في حقل المعلومات لديها. إن التداخل الحادث بين حقل المعلومات وحقل المعرفة قد جعل المديرين يبددون بلايين الدولارات في استثمارات تكنولوجيا المعلومات والتي أدت غالباً إلى نتائج هامشية.
والانفصام الحادث بين نفقات (أو استثمارات) تكنولوجيا المعلومات وأداء الشركات يمكن أن يعزى إلى التحول الاقتصادي من حقبة الميزة التنافسية القائمة على المعلومات إلى تلك القائمة على توليد أو خلق المعرفة. وقد تميزت الحقبة الأولى بتغير بطيء ومتوقع نسبياً يمكن أن تتم السيطرة عليه من خلال معظم أنظمة المعلومات الرسمية. وخلال هذه الفترة كانت أنظمة المعلومات المعتمدة على وصفات جاهزة للنجاح قادرة على العمل بفعالية في سياق العمل التجاري. ومن خلال مناقشة حالة المؤسسات التجارية التي كانت بطيئة في تكييف استراتيجيتها تبعاً للبيئة التجارية المتغيرة، توصل بيتر دروكر إلى أن هذه المؤسسات قد أعيقت بسبب وصفاتها الجاهزة للنجاح. ومن النماذج المثالية الأولية لهذه المؤسسات شركة IBM وشركة GM (جنرال موتورز) التي حققت أرقاماً قياسية في الخسارة السنوية.
وهناك وسيلة أخرى لفهم الانفصام السائد بين استثمارات تكنولوجيا المعلومات وأداء المؤسسات، وذلك من خلال التعرف على الفرق بين المعلومات والمعرفة.
ويتحقق ذلك ليس من خلال تقديم المزيد من التعريف للمصطلحين ولكن من خلال وضع منظور عملي قابل للتنفيذ. ومعنى ذلك هو تفسير المعرفة من خلال القدرة على الفعل وتمييزها عن المعلومات من حيث ارتباطها بالأداء الفوري. وهذا التفسير يتوافق مع ما توصل إليه فيلسوف نظم المعلومات البروفسير تشارلز وست تشرشمان منذ ثلاثة عقود مضت في كتابه الرائد (تصميم أنظمة الاستعلام) حيث يقول (إن المعرفة تكمن في المستخدم وليس في جمع المعلومات.. وما يهم في الموضوع هو كيفية تفاعل المستخدم مع المعلومات التي يتم جمعها).
وفي وقت لاحق قام نوناكا وتاكوتشي مؤلفا كتاب (الشركة الخالقة للمعرفة) بإعادة التأكيد على البشر هم وحدهم القادرون على القيام بدور محوري في خلق المعرفة. وأفادا بأن أجهزة الكمبيوتر ليست أكثر من مجرد آلات مهما كانت قدرتها الهائلة على معالجة المعلومات. وبينما تكون المعلومات المولدة بواسطة أجهزة الكمبيوتر ليست حاملاً ثرياً للتفسير الإنساني من أجل الفعل المحتمل، فإن المعرفة الكامنة في السياق الذاتي للمستخدم للقيام بالفعل تعتمد على تلك المعلومات.
من التحسين المستمر إلى إعادة التصميم الجذري
عبر التحول الذي أشرنا إليه في السطور السابقة، ساهم مديرو استراتيجية المعلومات في تحول مهم آخر على مدى السنوات القليلة الماضية وهذا التحول يتمثل في الانتقال من إدارة الجودة الشاملة إلى إعادة هندسة عملية النشاط التجاري (BPR). وعلى النقيض من التركيز التقليدي على التحسينات الهامشية المستمرة في العمليات الحالية، فإن أنصار منهج إعادة هندسة عملية النشاط التجاري يؤكدون على إعادة التصميم الجذري المكثف لتكنولوجيا المعلومات في العمليات التجارية.
وقد اقترحوا منهجاً جديداً تماماً لإعادة بناء هندسة واستراتيجية المعلومات من خلال إعادة التفكير في النشاط التجاري للشركة من حيث العمليات التجارية وليس من خلال وظائف وتسلسل هرمي منفصلة عن بعضها البعض. وقد أدى التركيز المبالغ فيه على تكنولوجيا المعلومات على حساب المشاركة البشرية والالتزام الإنساني إلى العديد من حالات الفشل في تطبيق هذا المنهج وصل إلى نسبة 70%.
ومع ذلك، كانت هناك بعض المشاكل المتصلة بالمنهج المقترح لم تكن لها علاقة بالتحول إلى منظور الشبكات الذي يعمل عبر الإنترنت والشبكة العنكبوتية العالمية. فأنظمة ERP التي تم تطويرها بواسطة بائعي نظم التطوير مثل SAP كان من المتوقع أن تقدم مشاركة للبيانات عبر الوظائف التجارية المختلفة. وهذه الأنظمة كانت تعتمد على تنفيذ استراتيجية معلومات نموذجية من أعلى إلى أسفل وتركز بشكل أساسي على التنسيق بين الوظائف الداخلية للشركات. وبينما تعد بتقديم مستوى غير مسبوق من تبادل المعلومات عبر الوظائف الداخلية، فإنها تعوق مرونة معالجة المعلومات في كل من هذه الوظائف. ولا يثير الدهشة أن هذه النماذج لم تنجح في السماح بتدفق المعلومات بين المؤسسات على نحو متعدد الاتجاهات مع الموردين والعملاء المطلوبين لتدعيم الوظائف التجارية الإلكترونية مثل إدارة سلسلة التوريد وإدارة علاقة المستهلك.
إن تطوير نظام معالجة المعلومات على مدى العقود الأربعة الماضية لبناء المعرفة وإدارة التغيير في الوظائف والعمليات التجارية قد شهد تقدماً ملحوظاً عبر ثلاثة محاور:
1 الأوتوماتيكية: الفعالية المتزايدة للعمليات.
2 منطَقة الإجراءات (أي جعلها منطقية): العمل على سلاسة الخطوات التنفيذية والتخلص من مناطق الاختناق من خلال الأوتوماتيكية لفعالية العمليات.
3 إعادة الهندسة: إعادة التصميم الجذري للعمليات التجارية التي تعتمد على إعادة التصميم الجذري المكثف لتكنولوجيا المعلومات عبر العمليات التجارية.
إن انتشار تكنولوجيات المعلومات في النطاقات الثلاثة قام على رؤية تنبئية نسبياً للمنتجات والخدمات وكذلك البنية المؤسسية والصناعية. وعلى الرغم من أن زيادة المخاطر والعائد المناظر المتصل بالأنواع الثلاثة من تكنولوجيا المعلومات الذي أدى إلى التغيير المؤسسي، فقد كان هناك تأكيد ضئيل على ابتكار النموذج التجاري وإعادة التفكير في العملية التجارية.
ومع ازدياد تقلب الطلب على منتجات الشركة مع تنامي دور العملاء والموردين والوسطاء في نماذج التسعير الديناميكية كما في موقع إي باي للمزادات الإلكترونية وميسيمون دوت كوم وبرايسلاين دوت كوم، فإن معلومات السوق الخارجية تلعب دوراً أكبر في تحديد اللوجستيات الداخلية لخطوط المنتجات والخدمات.
والتحول الحالي من (اقتصاد الذرات) إلى (اقتصاد البت) مشوباً بالمنافسة التي تشكلها المتاجر (المنشأة بالطوب والأسمنت) قد أدت إلى إعادة تقييم العوامل الاقتصادية التقليدية للإنتاج. والتركيز المتكرر على أصول المعلومات أو، على نحو أصح، على أصول المعرفة والأصول المعنوية أو غير الملموسة قد أدى إلى اشتعال وتوهج المنافسة حيث حققت الشركات الافتراضية غالباً تفوقاً ملحوظاً على الشركات التقليدية.
وقد أدركت معظم المشروعات التجارية القائمة عبر الإنترنت أنه على الرغم من أن التكنولوجيا مهمة فإن ابتكار نموذج تجاري مبدع هو البوابة السحرية للدخول إلى عالم السوق الكوني والحصول على نصيب من الكعكة. ومن الأمثلة البارزة لتلك المشروعات ذات النماذج الجديدة المبدعة موقع أمازون دوت كوم وإي تويز وهي شركات وليدة نسبياً في عالم التجارة شكلت تهديداً خطيراً لنماذج الأعمال التقليدية مثل بارنز آند نوبل وتويز آر أس والتي قامت بعد ذلك بالدخول إلى عالم المنافسة الإلكترونية فاستعادت مكانتها.
ومع ذلك فإن الشركات التجارية التقليدية لم تكن تخلو من استخدام تكنولوجيا المعلومات، ولكن الشركات الإلكترونية الجديدة أعادت تعريف معادلات القيمة المتصلة بسلاسل القيمة الداخلية وسلاسل التوريد. وهذه الإبداعات التجارية النموذجية تمثل (تحولات منهجية) تعبر عن تحولات ليس على مستوى العمليات التجارية ونمط العمل، وإنما تعبر عن إعادة تفكير جذري في النموذج التجاري ككل وكذلك تدفق المعلومات بين المؤسسات والصناعات. وكما أشار الخبير الاستراتيجي التجاري جاري هامل في اجتماع عالمي لأكاديمية الإدارة، فإن التحولات المنهجية التي تميز الانتقال من العالم التجاري القديم إلى العالم الإلكتروني يمكن رؤيتها عبر 70% من المشروعات المنشأة.
من إعادة التصميم إلى ابتكار نموذج جديد
قام بريان آرثر، المناصر للعمل على (زيادة العائد) مع عهد سانتا في، بوصف عالم المعلومات الجديد الذي يمكن المشروعات التجارية من إعادة صياغة كل شيء. وفي هذا العالم الجديد للأعمال التجارية، قد يعتمد نجاح أو فشل معظم المشروعات على قدرتها على تحليل وتكييف نماذجها التجارية وعملياتها طبقاً للتغيرات الديناميكية والجذرية في البيئة التجارية. والعالم القديم الذي يحتوي على وصفات سابقة التجهيز وسابقة التحضير للنجاح قد يبقى جنباً إلى جنب مع عالم صياغة كل شيء في معظم المشروعات التجارية. ومع ذلك، فإن بقاء الشركات وقدرتها على المنافسة سوف تعتمد بشكل أساسي على قدرتها على إعادة تحديد وتكييف أهدافها وأغراضها وطريقتها في فعل الأشياء. وقد قام ستيف كير بوصف حالة إستراتيجية الأعمال التجارية للعالم الجديد في (جريدة التخطيط) بقوله (إن المستقبل يتحرك بسرعة كبيرة لا يمكنك التنبؤ بها.. ويجب علينا التركيز بدرجة كبيرة على الاستجابة السريعة بدلاً من التركيز على التخطيط. وسوف نفاجأ دائماً بمفاجآت، ولكننا لا يجب أن نندهش من هذه المفاجآت. بل يجب علينا أن نتوقع المفاجأة).
إن عالم التجارة الجديد يضع القليل من التركيز على لعب الأدوار المحددة سلفاً ويركز أكثر على فهم وتكييف القواعد الخاصة باللعبة وفي نفس الوقت الحفاظ على تغير اللعبة بشكل مستمر. ومن أمثلة ذلك القواعد التجارية المتغيرة والتقاليد والافتراضات والتي أصبحت سائدة مع ظهور المشروعات التجارية الإلكترونية على الإنترنت والتي يحمل كل يوم جديد فيها. ويشهد عالم الأعمال الآن ليس فقط إيقاعاً غير مسبوق من التغيير ولكنه يشهد أيضاً تحولاً سريعاً في هذا التغيير مما يجعل ممارسات الأمس الجيدة مرفوضة تماماً في الغد. وفي العالم التجاري الجديد للتجارة الإلكترونية، يخرج كل شيء عن المألوف بما في ذلك المفاهيم التقليدية للصناعات والمؤسسات والمنتجات والخدمات وقنوات التسويق والمبيعات والتوزيع. ويفرض العالم الجديد حاجة أكبر للتساؤل عن المنطق المبرمج ومستوى عال من التكيف مع التغيرات الديناميكية في بنية الأعمال والمعلومات والقدرة على تطوير وتنمية الأنظمة التي يمكن أن تتكيف مع البيئة التجارية المتغيرة بشكل ديناميكي. والمؤسسات التي تعمل في البيئة التجارية الجديدة تحتاج لذلك إلى خلق وتطبيق المعرفة الجديدة وكذلك إلى تجديد المعرفة الحالية الموجودة في قواعد بيانات الشركة.