لتحقيق الصحة و السلامة في بيئة العمل في مواجهة المخاطر المهنية و غير المهنية التى يتعرض لها العاملون ، كان من الضروري وضع برامج محددة للوصول إلى هذا الهدف .

و لقد نشأ نشاط الصحة و السلامة المهنية مواكبا لتطور الصناعة في الدول المتقدمة صناعيا . و قد ظهر أول قانون لحماية العاملين في إنجلترا سنة 1802 . وفى سنة 1830 أنشئت أول هيئة للتفتيش على المصانع ، ثم ظهرت تشريعات الصحة و السلامة المهنية سنة 1840 في سويسرا و الدانمارك ، و في سنة 1877 في الولايات المتحدة . و تلا ذلك سن قوانين مشابهة في كثير من الدول الأخرى.

أما في مصر فقد صدر – لأول مرة – القانون رقم 64 لسنة 1936 للتأمين ضد إصابات العمل، و كان على العامل أن يثبت خطأ صاحب العمل حتى يكون له حق التعويض عن الإصابة ، الأمر الذي كان من الصعوبة بمكان . وفى سنة 1942 صدر القانون رقم 86 بشأن التأمين الإجباري ضد إصابات العمل لضمان حقوق العاملين ، و تولت شركات التأمين هذه المهمة حتى سنة 1955 حيث أنشئت مؤسسة التأمين و الادخار ، التى تحولت بعد ذلك إلى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية.

و تطور تأمين إصابات العمل من خلال تعديلات عديدة ، فأضيفت أمراض المهنة إلى إصابات العمل سنة 1955 بالقانون رقم 117 ، و انتهت التعديلات المختلفة إلى القانون الحالي رقم 79 لسنة 1975 و تعديلاته .

وفى سنة 1959 صدر قانون العمل رقم 91 ، الذي اختص الباب الخامس منه برعاية صحة العاملين وتنظيم إجراءات الصحة و السلامة المهنية . و قد تم تعديله فيما بعد بالقانون رقم 137 لسنة 1981، و الذي حل محله فيما بعد قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، و الذي بدأ العمل به في 7 يوليو سنة 2003 .

و في إطار اهتمام المنظمات الدولية بصحة العاملين و سلامتهم ، و لتحقيق أهداف الصحة و السلامة المهنية فقد أصدرت منظمة العمل الدولية التوصية رقم 112 لسنة 1959، و التى تهدف – ليس فقط إلى وقاية العاملين من مخاطر المهنة - و لكن للارتقاء بالمستوى الصحي لهم ، الأمر الذي ينعكس على الكفاءة الإنتاجية.

و يشمل برنامج الصحة و السلامة المهنية على الأنشطة الآتية :

1 . الفحص الطبي الابتدائي : و يجرى عند دخول الخدمة ، و يهدف إلى تقييم الحالة الصحية للمتقدم و تسجيلها عند بدء العمل ، و تقييم قدراته البدنية و النفسية حتى يمكن وضع العامل المناسب في العمل المناسب . كما يساعد الفحص على اكتشاف الأمراض التى لم تكن معروفة للمتقدم ، حتى يمكن تقديم العلاج اللازم .

و كذلك يساعد الفحص على تجنب توظيف المتقدم في وظيفة قد يكون فيها مصدرا للخطورة لزملائه ( إذا كان مريضا بمرض معد ، على سبيل المثال ) أو لنفسه ( كأن يكون مريضا بأمراض القلب أو الصرع ….).

2. إجراء مسح و تقييم لبيئة العمل للتعرف على المخاطر الموجودة أو المحتمل وجودها . و تلك مسئولية طبيب الصحة المهنية و أخصائي صحة بيئة العمل Industrial hygiene specialist وأخصائي السلامة المهنية ، و الذين يقدمون التوصيات بشأن الحاجة إلى وسائل هندسية أو غير ذلك للتحكم في المخاطر ووقاية العاملين ، و كذلك وضع برنامج للسلامة و الصحة المهنية و الأمن الصناعي .

و في الواقع ، فإن الجهود التى تبذل للتحكم في بيئة العمل يجب أن تبدأ منذ اللحظة الأولى للتخطيط لإنشاء مكان العمل ، فإن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتحكم في بيئة العمل يكون أسهل و أقل تكلفة في هذه المرحلة مما لو تأخر إلى مرحلة تالية .

3. الفحص الطبي الدوري : و الهدف من الفحص الطبي الدوري هو الاكتشاف المبكر للأمراض المهنية في مرحلة يمكن شفاؤها أو التقليل من أضرارها .

و يختلف نوع الفحص و دوريته حسب نوع التعرض و درجة خطورته . و تتراوح دورية الفحص من بضعة أسابيع – أو أقل – إلى سنة أو سنتين .

و يشمل الكشف الطبي الدوري فحصا إكلينيكيا مع بعض الفحوص و التحاليل الطبية التى تعتمد على طبيعة التعرض . و يركز الفحص على الأعضاء و الأجهزة من الجسم التى تتأثر بالتعرض الذي يواجهه العامل ( مثل فحص الصدر بالأشعة للمعرضين للأتربة ، قياس حدة السمع للمعرضين للضوضاء ، قياس مستوى تركيز الرصاص في الدم للمعرضين لأبخرة الرصاص …. )
.

و لما كانت الفحوص الطبية الدورية تشمل أعدادا غفيرة من العاملين فإنه – عادة – يكتفي بفحوص الفرز Screening tests لاكتشاف المصابين أو من يشك في إصابتهم بالمرض ، على أن تفحص الحالات المكتشفة بعد ذلك فحصا شاملا .
و فحوص الفرز فحوص بسيطة ، سريعة ، غير مكلفة ، لا تستغرق من الوقت قدر ما تستغرقه الفحوص الطبية الشاملة ، و هي على قدر كاف من الدقة و الحساسية للغرض الذي تستعمل من أجله .

و اكتشاف إصابة بعض العاملين بأمراض مهنية يعنى أن وسائل الوقاية غير كافية .

4.فحوص طبية أخرى تجرى في مناسبات مختلفة ، مثل :

• الفحص الطبي للعائدين بعد إجازة مرضية طويلة للتأكد من تمام الشفاء ، و لكي يعاد تقييم حالة العامل للتأكد من أنها لا تزال مناسبة للقيام بنفس العمل الذي كان يؤديه قبل مرضه ، و إلا – إذا كان يعانى من عجز جزئي عن العمل - أصبح لزاما تأهيله لعمل مناسب .

• الفحص الطبي عند الترقية أو الانتقال إلى عمل آخر للتأكد من أن قدرات العامل تتناسب مع متطلبات عمله الجديد.

• الفحص الطبي عند بلوغ سن المعاش .

• الفحص الطبي الدوري لأفراد الإدارة العليا ، حيث أن هؤلاء يكونون قد بلغوا السن التى تكثر فيها معدلات الإصابة ببعض الأمراض مثل أمراض الجهاز الدوري و القلب و البول السكري و الأورام . و كذلك فإنهم يتعرضون لضغوط العمل بدرجة أكبر من غيرهم ، كما أن انقطاعهم عن العمل بسبب المرض يسبب ارتباكا أكثر مما يحدث إذا تغيب من هم في مرتبة إدارية أقل .
• الفحص الطبي الدوري لمن تعدوا سنا معينة ( 45 سنة مثلا ) حيث ترتفع معدلات الإصابة ببعض الأمراض .

5. علاج الحالات الطارئة و الإسعافات الأولية :

بالإضافة إلى معدات الإسعافات الأولية التقليدية ، و التى يجب أن تتوفر في كل مواقع العمل ، فإن هناك معدات و مضادات خاصة بأنواع معينة من التعرضات تعتمد على نوع التعرض .

و يجب في جميع الحالات تدريب و إعادة تدريب المسئولين عن الإسعافات الأولية ، و التأكد من أن المعدات و الأدوية المطلوبة ما زالت كافية و صالحة للاستعمال.


6.إنه و إن كانت الأنشطة الوقائية تشكل جزءا هاما من برامج الصحة و السلامة المهنية ، إلا أنه يجب توفير الرعاية الطبية للعاملين ، بما في ذلك خدمات العيادة الخارجية ، و خدمات الأخصائيين و المستشفيات ، و كذلك خدمات الصحة النفسية و الأسنان ، وتوفير إمكانات الفحوص الطبية ، و الفحص بالأشعة ، و توفير الدواء اللازم .

7. سلامة الغذاء في مكان العمل : و التأكد من استيفاء الشروط الصحية في أماكن إعداد و حفظ و تناول الطعام ، و الإشراف الصحي على العاملين في إعداد و تقديم الطعام.

و من واجبات طبيب الصحة المهنية أن يقدم النصح إلى إدارة المؤسسة فيما يختص بنوعية الطعام الذي يقدم للعاملين ، و الحاجة إلى تقديم تغذية إضافية لبعض العاملين في مهن خاصة تزداد فيها حاجة الجسم إلي السعرات الحرارية أو البروتينات أو الأملاح المعدنية ، أو الماء و ملح الطعام ( عند العمل في الجو الحار ) أو بعض الفيتامينات .

8. تشخيص و علاج الأمراض المهنية و إصابات العمل ، و التأهيل ، و تقدير نسب العجز المتخلف عن تلك الحالات بغرض تعويضها. و في الحالات التى يتخلف فيها عجز جزئي يقوم طبيب الصحة المهنية بإعادة تقييم الحالة الصحية ، و قدرات المصاب ، و التوصية بتكليفه بعمل مناسب إذا لزم الأمر .



9. في مكان العمل ،يجب توفير القدر الكافي من المياه الصالحة للشرب والاغتسال ، و توفير دورات المياه بالعدد المناسب، و توفير أماكن صحية لحفظ و تناول الطعام . كما يجب الاهتمام بالتخلص من المخلفات بالطرق السليمة ، بما في ذلك المخلفات الصناعية . كما يجب أيضا الاهتمام بمكافحة الحشرات و القوارض .

10. مكافحة و التحكم في الأمراض المعدية و المتوطنة ، بما في ذلك توفير التطعيمات اللازمة .

11. التثقيف الصحي :
يجب أن يشترك جميع أفراد فريق الصحة و السلامة المهنية في التثقيف الصحي للعاملين على كافة المستويات ، بما في ذلك الإدارة العليا ، إذ يجب أن يكون العاملون على دراية تامة بمخاطر مهنهم ، و بالطرق المأمونة لأداء العمل، و أن يشاركوا مشاركة إيجابية في برنامج منع الحوادث ، و أن يشاركوا كذلك في مراقبة حسن أداء أجهزة التحكم و الوقاية من مخاطر العمل ، بما في ذلك أجهزة الوقاية الشخصية ، و أن يلتزموا باستعمالها حيث يجب ذلك ، وأن يتأكدوا من صيانتها بما يؤدى إلى كفاءة أدائها .

كما يجب أن يكون العاملون على دراية بالأعراض المبكرة للأمراض المهنية ، و بطرق الإسعافات الأولية في حالة حدوث إصابات ، وكذلك بمبادئ النظافة الشخصية .

و تستعمل في التثقيف الصحي اللقاءات الشخصية ، و الملصقات ، و الأفلام و الشرائح ، و المحاضرات و الندوات و برامج التدريب ، و غير ذلك .

12. يجب أن ينشأ لكل من العاملين ملف طبي خاص ، تدون فيه البيانات الشخصية ، ونوع العمل و طبيعة التعرض المهني إن وجد ، و نتيجة الفحص الطبي الابتدائي ، و نتائج الفحص الطبي الدوري، و بيانات كاملة عن مرات التردد على عيادة المنشأة ، و الزيارات للأخصائيين ، و دخول المستشفى و نتائج الفحوص الطبية ، و الإجراءات الطبية ، و الإجازات المرضية و حوادث وإصابات العمل و الأمراض المهنية .

و يجب أن تعامل الملفات الطبية الخاصة بالعاملين بسرية تامة .

و تعد تقارير مجمعة على فترات ، عن الحالة الصحية في المنشأة واتجاهاتها ، في المنشأة ككل ، و في الأقسام المختلفة ، وفى الأوقات المختلفة من العام، و علاقة ذلك بأي تغيير في العمليات الصناعية و المواد الأولية المستعملة.

كما يجب أن يكون هناك سجل يومي لنشاط الخدمات الطبية يوضح أعداد العاملين المترددين ، و الأقسام التى يعملون بها ، و مشكلاتهم الصحية ، و ما اتخذ من إجراءات للتعامل معها.

كما يجب أن ينشأ سجل للقياسات التى تجرى لتقييم بيئة العمل بصفة دورية ، وكذلك سجل للحوادث و الإصابات .
كذلك تنشأ سجلات للفحص الطبي الابتدائي و الدوري.