المهندس عبدالله سعد الغنام


رؤساء الشركات بين القيادة والتنفيذ

أخصم من هذا و اقطع زيادة على هؤلاء وشدد القانون على هذا وخصص ذلك القسم وادمج هذه الدائرة بتلك وانهي خدمات هؤلاء , هل كانت قيمة الموارد البشرية يوما من الأيام بهذا الرخص على الشركات أم أصبحت من الكماليات , أم هي فقط للتفاخر بها في الإجتماعات والندوات.

إن الموارد البشرية هي التي قامت عليها الحياة وليس الشركات فقط. نحن ولله الحمد نعيش في فترة إزدهار ومازالت حكومتنا الرشيدة تنفق بسخاء على المشاريع التنموية , وهي تقدم كل التسهيلات والأموال للقطاع العام والخاص للنهوض بالمملكة الحبيبة إلى مصاف الدول المتطورة ثم المتقدمة , وبذلك ينعم الموظف المواطن و حتى المقيم بحياة كريمة.

ولكن يبدو أن رؤساء الشركات لم يستوعبوا الحدث بعد ! هل يعتقد رؤساء الشركات أنهم سيربحون أكثر عندما يكون أشد وطأ على الموظف ؟ هل يعتقدون أن الربح السريع هو الحل أو أن القرارات الارتجالية الغير مدروسة أو الضغط النفسي على الموظفين في محاولة لرفع الإنتاجية هي الفعالية , كلا , بل عليهم أن يراجعوا سياساتهم الإدارية , إن فصل مجموعة من الموظفين أو خفض أجورهم أو خصم زياداتهم أو خصخصة بعض الدوائر والأقسام هي حلول ربحية سريعة , لكنها حلول قصيرة الأجل , ولا يقوم به رئيس يملك رؤية مستقبلية لأنك ستخسر الجودة على الأمد الطويل , والاهم من ذلك ستخسر معنويات موظفيك و ولائهم للشركة.


رؤساء الشركات بين القيادة والتنفيذ

إضافة إلى ذلك زعزعة الثقة في الاستقرار الوظيفي. إن المفترض من رؤساء الشركات الكبرى أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم قادة وقدوة للآخرين. ولابد أن يكون جليٌ لهم الفرق بين القائد والرئيس , فليس كل رئيس قائد. الرئيس هو المنفذ فقط ! وأما القائد فهو يتبع رؤية (ليست مصلحته الشخصية) والناس يتبعون القائد.

القائد هو الذي يكسب القلوب قبل العقول ألا ترون انه في أصعب الظروف والمحن نرى أن القائد يشحذ القلوب و النفوس قبل العقول , إن معنويات الموظفين هي التي سوف تدر على الشركة الأموال والأرباح وتصل بك إلى حلمك ورؤيتك وحتى الذكر الحسن بعد ترك المنصب ( فدوام الحال من المحال). فقد أثبتت بعض الدراسات الميدانية الحديثة , أن الدافع الأول للعمل هو التقدير والتشجيع ثم يأتي بعد ذلك المال أو الراتب !.


رؤساء الشركات بين القيادة والتنفيذ

ليعلم رؤساء الشركات أنهم لن يحصلوا على الشركة المثالية التي يكون فيها كل الموظفين منضبطين تماما وذو فعالية عالية كأسنان المشط , ولكن العبرة بالأغلبية فلا تتسرع بإصدار قرارات غير مدروسة لتضبط القلة فتخسر روح الأغلبية , ولتسبق حكمتك شدتك وعقابك , ولا يعني هذا التساهل أو اللين , بل إن الحكمة أحيانا في التغاضي كما قال الشاعر ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي.

كان ايستمان صاحب ومؤسس شركة كوداك يعتقد أن الاهتمام بالموظفين سيرفع الإنتاج , لذلك خالف المتعارف عليه فقام بخفض ساعات العمل بدون خفض الأجور , وكان له ما أراد , فقد حقق له موظفوه حلمه ورؤيته , فكانت شركته الأولى في صناعة الكاميرات
رؤساء الشركات بين القيادة والتنفيذ




ولنا في تجربة اليابان خير برهان , فمساحتها الجغرافية صغيرة نسبيا و إضافة إلى كثرة الزلازل والبراكين التي لا تكاد تفتر , ناهيك عن عدم توفر موارد الخام الطبيعية والأساسية للصناعة ومع ذلك كله فقد تغلبوا على الصعاب وقدموا للعالم نموذجا حضاريا و صناعيا يحتذى به , والسبب الرئيسي في ذلك هو الاهتمام والتشجيع للإنسان (الموارد البشرية).

ولكم في القائد الأعظم لأكبر شركة أو مؤسسة عرفها التاريخ قدوة , وهو نموذج فريد من نوعه. لقد كانت لتلك المؤسسة موارد بشرية وطاقات هائلة متنوعة , كان منهم الأعرابي بفطرته وكان فيهم القاضي والإداري المحنك وفيهم القائد الفذ ومنهم التاجر الفطن فصنع منهم أمة تقود بعد كانت تقاد , و كانت الموارد البشرية فيها مبعثرة وغير مستثمرة , فجعلها القائد محمد عليه الصلاة والسلام تسود العالم , لأنه كسب القلوب فدانت له كل العقول , حتى العقول المعارضة والمتحجرة , وصدق الله تعالى حين قال "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" وعلى رؤساء الشركات أن يدركوا أن البشر (الموارد البشرية) لن يتبعوكم ليحققوا أحلامكم ورؤيتكم المستقبلية إلا إذا آمنوا بكم كقادة .

إنه من السهل بمكان أن تجعل الموظف يعمل خوفا من العقاب , ولكن الأصح كقائد أن تجعله يعمل إيمانا بأهمية العمل , وهذا هو الانجاز وتلك هي القيادة الحقة ! ولعلكم إذا كسبتم القلوب تأتيكم العقول والأرباح وهي طائعة