يتحدث المقال عن اهمية عدم التفريط في العمالة و خاصة العمالة المتخصصة و الخبيرة في ظل ظروف الركود الاقتصادي نظراً لأهميتها، و يتحدث عن وجود فرص امام الشركات كي تصطاد العمالة الخبيرة التي تم التخلي عنها من شركات أخرى و تستقطبها لاستثمارها لديها.

اصطياد الخبرات البشرية في ظل الأزمة المالية العالمية:
لعل الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي اليوم تعتبر من أخطر الهزات التي يمكن أن تهز أقوى الاقتصاديات فضلاً عن إسقاطها للعديد من الشركات، حيث تبدو الأمور من الخطورة و التعقيد بصورة لا تكاد تنفع معها الخطط الإستراتيجية الأساسية و لا الخطط البديلة و لا حتى خطط الطوارئ و الأزمات. في خضم هذا الاضطراب و التردي الاقتصادي قد تغيب الرؤى و تتعطل الخطط و يصبح الهدف الاستراتيجي للعديد الشركات هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه ريثما تنجلي العاصفة، فتلجأ معظم الشركات للتخفيف من نفقاتها بشكل كلي أو تدريجي في محاولاتها للصمود إلى أبعد مدى يمكنها الوصول إليه. و لعل أهم مظهر من مظاهر تقليص الشركات لنفقاتها لمواجهة ضغوطات الأزمة هو التخلص من العمالة التي تسمى ( غير الضرورية ) و هو ما يسمى بـ : تقليص العمالة الارتكاسي Reflexive المتأثر بالظروف الخارجية. و إذا كان البدر يفتقد في الليلة الظلماء، فإن إدارة الشركة في مثل هذه الأزمات يجب أن تلعب دورها و تتحمل مسؤولياتها و تكون قادرة على قراءة الواقع و استشراف المستقبل بأبعاده الثلاثة القريب و المتوسط و البعيد، فإن كان هذا المستقبل ضبابياً فقد تكون الإجراءات التقليدية الشائعة من تقليص الاستثمارات و ضغط النفقات و تسريح العاملين، قد تكون إجراءات في ظاهرها طبيعية أو صائبة، أما الإدارة ذات الرؤية الواضحة و العزم الأكيد فهي لا بد و أن ترى ما لا يراه الآخرون، إذ يمكن أن ترى في مثل الأزمة المالية الحالية فرصة سانحة للتميز و التفرد من خلال حشد الخبرات الوظيفية استعداداً لمرحلة الانطلاق التالية . فالمستقبل المتوسط و البعيد عادة ما تكون قراءتهما أصعب من المستقبل القريب، و لكنهما أيضاً عادة ما يكونان مناقضين للحال القائم في لحظة الاستشراف أو مختلفاً عن توقعات المستقبل القريب، بمعنى أنه إذا كانت المستقبل القريب ـ في حالتنا هذه ـ قاتماً و لا يبشر بكثير خير، فإن المستقبل الأبعد لا و أن يحمل في طياته الانفراج المنتظر، و خاصة في ظروف تتضافر فيها جهود العالم كله في سبيل تغيير الوضع المتردي إلى وضع أفضل مما يجعل إمكانية تغير الأوضاع على المديين المتوسط و البعيد أمراً ممكناً و طبيعياً بدرجة كبيرة.اصطياد الخبرات البشرية في ظل الأزمة المالية العالمية
فالشركة التي ترى نفسها في المستقبل بوضوح من خلال رؤيتها فإنها ـ على الأرجح ـ ستستجيب، أو يجب أن تستجيب، بطريقة تجعلها فاعلة و ستجتاز هذه الأزمة بطريقتها و ترى فيها فرصة لإعادة التمركز الاستراتيجي و سوف تدرك أنه من الخطأ تقليص الاستثمارات في المجالات المهمة مثل البحث و التطوير و محاولة استقطاب العمالة الخبيرة، و في أسوأ حالاتها، سترى نفسها في مرحلة شبيهة بمرحلة التأسيس و التي عادة ما يكون فيها حجم النفقات أكبر من حجم الواردات قبل الوصول إلى نقطة التعادل و ذلك بعد حين من إقلاعها، و قد يكون أكثر معقولية أن تعمد الشركة إلى تحويل هيكلية التكلفة /
Cost Structure من خلال زيادة استثماراتها في القطاعات الإستراتيجية عن طريق تحويل الموارد من قطاعات أقل أهمية، و لعل الاستثمار في مجال مميز و استقطاب الخبرات اللازمة له قد يكون أحد هذه الاستثمارات الإستراتيجية. و هنا مرة أخرى تبرز أهمية الرؤية، فالشركة التي ترى نفسها (هناك) في المستقبل، سوف تعمد إلى التقاط الخبرات البشرية المتساقطة من الشركات الأخرى في مثل هذه الظروف و التي ستكون أقل تكلفة بطبيعة الحال منها في الظروف العادية و هي خبرات لا يمكن الحصول عليها بسهولة في الظروف الاقتصادية الطبيعية، و في بعض الحالات قد يكون التفكير باستقطاب هذه الخبرات، في أوقات الانتعاش الاقتصادي، ضرب من الخيال بسبب تكلفتها العالية و قوة ارتباط هذه الخبرات بشركاتها. و باعتقادنا أن هذه الشركة التي تنهج نهج اصطياد الخبرات الوظيفية في ظل ظروف الأزمة المالية الحالية، على الأرجح سوف تكون أمام خيارين رئيسيين: 1- أن تستقطب الشركة هذه الخبرات الوظيفية، و بحسب حاجتها، في هذا الظرف (الراكد)، بتكلفتها الحالية القليلة بالقياس إلى تكلفتها في الظروف الطبيعية، و تحافظ عليها لاستثمارها عملياً في ظروف الانتعاش (القريبة)، و قد تعتبر تكلفة و أجور هذه الخبرات من ضمن النفقات في المرحلة التأسيسية. 2- أن يكون لدى هذه الشركة أفكار إنتاجية ( تقليدية أو مبتكرة ) قابلة للتسويق، أو أن تعتمد على الأفكار الجديدة للخبرات الوظيفية المستقطبة لتحويل هذه الأفكار إلى سلع أو خدمات قابلة للتسويق في ظل ظروف الاقتصاد المتردي، و بذلك تستثمر الشركة من خلالها هذه الخبرات بشكل فوري، و تحصل على عوائد فورية على تكلفة استقطابها.
إن تقليص العمالة المتأثر بالظروف الخارجية يعود بآثار سلبية على منفذيه، و إذا كان الهدف تحسين قيمة الشركة من خلال تقليص العمالة فسوف تخسر الشركة كلا من سمعتها و عمالتها، و لا يخفى على أحد أهمية العنصر البشري الخبير في عالم أعمال اليوم و كم هو صعب أن تستطيع الشركات استقطاب الخبرات، فضلاً عن أن تستطيع تعويض ما تخلت عنه بإرادتها ... و الغد يفتح ذراعيه فقط للصامدين في لعبة عض الأصابع اليوم.
د. عماد شحاده