حين تصبح اللغة حاجزاً بين زملاء العمل
حين تصبح اللغة حاجزاً بين زملاء العمل


إعداد: عادل صديق


اللُّغة نَسَق من الإشارات والرموز، والتعبيرات التي تُشكِّل أداة للمعرفة، وهي تُعدّ أهمّ أدوات التفاهم والاحتكاك بين أفراد أيّ مجتمَع في ميادين الحياة كافّة، وبدون اللُّغة يتعذَّر النشاط المعرفيّ؛ كما ترتبط اللُّغة بالتفكير ارتباطاً وثيقاً، فأفكار الإنسان تُصاغ دوماً في قالَب لُغويّ، وهي مُنتَج إنسانيّ تراكُميّ وثقافيّ أنتجته ضرورة تواصل وتعامل أهل بيئة مُعَيّنة بعضهم مع بعض.



وكي تتمّ عملية التواصُل والتفاهُم، والتعامل بشكل ناجح؛ لا بُدّ من معرفة وإدراك الرموز والإشارات والمعاني المرتبطة بكلّ لُغة، إلى جانب فَهْم الجانب الثقافيّ الذي يُضفِي على كل رَمْز أو معنى أو تركيب لُغويّ معاني خاصّة جديدة ومختلفة.
وتأتي أهمية الجانب الثقافيّ لأيّ لُغة، لكون اللُّغة لا تنفصل عن الثقافة، وهذه حقيقة مهمّة، وعلى سبيل المثال:
بالرغم من اعتبار الإحصاءات أن اللُّغة الإنجليزية هي اللُّغة الأولى في العالم، إذْ يتحدَّث تلك اللُّغة واحد من بين كل خمسة أشخاص، أي خُمس سُكّان العالم تقريباً، إلاّ أنّ ذلك لا يكفي، إذْ ينحدر هؤلاء من ثقافات وقِيم ومُعتقَدات وبلدان مختلفة، فالإنجليزية في بريطانيا ليست هي الإنجليزية المتداوَلة في أستراليا أو في أمريكا أو في الهند.
كما أن اللُّغة لا تنفصل عن التخصُّص وطبيعة العمل، فلكلّ مهنة وتخصُّص المصطلحات الفنية والمعاجم اللُّغوية الخاصّة بها، والتي يُدركها أهلها.
حين تصبح اللغة حاجزاً بين زملاء العمل
لغة الأعمال
إذا نظرنا إلى سوق العمل وانفتاحها، نتيجة للعولمة واختلاف أسعار الأيدي العاملة من مكان إلى آخَر، نجد أن ذلك أدّى إلى سَعْي أصحاب العمل والمؤسَّسات الكبرى ورؤوس الأموال إلى الاستفادة من تلك الميْزة، والبحث عن العمالة التي تُقلِّل التكاليف وتُعظِّم الأرباح، ومِن ثَمّ ظهرت تحديات عديدة، فالعالم ليس نسخة واحدة مُكرَّرة من البَشَر، العالم مُتنوِّع والناس مختلفون في طبائعهم، وألوانهم، وثقافاتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، ولُغاتهم.
لذا فإن اللُّغة المتداوَلة في العديد من المؤسَّسات والشركات وخاصّة الدولية والمختلَطة أو المتعدِّدة الجنسيات، تزداد حيويتها وأهميتها لأنّها تعني:
- سهولة تداول المعلومات والبيانات المتعلِّقة بالعمل بين العاملين والموظَّفين.
- سهولة فَهْم التعليمات والتوجيهات والأوامر الصادرة من وإلى الإدارة.
- توثيق العلاقات ما بين الزُمَلاء.
- سهولة فَهْم المصطلَحات الفنية المتعلِّقة بطبيعة العمل.
- فتح آفاق أمام شركات الأعمال في إيجاد موارد لصناعاتها.
- فتح أسواق جديدة لمنتَجاتها.
- تذليل العقبات أمام المموِّلين والمساهمين من جميع أنحاء العالم.
من هنا تأتي أهمية تبنِّي واعتماد برامج تدريبية مُكثَّفة من قِبَل المعنيين، لكسر الحاجز اللُّغويّ والثقافيّ، ولإكساب العاملين المهارات المتعلِّقة بالتخاطُب والاستماع والكتابة، بما يعود عليها في النهاية بتقوية وتعزيز الروابط، وزيادة التواصل فيما بينها وبين العاملين من جهة، وما بين العاملين بعضهم بعض من جهة أخرى.
إن هناك العديد من الفوائد التي يمكن أن تعود على المؤسَّسة، في حال تمت العملية التدريبية بنجاح، ومن هذه الفوائد:
1. الأداء الجيِّد والمتناغِم وتعاظُم رُوح الفريق
إن أهمية وحيوية رُوح الفريق وتأثيره في النجاح الكلّي داخل مكان العمل، وبناء جسور التواصل والتفاهم بين العاملين من مختلِف الأقسام والمستويات الوظيفية، هي من أولويات أيّ مؤسَّسة أو مصنع أو شركة، لأن العديد من المؤسَّسات تعتمد إلى حَدّ كبير على فِرَق العمل، ويرى أكثر من 70 % من الذين خضعوا لتلك البرامج التدريبية أنّ رُوح الفريق تعزَّزتْ بشكل كبير، في حين يرى أقلّ من 70 % أن فاعلية الإشراف والمتابعة قد تحسَّنتْ نتيجة لتحسُّن الأداء اللُّغويّ.



2. اكتساب الشعور بالمساواة والكفاءة في الأداء بالدرجة نفسها التي عليها كل أعضاء الفريق
كلما زادت قُدْرة الموظَّفين على العمل والإنجاز دون الاعتماد على غيرهم، في عمليات الشرح والتوضيح والاستفسار للأوامر والتعليمات والتوجيهات والمصطلحات المختلفة داخل بيئة العمل، عزَّز ذلك شعورهم بالاستقلالية، والثِّقة بالنَّفْس، وعدم التبعية للآخَرين، وهو ما يجعلهم على قَدَم المساواة مع باقي أعضاء الفريق داخل المؤسَّسة.



3. نشر وتقوية ثقافة المؤسَّسة بين العاملين
تمثل ثقافةُ المؤسَّسة الثقافة الجامعة والأرضية المشتركة التي تجمع العاملين من مختلِف الثقافات، فمعرفة معاني الكلمات وتراكيب الجمل دونما معرفة ثقافة المؤسَّسة تصبح معرفة ناقصة، حتى وإن أجاد مُتعلِّم اللُّغة التحدُّث بها بطلاقة.
إن المعرفة والفُهْم والتشبُّع برُوح وثقافة المؤسَّسة يمثِّل إلى حَدّ كبير الهُوِيّة الثقافية الجديدة والموَحَّدة للعاملين في أيّ منظَّمة، والتي تُعتبَر عاملاً مُؤثِّراً في تفاعلهم بعضهم مع بعض، فكلما كانت الهُوِية الثقافية للعاملين واحدة كان ذلك أدعى لوجود صلات قوية، وقواعد مشتركة، وهو ما يخلُق بينهم جوّاً من الاندماج، والتفاعل، والودّ.



4. إدراك وفَهْم التوجيهات والتعليمات
تمثِّل التوجيهات والتعليمات الإدارية عائقاً أمام العاملين من دول وثقافات مختلفة، والذين لم يخضعوا لأيّ من البرامج التدريبية المتعلِّقة باللُّغة، إذْ توجد طُرُق وأساليب عديدة في توجيه الأوامر الإدارية قد لا يدرك مقاصدها، أو يفهم معانيها العاملون الأجانب، بسبب التباسات اللفظ أو أسلوب المخاطبة.



5. فَهْم اللُّغة التي تتحدَّث بها الإدارة
إن تعلُّم وفَهْم وإدراك لُغة التخاطُب التي تستخدمها الإدارة مع العاملين داخل بيئة العمل يُعَدّ ذا أهمية، إذْ إنّ لُغة التخاطُب هذه تعكس قوة ومتانة وعمق العلاقة والصلة التي تربط الإدارة بفِرَق العمل التابعة لها، والتي من الممكن أن تهتز أو تتغير بتغيُّر الفَهْم أو التفسير لتلك اللُّغة، وخاصّة عند ممارَسة الإدارة لصلاحياتها تجاه العاملين.



برامج التدريب اللغوي
يتمّ تصميم برامج تدريب مُتخصِّصة بهدف إكساب المتدرِّبين المهارات اللُّغوية المطلوبة، بتوجيه وإشراف ومتابعة من قِسم التنمية والموارد البشرية داخل المؤسَّسة، والذي يعكس احتياجاتها، إلى جانب تهيئة وإعداد فصول عملية للمتدربين داخل مكان العمل، لتطبيق ما تعلـّموه أَوّلاً بأَوّل، لأهمية الجانب العمليّ والمواقف الواقعية داخل بيئة ومكان العمل.
على أن ينقسم البرنامج إلى مستوييْن:
المستوى الأَوّل ويتناول مهارات الاتصال الأساسية مثل:
- التواصل والتخاطب مع المتعاملين.
- كيفية إعطاء وتلقِّي التعليمات البسيطة.
- تعلُّم المصطلحات الفنية والمهنية المتعلِّقة بالعمل.
- طُرُق وأساليب التعامل مع الإدارة والمشرفين والمستويات الأعلى داخل المؤسَّسة.
- أساليب التخاطب والتعامل مع الزُمَلاء.



المستوى الثاني المتقدِّم ويتناول:
- مصطلحات النُّظُم والبروتوكولات المتعلِّقة بالعمل.
- استخدام الألفاظ والعبارات المتقدِّمة وتقديم العروض الحوارية.
- المحادثات الهاتفية.
- التدريب على كتابة وقراءة التقارير الخاصّة بالعمل.
- الحوارات الأخرى جميعها والتي قد يحتاجها العامل، والمتعلِّقة بالثقافة اللُّغوية داخل بيئة العمل.
ومن المهمّ عمل تقييمات للعاملين والمتدرِّبين تسبق عملية التدريب، ثمّ عمل تقييمات أخرى بعد انتهاء عملية التدريب، للتحقق من مدى التقدم الذي أحرزوه، ولتقييم العملية التدريبية ككلّ.



أخيراً
إن السلبية في التخاطب مع الزُمَلاء والتي تظهر في صور مُتعدِّدة، مثل الصمت أو استخدام التعبيرات البسيطة والضعيفة، أو العبارات الهجينة التي لا تُعطِي المدلول والمعنى المناسب، أو التي تُسبِّب التباساً وعدم وضوح في المعنى، إلى جانب الاعتماد على المعاني والكلمات المطلَقة الفضفاضة، أو العجز عن تقديم الشرح المناسب للتعبير، أو توصيل المعنى المطلوب، كلّ هذه عقبات وحواجز تعيق التواصل، والاندماج بين زُمَلاء العمل من ثقافات مختلفة.
لذلك فإن الموظَّف المتميِّز الإيجابيّ والمدرَّب، والمدرِك للُغة وثقافة المؤسَّسة والعاملين فيها، يُعَدّ ثروة تسعى أيّ مؤسَّسة إلى امتلاكها. ومن خلال البرامج التدريبية يتمكَّن العاملون من الوصول إلى هذا المستوى من التعاون والتواصل مع زُمَلاء لهم، كانت اللُّغة في السابق تُشكِّل حاجِزاً وعائقاً فيما بينهم.



المصادر:
- برامج تعلُّم اللُّغات داخل بيئة العمل/ جامعة ولينجتون/ فيكتوريا
- صعوبات استخدام اللُّغة بين مختلِف الثقافات/ رافيون باك
- عوائق التواصُل في بيئة العمل/ ألكساندر باركر