كيف تجعل موظفيك شركاء لا أتباع؟
إعداد: د. علي جبران


إن الإدارة الناجحة المخلِصة هي سِرّ نجاح الدول في كل زمان ومكان. وما سادت الحضارات في العالم قديماً وحديثاً إلا بتميُّزها في إدارتها. من هنا فإن الإدارة هي سِرّ نجاح المؤسَّسات في الدولة وسِرّ ازدهارها، وهي العُنصُر الرئيسيّ للتغيير وتحسين الفاعلية في أجواء المؤسَّسة وفي نفوس أفرادها ممّا يُؤدِّي إلى تحقيق أسمى الأهداف والطموحات.

ويُنظَر إلى الإدارة من عِدّة زوايا مختلِفة، فمِن الإداريين من يرى أن الإدارة هي عملية توجيه للأفراد العاملين وبيان المهمّات الموكَلة إليهم مع تقديم النُّصْح والإرشاد، وكل ما يحتاجونه من معلومات وموادّ، من أجل ضمان سير العمل نحو الهدف المطلوب. وقد رأى بعضهم أن الإدارة أقرب إلى أن تكون مهارة وفناً وقُدْرة على استخدام ما هو مُتوافِر من طاقة بشرية أو تسهيلات مادّية. إلا أن آخَرين فَهِموا الإدارة على أنها هَيْمنة وسيطرة على الآخَرين، وذلك لإجبارهم على العمل بكفاءة ومهارة وبذل أقصى جهد ممكِن في العمل. ولكن يحِقّ لنا أن نتساءل: أين مفهوم الهيْمَنة من الإدارة الناجحة**؟ هل يُراد من بعض الأشخاص أن يسيطروا على آخَرين؟ أم أن المطلوب أن ينتفع كل شخص في المجتمَع بأكبر قَدْر ممكِن من أفراد مجتمَعه برُوح التعاون والمؤاخاة لا بروح السيطرة والهيْمَنة والإذلال واحتقار الآخَرين وقُدُراتهم والنظر إليهم على أنهم أقلّ مَنزِلة ومَكانة. وبهذا المعنى يُفهَم التسخير الذي أراده الله في الآية الكريمة: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" الزخرف [32] وليست الهيمنة والسيطرة التي لا تخلو من مَهانة وإذلال لبعض أفراد المجتمَع.
كيف تجعل موظفيك شركاء لا أتباع؟

تنوُّع الأساليب الإدارية
إنّ أنماط إدارة المؤسَّسة وطريقة أدائها للعمل يعود أساساً إلى شخصية مدير المؤسَّسة، وحيث إن المدير يقف على رأس الجهاز الإداريّ في المؤسَّسة، فإن مُيوله وطِباعه وفلسفته ومُعتقَداته تنعكِس على التنظيمات والنشاطات والقرارات التي يتّخذها، والتي يقوم بتنفيذها العاملون معه داخل المؤسَّسة. لذلك فإننا نجد أن المؤسَّسات تُدار بأحد الأساليب التالية:
1. نمط إداريّ استبداديّ تسلُّطيّ يقوم على أساس الاستبداد بالرأي والتعصُّب واستخدام أساليب التخويف والترهيب، ويعتقد الإداريّ أنه أفضل من يعلم، بل ويتوقع خضوع المؤسَّسة له، وهو يرى أن السُّلْطة هي مركز قوته فلا يُفوِّضها للآخَرين، ويحتكر توجيه المؤسَّسة وتحديد أهدافها، وتعيين أساليب عملها وتحديد الأدوار واتخاذ القرارات، ويستخدم أساليب الإرغام والإرهاب والتخويف، ولا يفتح باب الحوار وسماع الرأي الآخَر. وإن كثيراً من أولئك يستخدمون هذا الأسلوب ليُخْفوا ضعف شخصياتهم التي لم تستطع أن تدير مؤسَّساتهم بهدوء وحُجّة ومنطِق. والإداريّ التسلُّطيّ يأمر مرؤوسيه بما عليهم فعله وكيف ومتى وأين دون نقاش، ويكون الإداريّ مُنعزِلاً لا تربطه بمرؤوسيه علاقات إنسانية. وينتج عن هذا النمَط انعدام العلاقات الإنسانية السليمة، وانعدام التعاون، وانعدام الثقة بين العاملين والمدير، وانخفاض الرُّوح المعنوية بين العاملين، والقضاء على رُوح المبادَرة وضَعْف الرَّغْبة في الإبداع.


2. نمط إداريّ ارتجاليّ أو فوضويّ يقوم على إيصال المعلومات إلى العاملين، وتَرْك مُطلَق الحرية لهم في التصرُّف دون تدخُّل، وهو ما يُقلِّل الإنتاج، ولا يبعث على احترام العاملين لشخصية المدير. وينتج عن ذلك عدم تحديد المسؤولية الأمر الذي يُؤثِّر في تحقيق الأهداف وضياع وحدة العمل، ويشعر العاملون تحت هذا الأسلوب من الإدارة بالضياع والقَلَق وعدم القُدْرة على التصرُّف ما يُدلِّل على ضَعْف كبير في قُدُرات ومهارات المدير لتسيير شُؤون المؤسَّسة.

3. نمط إداريّ ديمقراطيّ يقوم على احترام شخصية الفرد وحُرّية اختياره، وتطبيق فلسفة الإقناع والاقتناع، وأن القرار للأغلبية دون تسلُّط أو خوف أو إرهاب، مع تشجيع المدير للعاملين معه على العمل والإنتاج وتنمية الذات، ولا يطلب لنفسه امتيازات خاصّة يرفضها لهم، وهو ما ينتج علاقات إنسانية سليمة بين المدير ومرؤوسيه، ومُشارَكة المرؤوسين في مختلِف المهمّات، والتعاون المستمِرّ لنجاح الأهداف والرُّؤى، والإيمان بقيمة الفرد وكَرامته وقُدْرته على العمل، والشعور بالرِّضا والثِّقة المتبادَلة بين المدير والمؤسَّسة ورَفْع الرُّوح المعنوية للعاملين. وهذا الأسلوب لا يمكِن أن يُضعِف من هَيْبة المدير، لأن قوّته تكمُن في قوة رُؤاه المستقبلية وطموحاته البعيدة وليس في عُلوّ صوته أو حِدة سَطْوته.
كيف تجعل موظفيك شركاء لا أتباع؟

حقيقة الإدارة
إن الإدارة الناجحة تنظر إلى السُّلْطة على أنها رِعاية للمجتمَع بشكل عامّ ولمجتمَع المؤسَّسة بشكل خاصّ. لذلك فإن الإدارة بهذا المفهوم هي وسيلة ورسالة، وأمانة وخدمة، وليست مطلباً ذاتياً يسعى من خلاله المدير إلى تأكيد وجوده السُّلْطويّ بما له من قوّة وقُدْرة على التوجيه والتحريك. لذلك فإن من أهمّ واجبات الإدارة توجيه الموارد البشرية في المؤسَّسة نحو خدمة بعضها بعضاً، وعلى الإدارة تقديم الخدمة لباقي الأفراد.
إن السُّلْطة ليست مَصدر قوة المدير وإنما هي فُرصة لمعرفة الآخَرين، ولا بُدّ من البُعْد عن أساليب القَهْر أو التهديد، بل لا بُدّ من الاعتماد على المشارَكة والشورى، والميل لإقناع الآخَرين للعمل معه لا من أجله، فهم شُرَكاء وليسوا تابعين. بالإضافة إلى ضرورة العمل على تطوير مهارات الأفراد بأقصى ما يمكن، وهو ما يُؤهِّلهم لتولِّي الإدارة فيما بعدُ.


إضافة إلى ما سبق فإن الإدارة الناجحة هي التي توجِّه الأفراد العاملين في المؤسَّسة ليس فقط إلى ما فيه مَصلَحة العمل والمؤسَّسة وإنما إلى ما فيه مصلحة الفرد نفسه في دُنْياه وآخِرته. بذلك فإن الإدارة تهدف إلى إرشاد الفرد العامل إلى كل ما هو خير من القيم والأخلاق والمبادئ وإلى الأعمال الصالحة. هذا بالإضافة إلى أن الإدارة الفعّالة تسعى إلى تنمية الأفراد وإعدادهم للارتقاء بكفاءاتهم، والسعي إلى تطوير مهاراتهم، وليس فقط توظيف طاقاتهم والاستفادة منها.

يُضاف إلى مفهوم الإدارة الناجحة بُعْد قياديّ لا بُدّ من توافره لكل من يحمل رؤية استراتيجية لمؤسَّسته يتمثَّل في الفاعلية والحيوية حيث يتمّ تحريك الناس نحو الهدف المنشود، والعمل على التأثير في الآخَرين وتحفيزهم وتوجيههم لتحقيق غرض ما، ثم صناعة الدافعية حيث تتمكّن الإدارة من تعبئة وتحفيز الآخَرين كي يندفعوا ذاتياً نحو تحقيق الطموحات المشتركة.

الاستراتيجية المطلوبة... إدارة ناعمةإن المدير الذي ينطلق في إدارته من مُنطلَق قياديّ يرى ضرورة تحقيق جملة من القضايا أهمها إيصال الرؤيا الاستراتيجية إلى الأفراد، والعمل على بناء العلاقات الإنسانية القوية بين جميع أفراد المؤسَّسة، والسعي للتأثير في الآخَرين، واستخدام أساليب التحفيز والتشجيع والتعزيز، بالإضافة إلى العمل على تطوير مهارات وقُدُرات الأفراد. وكل ذلك لا يمكن أن يتحقَّق بأسلوب الشِّدّة والقَسْوة، فإن ذلك يصنع نُفوراً شديداً لدى الأفراد. إن تحقيق القضايا السابقة يمكن أن يكون حليف إدارة ناعمة تُؤمِن بضرورة مَدّ الجسور مع جميع أفراد المؤسَّسة مهما عَظُم أو قَلّ شأنهم. إنّ حُسْن التعامل، واللُّطْف في الحديث، وبناء البيئة الإيجابية في المؤسَّسة كفيل أن يصنع التحفيز لدى الأفراد، وهو ما يُعمِّق ولاءهم وانتماءهم لتلك المؤسَّسة، والنتيجة جَنْي الثِّمار الإيجابية وتحقيق الأهداف العليا.