اختيار الموظفين
( الجزء الأول)
إذا أردت أن تبحر فى عالم الأعمال فلابد من اختيار دقيق حتى لا تعرض رحلتك للمتاعب وسفينتك للصخور ، فالمطلوب أن تركز فى المنافسه وفى الانتاج وفى تحقيق نموالشركة وليس المطلوب أن تظل فى معارك داخلية تستنفذ جهدك وتدمر بيئة العمل
يعتقد الكثيرون أن الموظفين الأكفاء متواجدون ويسهل الحصول عليهم لكن من خبرة شخصية أقول إن عملية انتقاء موظف كفؤ تكاد تكون من رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفى
بل وإنها أصبحت مهمة عسيرة بعد تطور المتقدمون للوظائف الذين أصبحوا يحفظون إجابات ما يدور فى المقابلات الشخصية بعد التطور فى الدورات المقدمة من خلال المعاهد ومواقع الانترنت والكتب المتخصصه فى هذا المجال والتى تعلم الموظفين أسرار المقابلات الشخصية _ ولا يفهم من ذلك أنى أعيب هذا التوجه فى تبصير المتقدمين للوظائف فهو رائع ويدل على حرص المتقدم للوظيفة على التسلح بالعلم وجده فى تحضيره للمقابلات لكن ما أقصده أن عملية اختيار الموظف المطلوب لأداء الوظيفه أصبح شيئا صعبا نظرا لتقارب المستويات المتقدمة ومعظمها يكون ظاهريا نتيجة لحفظه لمفردات المقابلة الشخصية ولا تلبث أن تكتشف بعد تعيين أحدهم أنه لا يصلح للوظيفه لكن بعد أن تكون ضيعت وقتا ثمينا وأنفقت الكثير من الأشياء وتصبح الخيارات أمامك صعبه للاستغناء عن الموظف المعين ثم بدء رحلة البحث عن موظف بديل
وحتى لا تضل الطريق عزيزى المدير أقدم لك مجموعه من الأسرار التى ستساعدك على تجنب مثل هذه المواقف
السر الأول : فتش عن الموهبه
فالموهوب كالربان البارع الذى يوجه الدفة إلى المسار الصحيح وكما يذكر صاحب كتاب (The War For Talent الحرب من أجل الموهبة ) “أداء الموظفين الموهوبين يفوق أداء الموظفين العادييين فهو لا يقل عن 75% زيادة فى الأداء عن الموظف العادى وربما يصل الى 300% أى ثلاثة أضعاف أداء الموظف العادى “
لكن ما هى الموهبة ؟؟
إذا أردت أن تعرف ما هى الموهبة فلابد أن نفرق بين الموهبة والسلوك ( المهارة ) والمهنة
الموهبة : هى امكانات فطرية متكررة يولد بها كل انسان وكل فرد له مواهب خاصة تتشابه أو تختلف مع الأفراد الآخرين
السلوك أو المهارة : هى الخبرة التى يكتسبها الفرد نتيجة لتعرضة لمواقف قد تكون عن طريق القراءة أو عن طريق سماع تجارب الآخرين وأكثرها والذى يشكل الأساس هو المكتسب من خلال التعرض الشخصى والمزاولة الشخصية
وأما المهنة فهى ما يمتهنه الانسان سواء كان طبيبا أو نجارا أو مهندسا أو أى مهنه يمتهنا الاسنان
و تحصل على أفضل النتائج إذا اقترنت الثلاث معا فاشتغل الرجل فى مهنة تناسب مهاراته التى ولد بها وتلقى فيها تدريبات مكنته من تحسين أدائه وزيادة مهاراته .
ولكى يكون الأمر أكثر وضوحا دعنا نضرب هذا المثال
ففى طور الاعداد لبدء سباق غزو الفضاء والذى كان منافسة لاستكشاف الفضاء بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي الذي دام تقريباً من عام 1957 إلى 1975. تضمنت جهود استكشاف الفضاء الخارجي بإطلاق الأقمار الصناعية، إرسال البشر إلى الفضاء، وهبوط الإنسان على سطح القمر.
بدأَ السباق فعلياً بعد إطلاق أول قمر صناعي من قبل الاتحاد السوفيتي في عام 1957 الذي أدى إلى نشأة سباق التسلح العسكري بين الدولتين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وأصبح غزو الفضاء جزءاً مهماً من التنافس الأيديولوجي والتقني والثقافي أثناء الحرب الباردة
وكان المطلوب لبدء البرنامج الأول فى الولايات المتحدة والذى يدعى ميركورى اختيار سبعة رجال ينفذون مهمه الدوران فى الفضاء الخارجى ولأن المهمه صعبة وقد تكلف الولايات المتحده فقد ثقتها إذا فشلت خاصة بعد محاولات الاتحاد السوفيتى الناجحه فقد بذل اللواء دون فلينكيجر جهدا كبيرا حتى استقر على اختيار الرجال السبعه
فى البداية تم وضع أقل المعاييرللاختيار وهى الا يزيد السن عن 39 عاما والأ يتجاوز الطول خمسة أقدام واحدى عشرة بوصة وأن يكونوا فى صحة جيدة ومن خريجى احدى المدارس العسكرية مع توافر خبرة طيران تصل الى 1500 ساعه
بعد اجتياز المرحلة الأولى يدخل المنطبق عليهم الشروط فى الامتحان الثانى وهو يستهدف اختبار قوة التحمل البدنية والنفسية وكان من ضمن الاختبارات هو المكوث فى غرفة معزولة الصوت شديدة السواد دون أدنى فكرة عن موعد اطلاق سراح المتقدم ومنها أن تُمرر ابرة طويلة فى أكبر عضلة يرتكز عليها الابهام ثم يتم توصيل تيار كهربائى من خلالها
وبعد هذه الاختبارات عثر اللواء دون فلينكيجر على الرجال المطلوبين وهم ألن شيبرد وجوس جريسم وجون جيلين وسكوت كاربتنر ووالى شيرا وجوردن كوبر وديك سلايتون بعد ذلك بدء فى التدريب وتم توفير كل ما يلزم للوصول الى مستوى عالى فى كل ما يتعلق بأمور الفضاء والجاذبية والأمور الفنية وبعد عامين أصبح الرجال السبعه مستعدين للتجربة الحقيقية
لكن يا ترى بعد خوضهم لنفس التجارب وتلقيهم نفس المعلومات والخبرات هل كان الأداء واحدا؟! تعال لنرى
بعد جاهزيه الفريق تم وضع برنامج لأداء مهمه الدوران فى الفضاء الخارجى والعودة إلى الأرض وجاءت التجارب متباينه أشد التباين حيث نلحظ أن كل رحلة كانت نموذجا منفردا
فكانت الرحلتان التى قام بهما كل من ألن شيبارد ووالى شيرا من نوع الرحلات النمطية فألان شيبرد استطاع أن يدور حول مدار ثانوى لمدة 15 دقيقة ونفذ مهمته لكن تنفيذ ليس فيه نوع من التشويق والابداع
بينما كانت الرحلتان اللتان قام بهما جون جيلين وجوردن كوبر من الرحلات التى تميزت بالابداع فقد أصبح جون جلين أول أمريكي يدور حول الأرض في عام 1962واستطاع تحقيق هبوط رائع على الرغم من الفشل التام لأجهزة التوجيه الألى بينما نام كوبر من شدة الاسترخاء وكأنه فى جو عادى بعيدا عن التوتر والقلق
بينما كانت الرحلتان اللتان قام بهما كل من جوس جريسم وسكوت كاربتنر رحلات أقل تشويقا وإثارة فقد بدت علي جوس جريسم علامات الهلع وخرج من كبسولته بعد الهبوط قبل الموعد المحدد فامتلأت بالماء وغاصت فى الماء ولم تستطع ناسا استعادتها بينما حماس كوبر جعله يستخدم كبسولته بطريقة خاطئة فاستنفذ تقريبا معظم الوقود الموجود لديه ولم يكن قادرا على ضبط درجه هبوطه عند دخوله المجال الجوى الأرضى ونجا بأعجوبه
بينما لم يقوم ديك سلايتون برحلة الطيران نتيجة لمشاكل صحية داهمته
ولعلك تلاحظ أنه على الرغم من أن الفريق تلقى نفس التدريبات ونفس المهارات وكانت المهمه التى تم تكليف الفريق بها مهمه واحده إلا أن أداء الأفراد تباين واختلف .
وهذا التباين يرجع الى الموهبة الفطرية الموجوده لدى كل فرد فيهم فقد استقبل كل منهم نفس المهارات والمعارف ثم بدأ كل واحد منهم فى نوع من الصياغه الخاصه منطلقا من مواهبه وتصرف بناء على ذلك .
ولعلك عزيزى القارىء تلحظ هذا باديا فى مواقف كثيرة يتميز فيها الموهوبون ويشار اليهم بالبنان
فعلى كثرة القادة الذين أداروا معارك حربية إلا أنه عند ذكر خالد بن الوليد تصغر هذه الشخصيات على رغم ما تتمتع به من خبرة وكفاءه
وإذا ذكر الخطباء يبرز د.عائض القرنى والشيخ محمد حسان والشيخ كشك على سبيل المثال وإذا ذكر الفقهاء برز د.القرضاوى والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وإذا ذكر القراء يبرزالشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ الطبلاوى والشيخ مشارى راشد وإذا ذكرت الكرة يبرز بيليه ومارادونا وزين الدين زيدان وبالمثال فى كل المهن والصناعات إذا ذكرت صناعه تبرز الشخصية الموهوبه بادية مكتسحة
وإذا بدأت تبحث تجد أن أندادا لهؤلاء البارزين تلقوا نفس ما تلقوه وتعلموا مثل ما تعلمه هؤلاء لكن الموهبة المتركزه فى نفوس هؤلاء جعلتهم أكثر ابداعا وأكثر مهارة فى أداء ما يقومون به
لكن هل هذا كل شىء … لا تتعجل !! فسنكمل معا فى التدوينة القادمة لنعرف هل يمكن أن تصنع الموهبة أم أنها شىء فطرى؟ وهل النجاح يعتمد فقط على الموهبة أم أن هناك أشياء أخرى ؟
رد مع اقتباس