إن كلمة الصراع في أقدم وأبسط معانيها تُشير إلى وجود خلاف بين فرد وآخر أو بين حزب وآخر. ويشيع في أدبيات الإدارة مفهومان متعارضان حول موضوع الصراع, المفهوم الأول وهو المفهوم التقليدي الذي يرى في الصراع أنه عملية أو سلوك تنظيمي معطل وغير مرغوب فيه ناتج عن تعارض أو اختلاف أو خلاف بين الرئيس والعاملين، أو بين العاملين بعضهم بعضا، ويؤدي إلى تفتيت جهود العاملين, وخفض درجة التعاون فيما بينهم, وتقليل روح الجماعة، وارتفاع معدلات دوران العمل، وعدم القدرة على تحقيق الرضا الوظيفي، وضعف الانتماء للمنظمة, وارتفاع الخسائر المادية للمنظمة, ما يعوق تحقيق أهدافها ويهدد بقاءها واستمرارها في نشاطها, وبحكم هذا المفهوم التقليدي فإن الصراع التنظيمي يكون دائماً سلبياً وغير فاعل وغير صحي, الأمر الذي يتطلب من القيادة تجنبه والابتعاد عنه قدر الإمكان لتفادي التوتر والقلق . وللأسف هذا المفهوم هو الأكثر شيوعاً في منظماتنا المحلية. من جهة أخرى, يتبنى بعض الباحثين في الإدارة مفهوماً أكثر حداثة ومغايراً لمفهوم التقليديين حول الصراع، فهو بالنسبة لهم ظاهرة تنظيمية إيجابية وسمة أساسية ملازمة للتفاعلات الإنسانية في أي منظمة، وهو على نوعين صراع سلبي وغير فاعل وصراع إيجابي فاعل, فالصراع الإيجابي أو الحميد هو أحد المتغيرات الأساسية للنمو والاستمرار والتطوير التنظيمي الذي تنشده كل منظمة. وقد يتساءل الفرد منا كيف لنا أن نميز بين أنواع الصراع؟ وهل هو إيجابي حميد أم سلبي وغير فاعل؟ وإجابة عن ذلك فهناك عدد من المؤشرات والسلوكيات الوظيفية للمدير والعاملين يمكن من خلالها تحديد نوع الصراع, فمن السلوكيات التي تدل على سلبية الصراع ما يلي: اعتقاد المدير أو العاملين أن التعارض والاختلاف أو الخلاف صراع شخصي, وأن كسب المعركة فرصة لإثبات الذات وإظهار التميز على الطرف الآخر. أو حينما يعمل أحد أطراف الصراع على تصيد الأخطاء والانتقاد والتقليل من قيمة أعمال ومنجزات الطرف الآخر, أو عندما يعمد العاملون المختلفون إلى إطلاق الشائعات والأقاويل التي تنال من الطرف الآخر، وأخيراً عندما يحتدم النقاش والصراع بين العاملين ويبلغ ذروته, ويتركز عندئذ جهد المدير والعاملين على حل المشكلات الناجمة عن الصراع بدلاً من حل مشكلات العمل وتطوير الأداء, والصراع في هذه الحالة يكون معطلاً لعملية اتخاذ القرارات السليمة بسبب التوتر والغضب المصاحب له والرغبة الجامحة لكل الأطراف في كسب المعركة وإقناع الطرف الآخر بتغيير موقفه. هذه السلوكيات والمؤشرات تختلف بالطبع عن سلوكيات الصراع الإيجابي الحميد الذي يظهر بوضوح في المواقف والمؤشرات التالية: مبادرة العاملين بتقديم أفكار ومقترحات ووجهات نظر متباينة ومتعارضة مع المدير أو مع زملائهم, تقديم الأفكار والمقترحات الموضوعية التي تهدف إلى تطوير إجراءات العمل وسياساته وخططه وزيادة إنتاجية المنظمة. القيام بمضاعفة العمل والإنتاج للفوز بجوائز وترقيات وحوافز مادية ومعنوية. شيوع روح المنافسة وسيادة روح العمل الجماعي التعاوني بين العاملين حتى في ظل اختلاف الرأي وتعارضه مع الطرف الآخر.
كلمة أخيرة: أختي المديرة, لنكن أكثر مواكبة في ممارساتنا الإدارية بتبني استراتيجية التعاون في إدارة الصراع, وتقوم هذه الاستراتيجية على عدد من الأسس هي: خلق بيئة ومناخ مؤسسي محفز على الصراع الحميد يسوده التنافس وبذل المزيد من العمل المنتج الذي يعود بالنفع والفائدة على العاملات وعلى المنظمة، تطوير اتجاهات العاملات نحو مفهوم الاختلاف, وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية, وأن نجاح المنظمة مرهون بتناغم الأهداف, إكساب العاملات المفهوم الصحيح للتنازل للطرف الآخر لمصلحة العمل, وأن التنازل لا يعنى الربح أو الخسارة, فالعمل لعبة ينص قانونها على أن "الكل يعمل ليكسب".
المصدر: البوابة الإلكترونية في صحيفة الاقتصادية