رئيسها يتعامل مع الأزمات ببرود

«أبل» تحوِّل تهمة التهرُّب الضريبي إلى فرصة تسويقية


تيم برادشو من سان فرانسيسكو
قال السيناتور الجمهوري جون ماكين يوم الثلاثاء، وهو ينظر إلى تيم كوك: ''أعتقد أنه لا بد أن يكون لرجل مثلك، لديه مثل هذه السمعة، قدر عال من الذكاء والقوة''. حدث هذا أثناء جلسة استماع عقدها الكونجرس، ظهر فيها الرئيس التنفيذي لشركة أبل ذي العينين الواسعتين، وهو يتحدث باحترام، لكن بتصميم رقيق ومتين وهو يشرح قضيته في مبنى الكابيتول هيل. كانت الجلسة خاصة بالشؤون المحاسبية في أبل في نطاق تدقيق من جانب السياسيين التواقين إلى إخماد غضب شعبي ثار حول ''تهرب'' الشركات الكبيرة من دفع الضرائب.
ومن خلال تصوير تاريخ أبل على أنها شركة مبتكرة تخلق الوظائف للأمريكيين، استطاع رئيس الشركة البالغ من العمر 52 عاماً أن يحول احتمالات توجيه اتهامات لشركته إلى فرصة للترويج لها. دعا كوك أثناء الجلسة إلى تخفيض الضرائب على الشركات الأمريكية الكبيرة لتشجيع أبل على العودة بالأموال التي تستثمرها في الخارج، البالغة 100 مليار دولار، إلى الوطن. وجعل كوك من وجود الشركات التابعة لأبل في إيرلندا، حيث يتم فرض ضرائب نسبتها 2 في المائة فقط على الأرباح، يبدو استجابة عقلانية للخلل الكامن في قانون الضرائب الأمريكي.
وبدا ماكين، مثل بقية زملائه، مفتوناً بأناقة الأداء، وهو يستفسر بطريقة لطيفة عن الأسباب التي تدفعه دائماً لتجديد التطبيقات. وغالباً ما يقال إن كوك يفتقر إلى الشخصية الآسرة التي كانت لدى ستيف جوبز، مؤسس الشركة، لكنه استطاع هذا الأسبوع جلب ''مجال تشويه الواقع'' الذي اشتهر به سلفه إلى واشنطن.
قال كوك إن جوبز طلب منه أن لا يسأل أبداً السؤال: ''ما الذي يريد أن يعمله ستيف؟'' – وكان هذا واضحاً. لكن بدأت الأحداث الأخيرة، خاصة الاستجواب في مجلس الشيوخ هذا الأسبوع، توحي بأن الاختلافات بينه وبين سلفه هي رصيد له أكثر من كونها عبئاً عليه.
ومنذ أن تولى كوك منصب الرئيس التنفيذي للشركة في آب (أغسطس) عام 2011، واجهت أبل مسائل ربما كانت تتحدى قدرات جوبز. ومن هذه المسائل، حالات الانتحار التي وقعت لدى أكبر مُصَنِّع للشركة؛ وهجمات من وسائل الإعلام الحكومية الصينية حول خدمة الزبائن؛ وقضايا رفعها منافسون ونشطاء من المساهمين؛ إضافة إلى انخفاض نمو مبيعات أجهزة آيفون.

وتعامل كوك مع هذه القضايا ببرود أعصاب، وفي الوقت نفسه اتخذ قرارات لا ترحم في التعامل مع الإخفاق المشهور الذي سيطر على تطبيقها الخاص بالخرائط، والانتقاد الموجه لبرامجها الموجودة في السحابة. وعمل كل ذلك على نسف الشعار الذي رفعته أبل في السابق وهو: ''إنه يعمل فقط''. واعتذر كوك عن فشل تطبيق الخرائط وللزبائن الصينيين، ووعد بأن يدفع أكثر للمساهمين، وأن يكون أكثر شفافية بخصوص سلسلة التوريد، وأجرى تغييرات في إدارة أبل.
ويقول ريجيس ماكينا، المستشار في الاتصالات الذي عمل مع أبل في أوائل أيامها والذي على معرفة بالشركة، إن الذهاب للقتال والابتسام في واشنطن ''من العلامات الفارقة التي تميز تيم''. ويضيف: ''إنه لا يتراجع أثناء التحديات التي تواجه أبل، أو يحاول التقليل من أهميتها''.
ومع ذلك، يختار كوك معاركه. في الماضي كان كل ما يفعله في الاجتماعات التي كان فيها جوبز يتحدث بصخب ويتغنى، هو أن يسكت ويسأل فقط. وخلافاً لأسلوب الاقناع الذي تميز به جوبز، لم ينخرط كوك مباشرة في المفاوضات مع شركات الموسيقى بخصوص تأخير إطلاق خدمة راديو الإنترنت من أبل. ويقول ماكينا: ''بصراحة جعل هذا ستيف يبدو جيداً، وهو سعيد بذلك. لم يكن لديه ذلك الاحساس المتضخم بالذات والمفعم بالفخر الذي يجب أن يكون دائماً في المقدمة''.
ولا تحب أبل الحديث عن أي شيء سوى منتجاتها. إنها تركز استراتيجيتها في التسويق على الاهتمام بالأجهزة الإلكترونية وليس على التنفيذيين لديها. وهذا صحيح بشكل مضاعف بالنسبة لكوك، فهو إنسان متحفظ، نشأ ودرس في الجامعة في ولاية ألاباما، ولم يكشف عن شيء يذكر من حياته التي قضاها خارج أبل، إن كانت له حياة بالفعل خارجها. وفي أحد المؤتمرات هذه السنة، قال إنه يذهب إلى متاجر أبل عندما يمر بيوم سيئ، مشبها ذلك بأخد حبة دواء مضادة للاكتئاب. وهو ينهض من نومه عند الساعة 3:45 صباحاً، وعادة ما يقضي فترة طويلة في عمله كي يتمكن من الحديث مع الصين في فترة المساء.
اختطف جوبز كوك من شركة كومباك عام 1998 بعد أن قضى ستة أشهر فقط في خدمة تلك الشركة المختصة في صناعة الكمبيوتر، وقبل ذلك عمل لمدة 12 سنة مع شركة آي بي إم. ويعتبر كوك واحداً من بين الرؤساء التنفيذين الذين يتقاضون أعلى الرواتب في أمريكا. ويعود الفضل في هذا إلى اتفاقية مكافآت تخوله امتلاك مليون سهم يبدأ استحقاقها بين عامي 2016 و2021، وهي أسهم تساوي أكثر من 400 مليون دولار بالأسعار الحالية.
وعلى الرغم من ذلك، يقول كوك: ''النقود ليست ما يحركني''. وخلافاً لنظرائه من الرؤساء التنفذيين الذي يتلقون مبالغ كبيرة، من أمثال لاري إيليسون من أوراكل، يعيش كوك في بيت متواضع نسبياً في بالو ألتو، يبلغ سعره كما يقال 1.9 مليون دولار.
وأيضاً خلافاً لجوبز المتمرد والثوري، وهي الصفة التي يتصف بها أغلب العاملين في أبل، يتصف كوك بالانضباط وبأنه صاحب قضية. ويمكنك أن تجد على جدران مكتبه في كوبرتينو صوراً معلقة لزعماء حملات الحقوق المدنية، مثل مارتن لوثر كينج وبوبي كينيدي، إلى جانب بعض التذكارات من جامعة أوبورن. وتجده في واشنطن يتلو فقرات من الإنجيل استخدمتها قبله عائلة كينيدي: ''كلُّ من أُعطِيَّ كثيراً يُطلَب منه كثير''.
وكانت تلك رسالة بذل كوك كل ما في وسعه ليجسدها هذا الأسبوع، بهدف نزع فتيل أعضاء مجلس الشيوخ في مسعى لإصلاح النظام الضريبي. وكان هذا يحدث في وقت انخرط فيه السياسيون والمنظمون بصورة متزايدة في مراقبة سلوك شركات التكنولوجيا، ابتداءً من قضية الاحتكار (والادعاء بأن أبل تواطأت مع دور النشر للتحكم في أسعار الكتب الإلكترونية على الإنترنت) وانتهاءً بقضايا جوجل المستمرة المتعلقة بحماية البيانات. لكن من الصعب أن نتصور كيف كان سيعمل جوبز ذي المزاج المتقلب والسريع على الإفلات من هذه القضايا.
وحتى في الوقت الذي يقف فيه كوك ليجيب عن أسئلة منتقدي أبل، لا يزال عليه الإجابة عن السؤال الأكبر الذي يبقى معلقاً فوق رأسه، وهو: هل تستطيع أبل أن تنتج منتجات جديدة براقة دون وجود ستيف جوبز؟
وعندما لعب كوك دور الدفاع، هل سمح لفريق الإنتاج – مثل رئيس التصميم السير جوناثان آيف - بأن يلعب دور الهجوم؟ وقد سبق له أن قال : ''إن وجود شخصيات مختلفة جداً من أمثال السير جوناثان على رأس أبل ميزة لها. لكن حين تنظر إلى ذلك من الخارج، من الصعب تخيل هذا الرجل الذي يتدخل في تفاصيل العمليات مرتبطا بشكل وثيق مع المصمم البريطاني الذي يتحدث بلطف عن هشاشة الأفكار''.
وسيشهد الشهر المقبل أول ثمار جهود كوك لتأمين مستقبل أبل، بالكشف عن نظام تشغيلي في أعقاب تغيير جهازه الإداري في الخريف الماضي. وتعتبر فترة انتظار البدء في تدشين المنتج الجديد التي طالت ثمانية أشهر أطول فجوة في تاريخ أبل منذ سنين طويلة. وتقول شائعات إن إدخال أحدث نظام وهو iOS7 يجيء متأخراً، وإن موظفين من مشاريع أخرى قد تمت الاستعانة بهم ليكون جاهزاً في وقت مناسب.
ويقول ماكينا: ''مع وجود مشكلة الخرائط، أرسل كوك رسالة مفادها: من الآن فصاعد، لا تجعلونا نذهب دون أن نكون جاهزين. دعونا ننتظر كي نحصل على منتج أفضل''. وحين كان كوك يتحدث حول الضرائب في واشنطن، وهو في بدلة رسمية، كان يبدو كأنه في مكانه الطبيعي، أكثر من وضعه حين كان يرتدي قميصاً أسود وبنطالا في مناسبة لإطلاق أحد المنتجات. لكن لا شيء أكثر التزاماً بجذور أبل من النزعة المثالية التامة.