من حيث المبدأ، لايوجد شيء أسمه «الإدارة المثالية» تماماً كمثل استحالة وجود «المدينة الفاضلة» التي وردت في فلسفة أفلاطون!! ولكن من الممكن أن نشعر في بعض الشركات والمؤسسات بوجود «مدير مثالي» يمارس الإدارة بأسلوب يجعله قريباً من حالة «الكمال الإداري» التي تسمى في بعض المراجع ب «الرشد الإداري»!!
هناك من المهتمين بالإدارة من يبحث عن تطبيقات تساعده للوصول إلى مفهوم «الإدارة الاحترافية» مثلاً وهي الإدارة المبنية على أسس علمية أوتطبيقيات ناجحة والتي تكون قليلة الأخطاء والمثالب ولكن الإدارة الاحترافية قد لاتنجح في بيئة معينة بل قد ينتقدها البعض ويتهمها بالزندقة!! أو الانطوائية الإدارية من حيث المبالغة في توظيف المستندات والنماذج والإجراءات المكتوبة وعدم تحقيق الأهداف مباشرة أو قد يقدح فيها البعض وينسبها إلى الإدارة العاجية نسبة إلى الإدارة الاحترافية من أبراج عاجية!! ومن عمق الفكر الإداري الكلاسيكي هناك من يؤيد مفهوم «الإدارة العلمية» فيهتم بكل حركات العمل الإداري وسكناته ويبحث عن أفضل «أسلوب علمي» من حيث الوقت والحركة والترتيب الداخلي ولكن في خضم نفسيات قد تكون ممتعضة أو متوترة أو مقاومة فيطل «الملل الإداري» برأسه وينتشر الصراع (غير العلمي) من تحت عباءة الأساليب العلمية المعتمدة!!
وسيحاول المنجذبون إلى المدارس الإدارية السلوكية استعراض مهاراتهم في توظيف الحوافز والأساليب المعنوية ومفاهيم القيادة الديمقراطية أو الكاريزمية وربما يطبقون «الإدارة بالتجوال» أو «الإدارة بالاستثناء» ولكن كل ذلك لن يجعل المؤسسة أو الشركة «مدينة فاضلة فالمشكلات قد تختفي مؤقتاً خلف الفلاشات والابتسامات والكاريزما وإن استمرت طويلا فهي «حبل» يوصل للإعجاب على المستوى الشخصي وقد لايستطيع المدير تسيير الشركة أو المؤسسة بكل تعقيداتها على مجرد حبل وإن كان من نوعية «ماركة تجارية» معتبرة!! بعض المديرين يعلن أن اقرب طريق إلى المثالية يمر بمفهوم «الإدارة بالأهداف» ولكن سوف يعجز يعجز حتماً عن الوصول إلى الأهداف المثالية لمجموعة كبيرة من الأفراد والأقسام والإدارات التي تعيش في بيئة قلق وديناميكية فيكون الطريق طويلا ومتعرجا والمثالية مستحيلة!! فتنتقل المحاولة إلى عشاق الهندسة وإعادة الهندسة (الهندرة) كأسلوب لتحقيق المثالية الإدارية وقد يتدخل المغرمون ب «البرمجة اللغوية العصبية» في محاولاتهم لإعادة هندسة النفسيات والعقليات ولكن كل ذلك لن يوصل إلى المثالية لأن الأهتمام يكون منصباً على محور أو محورين في حين أن الجهد الإداري يكون مغروساً حتى النخاع في مئات المحاور والأبعاد المتشابكة!!
«الإدارة المثالية» هي حالة لاتوجد إلا في عالم التنظير والخيال ولا يكون الوصول إليها سهلاً البتة بل إن الكثير من العارفين بالعمل الإداري يقررون استحالة تحقيق الرشد الإداري بنسبة 100٪ ويدعون إلى تخفيض الطموحات والتوقعات لدى الملاك والمديرين والاكتفاء بتحقيق درجات رشد أقل من الكمال وهذا ما أسماه بعض المنظرين بالأهداف المقنعة (بضم الميم) والممكنة بدلاً من الأهداف الكاملة والرشيدة. ومن هنا يقفز «المدير المثالي» ليقول ها أنذا!! أنا المدير الذي ينجز الأفكار والمشاريع بالقدر المناسب والسرعة الكافية. أنا المدير الذي ينجح في الإنجار بالسفينة في خضم أمواج هادرة والمحافظة على التوازن العام رغم التحديات والاضطرابات. أنا المدير الذي يقترب قدر الإمكان من الرشد بحسب الإمكانيات المتاحة. أنا المدير الذي يعمل ويرضي الإطراف المحيطة بالمؤسسة أو الشركة إلى أقصى حد ممكن (ما فيه أحد زعلان)!! أنا المدير الذي يحقق الأهداف الممكنة التي تقنع الجميع ثم أنام قرير العين والضمير مرتاح؟