لابد من وجود عوائق وحدوث نكسات وخيبات في أي مشروع أو نمط عيش. فالإقدام في ذاته ليس ضمانا لإحراز النجاح. إلاّ أن من يحاول القيام بعمل ما ويخفق، هو أفضل كثيرا من الذي لا يحاول شيئا وينجح.

وغالبا ما تكون الثقة الكبيرة بالنفس والقدرة على أخذ القرارات سمة كبار رجال الأعمال.

يقول الخبراء إن هنالك ستة مخاوف أساسية يمكن أن يعانيها الإنسان، في أي وقت من الأوقات، وإن المحظوظ هو من يتخلص من جميعها في حياته وهذه المخاوف وفقا لترتيب ظهورها هي:

1- الخوف من الفقر 2 - الخوف من انتقاد الآخرين 3- الخوف من المرض.

4- الخوف من خسارة 5- الخوف من الشيخوخة 6 - الخوف من الموت.

وما عدا هذه المخاوف فإن المخاوف الأخرى هي ثانوية، أو أنها تندرج ضمن هذه المخاوف.

ويأتي الخوف من الفقر من أشد المخاوف تدميرا، وبالرغم من أنه حالة ذهنية لكنه كاف لتدمير فرص الشخص بتحقيق أي إنجاز في أي ميدان كان. وهذا الخوف يشل العقل، ويدمّر الخيال، ويقتل الاعتماد على الذات، ويقوض أسس الحماس، ويمنع المبادرة ولا يشجع عليها، ويقود إلى ضياع الهدف، ويشجع التردد والمماطلة ويجعل من المستحيل تحقيق ضبط النفس والسيطرة عليها.

وهو بالإضافة إلى ذلك يسلب قوة الشخصية، ويبدد تركيز الجهود، ويتغلب على المثابرة، ويضعف قوة الإرادة ويدمّر الطموح ويُضعف الذاكرة ويدعو إلى الفشل بكل أشكاله. والخوف من الفقر يقتل الحب، ويغتال أفضل المشاعر في القلب، ولا يشجع الصداقة، ويجلب الكوارث بكل أشكالها، ويقود إلى الأرق وعدم النوم والبؤس والشقاء.

عوارض الخوف من الفقر

- اللامبالاة: يتم التعبير عن هذا العارض عادة في شكل فقدان الطموح، ومن ثم الاستعداد لتحمل الفقر والفشل وقبول أي تعويض توفره الحياة من دون تذمر مثل الكسل العقلي والجسدي، والنقص في المبادرة وفي الخيال والحماس وضبط النفس.

- التردد: وهو التعود الاعتماد على الآخرين، والبقاء دائما في موقع الحذر.

- الشك: ويتم التعبير عنه بشكل أعذار وحجج مصاغة للتبرير وتغطية الأمور أو الاعتذار عن الفشل، وفي بعض الأحيان يتم التعبير بشكل حسد أو غيرة من الناجحين.

- القلق: ويتم التعبير عنه بالتركيز على عيوب الآخرين، والنزعة إلى الإسراف، وإنفاق ما هو أكثر من المدخول، وإهمال المظهر الشخصي الخارجي والعبوس والتجهم. كذلك يتم الإسراف في شرب الكحول أو ربما المخدرات وكذلك يبدو الشخص القلق متوتر الأعصاب مع نقص في رباطة الجأش والوعي بالذات.

- الحذر الزائد: وتظهر على شكل النظر إلى الجانب السلبي من كل شيء، والتحدث عن احتمال الفشل بدلا من التركيز على وسائل النجاح، ومعرفة كل الطرق التي تؤدي إلى الكارثة دون البحث عن خطط لتجنب الفشل، وانتظار المجهول للبدء في وضع الأفكار والخطط موضع التطبيق حتى يصبح ذلك الانتظار عادة دائمة.

كذلك يتم دائما ذكر الأشخاص الذين فشلوا ونسيان أولئك الذين نجحوا. والحذر الزائد يقود إلى التشاؤم وإلى آفات جسدية كعسر الهضم، والتسمم.

- التأجيل: وهو التعود، إضاعة الوقت بأعذار واهية. وهذا العارض متصل بعوارض المبالغة في الحذر والشك والقلق وعدم تحمل المسؤولية والاستعداد للتراجع، بدلا من المواجهة مع الصعوبات واستعمالها كخطى نحو التقدم، وتقبل إمكانية الاستسلام للفشل، بدلا من حرق كل الجسور مع الماضي لجعل التراجع مستحيلا.

الخوف من انتقاد الآخرين

يسلب الخوف من انتقادات الآخرين من الشخص القدرة على المبادرة ويدمر قوة خياله ويحد من ثقته بنفسه، والاعتماد على نفسه، ويسبب له الضرر في كثير من النواحي الأخرى. وغالبا ما يسبب بعض الآباء الضرر لأولادهم بانتقاداتهم لهم.

فالنقد من الأمور الضارة التي يؤديها الكثيرون بعناية تفوق تأدية أي عمل آخر، و كل شخص يملك مخزونا جاهزا منها للتفريغ من دون أن يدعي إلى ذلك من قبل الآخرين. وغالبا ما يكون أسوأ المنتقدين من المقربين ويجب أن يُعتبر الانتقاد الذي يوجهه الأهل لأولادهم ويؤدي إلى نمو عقدة نقص فيهم جريمة من أسوأ الجرائم، على الرغم من أن ذلك لا يعني أن كل الانتقادات سيئة وسلبية.

وهذا ينطبق على العلاقة بين أصحاب العمل وموظفيهم، فصاحب العمل الذي يفهم الطبيعة البشرية جيدا يحصل على أفضل الخدمات من موظفيه، ليس من خلال النقد بل من خلال الاقتراحات الإيجابية البنّاءة. ويمكن للأهل أن يحققوا النتائج ذاتها مع أطفالهم لأن الانتقاد بشكل عام يزرع الخوف في القلب البشري أو الامتعاض على الأقل، ولا يبني الحب أو التعاطف.

عوارض الخوف من الانتقاد

إن تأثير هذا الخوف مدمّر للقدرة على تحقيق الإنجازات الذاتية أساسا، لأنه يقضي على روح المبادرة، ولا يشجع على استعمال الخيال، وعوارضه الرئيسية هي:

- الإفراط في حب الذات: وينعكس هذا في توتر عصبي تجاه الغير، وفي الضعف في لغة التخاطب مع الآخرين، وفي التعامل مع الغُرباء وفي حركات شاذّة في اليدين والأطراف وفي حركات متكررة ومتنقلة للعينين.

- فقدان رباطة الجأش: وينعكس ذلك نقصا في القدرة على ضبط نبرة الصوت، وزيادة في التوتر العصبي بوجود أشخاص آخرين، وذاكرة ضعيفة.

- ضعف الشخصية: هي فقدان الحزم في اتخاذ القرارات اللازمة، وفي القدرة على التعبير بوضوح، مع عادة التنكر للمشاكل بدلا من مواجهتها، والموافقة السريعة على آراء الآخرين دون تفحصها بعناية.

- عقدة النقص: وهي تظهر في صورة الرضا بالذات لتغطية الشعور بالنقص تجاه الآخرين، واستعمال كلمات منمّقة للتأثير في الآخرين، وتقليد الآخرين في الثياب والكلام والسلوك والتفاخر بإنجازات وهمية، وهذا يعطي في بعض الأحيان مظهرا سطحيا بوجود شعور بالتفوّق والعظمة.

- النقص في روح المبادرة: ويبدو ذلك في الإخفاق في استغلال الفرص المتاحة لتحقيق التقدم الذاتي، والخوف من التعبير عن الآراء، وعدم الثقة بالنفس، وإعطاء أجوبة غامضة عن الأسئلة التي يوجهها الآخرون، الاضطراب في السلوك العام، ومحاولة خداع الآخرين بالكلام والفعل.

- فقدان الطموح:وينعكس ذلك في الكسل العقلي والجسدي، ونقص في القدرة على توكيد الذات وإبراز أهميتها، وبطء في الوصول إلى القرار، وسهولة التأثر بالآخرين، وغيبة الآخرين في حالة غيابهم، ومدحهم في وجههم، وقبول الهزيمة دون احتجاج والتخلي عن أي مشروع لدى بروز المشاكل والشك في الآخرين من دون سبب، ونقص عام في براعة السلوك وعدم الاستعداد لقبول اللوم بسبب ارتكاب الأخطاء.

الخوف من المرض وتدهور الصحة

وهو متصل عن قرب من حيث أصوله بمسببات الخوف من تقدّم السن والخوف من الموت لأنه يقود الشخص إلى الاقتراب من حدود عالم مجهول لا يعرفه الإنسان تماما. ولقد قدّر الأطباء بأن 57 بالمئة من الذين يزورون المستشفيات وعيادات الأطباء يعانون وهم المرض، وتبيّن بشكل شبه مؤكد أن الخوف من المرض حتى في حال وجود أدنى الأسباب له يولّد عوارض جسدية مماثلة للعوارض الحقيقية للمرض الذي هو موضوع الخوف.

وتوجد إثباتات كثيرة بأن المرض في بعض الأحيان يبدأ على شكل دافع فكري سلبي، وغالبا ما ينتقل ذلك من عقل شخص إلى عقل شخص آخر، بالإيحاء.

أمّا عوارض هذا الخوف فهي كالتالي:

- الإيحاءات الذاتية السيئة: وتنعكس في الاستعمال السلبي للإيحاءات الموجهة للذات بالبحث عن عوارض كل أنواع المرض.

- الوهم بالمرض: وهو التحدث عن الأمراض وتركيز الذهن في موضوع المرض، وتوقع ظهوره حتى يُصاب الشخص بانهيار عصبي بسببه ولا علاج لهذه الحالة التي تعتبر بحد ذاتها حالة مرضية إلاّ بالتفكير الإيجابي. ويُسبّب توهم المرض، الذي هو تعبير طبّي عن هذه الحالة المرضية، ضررا يماثل الضرر الذي يمكن أن ينتج من المرض الحقيقي، وبعض حالات التوتر العصبي ناتجة من الوهم بالمرض.

- زيادة في القابلية للمرض: فالخوف من المرض يبدد مقاومة الجسم، ويصنع ظروفا مشجعة لكل أشكال المرض.

- تدليل الذات: وينعكس ذلك في طلب التعاطف والشفقة من الآخرين استنادا إلى المرض الوهمي، وغالبا ما يلجأ الكثيرون إلى هذه الوسائل هربا من العمل، وأكثرهم يتظاهر بالمرض لتغطية الكسل، وكعذر لقلة الطموح في الحياة.

- الإدمان: وهو استعمال الكحول والمخدرات لقتل الألم الناتج من مجرد صداع أو ألم بدلا من إزالة المسبب الحقيقي للمرض.

وأخيرا تأتي عادة تركيز القراءة في موضوع الأمراض، الأمر الذي يسبب زيادة في الخوف من الإصابة بها والإسراف في قراءة الإعلانات والدعاية الخاصة بالأدوية ووسائل العلاج

الخوف من فقدان حب الآخرين

وأظهرت الأبحاث أن النساء أكثر قابلية لهذا الخوف من الرجال، ولعلّهن معذورات في ذلك، حيث إن النساء يعرفن أن الرجال يحبون تعدّد النساء في حياتهم، كما أنه لا يمكن الوثوق بهم عند حصول المنافسة مع نساء أخريات.

أمّا العوارض المميزة لهذا الخوف فهي:

- الغيرة، والشك في الأصدقاء الذين هم موضوع الحب، أي المحبوب والحبيبة، دون أي أساس أو برهان معقول، وعادة اتهام الزوج أو الزوجة بعدم الوفاء، والشك العام في كل الناس وعدم الإيمان بإخلاص أي شخص.

- التركيز على عيوب الآخرين من خلال البحث عن العيوب عند الأصدقاء والأقرباء وشركاء العمل عند أقل إثارة أو من دون أي سبب.

وتشمل العوارض الأخرى الأرق، والتوتر العصبي، وعدم المثابرة، وضعف الإرادة، وعدم القدرة على ضبط النفس، وسرعة الغضب.

الخوف من الشيخوخة

وينمو هذا الخوف أساسا من مصدرين: أولهما التفكير في أن كبر السن يجلب معه الضعف والعوز، وثانيهما وهو الأكثر حصولا هو الخوف من الموت. وترتبط أكثر مسببات الخوف من الشيخوخة باحتمال العوز وهو يسبب قشعريرة، خصوصا في ذهن من يواجه احتمال تمضية سنواته الأخيرة في حالة البؤس. وما يساهم في تغذية هذا الخوف هو احتمال فقدان الاستقلالية الذاتية والحرية في كسب المعاش.

أمّا عوارض الخوف من الشيخوخة فإن أكثرها حصولا هي النزعة للتباطؤ في الأمور، وزيادة الشعور بالنقص، بسبب الظن بتدهور القدرات العقلية خصوصا بعد سن الأربعين. مع أن الحقيقة هي أن أفضل سنوات الإنسان عقليا وروحيا هي ما بين الأربعين والستين.

وينعكس هذا الخوف أيضا في التحدّث إلى الآخرين عن ذلك بطريقة تبريرية بمجرد الوصول إلى سن الأربعين أو الخمسين، بدلا من التعبير عن الشكر والاطمئنان بالوصل إلى سن الحكمة، وفهم الأمور بشكل أفضل.

وينعكس هذا الخوف أيضا بقتل روح المبادرة والاعتماد على الذات بسبب الظن الخاطئ بأن الإنسان يفقد التمتع بتلك المزايا بمجرد وصوله إلى مرحلة معينة من العمر. وكذلك ينعكس الخوف من التقدم في السن عند المرأة بشكل خاص في محاولة ارتداء ثياب تجعلها تبدو أصغر مما هي عليه، ومحاولة السلوك بمسلك الشباب، الأمر الذي يسبب سخرية الآخرين لهن.

الخوف من الموت

وهذا الخوف بالنسبة إلى كثيرين هو الأكثر قساوة بين كل المخاوف الأساسية، والسبب واضح لأن العوارض الرهيبة للموت متصلة بالمعتقدات الدينية. فنجد أن الذين ينغمسون في الماديات يخافون من الموت أكثر من الأشخاص المتدينين، لأن الإنسان منذ فجر التاريخ ما برح يسأل نفسه عن مصدر الحياة ومصيرها؟

وأفضل علاج للخوف من الموت هو الرغبة المشتعلة بتحقيق الأعمال الصالحة، والإنجازات النافعة، وتقديم خدمات نافعة للآخرين فنادرا ما يملك الشخص المنهمك في الدنيا الوقت للتفكير في الموت، ويجد الحياة مثيرة بحيث تبعد عنه الخوف والقلق من الموت، ولكن لابد من الخوف من الموت لكي يكون دافعا إلى الإيمان والعمل الصالح. وفي بعض الأحيان يتصل الخوف من الموت بالخوف من أمور أخرى مثل الفقر والمرض وغير ذلكن وأكثر مسببات الخوف من الموت هي: تدهور الصحة والفقر، والخيبة العاطفية والجنون.

القلق

يعتبر القلق حالة ذهنية تستند إلى الخوف، وهو يعمل ببطء ولكن بثباث، وهو ماكر وخبيث لأنه يدخل في الشخص خطوة خطوة حتى يَشُل قدرته على التفكير المنطقي، ويدمر لديه الثقة بالنفس وروح المبادرة. والقلق هو نوع من الخوف المتواصل الناتج من التردد، ولهذا فإنه يمكن السيطرة عليه عن طريق معالجة التردد. والتردد هو الذي يؤدي إلى عقل غير مستقر، ومعظم الأشخاص تنقصهم قوة الإرادة بالوصول على القرارات بسرعة، والالتزام بتلك القرارات بعد اتخاذها.

وكذلك نجد أن المخاوف الستة الأساسية تُترجم نفسها إلى حالة قلق من خلال عدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب، وهكذا يمكنك مثلا أن تريح نفسك من الخوف من الموت بالوصول على قرار بقبول الموت كأمر محتّم ومقدّر، والعمل لما بعده.ويمكنك التخلص من الخوف من الفقر بالوصول إلى قرار بالعيش بأي ثروة تجمعها دون قلق.

ويمكنك التخلص من الخوف من انتقادات الآخرين بالوصول إلى قرار بعدم القلق عما يفكر فيه الآخرون بحقك. ويمكنك التخلص من الخوف من الشيخوخة بالوصول إلى قرار ذلك حقيقة واقعة وليس عاهة وفيها بركة عظيمة تحمل معها الحكمة وضبط النفس، غير المعروفين عند الشباب. ويمكنك التخلص من الخوف من المرض بقرارك نسيان العوارض. ويمكنك التخلص من الخوف من فقدان الحبيب بالوصول إلى قرار بإمكانية العيش من دونه، ومن دون الحب إذا كان ذلك ضروريا.

ويمكن تجاوز كل أنواع القلق بفهم الحياة بشكل عام ومعرفة، أنه ما من شيء في الحياة يوجب القلق بشأنه، وبهذا القرار نصل على الاتزان ورباطة الجأش وهدوء البال. فالرجل الذي امتلأ عقله بالخوف لا يخسر فقط فرص العمل، بل ينقل تلك الذبذبات المدمرة أيضا إلى عقول كل الذين يعيشون حوله ويقضي على فرصهم كذلك.

التأثر بسلبية الآخرين

بالإضافة إلى المخاوف الأساسية الستة هنالك آفة سيئة يعانيها الكثير من الناس، وهي تمثّل تربة غنية تنمو فيها بذور الفشل، وهي خبيثة وماكرة إلى حد أنه قد لا يتم اكتشاف وجودها ولا يمكن تصنيفها بشكل من أشكال الخوف لأنها أكثر عمقا وتجذرا، وغالبا ما تكون أكثر تدميرا من المخاوف الستة، وهي قابلية التعرض للمؤثرات السلبية.

فغالبا ما يحمي الرجال الناجحون أنفسهم من هذه الآفة الشريرة، لكن الفاشلون لا يفعلون ذلك. فإذا كنت ممن يرغب في تحقيق النجاح فعليك أن تفحص نفسك بعناية لتحدد فيما إذا كنت تلمك قابلية التعرض للمؤثرات السلبية، أم لا؟ وإذا أهملت هذا التحليل الذاتي عندها تكون قد أجهضت حقك بالوصول إلى تحقيق أهدافك. إن بإمكانك حماية نفسك بسهولة من اللصوص، ولكن من الصعب أن تحمي نفسك من التأثر بالآخرين سلبيا لأنه عارض يضرب الإنسان عندما لا يكون مدركا لوجوده.

وبالإضافة إلى ذلك فإن السلاح الذي تستعمله تلك الآفة غير ملموس لأنه يتكوّن من حالة ذهنية. وهذا الشر خطير أيضا لأن له أشكالا متعددة بتعدد التجارب البشرية، وهو يدخل في بعض الأحيان إلى عقل الإنسان من خلال كلمات بسيطة وقد تكون منطلقة بنيّة حسنة، وفي أحيان أخرى ينطلق من داخل الإنسان ذاته، من خلال سلوكه الفكري، وهو مميت كالسم على الرغم من أنه قد لا يقتل بالسرعة ذاتها.

ولحماية النفس من المؤثرات السلبية فإنه يجب عليك أن تعتمد على قوة الإرادة، وأن تستعمل تلك القوة بشكل دائم حتى تبني في عقلك جدارا من المناعة ضد المؤثرات السلبية. ويجب أن تدرك حقيقة أن كل إنسان كسول هو عرضة لكل الإيحاءات التي تتوافق مع نقاط الضعف هذه.

ولابد من أن تعرف أنك بالفطرة عرضة لكل المخاوف الأساسية الستة، وبالتالي يجب عليك أن تُكوّن عادات بمثابة جدار يقف ضدها. وفي الحقيقة فإن المؤثرات السلبية تعمل من خلال العقل الباطني ولهذا يكون من الصعب اكتشاف وجودها، ولذلك لابد من الابتعاد عن كل الأشخاص الذي يسببون الإحباط والخيبة في أي شكل كان.

وما من شك في أن أقوى نقاط الضعف عند البشر هي عادة ترك الاعتماد على عقولهم، وبدل ذلك تقبل المؤثرات السلبية من أشخاص آخرين. وهذا الضعف مضر بالإنسان لأن معظم الأشخاص لا يدركون أنهم ملعونون به، والكثيرون الذين يعترفون بوجوده يهملون تصحيحه حتى جزءا مهيمنا من عاداتهم اليومية بحيث لا يمكنهم السيطرة عليه.

والسؤال الآن هو كيف تكون شجاعا؟

والجواب: اتبع الخطوات التالية:

اولاً - استنجد بالإرادة لكي تكتسب الشجاعة.

فكل خطوة تخطوها للتغلب على الخوف تتطلب في البداية مجهودا من الإرادة. هل سبق لك وأن قفزا في الماء لأول مرة؟

حتما تتذكر كيف قررت أن تقفز، ثم وقفت على الحافة معتدل القامة، ثم مًلت إلى الأمام، ومع النظر إلى الماء ترددت قليلا، وبدأت تخاف، ثم خطر لك التراجع، ثم قررت المضي قدما، ثم نكصت، وكلما زاد ترددك زادت مخاوفك. وأخيرا غضبت على نفسك ورميت جسمك، بشكل غير مرتب وذراعاك وساقاك معوجة، وهويت إلى الماء بقوة، ثم طفوت محنقا مرتبكا، وتزيدك ضحكات أصدقائك اضطرابا..

إلى هنا كنت مثل غيرك، فكل الناس يبدأون القفز لأول مرة وهم يمرون بالمراحل ذاتها التي مررت بها.

إنما المسألة أنك إذا تركت مخاوفك، ولم تتردد في تكرار القفز، وبذلت من جديد جهودا في ذلك فإنك سوف تتعلمه.. وإلاّ فإنك لن تتعلم القفز أبدا.. حيث تصبح مخاوفك أقوى من أن يسعك التغلب عليها. وكما هو القفز في الماء، كذلك القفز في الحياة، وإحراز النجاح.. إنك لابد من أن تبدأ، ولو متخوفا مترددا بالإقدام، مستعينا بإرادتك، حتى تكتسب الشجاعة..

فلا تنتظر أن تتنزل عليك الشجاعة من السماء، بل اكتسبها من على الأرض. وهذه هي القاعدة النفسانية للتغلب على الخوف: اعتمد على الإرادة، وتوكل على الله تعالى.{ومن يتوكل على الله فهو حسبه}. إن الشجاعة لا تتأتي لنا إلاّ بالممارسة والوقوف وجها لوجه أمام الموقف المناهض، فلا يمكن أن يعلمك أحد كيف تكون شجاعا، وإنما يجب أن تدرب نفسك على الموقف الشجاع عن طريق القمع الإرادي للخوف.

ثانيا- اقتحم معقل الخوف، واشتبك معه

فإن الخوف بطبعه خائف يهرب ممن يقتحم عليه معاقله... فافعل الشيء الذي تتهيبه، فسرعان ما تجد في ذلك متعة وسرورا.. يقول الإمام علي (رضي الله عنه): إذا خفت من أمر فقع فيه فإن شدة توقيه أكبر منه. إن الخوف يتلاشى إذا هاجمنا عليه. ويهجم علينا إذا تهيبناه.. فلا تحاول أبدا أن تهرب من الأشياء التي تخافها، بل قم بمجابهتها، وتعلم من الطيارين حين تخمد عزائمهم فإن المدربين يضطرون على إصدار أوامر لهم بالتحليق مباشرة لكي يتغلبوا على الخوف قبل أن يتمكن منهم.. وهكذا فإن تحدي مصدر الخوف نفسه يؤدي إلى تلاشي الخوف مهما كان مصدره.

ثالثا- تظاهر بالشجاعة، حتى وإن لم تكن شجاعا، فقلَّ أن تشبّه امرؤ بقوم ولم يصبح مثلهم.. ولا يهمّ إن كنت تخاف في داخلك وأنت تتظاهر بذلك، أو لم تكن تخاف.. فالشجاعة ليست في أن لا تخاف، بل هي في أن لا تعمل بخوفك. إننا ربما نميل إلى اللجوء إلى الخوف، وهو ميل طبيعي في بعض الأحيان، ولكننا- في كثير من الأحيان- نحن الذين نصنع المخاوف ونقاوم الشجاعة في نفوسنا، فخوفنا هو ثمرة لأفكارنا وفشلنا غالبا هو ابن شرعي لاختيارنا المتعمد المقصود، ونستطيع حتما إذا عرفنا أن نقذف بالخوف بعيدا إطلاق طاقاتنا التي أسأنا توجيهها..

رابعا: ابدأ عملا ولو صغيرا في مواجهة خوفك وترددك، فالخوف بالون يملأ العين، ولكنه ملئ بالهواء، فإذا واجهته بإبرة، فسوف يفرغ منه الهواء، ويتلاشى.. ويتفق أحيانا أن تكون الخطوة الأولى في هذا السبيل عملا ابتدائيا جدت، فمثلا مجرد الترحيب، أو فتح مناقشة..

أذكر شابا أخذت عليه المخاوف كل الاتجاهات، فانكفأ على نفسه، حتى كأنك لا تسمع له صوتا، ولا ترى له حضورا وكان يعمل في شركة كبيرة، وحينما يذهب لمحل عمله، كان يوجه رأسه إلى الأرض، ويمر على من يتلقاه من دون أن يبادر أحدا بتحية، فاقترحنا عليه أن يبدأ السلام على زملائه فهذا أمر بسيط، ولا يكلف شيئا، بشرط أن يرفع صوته حين التحية. وفي اليوم التالي كلما مرّ بأحد زملاء العمل رفع صوته ببشر قائلا: السلام عليكم: فلان... صباح الخير يا فلان.. كيف حالك يا فلان... وهكذا بدأ الخطوة الأولى...

فارتاح للنتائج وبلغ من ارتياحه أن تشجع فأقدم على المزيد من كلمات الترحيب، وبدأ يسأل الأشخاص عن عوائلهم، ويستجيب لأسالتهم.. ثم توطدت علاقاته مع كل العاملين في الشركة... وذات يوم طلب منه أن يلقي خطابا بينهم ففعل، ونجح في ذلك... وقاده الأمر إلى أن أصبح ممثلا للعالمين لدى إدارة الشركة.. ثم تقلّد منصب نائب المدير العام.. وهكذا قاده العمل البسيط إلى نتائج باهرة، فالنجاح يؤدي إلى النجاح..

خامسا: اجعل من خوفك سلما للشجاعة

اكتب قائمة بالأشياء التي تخاف من ممارستها، ثم قرّر أن تواجه خوفك في كل واحد منها بالترتيب. فإذا كنت مثلا تخاف من التحدث أمام الجميع، فقرّر أن تنتهز أية فرصة مؤاتية لكي تتحدث فعلا أمام زملائك.. وبعد أن تكون مارست مجموعة من الأمور التي كنت تخشاها فسرعان ما تجد أنها لا تشبع نهمك من الشجاعة، وتبدأ البحث عن أمور أكثر تهيبا منها..

وبهذا الطريقة تصبح مخاوفك أداة للتغلب عليها، ووسيلة لاستمتاع بطيب العيش.

سادسا- تحرّك بدل أن تجلس وتفكّر في مخاوفك

يعتقد البعض أن وراء الكثير من المخاوف عقلا مسرفا في النشاط، وجسما مترهلا قليل العمل. ولهذا فإن من النصائح الجيدة لهم أن يكونا أقل استعمالا لرؤوسهم وأكثر استعمالا لأيديهم وأرجلهم. من عمل نافع أو لهو حلال، فنحن نصنع المخاوف ونحن جلوس، ولكننا نقضي عليها بالحركة. فالخوف قد يكون إنذارا لنا بأن نعمل ونتحرك.

لقد جاءني أحد الشباب وهو مصاب بنوع من الشلل نتيجة الخوف، وكان يشعر بالبؤس والاختناق والهزيمة. فقال:أشعر بأنني على وشك الانهيار تماما، فلا أستطيع أن أتجاوز مخاوفي، إنها تحاصرني في كل مكان، فماذا أفعل؟

قلت: ما هو عملك الآن؟.

قال: ليس لي عمل الآن.

قلت: هل تدري أن كثرة الفراغ تؤدي إلى المخاوف، فمن لا يشتغل بشيء، يشتغل به الخوف..

قال: ماذا أستطيع أن أصنع؟

قلت: اصنع أي شيء..اركض في الشارع حتى تُصاب بالإعياء، أو اسبح حتى تتعب من السباحة جدا، أو اذهب إلى أي مكان يعمل فيه عمال وانخرط معهم في عمل تطوعي، فسرعان ما تجد أن مخاوفك ولّت عنك إلى غير رجعة.. فما تحتاج إليه هو العمل والنشاط، لأنك تحولت عن نشاط بدنك إلى مجرد التخيل والتفكير، فإذا أتعبت بدنك بالجري، أو عمل آخر فإنك ستكون جديرا بالراحة، والاسترخاء والنوم الهنيء...

وأضفتُ: إن عقلك حيث لم يجد عملا يؤديه في توجيه أطرافك، اشتغل بصنع المخاوف لك.. والحلّ الآن هو أن تخرج مخاوفك من رجلك.

يقول أحد الكُتّاب: لخّصت لي أمّ كانت تعاني مخاوف متعددة قصة حياتها، وتجربتها مع الخوف فقالت:

كنت أعاني مخاوف كثيرة عندما كنت في مقتبل العمر منها الخوف من الجنون. ولم تزايلني هذه المخاوف بعد زواجي، على أننا ما لبثنا أن رزقنا طفلا وانتهي الأمر بأن صار لنا ستة من البنين. ولما كنت أتولى جميع أمري تقريبا بنفسي، فقد كنت كلما شعرت ببداية القلق، أسمع الطفل يبكي، أو الأطفال يتنازعون فأخفّ إليهم لأسوى الأمور، أو أتذكر فجأة أنه آن أن أعد العشاء، أو أن عليّ أن أكوي الثياب وغيرها. فكانت مخاوفي على نفسي لا تزال تقطعها واجباتي في المنزل، فزالت تدريجا، والآن أعود بالذاكرة إليها لأتلهى.

وقد لا يكون مغزى هذه القصة أن يكون للمرء ستة من البنين، ولكن من الصحيح أن صغر الأسرة، وكثرة الفراغ يؤديان إلى تولّد المخاوف. ومن الصحيح كذلك أن كثيرين ممن تخامرهم المخاوف الملحة قد يجدون متعة جديدة في الحياة إذا شغلوا أنفسهم بالعناية بغيرهم، وذلك بالمساهمة في النشاط الاجتماعي.

سابعا: تعامل مع الخوف كما تتعامل مع الحريق

فكما لابد أن يتم إخماد الحريق منذ اللحظات الأولى من اشتعاله، وكلما بادر الإنسان إلى إخماده كان التغلب عليه أضمن، والخسارة أقل، وكانت قدرة الإنسان أوفر، كذلك الأمر بالنسبة إلى الخوف، فهو كالحريق مخرب للنفس، ومن هنا كان لابد من التمرس بالقمع الإرادي له في بداياته، وقبل أن يتحكم في النفس مما يضيع الكثير من الفرص..

فالخوف كالنار يتزايد بشدة إذا لم يجد ما يجابهه ويتحكم فيه. أما إخماده في البداية والتحكم بنشاطه في أول الأمر فإنه من السهولة بمكان.. أما أن تترك نفسك تنزلق في غياهبه بعد اشتعال أوامره في القلب، فإنه يجعل التغلب عليه صعبا..

تعلم من الشعوب القديمة التي كانت ترسم طقوسا وتقاليد تدرّب ناشئتها على الشجاعة بواسطة التمرس بها وإثباتها، فقد كانت المباريات بين الشاب وإثارة المعارك بينهم بالمبارزة أو بالمصارعة، أو بمواجهة الوحوش الضارية أو بمواجهة الطبيعة الهائجة المتمثلة في برد قارس، أو حرّ لافح، أو عاصفة مزمجرة، أو أمواج هائجة، أو غير ذلك من مواقف تثير الرعب في بعض النفوس، وذلك من أجل التدريب على مواجهتها والصمود بإزائها.

ثامنا: حلّل بدقة أسباب المخاوف

ويمكنك أن تقوم بذلك إذا بدأت تحلّل الموضوعات وكأنها خارجة عن ذاتك. إنك إذن ستجد أن ما كان يخفيك أو يثبط همتك لا يعدو أن يكون وهما من الأوهام وهراء في هراء. ذلك أننا كثيرا ما نكبّر من حجم ما يثير الخوف أو يثبط الهمّة ونعطيه حجما أكبر من حجمه الحقيقي، ولكننا بالنظرة الموضوعية إلى ذلك الشيء عن طريق إخراجه إلى النور تستطيع أن تقهره وأن تقلصه بحيث يعود على حجمه الطبيعي.

ويمكننا أن نستعين ببعض الأصدقاء الذين نثق بهم لكي يبصرونا بحقائق الأمور التي تخيفنا. ذلك أن الإنسان يعرف حجم الأشياء حينما ترتبط بغيره أفضل مما يعرفها عندما ترتبط بنفسه.
...........
مجلة الأبعاد الخفية - دار اليقظة