لا شك في أن قياس وتقييم رأس المال البشري بشكل خاص واللاملموسات
( Intangibles ) بشكل عام يعتبر المجال الأكثر أهمية خلال السنوات القليلة الماضية . وهذا الأمر لم يعد على مستوى الشركات أو القطاعات الإقتصادية وإنما أيضا على الدول و الامم . فقد اهتمت الشركات بهذا المجال ولازالت تحفل بمساهمات الباحثين والإستشاريين ، كما أن الدول أصبحت تهتم برأسمالها الفكري وهذا ما كشفت عنه دراسة مالهارتا ( Y.Malharta ) التي حملت عنوان ( قياس أصول المعرفة للأمم ) .
ولقد أحصى كارل إريك سفيبي ( K.E.Sveiby ) طريقة لقياس رأس المال البشري أو اللاملموسات مصنفا إياها إلى أربع مجموعات :
أولا : طريقة رسملة السوق ( طريقة القيمة – التسويقية / الدفترية ) .
ثانيا : طريقة العائد على الأصول .
ثالثا : طريقة رأس المال المباشر .
رابعا : طريقة بطاقات الدرجات الموزونة .
ورغم أهمية هذه الطرق المتنوعة في تقديم محاولات جدية من أجل فهم رأس المال الفكري ومكوناته وتكوين قاعدة قوية من المبررات من أجل شموله بالتحليل والتقييم المالي ومن ثم إدخاله في القياس والتسجيل المحاسبي ، لازالت هذه الطرق بحاجة إلى المزيد من التأصيل من جهة والمزيد من الإستجابة للشروط المالية والمحاسبية في حساب الأصول الفكرية وخاصة ما يتعلق بثبات القيمة ودقة التقييم من جهة أخرى .
وسيحاول الباحث أن يقدم نموذجا لقياس وتقييم رأس المال معتدا على تحديد مكونات رأس المال الفكري بعد تصنيف هذه المكونات في فئتين هما :
1- الأصول الفكرية ( Intellectual Assets ) : والتي تتحدد بمكونات رأس المال التي تم إعتمادها واحتسابها من الناحية المالية والمحاسبية كما هو الحال في براءات الإختراع والعلامة التجارية وحق النشر والتصاميم وأسماء الصفوف ( Domain Names ) . وهذه هو ما يمثل رأس المال الفكري كرصيد أو قيمة محددة .
2- الموارد الفكرية ( Intellectual Resources ) : وهي ما يتعلق بمكونات رأس المال غير المحسوبة كما هو الحال في المعرفة الضمنية ، العلاقات ، المهارات والخبرات ، المقدرة الإبتكارية ، وهذه تضم مكونات رأس المال الفكري غير المحوسبة من الناحية المالية والمحاسبية . وتمثل رأس المال الفكري كتدفق ( Flow ) يحدد نوعية عمليات الشركة ويؤثر في نتائج أعمالها .
ولأن القيمة السوقية ( Market Value ) التي تمثل قيمة الشركة في السوق حسب القيمة التي يحققها سهم الشركة ، هي قيمة حقيقية وواقعية فإن النموذج سيعتد عليها كتعبير مالي عن قيمة الشركة ولأن قيمة رأس المال الفكري يمكن أن تأخذ قيمة لا ملموسات الشركة التي تمثل بدورها الفرق بين القيمة السوقية والقيمة الدفترية ( Book Value ) . ولأن القيمة الدفترية تضم نوعين من الأصول هما :
أولا : الأصول الملموسة : وتشمل جميع الأصول المالية المادية ( الأرض ، الأبنية ، الآلات ، الأدوات .. الخ ) .
ثانيا : الأصول غير الملموسة ( الأصول الفكرية ) : وتشمل الأصول المحوسبة ماليا ومحاسبيا المتمثلة بالعلامة التجارية ، البراءات ، التراخيص ، حقوق النشر ، التصميمات ، أسماء الأصناف ) .
وبناء على هذه التحديدات يمكن تحديد قيمة الشركة بالقيمة السوقية ، أي :
CV = MV
حيث
CV = قيمة الشركة
MV = القيمة السوقية
والتحديد للقيمة الدفترية بالآتي :
BV = TA + IA
حيث أن :
TA = الأصول الملموسة ( المادية والمالية )
IA = الأصول اللاملموسة
ويمكن في هذا السياق أن نحدد رأس المال الفكري ببعديه الأساسيين ( الأصول الفكرية والموارد الفكرية ) وفق النموذج التالي :
IC = F ( IA1 + IA2 + …+ IAn ) + ( IR1 + IR2 + … + IRm )
حيث أن :
IC = رأس المال الفكري
( IA1 + IA2 + …. + IAn ) = الأصول الفكرية المحسوبة ماليا ومحاسبيا وبعدد الفقرات المسجلة في السجلات المالية والمحاسبية تتحدد عدد المتغيرات ( 1, 2, 3, … , n ) .
( IR1 + IR2 + …. + IRn ) = الموارد الفكرية غير المحسوبة وتضم جميع عناصر رأس المال الفكري التي لم تتحول إلى أصول فكرية محسوبة ، وبعدد هذه الفقرات ذات القيمة تتحدد عدد المتغيرات ( 1, 2, 3, … m ) وقد حددنا هذه المتغيرات بالموارد التالية : المعرفة الضمنية ، المهارات والخبرات ، العلاقات ، والقدرة الإبتكارية .
ولأن متغيرات الأصول الفكرية ( IAn ) محسوبة ومحددة في الميزانية ، لذا فإن الموارد الفكرية ( IRn ) هي التي تحتاج إلى جهود كبيرة من أجل تحديدها ، وهذا يتطلب :
أولا : تحديد قيمة كل مورد من الموارد الفكرية : وهذا ما يمكن القيام به في ضوء خبرة الإدارة والقدرات المتجسدة في أعمال الشركة .
ثانيا : تحديد الأهمية النسبية لكل مورد من الموارد : وهذا ما يمكن تحديده في ضوء طبيعة الشركة ومدى إعتمادها على المعرفة كمورد أساسي ، مع الأخ بالإعتبار ، أن الشركات يمكن أن تصنف إلى : شركات معرفية صرفة ( كالإستشارات ، الجامعات ) ، وشركات كثيفة المعرفة ( كالمستشفيات والمصارف ) إضافة إلى الصناعات ( الصيدلانية والكيميائية ) وشركات مادية تقليدية تحتاج إلى المعرفة بحدود أقل . وهذا التدرج من الشركة الأكثر إلى الأقل إعتمادا على المعرفة يشير إلى تعاظم قيمة الموارد الفكرية في الأولى وإنخفاضها الكبير في الأخيرة .
ثالثا : التغلب على المشكلات الرئيسية التي تحد من القدرة على تحديد قيمة هذه الموارد وتداخلها مع الموارد الأخرى . ولقد وضع دانييل أندرسن ( D.Anderiessen ) ست مشكلات أساسية يجب معالجتها من أجل قياس وتقييم اللاملموسات وهي :
أولا : مشكلة التحديد ( Identification Problem ) : المشكلة المتعلقة بتصنيف أنواع الموارد الفكرية التي تبرز قيمتها وأهميتها في أعمال الشركة وتميزها .
ثانيا : مشكلة إسقاط الدخل ( Income Projection P. ) : المشكلة المتعلقة بالدخل المتوقع الناجم عن الموارد الفكرية وما يرتبط بها من عدم تأكد وأبعاد ذاتية .
ثالثا : مشكلة قمع الدخل ( Income Funnel P. ) : وهذه المشكلة تظهر مشكلة التداخل بين الموارد الملموسة وغير الملموسة التي تؤثر في تحقيق الربح ونتائج الأعمال .
رابعا : مشكلة تخصيص الدخل ( Income Allocation P. ) : إن مشكلة قمع الدخل وتعديلاتها تؤدي إلى الحاجة إلى معالجة مشكلة تخصيص الدخل للموارد المختلفة ومنها الموارد الفكرية .
خامسا : مشكلة تقدير الوقت المفيد ( Useful Life Estimation P. ) : في تحليل الدخل فإن تقدير العمر المتبقي للموارد اللاملموسة ومنها الموارد الفكرية ضرورية في هذا المجال .
سادسا : مشكلة رسملة الدخل ( Income Capitalization P. ) : بهدف إحتساب القيمة الحالية للدخل المستقبلي لابد من تقسيم الدخل المتوقع من المورد الفكري على معدل خصم ملائم .